Our Logo

 سيرةجديد عبدالقادركــتـــابـــة  

 

مبدعون في سينماتك

تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

سجل الزوار

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

كتابة

 

السينما .. مرآة الطفولة

بقلم: فرانسوا فاليه    ترجمة: عبدالقادر عقيل

معظم الأفلام التي تدور حول الأطفال تصوّر الطفولة كما لو انها تحدٍ دائم ضد لامبالاة وازدراء عالم الكبار. وعلى الشاشة رأينا معسكرين يواجه بعضهما بعضاً - معسكر الأطفال ومعسكر الكبار - وان جرت بعض المحاولات بين حين وآخر للتوفيق والتفاهم بينهما. كان على الصغار أن يكافحوا بثبات لنيل مطالبهم والاعتراف بحقوقهم.

كي ندرك السبب، لا بد أن نرجع إلى الأحداث التي سبقت اختراع السينما. يقول المؤرخ الفرنسي فيليب آرييه: " لقد حدثت تغييرات ملحوظة في السلوكيات منذ نهاية القرن السابع عشر ". ففي ذلك الوقت كان الأطفال يعيشون في قلب المجتمع. يتعلمون من المعلمين، أو من التجار، أو الحرفيين المهرة الذين كانوا يعملون عندهم كممتهنين. ولم يكونوا يشاركونهم عملهم وقلقهم وحسب، بل كانوا يشاركون في عوالم خيالاتهم، واحتفالاتهم، وألعابهم.

ان مطابقة تدفق هذا العالم من التبادل الحر والهوية المتبادلة مع الوضع الحالي، حيث الأطفال معلبون في المدارس، وفي الوحدات العائلية، تبين لنا أن هذا القرن شهد فقدان الكبار لطفولتهم، وانفصال هذا الجزء المهم من عالمهم الروحي.

وبسبب هذا الجدار الذي يفصل الطفولة عن عالم الكبار، صار الأطفال في نظر الكبار غامضين، ومبهمين، وتحولوا إلى كائنات غريبة تقريباً. ونتيجة ذلك اتجه الصغار إلى السينما ليجدوا فيها عالمهم الخاص. لذا يجب على الكبار الذين يرغبون في مساعدتهم أن يهدموا أولاً الجدران التي تفصل بين العالمين.

كثيراً ما تصبح غربة الأطفال واضحة، بشكل مقلق، في الوحدات العائلية - التي نطلق عليها الآن تسمية العائلة النووية - وتنعكس عزلتهم دراماتيكياً في أفلام مثل: " الأربعمائة ضربة " لفرانسوا تروفو (فرنسا 1959  ) ، و " كرامر ضد كرامر" لروبرت بينتون (أمريكا 1979 ) ، التي تصوّر تأثيرات الزواج الفاشل على الأطفال.

هناك أفلام أخرى تصوّر نضال الأطفال ضد النظام في المدارس، أو في مؤسسات أخرى تثبت عدم قدرتها على تلبية حاجاتهم الوجدانية. وعادة ما يظهر هؤلاء الأطفال واقعين في شرك العزل، مفصولين عن عالم الكبار دون أن يستطيعوا المشاركة فيه، أو حتى التعرف عليه.

ان فقدانهم للحب حفزهم لمحاولة الفرار بحثاً عن القدر البسيط من الحرية. وأحياناً هم يهربون كي يجدوا آباء لهم. ان مثل هذا البحث هو مضمون فيلم "المجرم الصغير " لجاك ديلون (فرنسا 1990) ، مع أن البحث في هذه الحالة كان عن الشقيقة الكبرى التي لم يشاهدها الطفل مطلقاً. ومهما كانت بواعثهم فان هذه الملاحم الطفولية قد تكون إنذاراً بالخطر كما حدث للبطلين البولنديين الصغيرين في فيلم ( 300 mil do nieba ) للمخرج Marcel Dejczer ( بولندا 1990 ) .

الأطفال، هؤلاء المتمردون في المؤسسات، وفي العائلات النووية، يرفضون الشخصية المفروضة عليهم من قبل عالم الكبار، عبر التغيرات في العادات الاجتماعية .. لأن أوضاع الطفولة التي نعرفها الآن هي نتاج العائلة .. وهي اختراع خالص من اختراعات الكبار.  الأطفال في المقابل يشعرون بالحاجة إلى خلق أنفسهم، وخلق عالمهم الخاص. لذا لم تتحول السينما إلى مرآة للطفولة بقدر ما أصبحت بحثاً عن المرآة، حيث يمكن بحث الطفل الحقيقي لاكتشاف ذاته.

أوجدت السينما ، في بداياتها المبكرة، متحدثاً رسمياً باسم الأطفال (قد تكون كلمة نموذج أكثر دقة، لأن معظم المشاهد التي كانت تجري فيها المواجهة بين الصغار وعالم الكبار لم يكن فيها حوار كثير) في شكل متشرد صغير يرافق شارلي شابلن في فيلمه " الصبي " (أمريكا 1921 ) - ومن ثم  بطلاً للعديد من الأفلام اللاحقة. ومهما كانت الأوضاع فقد أصبحت الأفلام أكثر قرباً من الطفولة خاصة حين تصوّر بشكل مباشر دون أي تعقيدات. الطفل هو الكائن الأسهل والأكثر صدقاً.

ومنذ فيلم " الصبي " إلى فيلم تشارلز لين " قصة الرصيف " (أمريكا 1990)  - وهو فيلم صامت صوّر بالأبيض والأسود ويطرح نفس ثيمة الأطفال المنبوذين الذين يعيشون في فقر مدقع  - شاهدنا حشداً من الأطفال الذين لا مأوى لهم وهم يعرضون أمامنا على الشاشة.

ان ورثة الصغار الذين كانوا مشردين بالأمس صاروا الآن يتجولون في أزقة مدن العالم الثالث الضخمة مثل بومباي، باهيا، أو ساو باولو، في أفلام مثل  "الأولاد " للمخرج كيرو دوران (كولومبيا 1978) ، وفيلم Pixote  للمخرج هيكتور بابينكو (البرازيل 1980)، وفيلم ميرا ناير "سلاماً يا بومباي " (الهند 1988) .

استطاعت هذه الأفلام أن تنأى بصعوبة عن موجة الأفلام الهوليوودية الكوميدية المبهجة التي سادت في السنوات من 1930  إلى 1950  حيث شاهدنا الأطفال في مجموعات صغيرة وهم يملأون الشاشة بوثوبهم المرح وحركاتهم اللولبية. هذه هي الفترة التي كانت فيها شيرلي تمبل، وجودي غارلاند، وميكي روني ينتقلون من فيلم إلى آخر.

هناك أفلام استثنائية قليلة جداً تنتسب إلى هذه الفترة، ولا تزال تخلب لب المشاهدين حتى الآن ونذكر بشكل خاص فيلم "ساحر أوز " لفكتور فليمنج (أمريكا 1948 )  ، وفيلم " ليلة الصياد " لتشارلز لوتون (أمريكا 1955 ) ، وفيلم Moonfleet لفرتز لانغ (أمريكا 1955 ) .

في الستينيات والسبعينيات ابتعدت السينما عن الصورة الملائكية للطفولة المصونة، وتحوّل الأطفال إلى نقاط محورية في عدد من أفلام الرعب. مثل هذه الأفلام شكّلت منعطفاً في النظرة المبسطة للخير المتمثل في الطفولة والشر المتمثل في عالم الكبار.

ونفس الأطفال الذين كانوا يمثلون البراءة أصبحوا الآن سحرة ومشعوذين ومخلوقات ممسوسة من قبل الشيطان أو ضد المسيح، وكائنات خطيرة كما في فيلم "قرية الملاعين " للمخرج وولف ريللا (بريطانيا 1960).

لم تعد مثالية هوليوود عن الطفولة قابلة للتحقيق خاصة حين رأينا الصغار وهم في أتون المعارك في فيتنام، أو في الحرب العالمية الثانية، أو في أي مكان آخر. لقد تلوّث فردوس الطفولة بالدم كما في فيلم " الألعاب الممنوعة " لرينيه كليمنت (فرنسا 1951 ) ، وفيلم "إمبراطورية الشمس " لستيفن سبيلبرغ ( أمريكا 1987 ) .

لم تتوقف الأفلام عن مواجهة الأطفال مع حقائق الحياة، كما في فيلم "الحفاوين ، أو عصفور السطح " للمخرج فريد بوغدير (تونس 1990 ) الذي تطرق إلى القضايا الجنسية ببراعة وحذر. أما شبح الموت وسطوته على أبطال الفيلم الصغار فقد كانت ثيمة فيلم جاك فانستين “ La fracture du myocarde “  ( فرنسا    1991).

الأطفال أيضاً تحولوا إلى شهود على التمييز العنصري والعزل العرقي في أفلام مثل  " وداعـا أيها الأطفـال "  للمخرج لوي مال (فرنسا 1987)  ، وفيلم “ The Kitchen Toto “  للمخرج هاري هوك (أمريكا / بريطانيا 1988) ، وفيلم “ Korczak “  لأندريه فايدا ( بولندا 1991) .

الطفل، في معظم هذه الأفلام، كما يقول تروفو : " يخلق الحياة، ويقارعها، ولكنه في نفس الوقت يطوّر أدوات مقاومته لها ". الأطفال يستطيعون أيضاً، بكل مهارة، أن يؤدوا دوراً عكسياً ويراعوا الكبار، ويتحوّلوا إلى مرشدين وحامين لهم. الطفل من ثم أصبح أباً بالنسبة للرجل، مثلما فعل بينوكيو حين سحب غبيتو من جوف الحوت في فيلم كومينشيني "مغامرات بينوكيو " ( إيطاليا 1972) ، أو مثلما فعل رابوكو حين أخذ والده الأمي إلى المدرسة في فيلم “Cuora” (إيطاليا 1984 ) .

أظهرت لنا السينما، عبر تاريخها، وبأكثر الوسائل صدقاً، الطفولة كحالة من حالات الكشف. وعبر مواجهة الطفل للمخاطر الحقيقية، وقبوله التحديات، ونضاله ضد الظلم، ألغى الطفل دور البطولة في السنوات الأخيرة من هذا القرن، فلا شيء هنا من رامبو أو ماكس المجنون. ان مصدر قوة الطفل تكمن في عرضه لحساسيته وذكائه. وجائزته الرئيسية كانت دائماً: مكانٌ في عالم الكبار.

يملك الأطفال سلاحاً واحداً، ومرعباً: روح الدعابة، وبتحديد أدق، وقاحتهم التي لم تلوّث، والتي هي أكثر ما يميزهم. ومع أن العديد من الأفلام شرعت في تدمير آخر الأوهام عن الطفولة، وإن أغضب ذلك الكبار الجادين تماماً، إلا أن وقاحة الطفولة تبقى أفضل ضماناتنا لمستقبل مختلف.

الأيام البحرينية في 6 فبراير 1994

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)