Our Logo

 سيرةجديد عبدالقادركــتـــابـــة  

 

مبدعون في سينماتك

تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

سجل الزوار

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

كتابة

 

لقاء مع المخرج الإيراني عباس كيارستمي

المجتمع في لقطة قريبة

ترجمة : عبدالقادر عقيل

من الملاحظات التي أوردها المخرج الإيراني عباس كيارستمي والمتسمة بالدهشة والرضا عن مكانة السينما في إيران، ان السينما أصبحت جزءاً من صادرات إيران التجارية بالإضافة إلى الفستق، والبندق، والسجاد والنفط. مع إن إنتاج الأفلام أصيب بالجمود الفعلي بعد ثورة 78 - 1979، وباءت بالفشل محاولات الحكومة الجديدة المبكرة لخلق سينما تلاءم تصوراتها سواء بالداخل أو في المهرجانات الدولية .. إلا أن السنوات الخمس التالية شهدت عودة الأفلام الجديدة بدءاً بفيلم "الهارب " للمخرج أمير نادري، والذي عرض في مهرجانات دولية عديدة كفينيسيا ولندن. إضافة إلى العديد من الأفلام التي شاركت في مهرجانات دولية مختلفة تحت اسم "السينما الإيرانية الجديدة ". وكان من أبرز وجوه الموجة الجديدة التي ظهرت بعد الثورة المخرج محسن مخملباف، الذي عرضت أفلامه مثل " البائع المتجول" 1986 و " الزواج السعيد " 1989 في مهرجانات سينمائية كثيرة. وهناك المخرجة رخشان بني اعتماد التي عرض لها فيلم " خارج الحدود " 1989 ، وكذلك بوران درخشانده مخرجة فيلم " الزمان المفقود " 1989 .

واستطاعت السينما الإيرانية أن تواصل، بشكل أخاذ، الإنجازات الفنية التي ازدهرت في فترة ما قبل الثورة، رغم أن الحكومة الإسلامية حاولت تقديم نماذج تمهيدية في إنتاج وترويج الأفلام، لذا فان أغلب المخرجين المعروفين الآن لهم تاريخ فني طويل قبل الثورة.

أحد أبرز هؤلاء المخرجين هو عباس كيارستمي، الذي قدم أفلاماً مهمة مثل فيلمه الروائي الأخير " أين منزل صديقي ؟ " 1986، والفيلم الوثائقي " الواجب المنزلي " 1990 ، والفيلم غير القابل للتصنيف " لقطة قريبة " 1990 .. وكلها أفلام حققت له سمعة دولية بارزة، ومنح في مهرجان كان السينمائي عام 1991 جائزة روسلليني التقديرية.

عمل كيارستمي لاثنين وعشرين عاماً في مؤسسة التنمية الإبداعية للأطفال والشباب، وخلال هذه المدة أخرج 14 فيلماً قصيراً ومتوسطاً وستة أفلام روائية ، بما في ذلك فيلمه الأخير " الحياة وحسب " 1992 .

ولد عباس كيارستمي في طهران العام 1940. تدرب في معهد الفنون التخطيطية، وقسّم وقته بين تصميم الملصقات، ورسومات كتب الأطفال، والأفلام الإعلانية، حتى طُلب منه إعداد فيلم في معهد التنمية الإبداعية للأطفال والشباب في عام 1969. وكما يقول، فأن اغلب أفلامه تستمد موضوعاتها من تجاربه الخاصة  منذ فيلمه التعليمي القصير البارع "طبيب الأسنان" 1980 الذي استوحى فكرته من ابنه الصغير بعد أن طلب منه ذات ليلة أن يعفيه من تنظيف أسنانه .. وإلى فيلمه الروائي " أين منزل صديقي ؟ " الذي يتضمن قصة قصيرة سمعها ابنه من أستاذه في المدرسة مضفياً عليها بناءاً مجازياً على هيئة حكاية غامضة. إضافة إلى ذلك فان ممثليه هم دائماً من الأشخاص غير المحترفين، ومعظمهم من الأطفال.

إن الخط الفاصل بين الروائي والوثائقي غير واضح أبداً. وكيارستمي نفسه يرفض هذا التمييز. ففي بداية فيلمه الهزلي "الواجب المنزلي " الذي تحوّل إلى اتهام مرعب للنظام التعليمي، اتجه كيارستمي وطاقمه إلى مدرسة ابتدائية حيث كان من المفترض أن يتم هناك تصوير الفيلم. ونتيجة فضول المارة بيّن المخرج لم في مكبر صوت انه مهتم بمسألة الواجب المنزلي نتيجة المشاكل التي يواجهها مع ابنه، ولكنه حتى ذلك الوقت لم يكن يعرف إن كان سيصور فيلماً وثائقياً أو روائياً. وفي فيلم " لقطة قريبة" ( الجائزة الكبرى في مهرجان مونتريال في 1990، وأيضاً عُرض في مهرجان Filmfest في 1990) استطاع أخيراً أن يدمج الاثنين. كانت نقطة الانطلاق لفيلمه في الحقيقة حادثة أغرب من الخيال بطلها عامل طباعة عاطل عن العمل فشل في محاولة انتحال شخصية المخرج الإيراني محسن مخملباف. يقول كيارستمي انه كان على وشك البدء بتصوير فيلم آخر حينما أبلغ المنتج عن تغيير رأيه، وانه سيأخذ طاقمه إلى السجن حيث ينتظر المحتال التعيس (حسين سبزيان) محاكمته. بعد هذا اللقاء الأول الذي سجل بكاميرا خفية، أقنع القاضي أن يسمح له بتصوير المحاكمة (استغرقت عشر ساعات)، ثم طلب من الممثلين إعادة تمثيل الأحداث التي قادت فعلياً لإخراج هذا الفيلم، وكانت النتيجة فيلم "لقطة قريبة " الذي تحوّل ليكون مرآة عاكسة ليست للمبادئ وحسب، بل للمجتمع بشكل عام، وللمخرج نفسه، وللسينما المعاصرة في إيران.

الحوار التالي أجرته معه ميريام روسين بباريس في أكتوبر 1991 أثناء حضوره المهرجان السابع للسينما الإيرانية، ونشر في مجلة Cineaste  العدد الثاني والثالث 1993 :

·         ماذا يعني لك عنوان فيلمك " لقطة قريبة " ؟

* في حياتي اليومية، بعيداً عن الإخراج، لا أحب رؤية الناس من بعد، كما لو كانوا في لقطة بعيدة. ان مشاعري كثيراً ما تتغير حين أرى نفس هؤلاء الناس .. الناس الذين أعرفهم، أكثر قرباً مني. اعتقد ان الناس يختلفون حين يكونون في لقطة قريبة، لأنني أفهمهم بشكل أفضل. لذا فاللقطة القريبة تعني الاقتراب أكثر ما يمكن من شخص ما.  على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى مسألة " سبزيان " من بعد، فسنرى رجلاً محتالاً، دجالاً، وهكذا، ولكن حين نقترب منه، ونحن في لقطة قريبة منه، سنرى ان هذا غير صحيح. لهذا السبب أطلقت على الفيلم اسم "لقطة قريبة".

·         ولكن بهذا المفهوم يمكن ان تطلق نفس العنوان على كل أفلامك، أليس كذلك ؟

* في فيلم " لقطة قريبة " كان هناك موقف مسبق، ضرر محدد. فالموضوع نُظر إليه من بعد. وفكرة اللقطة القريبة هنا تنسجم بشكل أفضل مع هذا الفيلم بالتحديد. استخدمت كاميرا منفصلة، كتلك التي نراها فعلياً في مقدمة قاعة المحكمة، حتى يتمكن "سبزيان" من شرح كل ما يريد قوله، أو على الأقل يستطيع أن يقول أمام الكاميرا الكلام الذي قد لا يصدقه الناس.

·     ولكن ألا يحمل الفيلم مستويات مجازية أيضاً ؟ فالفيلم هو لقطة قريبة أيضاً للمجتمع، وهذا القرب من الواقع، والالتزام بما هو موجود فعلياً، هو ما يميز السينما الإيرانية اليوم .

*هذا صحيح، هذا هو المستوى الذي عادة ما يخلق الفن. الكاميرا الأخرى هي كاميرا القضاء. لكنني غير معني بحقيقة ان الذين سنوا القوانين هم أشخاص قساة. هذه هي كاميرا الفن، وهي تقترب أكثر إلى الناس، وتجعلهم يشرحون الأشياء التي لا يستطيعون شرحها للقاضي أو للمحلفين. لذا فالكاميرا هنا، في لقطاتها القريبة، تدع الناس يتحدثون عن مشاكلهم الحقيقية. هذا هو المهم. ان أفضل دور للفن هو في إعطاء الناس المعرفة التفصيلية، وليس في إصدار الأحكام. هذه المعرفة يمكن أن تكون، على سبيل المثال، عن نفسي، أو عن ابني، أو عن حياة زوجين. فهذه أشياء لا يمكن أن تعرف بشكل عادي، ولكن الكاميرا هي التي تدعها تتداول بين الناس الآخرين. هذا هو الدور المهم للفن.

·     لقد تحدثت عن الثقافة الإيرانية كخلفية للسينما المعاصرة في إيران. هل تستطيع أن تشرح كيف اجتذبت السينما العناصر المتعددة لهذه الثقافة: الأدب أو الفن أو الحياة اليومية ؟

*انها كلها معاً. فأنا لا أستطيع أن أجزءها إلى نسب مئوية محددة. بالنسبة لي، أكثر العناصر أهمية تكمن في النظر إلى الحياة اليومية، والنظر إلى داخل نفسي. أستطيع رؤية نفسي في كل شخصيات فيلم " لقطة قريبة " : على سبيل المثال، أرى نفسي كاذباً، وفي الوقت نفسه، أرى نفسي وقد انطلت علي أكاذيب الآخرين. أحياناً افعل نفس الأشياء التي فعلها " سبزيان". وعندما أشعر بالتعاسة أحب أن أكون شخصاً آخر. لقد قمت حتى بنسخ قصائد شعر آخر وقلت بأنني مؤلفها. لذا فان هناك جزءاً من كل هذه الشخصيات في نفسي. وهذا ما يجعلني أعرفهم جيداً.

·         هل تقوم دائماً بدور المونتير في أفلامك؟

*دائماً.

·         ماذا يعني لك المونتاج في عملية خلق الفيلم ؟ بدا لي شيئاً مهماً في الأفلام التي شاهدتها.

*المونتاج أساساً يعني حذف مقاطع محددة ومزج أخرى معاً. هذا ما يحدث في أفلامي. ولكن لأن عندي مشاكل محددة في التواصل مع الآخرين، لذا أفضل أن أقوم بنفسي بدور المونتير، إلى أن أجد شخصاً افهمه جيداً ليؤدي نفس الدور. إلى جانب ذلك، ليس عندي نص مكتوب يساعد أي مونتير في عمله. فأنا أصوّر بسرعة وليس عندي الوقت الكافي لإعداد ما أريد عمله، لذا أحياناً تواجهني مشاكل معينة عندما أبداً بالمونتاج. ولكن هذه المشاكل تخصني وحدي، فأنا أعرف بالضبط ماذا عليّ أن أعمله مع المواد التي بحوزتي.

·     كان هناك توقف في إنتاج الأفلام بعد الثورة الإيرانية، ولكن مع مرور الوقت، اتضح عدم وجود توقف فعلي في السينما الإيرانية، ما رأيك ؟

*الثورة، هذه الفترة الإسلامية، ليس لها ذات التأثير على كل شخص. فأولئك الأشخاص الذين شح الإبداع في أعمالهم أصبحوا يقدمون أعمالاً مختلفة هذه الأيام، فقد غيروا موضوعاتهم أو تقنياتهم. ولكن بالنسبة لي فأنا مستمر في الخط نفسه. والأفلام التي أخرجتها قبلاً، تؤكد الانسجام والتناغم في أعمالي. وهذا ما نجده أيضاً في أعمال المخرجين المعروفين مثل أمير نادري، الذي واصل نفس الدرب، وحافظ دائماً على انسجامه وعلى حيويته.

·         عندي انطباع بأن الهموم متشابهة أيضاً.

*في رأيي، ان المخرجين الحقيقيين لا يزالون يحملون الاهتمامات نفسها. فلخراج الأفلام هو عمل ذاتي. إذا تعاملوا معه بجدية، فانهم سيقدمون الشيء نفسه سواء قبل الثورة أو بعدها. ولكن الذين تغيروا هم أولئك الذين لم يكن لهم أسلوبهم الخاص واهتماماتهم الخاصة.

·     الصعوبات ليست بالشيء الجديد تماماً، أليست كذلك ؟ فقد كانت هناك رقابة أثناء حكم الشاه، ولكن يبدو لي بأن هناك تقليداً شاملاً في الثقافة الإيرانية يتبع أسلوب التحدث بشكل غير مباشر.

*هناك رموز ضعيفة، ولا تثير الاهتمام كثيراً. أحيانا يجد الناس جوانب رمزية في أفلامي التي قد لا أتفق معها. لكنها موجودة في عقول الناس الذين يشاهدون أفلامي، وفي طريقتهم في التفسير. ومع ذلك، ففي الأنظمة التي تمارس نوعاً من القمع، علينا دائماً أن ننعطف لنشرح ماذا نريد، وحتى نتجاوز العلامات، الرموز، المجازات، وغير ذلك. أحياناً يستخدم المخرجون رموزاً معينة اعتقاداً منهم بأن الجمهور سيفهمها وان الحكومة لن تفهمها، ولكن الحكومة جزء من الجمهور أيضاً، وهي ستفهم. بشكل عام، لا أتفق مع السينما الرمزية أو المجازية التي تعرض بشكل مباشر. شخصياً، هذا النوع من التعبير يثير اهتمامي فقط عندما يستمد قوته من اللاوعي. أحياناً يخبرني الناس عن أشياء معينة في أفلامي، وارى انهم على حق حين أشاهد الأفلام مرة ثانية، وأدرك حينها ان هذه الأشياء جاءت من اللاوعي.

·     الاستعارة أو الرمز هي طريقة واحدة فقط في قول الأشياء دون قولها. هناك أيضاً ببساطة الكلام الذي لا يقال، مما يرجعنا إلى السؤال عن المونتاج.. أنت تحذف المقاطع والجمهور يتعلم تركيبها ثانية .

*التعقيدات في بعض الأعمال الفنية يجب أن لا تختلط بالرمزية. الغموض هو جزء من جوهر الفن، ولا أستطيع التحدث عن ذلك. هذا ما يسمح للمشاهدين أن يفسروا وفق هواهم، وبرؤيتهم الخاصة. من المحتمل ان الخالق، الفنان، لا يتعمد قول ذلك، ولكنها قد تكون منبثقة من اللاوعي. لنأخذ مثالاً في فيلم " لقطة قريبة ". فقد فُسر مشهد تدحرج الزجاجة الصغيرة بطريقة غريبة جداً في إيران. الناس قالت ان لهذا المشهد دلالة مهمة جداً، وسياسية جداً، ولكن ذلك لم يكن هدفي على الإطلاق. كثير من الناس سألوني ماذا تعني تلك اللقطة ؟ . قلت " لا شيء، انها لا تعني أي شيء " . وقالوا : " لماذا إذن وضعت ذلك المشهد هناك؟" وجوابي هو انني قد أصور مشهداً لا يعني شيئاً، في هذه الحالة، على سبيل المثال، شيء ما مهم جداً كان يحدث داخل البيت - فقد ألقوا القبض على " سبزيان " - ومن الطبيعي ان المشاهدين كانوا يأملون في رؤية ما كان يحدث بالداخل. بينما أردت أن أريهم شيئاً ما مختلفاً في نفس الوقت، مما يجعل المشاهد يتساءل بالتحديد: ماذا يحدث بالداخل ؟. كان هناك شارع مائل جعل الزجاجة الصغيرة تتدحرج إلى النهاية. أردت فقط أن ألهو بالزجاجة قليلاً. ولكن في إيران، كل شخص لديه تفسير مختلف تماماً. هم أحرار فيما يعتقدون. لكن الخطورة تكمن حين يقول أحدهم: " لا، تفسيري هو التفسير الوحيد الصحيح ".

·         أحياناً يتكوّن لديّ انطباع بأن السينما الإيرانية قوية، ليس برغم الصعوبات، ولكن بسببها.

*أحياناً، عندما لا تكون هناك أية حدود، ولا عوائق صغيرة، فمن الصعب أن أعمل. إذا كان عندي موضوع لا يتعارض مع الرقابة، اشعر كما لو انني لم أتمعن في الفكرة جيداً. ولكن عندما أفكر حقاً، عندما أعكس حقيقة ما أريد عمله، أستطيع حينها تجاوز الرقابة. الرقابة تستطيع أن توقف الأشياء البدائية والظاهرية. إذا كان الانعكاس حقيقياً فأنت تستطيع دائماً اختراق حصار الرقابة. وهذا ما يجعل الفن قوياً. بعض الناس يعتقدون بأن دور الفيلم الملتزم - على سبيل المثال - هو الإطاحة بالنظام. في رأيي، الفيلم الملتزم يقدم فقط معرفة محددة عن البشر وبيئتهم، هذا كل ما في الأمر. لقد رأينا بأن الثورة لم تكن قادرة على حل المشاكل. الذي نستطيع عمله هو أن نحاول تطوير أنفسنا، وأن نتقدم. علينا البدء بأنفسنا. هكذا أرى الفن الملتزم .

·     ماذا عن الصعوبات في تصوير المرأة ؟. هذه هي إحدى التغييرات الملموسة منذ الثورة . هل تشكل عقبة حقيقية لأي مخرج ؟

*نعم ولا . نعم، هناك مشكلة تصوير النساء في إيران. يحدث أحياناً أنني لا أستطيع إخراج الأفلام التي أريدها. على سبيل المثال، إذا كان أمامي مشروع مباشر عن امرأة شابة، فسأضعه جانباً. ولكن هذا لا يمنعني من العمل كمخرج. ليست هذه بالمشكلة الرئيسية بالنسبة لنا. في المجتمع الإيراني، هناك مشاكل كثيرة، آلاف منها، وآلاف. وتلك واحدة من هذه المشاكل. إذا أمكن حل المشكلات الأخرى، فان مشكلة الحجاب ستحل تلقائياً. قد يستغرق ذلك خمسمائة عام، لكن من الضروري أن ننتظر.

أعرف امرأة أجرت عملية جراحية لإزالة صدرها نتيجة إصابتها بالسرطان. ذات يوم سمعت بعض السيدات يتحدثن عن الحجاب، فقالت لهن: " أنا لا افهم ماذا تقولون، فلا أجد أية مشكلة مع الحجاب لأن عندي مشكلة أكبر ". أحياناً مشكلة اجتماعية ما تكون بخطورة السرطان. في فيلم "الواجب المنزلي " ، على سبيل المثال، إذا ركزت الانتباه على مسألة تعليم الأطفال، في بلد يمثل فيه الشباب أكبر نسبة في العالم، فأن موضوع الحجاب هو أقل أهمية من التعليم بالنسبة للكثيرين من هؤلاء الشباب.

·     يبدو ان هناك أيضاً تغييراً دراماتيكياً، وإيجابياً، في مستوى الثقافة السينمائية في إيران. من أين تعتقد انبثق هذا الجمهور الجديد؟

*هناك سبب واحد، فبعد الثورة، رفع الحظر الديني على ذهاب العائلات إلى السينما، وهذا ما خلق جمهوراً جديداً . (1)  في إيران الآن عطش استثنائي للثقافة وللسينما. وهذا ما يثير دهشتنا. أحيانا تعرض أفلام لتاركوفسكي وبرغمان لمدة طويلة جداً. إضافة إلى الكثير من الكتب التي نشرت عنهما. الناس يقرأون، ويعيدون القراءة، ويشاهدون الأفلام أكثر من مرة. هذا العطش للسينما شيء مذهل. من المحتمل ان هذا الجمهور جاء نتيجة جود قمع سياسي في إيران. الناس مشوشون. لذا يجدون ملاذاً لهم في صالات السينما. شخصياً، اعتقد ان الفن والسياسة شيئان متممان: عندما لا يؤدي أحدهما وظيفته تماماً يبدأ الآخر باحتلال مكانه ويجتذب نحوه جمهوراً أكبر. ولا نغفل هنا أيضاً ان السينما في إيران هي اقل أشكال الترفيه تكلفة.

·     ولكن المسألة ليست كمية، بل نوعية أيضاً. في فيلم " لقطة قريبة" على سبيل المثال، كل الأحداث تدور حول انتحال شخصية مخرج بارز، كيف تفسر هذا الوضع ؟

*إذا كان المقصود هو الفن أو الأدب، أستطيع أن أؤكد لك وجود الخلفيات التاريخية لهذين الجانبين. أما بالنسبة للسينما، فانه أمر مذهل. منذ فترة والسينما الإيرانية تشق طريقها في جميع المحافل الدولية. اعتقد ان السينما أصبحت الآن من صادرات إيران الرئيسية، بالإضافة إلى الفستق، البندق، السجاد والنفط .. الآن هناك السينما. هذا شيء ضروري، ويثير الإعجاب، ولكنني لا أستطيع أن أخبرك من أين جاء كل هذا. الذين في الخارج قد يكونوا قادرين على الشرح، أما نحن، في الداخل، فلا نملك إلا أن نكون مذهولين.. ومسرورين جداً.

المدى السورية في 1 مارس 1996

 

هوامش: 

 (1)   في عهد الشاه أفتى بعض الأعضاء المتزمتين في المؤسسة الدينية الإيرانية بتحريم ذهاب العائلات إلى السينما، وظلت فتواهم قائمة إلى أن وقعت السينما تحت تأثير إصلاحات الخميني بعد الثورة، حيث قال في أول خطاب له بعد رجوعه إلى إيران: "نحن لا نعارض السينما، أو الراديو، أو التلفزيون.. السينما اختراع حديث يجب استخدامه لتعليم الناس .. مالا نتفق معه هو الاستخدام السيئ للسينما" . بعد هذا التصريح، وإعجاب الخميني الشخصي بفيلم داريوش مهرجوي (البقرة) - 1969 - بدأت العائلات الدينية المتزمتة، التي لم تشاهد الأفلام من قبل، بارتياد دور السينما بشكل منتظم.

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)