خللي بالك من زوزو

1972

 
 
 
 
نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 8 يونيو 1994
 
 
 
 

 

سعاد حسني + حسين فهمي + تحية كاريوكا + نبيلة السيد + سمير غانم

إخراج: حسن الإمام ـ تصوير: عبد الحليم نصر ـ سيناريو وحوار: صلاح جاهين ـ قصة: حسن الإمام ـ معالجة سينمائية: محمد عثمان ـ مناظر: ماهر عبد النور ـ موسيقى: فؤاد الظاهري ـ مونتاج: نادية شكري ـ إنتاج: تاكفور أنطونيان

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

خلي بالك من زوزو

       
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

هذا الاسبوع سيكون حدديثنا عن فيلم يعد من أهم وأبرز الافلام المصرية في مجال الغناء والاستعراض.. ويعتبر نموذجاً هاماً للاستعراض السينمائي في مصر والعالم العربي في تلك الفترة.. حتى أن الجيل الجديد عند مشاهدته لهذا الفيلم فأنه سيشعر بالحسرة لعدم وجود فيلم استعراضي حقيقي في الوقت الحاضر.

كتب السيناريو والحوار لفيلم (خللي بالك من زوزو) الفنان صلاح جاهين، وقدمه للسينما المخرج الذائع الصيت حسن الإمام، وقامت ببطولته الفنانة سعاد حسني وهي في قمة تألقها الفني (السبعينات)، يشاركها البطولة حسين فهمي، تحية كاريوكا، سمير غانم، شفيق جلال، نبيلة السيد وحشد كبير من الممثلين والكومبارس.

يحكي الفيلم عن زينب عبدالكـريم الشهيرة بزوزو (سعـاد حسني)، والتي تعيش حيـاة مزدوجة.. في الصباح طالبة في الجامعة، مثالية، متفوقة.. وفي المساء راقصة تسير كل خطى والدتها نعيمة ألماظية (تحية كاريوكا). إن زوزو إبنة شارع محمد علي، ابنة الراقصة التي ترقص في الأفراح، تظهر عليها تغييرات في شخصيتها، وذلك من تأثير حياة الجامعة عليها. فمن طريقة اشتراكها في المسابقات الرياضية، إلى أحاديثها الصحافية التي تتوج فوزها رياضيا، إلى محـاولة تجيير الشهرة لمصلحـة علاقات اجتماعية يومية مع زملائها، نشاهد أمثلة واضحـة من التطلعات التي تحلم بها زوزو، للقفز فوق أصولها الطبقية الفقيرة، والحلم بالارتقاء نحو حياة الغنى والشهرة.

لذا يكون أول مطالب زوزو، من والدتها، هو التوقف عن ممارسة مهنتها (الرقص). ومن الخطأ أن نعتبر طلب زوزو هذا ناتجا عن النظرة الأخلاقية أو الدينية لمهنة الرقص.. حيث أننا لو افترضنا بأن زوزو كانت بائعة فول وطعمية أو أية مهنة هامشية أخرى، لطلبت أيضا التخلي عنها، لان هذا في النهاية بداية التخلي عن كل حاجتها من طبقتها، كشرط من اجل دخول نعيم البرجوازية الذي تحضره لها الجامعة. ولا يمكن أن تغيب عنا حكاية المدافعين عن الدين في الجامعة، والتي حشرت في الفيلم بغية ابتزاز تعاطف المتفرجين وجعلهم يقبلون تخلي زوزو عن طبقتها وأصولها، فالصراع الذي شاهدناه في حدود الجامعة بين الرافضين والمؤيدين لزوزو، قدم صورة الفيلم باعتباره جاء من اجل فتاة جميلة وبطلة رياضية، في حدود مطموسة فكرياً وعلى نحو متعمد.

ثم تأتي حكاية الفتى الوسيم ابن العائلة الغنية، الذي سينتشل زوزو من الحضيض، حيث تلتقي زوزو بالمخرج المسرحي الشاب سعيد كامل (حسين فهمي) في ندوة له بالكلية، فتعجب به لتتخيل بأنه فتى أحلامها.. تتعرف زوزو على سعيد، وتتعدد اللقاءات، لتبدأ قصة حب بينهما حيث أن مجمل المواصفات الموجودة في هذا الشاب الوسيم والمحيطة به، والتي تسمح بمداعبة خيال أي فتاة فقيرة، هي التي ستقنع من لم يقتنع بعد بالسير في طريق التخلي الطبقي، والذي ستسير فيـه زوزو.

تغار خطيبة المخرج سعيد بعد أن تكتشف علاقة زوزو بخطيبها، لذا تفكر في طريقة لازاحتها من طريقها. فتذهب وتتفق مع والدة زوزو للرقص في حفل عيد ميلادها، وفى الحفل تحضر زوزو أيضا مع سعيد لتشاهد والدتها ترقص وسط مدعوين يسخرون منها، بشكل يدعو للخجل و الأسى.

فجأة وبالرغم من اعتراض سعيد، تقوم زوزو لترقص بتحد أمام انبهار المدعوين. وهي عندما ترقص أمام الحاضرين من الأغنياء فإنها لا ترقص لتدافع عن طبقتها أو عن والدتها أو عن أي شيء غير نفسها. فقد استطاعت خطيبة الشاب الوسيم في جرها إلى ميدان معركة حددته هي، معركة في بيت الأغنياء، المستعدين للرفض الأبله لكل ما يذكر بالفقر.

إن صناع الفيلم قد تنبهوا إلى أن رفض محيط هذا الشاب الغني لزوزو فقط لان خطيبته التي اختاروها له جاهزة، ليس رفضا طبقيا، بل انـه رفض عادي وتجاري يمكنه أن يحدث لألف ظرف وظرف لذلك اهتدى صانعو الفيلم إلى أن افضل وسيلة لجعل هذا الرفض يكون طبقيا، هو مقلب المخطوبة الذي دبرته لزوزو، والذي - في نفس الوقت - سيقلب هذا الرفض الطبقي من قبل العائلة الغنية إلى حب من قبل المتفرج الذي سيتعاطف تلقائيا مع زوزو. إن شحذ "زوزو" لأظافرها (خلعها لملابسها لترقص) لتدافع عن نفسها، تحت شعار الدفاع عن أصولها، هو في النهاية محاولة لإيجاد ميزان قوى مقبول لاجبار عائلة الشاب الغني على قبولها ضمن صفوفها.

إنها عملية ابتزاز مقلوبة، يقوم بها الفقير المتخلي عن طبقته حتى يعطى فرصة انتماء طبقي جديد. إن عملية الابتزاز هذه، والتي استكملتها عملية الابتعاد الشكلي من قبل زوزو عن الشاب الوسيم، ابن البرجوازية، لم يكن لها إلا هدف واحد، وهو إقناع هذا الشاب بعدم التخلي عن زوزو. والدليل على ذلك هو أن الصفعة التي جعلت زوزو تبتعد قليلا عن الشاب، لم تكن إلا نفس الصفعة التي أدخلتها إلى حريم البرجوازية وكرست قبول الشاب وطبقته بها، .. وان الذي غير موقعه الطبقي هو زوزو وليس الشاب.. والذي سينتقل إلى الشقة الفخمة هي زوزو وليس الشاب الغني هو الذي سينتقل إلى شارع محمد علي. ثم لا ننسى أن نضيف أن زوزو لم تشغل بالها كطالبة جامعية، وهو امتياز في شارع محمد علي، ولو لمرة واحدة بسكان حارتها وشارعها وبمشاكلهم، إلا عندما اضطرت أن تدافع عنهم دفاعا عن نفسها، تم تعود وتتخلى عنهم لتصالح نفسها في النهاية، عندما تتزوج من الشاب الوسيم الغني.

هذه هي حكاية فيلم (خللي بالك من زوزو)، وهى بالطبع حكاية تقليدية، بل ورجعية، حولتها السينما المصرية إلى فيلم استعراضي كبير ذو شعبيـة هائلة. والفيلم - بالرغم من حكايته هذه - مصنوع بدقة وباهتمام زائد من الناحية الفنية السينمائية، حيث توافرت له إمكانيات وعناصر فنية على مستوى عال من الجودة، وفرها له المنتج (تاكفور انطونيان).. من سيناريو شاعري رقيق، إلى حوار بالغ القوة والذكاء كتبهما (صلاح جاهين)، إلى تصوير متقن من (عبد الحليم نصر) لا يترك أي تفصيل يفوته، ويهتم بتوزيع الإضاءة بشكل يتناسب والتوتر النفسي للشخصيات.. إلى موسيقى تصويرية منـاسبة للحدث قدمها صاحب الخبرة الطويلة في هذا المجال فؤاد الظاهري.. و أخـيرا، أغاني واستعراضات جميلة وقوية، كتبها صلاح جاهين ولحنها كل من كمال الطويل وسيد مكاوي وإبراهيم رجـب ومنير مراد.

ثم على رأس هذا اللفيف من الفنانين يأتي المخرج حسن الإمام، صاحب الخبرة الطويلة في إخراج الفيلم الاستعراضي والغنائي، والذي وفق إلى حد كبير في إدارة من معه من فنيين وفنانين وخصوصا في اختياره وأدارته للممثلين من نجوم وكومبارس.. سعاد حسني المتألقة بسحرها وخفتها وحيويتها، وحسين فهمي بوسامته وقدرته على التوصيل، وتحية كاريوكا الفنانة القديرة الصادقة، وغيرهم ممن ظهروا في الفيلم، كل حسب دوره المرسوم له.

وختاما، لابد لنا من الإشارة إلى أن فيلم (خللي بالك من زوزو)، يـعتبـر واحداً من أبرز الأفلام الاستعراضية في تاريخ السينما المصرية وانجحها جماهيريا.. فقد حطم الأرقام القيـاسيـة في الإيرادات ومدة العرض. ففي السبعة أسابيع الأولى فقط من عرضه حقق ما يفوق المليوني جنيه مصري، واستمر عرضه ما يقارب العام الكامل ولولا حرب أكتوبر 1973 لما رفع من دور العرض واستمر عرضه لمدة اكثر.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004