حتى عام 2000 كان كثير من المثقفين المصريين يطالبون بالغاء الرقابة على المصنفات الفنية الى أن طالبت احدى الاسر مدير دار للعرض السينمائي بالقاهرة بحذف مشهد من فيلم /الجمال الامريكي/ بحجة أنه خادش للحياء العام. واضطر لحذف مشهد أجازه الرقيب الحكومي في بداية للاعلان عن رقابة شعبية. وعلى الرغم من وصف عميد المعهد العالي للفنون الشعبية بمصر الدور الرقابي على الابداع بأنه »مناقض لمفهوم الحرية« الا أنه طالب ببقائها حماية للفن في ظل »وجود وصاية شعبية على الفنون«. وقال الناقد حسن عطية امس ان قوانين الرقابة هي انعكاس لسياق عام تسود فيه احدى القوى الاجتماعية وبالتالي تحدد »رؤيتها الاخلاقية للعالم« في فترة زمنية محددة. وأوضح أن المطالبة بالغاء الرقابة الان مصادرة لحرية الابداع ذاتها »غيابها كجهاز حكومي يعني فتح الابواب أمام تيارات تعتبر الفن حراما فضلا عن اغراق السوق بالفن الهابط وهذا مصادرة لحرية الابداع ذاتها«. وتابع »في غياب جهاز الرقابة وقانونه يصبح الحكم الرقابي مشاعا ويصل الى حد أن يحذف مدير دار العرض السينمائي ما لا يعجبه من مشاهد«. وشدد على أهمية أن يكون الرقيب مستنيرا ومثقفا ودارسا للفن »يجب أن تجرى لمن يلتحق بجهاز الرقابة دراسات مثلما يحدث مع من يلتحق بوزارة الخارجية فالثاني سفير يمثل الدولة والاول يمثل عقل الامة«. وأوضح أن الرقيب الواعي هو الحل المناسب الان الى أن ينمو وعي الجمهور ويستوعب فكرة الاختلاف وقيمة الفن الجيد »مهم جدا أن يكون لدى المشاهد ثقافة تسمح له بالتفرقة بين فيلمي /اللي بالي بالك/ و/الاختيار/«. الا أنه فرق بين ضرورة بقاء الرقابة واعادة النظر في قوانين التحكم والمراقبة »في كل الدول العربية« حيث لم تتغير منذ زمن طويل مشيرا الى أن قانون الرقابة على نشر وتداول الابداع في مصر والذي لا يزال ساريا الى اليوم صدر عام 1955 في ظل سيادة دعوات الهوية القومية والوحدة العربية. وأشار الى اختلاف السياق التاريخي والتكنولوجي الان بعد خمسين عاما متسائلا عن كيفية حماية الرقيب »للمجتمع من التعرض لمواد ابداعية تنتج داخل وطنه أو تدخل عليه من الخارج في ظل سماوات مفتوحة تبث ما هو مرفوض ومطارد ومعارض لقيم وسياسات هذا المجتمع«. وصدر لحسن عطية عن هيئة قصور الثقافة بالقاهرة مؤخرا كتاب /السينما في مرآة الوعي/ ويتناول فيه عددا من القضايا من بينها الوعي الشعبي بالسينما خلال مئة عام وتجليات السينما في وعي المخرجين المصريين من صلاح أبو سيف ويوسف شاهين حتى عاطف حتاتة مخرج الفيلم المصري /الابواب المغلقة/ مرورا بجيل الوسط ويمثله علي بدرخان. وانتقد عطية ثبات قوانين الرقابة العربية رغم تغير المجتمعات داخليا وانفتاحها خارجيا. وشدد على أن ما يتم الاعتراض عليه من أفلام في فترة يمكن التسامح معه في أخرى بعد تغير الظروف العامة اذ رفضت الرقابة المصرية في سبعينات القرن العشرين الموافقة للمخرج صلاح أبو سيف على اخراج فيلم /مدرسة الجنس/ ثم سمح بانتاجه بعد نحو ثلاثين عاما وأخرجه ابنه محمد أبو سيف وعرض عام 2001 تحت عنوان /النعامة والطاووس/. وأشار الى تدخل المؤسسة الامنية المصرية في تفاصيل بعض الافلام كما حدث مع فيلم /البريء/ الذي أخرجه عام 1986 المخرج المصري الراحل عاطف الطيب (1974 – 1995) حيث غيرت وزارة الداخلية نهايته التي كانت تجسد تمرد البطل »واطلاقه نار مدفعه الرشاش على قادة معسكره وبروز شخصية جندي بسيط اخر يقوم بقتل الجندي /المتمرد/«. وتابع »المؤسسات الدينية الرسمية والامنية والعسكرية تتدخل في صياغة وعي المتلقي بحذفها ما تراه مناقضا لما تعبر هي عنه«. ولحسن عطية دراسات في السينما من بينها /الرومانسية.. يوتوبيا السينما المصرية/ و/نجيب محفوظ في السينما المكسيكية/ وكتابان عن الفنانين المصريين الراحلين يوسف وهبي وسناء جميل. أخبار النجوم في 20 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
في ظل وجود وصاية شعبية على الفنون حسن عطية الرقابة تهدد الفن لكن إلغاءها الآن مصادرة لحرية الإبداع |
|