مكتبة سينماتك

 
 

               

 

 
 

جديد الكتاب

 
 
 

أفلام السيرة الذاتية

تأليف: علاء المفرجي
الصادرة عن

دار المدى العراقية

2018

 

 

أفلام السيرة الذاتية

علاء المفرجي

 
 
 
 
 

عن الكتاب

     
     
 

أفلام السيرة الذاتية

بين الالتزام الحرْفي والتعاطف المُعلن

بقلم: عدنان حسين أحمد

 
     
 

صدر عن دار المدى كتاب جديد للناقد السينمائي علاء المفرجي يحمل عنوان "أفلام السيرة الذاتية: تصوير المشاهير من زوايا مختلفة". يشتمل الكتاب على ثلاثة فصول رئيسة حيث يركِّز الناقد في الفصل الأول على معنى أفلام السيرة، ونظرة عامة إلى أهمّ أفلام السيرة التي أنتجتها السينما العالمية بما فيها السينما العربية. أما الفصل الثاني فيتضمّن عددًا من أفلام السيرة الحديثة لـ 19 مُخرِجًا سينمائيًا من بينهم سودربيرغ، إيستوود، توم هوﭘر وآخرين. فيما يقتصر الفصل الثالث على أربعة مخرجين استهوتهم أفلام السيرة وهم سوكوروف، سكورسيزي، أوليفر ستون ويوسف شاهين.

ما يلفت الانتباه في هذا الكتاب النقدي أن ثيمة "السيرة البَصَرية" حاضرة في كل صفحة من صفحاته وكأنّ الناقد يجترح بنية معمارية رصينة في نص روائي محبوك وهذا دليل حِرصٍ على متابعة الثيمة والإمساك بتلابيبها على مدار الفصول الثلاثة التي تؤسس متن الكتاب. وحتى الاقتباسين اللذين استلفهما من أندريه موروا وبورخيس يدخلان في صُلب الثيمة ولا يشذّان عنها أبدًا، فالأول ليس مع قول الحقيقة كلها، وإنما مع الاكتفاء بجانبٍ منها، أما الثاني فينتصر إلى "حركيّة السينما" ولا يميل إلى السكونيّة في "ترجمة حياة شخص ما" أو الالتزام الحرْفي بسيرته الذاتية.

يُعرِّف المفرجي الـ Biographical movie بأنه "فيلم يُصوِّر ويُمسرِح حياة شخصية تاريخية مهمة من الزمن الماضي أو الحاضر. . . ويروي قصة حياة بدرجات متفاوتة من الدقة"(ص11)، ويمكن أن نضيف بأن هذه الشخصية تستعمل اسمها الحقيقي ولا تتوارى خلف اسم مُستعار. لا يشترط الناقد أن يكون هذا الشخص السيري مَلِكًا أو زعيمًا أو عالِمًا أو فنانًا حسب، بل يمكن أن يكون مجرمًا أو تاجر مخدرات أو شخصًا خارجًا على القانون لذلك تنوّعت أفلام السيرة الذاتية وجمعت بين الملحن، والطبيب، والمُخترع، والمُغامر، ورجل الدين، والبطل الرياضي وما إلى ذلك. جدير ذكره أن بعض هذه الأفلام يركّز على مراحل الطفولة والصبا والشباب، وبعضها الآخر يتناول إنجازات الشخصية السيرية بعد مرحلة النضج والبلوغ الذهني. أشار المفرجي إلى أن نابوليون بونابرت هو الشخصية السيرية الأكثر تجسيدًا على الشاشة الكبيرة دون أن يعزز هذه المعلومة بأدلة دامغة ثم يليها الرئيس لنكولن، والسيد المسيح، ولينين، وهتلر، وكليوباترا وبعض الملوك البريطانيين.

يتساءل المفرجي: لماذا تجذبنا السيرة؟ فيجيب لأنها "تُنقص من أسطورة الشخصية فتجعلك تراها على مستوىً إنساني أكثر في ضعفها وأخطائها"(ص19) وحينما نرى فلمَ سيرة ذاتية فكإننا نرى عصرًا بأكمله، ونعيد اكتشاف التاريخ من جديد. ومع ذلك فثمة حياد غريب في بعض الأفلام مثل "المرأة الحديدية" لفيليدا لُويْد التي لم نتعرّف فيها على الطريقة التي تعاملت فيها ثاتشر مع الأزمة الاقتصادية و "صعود الشرّ" لكريستيان دُوغواي الذي تماهى الجمهور مع الجزء الأول من الفيلم لأنه يصور مرحلة الكفاح والإيمان الحقيقي لهتلر بقضيته، أما الجزء الثاني الذي ينصبّ على قسوة هتلر، وفظاظته، والبشاعات التي ارتكبها خلال فترة حكمه النازي فلم يتعاطف معه المشاهدون.

وفيما يتعلّق بأفلام السيرة العربية يتوقف المفرجي عند خمسة أفلام رئيسة أبرزها "الناصر صلاح الدين" ليوسف شاهين ويعدّه من أهمّ أفلام السيرة التي قدّمتها السينما العربية، كما يعتبر "عمر المختار" لمصطفى العقّاد أنجح أفلام السيرة بعد فيلم شاهين المذكور سلفًا، أما بقية أفلام السيرة العربية فهي تُقدِّم شخصيات مكتملة، خارقة للعادة، ولا تعاني من أي نقص خلافًا لاشتراطات السيرة الحقيقية التي تنطوي على نجاحات وإخفاقات على حدٍ سواء.

يتضمّن الفصل الثاني نماذج من أفلام السيرة لـ 19 مُخرجًا ناجحًا يتصف غالبيتهم بالصدقية كما هو الحال مع سودربيرغ الذي أنجز "تشي" وجاستن تشادويك الذي قدّم لنا تحفته السينمائية المعنونة "مانديلا طريق طويل نحو الحرية". وهناك مخرجون وقفوا على الحياد مثل كلينيت إيستوود في "جي إدغار" وفيليدا لُويْد في "المرأة الحديدية". وهناك مخرجون تعاطفوا مع أصحاب السير مثل أوليفر ستون في فيلميه عن "كاسترو" و "عرفات" اللذين نمّطتهم المؤسسة الأميركية وقدّمتهم للعالم كأشرار وقامعين. يمكن لأفلام السيرة أن تكون أداة كشف للحقائق المطمورة منذ عقود كما في فيلم "ساحة الأقمار الخمسة" لرينسو مارتينيللي أو "قضية ماتي" لفرانشيسكو روزي. ليس بالضرورة أن تتطابق القصة السينمائية مع حياة الكائن السيري فقد يأخذ السينارست فكرة ما ويعالجها بالطريقة التي يراها مناسبة كما فعل ديفيد سيدلر في "خطاب الملك" لتوم هوﭘر حينما ركّز على "التأتأة" ليجعل منها فكرة مهيمنة على مدار الفيلم، أو "فاليسا . . رجل الأمل" لفايدا الذي أخذ منه حادثة معينة ثم بنى عليها السينارست تفاصيل أخرى مشوّقة، ولم يقدّمه كأسطورة خارقة وإنما كإنسان عادي مُحاطًا بأهله وذويه ورفاقه العمال.

يرصد المفرجي بعض أفلام السيرة التي أُسندت فيها الأدوار الرئيسة إلى ممثلين عباقرة من طراز كولن فيرث في "خطاب الملك" وميريل ستريب في "المرأة الحديدية"، وإيدي ريدماين في "الفتاة الدنماركية" و "نظرية كل شيء" وفوريست ويتكر في "آخر ملوك أسكتلندا".

أما الفصل الثالث والأخير فيتمحور على مُخرجين استهوتهم أفلام السيرة إلى درجة الشغف وأولهم المُخرج الروسي ألكسند سكوروف صاحب الرباعية المعروفة التي تتحدث عن أفول عصر الدكتاتوريات حيث أنجز فيلم "مولوك" عن هتلر و "العِجل" عن لينين وستالين، و "فاوست" و "الشمس" عن الإمبراطور الياباني هيروهيتو وقد أسهب المفرجي في حديثه عن فيلم "الشمس" الذي يركز فيه المخرج على بضعة أيام من حياة الإمبراطور قبيل استسلام اليابان في الحرب.

لا يقل سكورسيزي ولعًا بأفلام السيرة عن سوكوروف ويكفي أن نشير إلى "ذئب وول ستريت" الذي يعتبر أنموذجًا للصنعة السينمائية التي جسّد فيها كاﭘريو شخصية جوردان بيلفورت وصعوده الخاطف ثم سقوطه المدوّي الذي أفضى به إلى السجن عن جرائم عديدة من بينها غسل الأموال، والاتجار بالمخدرات.

ربما يكون أوليفر ستون الأكثر شغفًا بهذا النمط من الأفلام السيرية فهو يسرد من خلالها تجاربه الشخصية، ففي فيلم "بلاتون" قال:"إنني أروي حربي والتجربة التي عشتها بنفسي"(ص124)، كما قدّم جورج بوش الابن في فيلم "دبليو" بأسلوب كوميدي لاذع يصل إلى حدّ السخرية. وفي فيلم JFK كان معنيًا في البحث عن الحقيقة، ولم يطرح سؤال من اغتال كنيدي؟ وإنما لماذا أُغتيل كنيدي؟ وتوصل إلى أن الاغتيال ليس فرديًا وإنما هو نتيجة لمؤامرة كبرى تعود أسبابها إلى نيّة كنيدي في الإنسحاب من فيتنام، وتبرّمه من دور أميركا في كوبا إضافة إلى دوافع أخرى لاتزال مجهولة.

لا شك في أن يوسف شاهين هو المُخرج العربي الأكثر اهتمامًا بأفلام السيرة فقد أنجز سيرًا غيرية وهي "جميلة"، "بونابرت"، "المصير"، "الناصر صلاح الدين" و "المُهاجر" وكلها شخصيات معروفة ومكرّسة في الذاكرة الجمعية العربية. أما سيرته الذاتية فقد جسّدها في أربعة أفلام مهمة لما تزل صامدة أمام تقادم الأعوام وهي "إسكندرية. . ليه"، "حدّوتة مصرية"، "إسكندرية كمان وكمان"و "إسكندرية . .نيويورك" التي صبّ فيها جام غضبه على أميركا التي تتحامل على العرب، وأشاد بالإسكندرية بوصفها مدينة للتسامح والتعايش بين الأديان.

 

 

     
 

الحوار المتمدن في  09/01/2018

 
     
     
 

مظاهر الحياة من خلال السيرة الذاتية السينمائية

بقلم: ضحى عبدالرؤوف المل

 
     
 

■ استهل الناقد السينمائي علاء المفرجي كتابه الصادر عن دار المدى بعنوان «أفلام السيرة الذاتية» بقول لأندريه موروا «أن نقول الحقيقة كلها ليس بالأمر الجيد» واستتبعها بكلمة لخورخي لويس بورخيس: «إن كلمة سينما هي أفضل من كلمة سيرة. الأخيرة تعني، إن لم يخني حدسي في فهم لغة الإغريق، ترجمة حياة شخص، أما السابقة فتشير إلى الحركة. والفكرتان، رغم أنهما جدليا قابلتان لاختصار المعنى ذاته، فإنهما تستخدمان في توجهات مختلفة، وهو اختلاف يخولني التفريق بينهما وإرجاع معانيهما إلى السينما، والآخر إلى السيرة».

وبهذا يمنح المفرجي القارئ معرفة عن مضمون يتناول أفلام السيرة الذاتية، وقدرتها في تشكيل معرفة بصرية عن غموض حياة الأشخاص المشاهير، كنوع من الدراما الوثائقية أو الدراما الملحمية أو حتى رؤية تفاصيل حيوات أولئك بدرجات متفاوتة بالدقة. ليرصد لنا في كتابه بعض الأفلام التي تساعد في تكوين صورة سينمائية هي لب الفكرة التي تنطلق منها الفنون الأخرى، التي تنبثق عن سيرة ذاتية يكتبها البعض. لتصبح في ما بعد فيلما سينمائيا يتناول عدة مواضيع من خلال السيرة الذاتية وأهميتها تاريخيا، لاكتساب الخبرات الناتجة عن بيوغرافيا سينمائية، تحتوي معارف وتجارب الآخرين من الأشخاص المشهورين، الذين يتناول الفيلم حياتهم إلى الأسلوب السينمائي الناجح أو الفاشل في تناول حياة هؤلاء في السينما. وهذا ما شدد عليه المفرجي، وهو يتناول عدة أفلام سلّط الضوء عليها تحت عنوان «الشخصيات التاريخية في أفلام السيرة الذاتية» من فيلم الحياة الخاصة لهنري الثامن 1933 وصولا إلى فيلم عن حياة فرانكلين ديلانو روزفلت، وحتى فيلم روب كوهين بما يقارب أكثر من عشرين فيلما رصدهم ليسأل بعدها لماذا تجذبنا سير الحياة؟ 

يتتبع المفرجي حركة الأفلام السينمائية وأهميتها في تغذية وتثقيف المشاهد من زواية تطلعاتها الأحادية أو المتغيرة، تبعا للدولة المنتجة أو الدولة القائمة على إصدار الفيلم السينمائي، وبتبطين يلتهم من خلاله تفاصيل أخرى تحظى بالاهمية ذاتها عند الآخرين، وبتكافؤ مع الممثلين وقوة الأداء التي يفجرها المخرج. لإظهار مدى أهمية الشخصية التي وضعها الفيلم بصريا أمام المشاهد الشغوف بسيرة حياة هؤلاء الذين قامت السينما بإنتاج سينمائي يهتم بسيرتهم الذاتية مثل سيرة «كالهو وشانيل» هذه السيرة الممتدة إلى أشكال الصراع مع الذات والآخر، مع الألم، مع الاحتفاظ بالتفاتة نقدية إلى أفلام السيرة العربية وخضوعها للرقابة. ما يجعلها أسطورية في مزاياها في حالة الإجماع بالموافقة على إنتاجها كفيلم سينمائي يتطلع إلى إظهار هذه الشخصية وفق إيجابيات تقترب من جعلها أسطورية، وهذا يتناقض مع أفلام السيرة الغربية في رأي الناقد علاء المفرجي، الذي يحاول في كتابه رصد أفلام السيرة واستخراج الحيوي منها. لتكون بمثابة النموذج في أفلام كثيرة صنفها، وتحدث عنها باختزال نقدي لكل ما ينتج عنه من رمزيات تكسر الحواجز، وتخفي الأقنعة عن أشخاص نسعى لمعرفتهم بشكل قوي لمعرفة غوامض حيواتهم من خلال أفلام السيرة الذاتية، التي اشتهرت بفهم منطق العمل المرئي وفهم عمق الصورة التي ينتجها العقل. لأنها تزيل بعضا من الأقنعة التي كانت توضع على هؤلاء الذين استطعنا إعادة تشكيل الصور السينمائية لسيرتهم الذاتية، التي نسج الكتاب حولها الكثير من الأقاويل قبل أن يتم تعريفها في السيرة الذاتية المكرسة لزاوية من زوايا حياتهم، وتبعا لرؤية الكاتب أو رؤية المخرج أو المنتج أو الجهة التي أرادت إلقاء الضوء على إحدى الشخصيات السياسية أو الاجتماعية أو الفنية أو ما إلى ذلك.

أفلام مستوحاة من حياة جورج السادس أو ساعات فرجينيا وولف أو هيتشكوك سيد الإثارة، وغيره كثير في هذا الكتاب، الذي يرسم استراتيجيات تصوير المشاهير من زوايا مختلفة. لتمثل الصور الشفافة في هذه الأفلام مساحة كافية لاستيقاظ كل ما هو غاف في السيرة الذاتية نفسها. ما يضع المشاهد أمام مصداقية هذه الشخصية وجها لوجه في كتاب يجمع التفاصيل السينمائية لهذه الأفلام بأسلوب نقدي يجعلنا نرى العمالقة في الأدب والفن والسياسة، لأنها «تحفز على اكتشاف الذات، وستكتشف أفكارا ومقاربات في حياتك الخاصة عبر قصص وتجارب الآخرين. منها نتعلم أكثر عن مواقف الناس، للبحث عن الإلهام من سلوكهم في المحنة. وتتيح لك رؤية العالم بطرق جديدة، تختلف عن الطريقة التي تنظر بها إلى الاشياء، فالتعرف على شخصية ما من عصر مختلف، خلفية أو موقع مختلف لتجارب الحياة، سوف يمنحك نظرة جديدة». فهل جوهر الأفلام المستوحاة من واقع شخصياتها حقيقية تماما أم تخفي الكثير في زواياها الأخرى؟ 

في القسم الأخير من الكتاب وهو مخرجون استهوتهم السيرة وهم الكسندر سوكوروف ومارتن سكوسيزي وأوليفر ستون ويوسف شاهين، والفهم المتغاير للشخصيات من وجهة نظر كل مخرج، من خلال تجربهم الخاصة في إخراج أفلام السيرة الذاتية، وهي جزء من مفهوم إخراجي مجازي وثائقي لإعادة بناء الوقائع الحياتية من خلال انفعالات الممثل والمخرج، وتأثرهما بحياة صاحب السيرة التي يتناولها الفيلم مع قدرة التعاطي مع شخصيات هذا الفيلم «الفيلم إذن سيرة رجل من خلال سيرة حدث… وما كان لمخرج من طراز أوليفر ستون أن يخوض بتفاصيل مثل هذا الحادث الجلل في تاريخ أمريكا بدون أن يستنفر كل أدواته كمبدع، بل تتعدى ذلك إلى أدواته كباحث ومؤرخ يتقصى الحقيقة»، فهل أفلام السيرة الذاتية هي أداة للسينما التي تتميز بغزارة الشخوص التي كرسها الفن لتحديد الظواهر الاجتماعية والسياسية والتاريخية وغيرها؟

٭ كاتبة لبنانية

 

 

     
 

الأصيل في  21/05/2018

 
     
     
     
 

علاء المفرجي في كتابه السينمائي الجديد

بقلم: نعيم عبد مهلهل

 
     
 

الساعات هنا هي ما تحتشد فيه تفاصيل عن العزلة واللاجدوى، وايضا عن الملل وإيجاد معنى للحياة.. سلسلة طويلة تمتد على مدى قرن من الزمن، من الخيانات والرغبات المكبوتة والسعي لأن تكون الحياة ذات قيمة.

علاء المفرجي/ مقال ساعات فرجينيا وولف 

كأبيه أسس علاء المفرجي لحياته الروحية والمهنية منهجا جماليا مميزا في رصد جماليات الصورة المتحركة على شاشات اعمارنا السينمائية منذ شابلن وحتى نيكول كيدمان، وهذا الاشتغال اتقنه علاء المفرجي على مستوى البحث والقراءة الجمالية لهذا التأريخ الاسطوري العريق الذي بدأ في مطلع القرن العشرين ولم يزل وسيبقى واحدا من الفتنة الحديثة لعصر ما بعد السيف واباطرة المغول والسفر بين البلدان على ظهر الناقة وانتظار ما يجلبه كولومبس من توابل الى اوربا.

اجتهد المؤلف  في جعل روحه مثل روح ابيه عميقة في المشاهدة وبارعة في التحليل ومنصفة في تعقب والكتابة عن تواريخ السينما على مستويات تواريخها الوطنية والقومية والاممية.

ولهذا فهو في كل نتاجه الكتابي عن السينما فهو يديم في هكذا نوع من الفن والادب هاجس الامنية فينا أننا نملك كتابا يعتبرهم العالم الغربي من النادرين الذين نحتاجهم لنعرف تماما الكواليس السرية لحركات كاميرات المخرجين واسرار ايماءة الممثل وما يمنحه الفيلم لنا من متعة معرفة ما الذي كان يجري وجرى وسيجري في هذا العالم.كتاب علاء الجديد والصادر عن دار المدى والموسوم ( أفلام السيرة الذاتية تصوير المشاهير من زوايا مختلفة ) يرينا في عموم المحتوى والفكرة والنص التأريخ المصور بهاجسه الروحي والتأريخي لأساطير كان لها التأثير الكبير في النمو الحضاري لحياة الارض ، فقد كانت افلام السيرة التي يوثقها الكتاب مع حاشية للشرح والتحيل والرؤية اجتهد الناقد كثيرا في جعلها نصا ادبيا يقترب من السردية التحليلية ولكنها مقرونة بتناول علمي لذلك الحشد الهائل من الوجوه العظيمة التي وثقت عدسات المخرجين جوانب مهمة لوجوههم عبر قراءة تواريخهم الخاصة والعامة وما انجزوه واقترفوه  ليتحول الى افلام سينمائية يرصدها المفرجي في هذا الكتاب وهو يعود بنا من خلال فصاحة الشرح وجمالية التعامل مع العناوين وتقينات الافلام فيها ، يعود الى تخيل تلك اللحظات الحسية الممتعة التي كانت تتلبسنا ونحن نجلس على اريكة الخشب في قاعة السينما ، مرتبكين من سيطرة ملامح نابليون على هواجسنا أو تلك القساوة الغامضة التي حملتها اجفان ادلوف هتلر.يجتهد علاء المفرجي في القراءة التأريخية لأفلام السيرة ، وينجح في ان يكون قارئا ومؤرخا ومحلالا لهذا الكم الكبير الذي جعلته السينمائية العالمية من بعض مواد منتجها السينمائي ان تتناول السير الذاتية لوجوه وشخوص كان لها التأثر وهو ما تعقبه الناقد في كتابه منذ ازمنة السينما الصامتة حين يؤكد ما نصه :((أن افلام السير موجودة منذ الايام الاولى للسينما الصامتة في افلام مثل  " جان دارك 1899 " لصانع الافلام الفرنسي جورجز ميليه ، و فيلم " جوان المرأة 1916 " لسيسيل دي ميل ، و الملحمة الدينية " جوديث بيثوليا 1914 " لغريفث ، و ملحمة " نابليون 1927 " ، و " جيسي جيمس 1927 " لأنغراهام الذي يلعب فيه فريد تومبسون دور احد الخارجين عن القانون)).  تلك الايام حملتها تلك الافلام والمفرجي هنا يبوب أحساسها ويحصي فيها تواريخ المتغيرات الحضارية في هذا الفن الساحر ولكن عبر دهشة خاصة تلك التي تحمل موضوعة البحث عن عالم فردي لرمز او شخصية مؤثرة في كل مجالات الحياة من السياسة الى الفلسفة .لهذا فالمبوب هنا ليس موظفا حسابيا او مؤرشفا مكتبيا، أنه بصيرة للنقد والرؤيا والتحليل لهذا امتلك الكتاب متعتين تحاولان ان تتحدا في المتن وتؤسسان لنا مشهدية اخرى لفيلم يخرجه المفرجي، وبمتعة محترفة يجمع كل تلك الافلام وتنوعاتها وازمنتها في فيلم لسيرة ذاتية حملت الينا هذا الكم الهائل من التجارب الاخراجية واختلاف رؤاها وتصوراتها حول من توثق لهم سيرة ذاتية عبر شاشة السينما.وهذا الفيلم الذي تجتمع فيه حياة العشرات من صناع الحلم الانساني حمل عنوانا رئيسا هو (أفلام السيرة الذاتية تصوير المشاهير من زوايا مختلفة). يؤرشف علاء المفرجي بلغة ممتعة التصوير افلاما لطالما شغلت الذاكرة الثقافية ونخبها الواعية، وحسب التواريخ الانتاجية لتلك الافلام يرينا الناقد ما خلاصته ان من اهتمامات السينما وايمانها برسالتها الانسانية هو توثيق صناع الحدث بأي شكل كان، جماليا ام دكتاتوريا. حيث اتسعت مساحة التناول والاشتغال لتوثيق تلك الرموز من القديسين الى الكهنة الى اساطين الموسيقى، بل أن رؤى المخرجين كما ظهر في تعقب المفرجي لها وتفسير مبررات تحويلها سينمائيا شملت كل اشتغالات الحياة، وكان للحضارة الغربية في هذا الاشتغال حصة الاسد، وربما امريكا واوربا هي الاولى في ترسيخ رؤى افلام السيرة الذاتية كمنهج جمالي وركيزة كبيرة ومهمة من ركائز الصناعة السينمائية، وكأن الغرب في اهتمامه بالسيرة الذاتية لمن يعتقد انهم اثروا كثيرا في حياتنا، اراد ان يرينا معنى ان نستعيد حياة الاخرين وتجاربها لغايتين. التعلم منها والتمتع بجمالية تحويل هذه السيرة الى صنعة حسية ومرئية تمر امام نواظرنا من خلال الشريط السينمائي.

هذا المتعة وفرها لنا علاء المفرجي من خلال خبرة اكثر من ثلاثين عاما في النقد السينمائي، وكان مثابرا وواعيا وجادا وعلميا وموهبا كأبيه في جعل هذه المهنة غواية وهواية، لهذا فأن كتابه الجديد هو اضافة اخرى لمكتبة السينما العراقية بالرغم ان الموضوعة ربما درست من بعض نقاد السينما الغربيين او العرب، لكنه هنا يحملها خصوصية اخرى تتعلق بذلك الجهد المثابر في التحقق والتفسير لطبيعة هذا الجانب من اشتغالات السينما.التواريخ والوجوه والاسماء بين من وثقت سيرته ومن اخرج السيرة وانتجها ومثلها يحاول المفرجي ان يضع لنا بانوراميا متسعة الابعاد والاضاءة وهو يرينا في فصول مبوبة بعناية ودقة وعلم هذا الجانب الممتع من دهشة عاشت موازية لقراءاتنا الطفولية والصبيانية والشبابية لكتب التاريخ وصناع احدثها.لا اظن أن كتاب هو (أفلام السيرة الذاتية تصوير المشاهير من زوايا مختلفة) كتاب نقدي قد يستفيد منه تماما اولئك الذين تهمهم تواريخ الفنون الارضية وربما ايضا طلبة معاهد السينما واكاديمياتها، وهو ايضا ليس كتاب رف مكتبي ينتظر اجفان باحث او طالب رسالة ماجستير او دكتوراه إنما هو جزء من سياحة المتعة الادبية التي تنقل لنا تلك الوجوه التي اثرت في حياتنا كثيرا ونحن نشاهد ايامها وذكرياتها واعمالها تتحرك امامنا على شكل فيلم سينما، منذ يوليوس قيصر وحى المخرج العربي يوسف شاهين.

لهذا فإن المفرجي في جعله فيلم السيرة مادة لاخر مشاريعه الكتابية المنجزة، انما يرينا شيئا من جديده وولعه وغرامه بهذا العالم الذي يوثق له ولمنجزه عندما نقرأ فيما توصل اليه الكاتب أن افلام السيرة حققت الكثير من الاوسكارات وجوائز السينما لأنها كما ارانا المفرجي افلام يعتنى فيها كثيرا لتكون مانحة للدهشة والقدرة العالية من صنعة الفن حتى في بواكيرها الاولى كما يؤرخ لنا الكاتب ذلك ((وتحديدا منذ فوز فيلم السيرة الذاتية (غاندي) للمخرج  ريتشارد أتنبره انتاج 1982 بعدد من جوائز الاوسكار وهو عن حياة المهاتما غاندي، والذي اعقبه بعد عامين فيلم (اماديوس) للمخرج ميلوش فورمان والمنتج عام 1984، وهو سيرة الموسيقار فولفغانغ أماديوس موتسارت وأنتونيو سياليري)).

((واستهوت هذه الافلام قطاعاً واسعاً من مشاهدي السينما، واستطاعت هذه النوعية من الافلام الظفر بجوائز السينما وعلى راسها الجائزة الاهم الاوسكار)).

في فصل الكتاب (لماذا تجذبنا افلام السيرة) يقودنا المفرجي الى رؤاه وتفسيراته الخاصة عن هكذا نوع من الافلام ويغنينا بالاستشهادات والتصورات والقناعات، وربما في تفاسيره ورؤاه يرينا جزءا من ثقافة المؤلف وهو يتناول هكذا نمط سحري من انماط الاشتغال السينما، وعبر التصور والتقصي يحدد لنا المفرجي تفسير ذلك الجذب الذي يجعل قاعدة عريضة من محبي الفن السابع يرون في فليم السيرة متعة قصوى وهذا الجانب يفسره المؤلف بصورة تحليلية ونفسية عميقة عنما يقول: ((وتلعب العوامل النفسية دوراً هاماً في جذب القرّاء لمثل هذا النوع من القصص ، واكثر ميكانزم نفسي يشدّنا للمتابعة هو الرغبة في التماهي او القدرة على التعاطف مع ابطال القصة

وان نتعاطف مع شخص ما يعني اننا اصبحنا نشاركه همومه وأحلامه وأهدافه ومخاوفه ونقاط قوته وضعفه، اي بمعنى آخر صرنا نقوم مقامه)).هذا الجذب وقد فهمنا مسبباته وهواجسه فأننا نفهم فيه أن ما يريده المؤلف هنا هو الابتعاد عن جدولة الاسماء وما قامت به، فهو يذهب الى محتويات العنوان وضرورات وضعه وانشائه، واقصد الغاية من تأليف الكتاب، لانه هنا حدد تماما الجانب النفسي والاجتماعي والتاريخي لرغبة المخرجين بتناول السيرة الشخصية لتلك الوجوه على كافة اختلاف جغرافياتها واشتغالاتها وميولها. لهذا فإن في هذا الجانب من القراءة والرؤية لا يخلف السينما العربية وقد ضجت تواريخ امتها بالكثير من الشخصيات السياسية والادبية والعلمية والادبية التي كانت تستحق لتكون موضوعة لافلام السيرة وقد وضع المؤلف احصاء عاما للكثير من هذه الافلام، وحدد ايضا وهو هنا في حديثه الطويل عن فيلم السيرة الذي يتناول حياة صلاح الدين الايوبي إنما يضعنا من خلال تفسيراته لمنهج الفيلم وطبيعة فكرته والسيناريو أمام اشكاليات حضارية صنعتها فترات تاريخية معينة، كما في الحروب الصليبية. ثم يذهب الى تواريخ اخرى في افلام السيرة المنفذة باخراج ولغة عربية حيث يقول: ظهرت أفلام سيرة ذاتية تناولت حياة رؤساء وفنانين، كما في فيلم عن حياة  الرئيس عبد الناصر، وآخر عن حياة السادات، كما ظهرت حياة عبد الحليم حافظ في فيلم سينمائي، لم يحظ بالنجاح المطلوب.فصول الكتاب الاخرى هي قراءات واعية لحرفة الاخراج وقدرتها على ايصال تفاصيل ملامح ازمنة تلك الوجوه ومنجزاتها عبر قرن من ملاحم الابداع واساطيره واقصد القرن العشرين الذي حصر فيه علاء المفرجي ورؤاه ورؤيته وهو يحلل لنا الفعل الجمالي لافلام السيرة في ثقافة المشاهد والمغرم بشاشات السينما.

لم يُرقم المفرجي فصول كتابه، بل تركها مع عناوينها وكل عنوان حمل عنوانا فرعيا لمقال كتبه في هذا الجانب خلال مسيرته الفنية والنقدية، كما في فصل نماذج افلام السيرة الذي ابتدأه بمقال جميل عن السينما الثورية وابرز رموزها تشي غيفارا وانتهى بسيرة نيلسون مانديلا الذي نعيش مئويته هذه الايام.الاسماء والافلام في انمذجة علاء وقراءته لها مثلت وعيا متبادلا مابين الصنعة الاخراجية والمنجز الابداعي والنضالي لبطل هذه السيرة وعبر امكنة وازمنة متباعدة على خارطة الارض منذ اول فيلم للسيرة والى اليوم.

علاء قرأ في تلك الافلام الفهم الروحي والجمالي وبهما استطاع ان يضع امام قراءاتنا كتابا مثقفا وجميلا ومتخصصا، وتلك الاركان هي ما تصنع الناقد الناجح والواعي والمثابر .

احمل المديح لصديقي الناقد، وأقف معه عند حدود ما اعتقده فليما ساحرا للسيرة الذاتية يخصصه المخرج الروسي الكبير الكسندرسوكوروف عن امبراطور اليابان الراحل هير هيتو والذي شاهده علاء شخصيا في مهرجان روتردام الدولي للسينما قبل اعوام، فيختصر الامر جماليا وفنيا وروحيا بهذا المقطع المعبر:
((
في هيروهيتو صورة للخرافة، إيماءاته متيبسة، حركاته متشنجة، شفتاه الدائمة الارتجاف تجاهد لإخراج الكلمات.. صورة استعارية رائعة عن الأفكار حين تعجز الكلمات عن التعبير عنها، جنرال أميركي لا يسمى في الفيلم، الذي يفترض أن يكون الجنرال دوكلاس ماكارثر، في مشهد حوار مثير يجمع الاثنين (الإمبراطور والجنرال) مشهد يحيلهما إلى كلاسيكيات السينما الروسية العظيمة حين تهيمن الشخصية على الكادر)).

 

 

     
 

العالم العراقية في 

 
     
     
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)