صيف اليونان حارق بالحروب هذه السنة. فالى "الحرب" الاولمبية التي ستشهد في آب "معارك" رياضية، ستندلع حرب اخرى على الارض الاغريقية العريقة، لكنها حرب سينمائية تاريخية ميتولوجية ضخمة انفجرت في صالات العالم كله في 13 أيار الجاري، ويُتوقع لها ان تحصد ملايين... المشاهدين و"تحطّم" أرقام المداخيل. إنها حرب طروادة احدى أشهر ملاحم الميتولوجيا الاغريقية القديمة وأحبها الى قلوب الناس والتي خلّد هوميروس ابطالها وآلهتها وأساطيرها في الياذته الشهيرة. إنه TROY الذي استوحى كاتب السيناريو دايفيد بينيوف حوادثه من الالياذة، وقاده المخرج الالماني وولفغان بيترسن The Perfect Storm-Air Force One كواحد من أكثر الملاحم السينمائية ضخامة وتكلفة انتاج في تاريخ السينما مع موازنة بلغت 200 مليون دولار. كل هذا بفضل "أسطول" من التقنيين ومنفذي الديكور والازياء والمؤثرات الخاصة والاسلحة والسيوف والحراب والخيول والسفن ومواقع التصوير المختارة بعناية والتي شملت جزيرة مالطا وتحديداً قلاع مدينتها الاثرية التاريخية التي تتوسط العاصمة فاليتا، اضافة الى مكسيكو وشواطئها. اما الاسلحة الفتاكة لهذه الحرب فكانت قنابل من وزن براد بيت في دور البطل الاسطوري "أخيل". وبيتر اوتول وبطل سلسلة "سيد الخواتم" اورلاندو بلوم ونجم فيلم The Hulk اريك بانا وجولي كريستي وبراين كوكس وشون باين، اضافة الى ثلاث ممثلات فاتنات: الالمانية دايان كروغر وسافرون بوروز وروز بايرن ومع نجوم الفيلم، ألوف الكومبارس ومئات الرياضيين لادوار المقاتلين اختارهم الضابط ريتشارد سميدلي احد ابرز مدربي الجيش البريطاني والمستشار الحربي في الفيلم. قصة خيالية وتكلفة خيالية وطاقم عمل خيالي، فهل جاء الفيلم "خيالياً" بدوره؟ مما لا شك فيه أن الفيلم هو الحدث المنتظر والقادر جماهرياً على هزم أي منافس له سيتجرأ على مواجهته في الصالات من دون أن يستعمل حيلة حصان طروادة. اسطورة ميتولوجية وأمير يخطف ملكة من زوجها، وحرب تندلع، وابطال خارقون يحاربون لاهداف قد تكون الحب او السلطة او المجد او الشرف، وضخامة واستعراضية وبراد بيت ساحر سيقاتل وسيغرم كأبولون إله الحب و... من سيقاوم كل هذا؟ صحيح ان كاتب السيناريو لم يستطع مجاراة هوميروس في رسم عمق الشخصيات وتشعباتها وأغوارها وتعقيداتها والدوافع الدفينة التي تحركها، الا أنه استطاع انتقاء الشخصيات والخيوط الاساسية لحبكته من ضمن مئات الشخصيات وألوف الخيوط والتعرجات التي تكتنفها هذه الميتولوجيا الطروادية. وهكذا سنرى أن أخيل سيحارب من اجل المجد وتخليد اسمه، وهكتور سيقاتل من أجل الشرف وباريس من اجل الحب بينما الملك أغاميمنون لا يسعى الا وراء السلطة. اغاميمنون (براين كوكس) الساعي الى بسط سلطته على كل مدن اليونان وملوكها، وجد أخيراً الفرصة الذهبية لاحتلال طروادة المشهورة بأن اسوارها لم تخرق ابداً. فعندما وقع الامير الطروادي باريس (اورلاندو بلوم) في غرام ملكة اسبرطة هيلين (دايان كروغر) زوجة الملك مينيلوس (براندن غليسون)، قام بخطفها الى طروادة. عندها أصرّ زوجها على استعادتها فطلب مساعدة شقيقه الملك اغاميمنون. وهكذا ستندلع الحرب بين طروادة واليونان، وبين الملك الطامع للسلطة وشقيقه الطامع باسترداد كرامته ومحاربهما الاسطوري أخيل (براد بيت) وبين ملك طروادة بريام (بيتر اوتول) وولديه الامير هكتور (ايريك بانا) الذي يحارب من أجل الشرف، والامير باريس الذي يقاتل بدافع الحب من جهة اخرى. ولكن سقوط طروادة ليس بالامر السهل ولاختراق اسوارها لا بد من اللجوء الى الحيلة عبر حصان طروادة الشهير. هذه باختصار حوادث الميتولوجيا المقتبسة عن الالياذة والتي لم تقدم بشكل وفّي للشخصيات والتواريخ في هذا الفيلم. فحرب طروادة استمرت عشرة أعوام لكنها في الفيلم انتهت في اقل من شهر. حتى الشخصيات بدت غريبة عن أجواء ما نعرفه عنها من خلال الالياذة فالملكة هيلين والامير باريس ظهرا كعاشقين مراهقين ومتهورين بينما الاسطورة تقول ان هيلين كانت أماً لخمسة اولاد عندما رحلت مع باريس. بدوره باريس ظهر جباناً وضعيفاً ولم يركز السيناريو على اظهار جسارته ووقاحته وخصوصاً أنه هو من قام بخطف أجمل نساء الارض (حسب الميتولوجيا) من قصر ملك وفجّر حرباً حصدت آلاف الضحايا. والغريب أننا سنشعر بالحبكة المشوشة داخل قصر بريام فالملك سيستقبل هيلين بالترحاب ويعلنها ملكة طروادة رغم أنه يعلم أنها تضع مصير أرضه وشعبه وحياة ولديه في خطر. بدورها زوجة هيكتور اندروماك (سافرون بوروز) سترحّب بالمرأة التي تشكل خطر الموت على زوجها. الجميع يسعى لحماية هيلين لماذا؟ هذا ما لم نتمكن من فهمه بسبب السيناريو الذي أغفل هذه النقاط، لكنه عوض عنها بجعله أخيل، أعظم محارب في ذلك الزمن، أعظم متحدث ايضاً. فنحن سنسمع أجمل الكلمات من فم براد بيت من خلال حواراته مع جنوده وابن عمه وخصوصاً اسيرته الاميرة بريزيس (روز بايرن) ابنة عم هكتور وباريس، التي ستوقعه في حبها. في أي حال براد بيت يحمل الشريط على كتفيه ويقدم دوراِ من أهم ادواره تتلاحم فيه البطولة والقسوة والانانية والعنف بالرقة والحنان والرومانسية. دور مركّب سيجعلنا نكره اخيل حيناً ونحبه حيناً آخر. ولكن رغم ثغر السيناريو التي أضعفت الشخصيات، فإدارة المخرج بترسن الجيدة وبراعته في تنفيذ مشاهد غنية وضخمة مثل المعارك والحشود، وتوظيف اكسسوارات وديكورات طبيعية واخرى مركّبة بشكل مبهر، مثل الحصان الخشبي وعلوه الشاهق (40 قدماً)، ساهم في جعل فيلم Troy واحداً من الافلام التي تحفظ في ذاكرة السينما. يبقى أن نشير الى أن موسيقى الفيلم التي كان من المقرر أن يؤلفها اللبناني غابريال يارد ثم استبدل بجايمس هورنر جاءت استعراضية أكثر منها مؤثرة. دليل النهار في 21 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
TROY حرب الاغريق تندلع في صالات العالم جوزفين حبشي |
|