ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
شمس الزناتي

1991

Shams El Zanati

 
 
 
نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 9 مارس 1994
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

عادل إمام + محمود حميدة + سوسن بدر + محمود الجندي + إبراهيم نصر 

إخراج: سمير سيف ـ تصوير: سمير فرج ـ  سيناريو وحوار: مجدي هداية ـ مناظر: رشدي حامد ـ موسيقى: هاني شنودة ـ مونتاج: سلوى بكير ـ إنتاج: بوب أرت

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

شمس الزناتي

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

المتابع لأفلام المخرج سمير سيف يلحظ أنه أحد عشاق أفلام الحركة (الأكشن) في السينما المصرية، لذلك لم يكن من المستغرب على أن يكون هو مخرج فيلم (شمس الزناتي - 1991) الذي قام ببطولته النجم الأسطورة عادل إمام، فالفيلم تتوافر فيه كل العناصر التي يهيم بها المخرج سمير سيف.. الحركة السريعة، المغامرة، الترقب، المطاردات، التوتر، الصراعات المتوالية ذات الطابع العنيف.

ثم لا يفوتنا أن نشير إلى أن عشق سمير سيف هذا ليس عشقاً سلبياً ولكنه نوع من الشغف الإيجابي المتوقد، والمدعم بحرفية متمكنة وخيال منطلق، لذلك فإن أفلامه، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع بعض اتجاهاتها الفكرية، تمتاز بالإحكام الفني والتقني، الأمر الذي يجعلنا نضعها في خانة الأفلام التي تستحق المناقشة من باب الاحترام والتقدير لهذا المخرج.

أما بالنسبة لفيلم (شمس الزناتي)، فهو معالجة حديثة قدمها كاتب السيناريو الجديد مهدي هداية من الفيلم الأمريكي (العظماء السبعة) إخراج جون ستيرغن، والذي كان مقتبساً بدوره عن رائعة عبقري السينما كيروساوا (الساموراي السبعة).

يتحدث كاتب السيناريو عن فيلمه هذا فيقول: (...لقد استهواني هذا الموضوع حين شاهدته في الفيلم الأسطوري "الساموراي السبعة".. وكانت لي تحفظات كثيرة على النسخة الأمريكية، فالتباين بين الشخصيات لم يكن واضحاً، وحين اختار البطل معاونيه في مهمته اهتم بالبحث عن مواصفات خاصة فيهم، ولكن حين بدأت المعركة بالفعل لم أر بطولات تتناسب وهذه المواصفات القياسية الخارقة، فالغالبية العظمى ماتوا "فطيس"، ولهذا كان طبيعياً ألا أتعاطف معهم على الإطلاق...).. وللعلم، فإن سيناريو (شمس الزناتي) هو التجربة الثانية لمهدي هداية بعد تجربته الأولى في فيلم (البركان).

ونحن نرى أن كاتب السيناريو في الفيلم قد طوع الفكرة الأصلية لحساب النجم الفرد، حيث تم اختزال السبعة الساموراي في واحد، وتم تفريغ العمل الأصلي من رؤيته لفكرة العمل الجماعي، وتحويل الأفراد الستة الآخرين إلى مجرد أتباع للبطل الأوحد. فشمس الزناتي (عادل إمام) هو البطل الذي تتحدث عن مغامراته وأفعاله حارات القاهرة وأزقتها، وهو الذي جمع في جعبته كل شطار مصر، أمثال الزيبق وكل الفرسان العرب من أبي زيد الهلالي إلى الزناتي خليفة، والذي اشتق الفيلم اسمه منه. ونعرف لاحقاً بأنه هارب من ملاحقة سلطات الاحتلال بسبب قتله عسكرياً إنجليزياً بعد خلاف حول عاهرة، تسبب في معركة راح ضحيتها الجندي في (وش البركة) حي البغاء الشهير في تلك الفترة.

عموماً، الفيلم يتحدث عن قبيلة تسكن أحد واحات الصحراء الغربية، وتتعرض لهجمات عصابة من (الهليبة) المشكلة من فلول الهاربين من جيوش الحرب العالمية الثانية المتحاربة في الصحراء. وفي المقابل فإن أهل الواحة لا يبحثون عن مصدر قوتهم، وإنما يذهب كبيرهم للاتفاق مع عدد من الرجال لكي يحمونهم ويذودون عن حياتهم وأعراضهم، بينما ينصرف رجال الواحة إلى الرقص ولعب الورق والفزع والشكوى من ظلم (الهليبة) وجورهم وقسوة زعيمهم الماريشال "برعي"، ويجد الشيخ عثمان (رشدي المهدي) عمدة الواحة وشيخها ضالته في شمس الزناتي الذي بدوره يقتنع بضرورة الدفاع عن أهل الواحة ضد أعدائهم، فهو الفارس النبيل ذو المشاعر الوطنية المتدفقة والغرائز الجنسية الملتهبة التي تشكل ملمحاً من ملامح شخصية الفارس الصعلوك. وعن طريقها استطاعت حنة (سوسن بدر) ابنة الواحة أن تؤثر عليه، وتجعل من مساندته لهم شرطاً للزواج منها.

يؤلف الزناتي جيشاً من المرتزقة المشردين الضائعين أصدقاء الخدمة العسكرية، وينجح السيناريو في تقديمهم واحداً بعد الآخر، لنتعرف على كل منهم وعلى مهارته الخاصة، وعلى عمله الحالي واستعداده لخوض معركة المصير هذه. وإن اتفقوا جميعاً في نظرتهم الواقعية للأمور. حيث راحوا جميعاً يتساءلون عن ثمن ما سوف يقدمونه لأهل الواحة من خدمات دفاعية، واضطر شمس أن يختلق لهم قصة وهمية عن ذهب مخبأ تحت أرض الواحة.

وعبر رحلة مضنية في الصحراء الملتهبة يصل الرجال إلى الواحة بعد أن تكون حنة قد باعت محل الفول والطعمية ودفعت بثمنه إلى شمس مساهمة منها في شراء السلاح الذي سيحمي أهل واحتها.

يتهيأ شمس ورجاله لهجوم الماريشال برعي، بإقامة التحصينات والاستحكامات، ويلعب عادل إمام دور القائد الذكي سريع البديهة الذي يوقع بغريمه ويهزمه في الجولة الأولى، ثم ما يلبث برعي أن يجمع قواه ويغرر بشمس عن طريق بعض الخونة داخل الواحة، ويستدرجه إلى مصيدة أعدها له ليعلن شمس تحت تهديد فوهات البنادق والمدافع الرشاشة استسلامه هو ورجاله، ويسلمون أسلحتهم لبرعي الذي يقرر استيطان الواحة ودفع أهلها لخدمته وخدمة رجاله.

وفي مشهد حزين يخرج الرجال مهزومين مقهورين من الواحة بلا مال أو سلاح، يجرون أذيال الخيبة ولا يملكون من العتاد سوى النبل التي يجيد أحدهم التصويب بها، وبإحدى طلقاتها يصطادون إحدى سيارات الإنجليز المحملة بالسلاح، ومن ثم يقررون العودة للثأر من برعي ودعم أهالي الواحة.

في المعركة الأخيرة، والفقيرة سينمائياً، والتي كان لا بد أن ينتصر فيها شمس، وإن مات معظم رجاله، ينجح سمير سيف في إغنائها إنسانياً، من خلال لمسات درامية رقيقة، وينجح شمس في أن يصرع خصمه في النهاية ويتحقق السلام للواحة وأهلها.

لقد احتشد الفيلم بكل التوابل التي تصاحب عادل إمام في أغلب أفلامه، من الغزل الرقيق إلى المغازلة الفجة، إلى المعارك التي يخوضها ويخرج منتصراً سواء بقوته البدنية أو بذكائه الحاد الذي يفوق ذكاء كل من حوله أصدقاء وأعداء.

في مقابل الفارس المخلص وصورته الأسطورية ورفاقه النبلاء، يقدم الفيلم أهل الواحة كمسخ مشوه، ضعيف، جبان، مسلوب الإرادة، ينقسمون إلى مستسلم خانع أو خائن، يحتاجون لرجال يحمونهم من الخارج.

لقد كرس كاتب السيناريو طاقته كاملة لخدمة الهامشيين السبعة، وأهمل أهالي الواحة إهمالاً جسيماً، وفي المقابل انساق المخرج سمير سيف مع هذه التصورات السلبية لرجال الواحة، فطوال الفيلم الذي تحتدم فيه المعارك يشيد بشجاعة أبطاله وفطنتهم ومهاراتهم، في الوقت الذي يتلاشى فيه دور رجال القبيلة مما يؤدي إلى نتيجة أن أحداً لا يتعاطف مع قبيلة ليست جادة في الدفاع عن نفسها، قبيلة تقبل دفاع الآخرين عنها من دون أن تشاركهم على نحو فعال.

وإذا كان مدير التصوير سمير فرج قد قدم مستوى جيداً في تصوير المشاهد الخارجية في الصحراء وحاول أن تأتي المعارك في نفس المستوى، إلا أنها جاءت غير مقنعة بسبب ضعف تحريك المشهد وفقر الحركة فيه.

نجح مهندس الديكور رشدي حامد بتصميمه للواحة التي بناها في الصحراء، ومحاولته خلق الحياة داخل المكان واستفادته من عناصر البيئة ومفرداتها، ثم الحارة التي صممها على نحو يحمل عمق الأربعينات، سواء بالملاءات السوداء التي تلتف بها النساء أو الأعلام المصرية القديمة، ونجاحه في ذلك يؤكد موهبته وخبرته التي تبرز وتزداد فيلماً بعد فيلم، وليضع نفسه بجدارة وسط فناني الديكور المتميزين في السينما المصرية.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004