ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
حين ميسرة

2007

When Things Get Better

 
 
 
نشر هذا المقال في هنا البحرين

على ثلاث حلقات في 14 ـ 21 ـ 28 يناير 2009

 
 
 

بطاقة الفيلم

 

 

 

تمثيل: هالة فاخر، عمرو سعد، وفاء عامر، عمرو عبدالجليل، سميه الخشاب، أحمد بدير، أحمد سعيد عبدالغنى، سوسن بدر، سامى مغاورى، سليمان عيد، ماهر سليم

قصة وسيناريو وحوار: ناصر عبدالرحمن، خالد يوسف ـ إخراج: خالد يوسف ـ مدير التصوير: رمسيس مرزوق ـ مونتاج: غادة عز الدين ـ مؤثرات خاصة: سيد هاشم ـ موسيقى: كمال الطويل، ياسر عبدالرحمن ـ ملابس: مونيا فتح الباب ـ ديكور: حامد حمدان ـ توزيع: الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي ـ انتاج: هيثم يوسف (الإخوة المتحدين للسينما الباتروس للإنتاج الفني والتوزيع (كامل أبو على)

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

حين ميسرة

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

لخبطة درامية عن الواقع..!!

أثار فيلم (حين ميسرة) لمخرجه خالد يوسف، الكثير من الجدل خلال عروضه الأولى مع بدايات الموسم السينمائي الماضي.. وصحبت هذه العروض ضجة إعلامية لم تهدأ بعد.. ليس لأن الفيلم يتناول قضايا خطيرة في المجتمع.. ولكن لأن الفيلم يحتوي على مشاهد متنوعة من جنس واغتصاب وشذوذ.. وغيرها من القضايا المثيرة..!!

وظهرت علينا الصحافة بتصريحات نارية لصناع الفيلم من مخرجه إلى بقية طاقمه الفني.. تقول بأن هذا الفيلم يعد من أبرز أفلام الموسم، بل أهمها على الإطلاق، باعتباره يناقش قضايا هامة في المجتمع، مثل مجتمع العشوائيات، ومشكلة أطفال الشوارع، وقضية الإرهاب والجماعات الدينية المتطرفة.. صحيح بأن الفيلم قد تناول كل هذه القضايا، ولكن كيف تم تناولها.. هذا هو السؤال..!!

وأن تصريح المخرج خالد يوسف، بأن (حين ميسرة) هو أفضل أفلامه، فهذه لوحدها مشكلة.. فهو بذلك يهدر كل الجهد والإبداع الذي بذله في جميع أفلامه.. فماذا لو أن هذا الفيلم بالذات، نعتبره هو أضعف أفلامه.. على جميع الأصعدة..!!

وكما جاء أيضا، تعليق بصوت المخرج في نهاية الفيلم ما معناه، بأنه لم يقدم كل شيء عن مجتمع العشوائيات، فهذا الواقع أفظع مما جاء في الفيلم.. وهذا كلام جميل، لكن مشكلة الفيلم الأساسية تكمن في كيفية التعامل مع حقائق وأحداث واقعية بشكل فني غير مباشر.. فالفن لا يعني فقط أن تقدم الواقع كما هو.. الفن هو كيفية التعامل مع هذا الواقع ورصد ما يحدث فيه من خلال رؤية درامية واعية.. هذا على مستوى الفيلم الروائي، وليس التسجيلي، الذي يمكن أن يحتمل تسجيلاً حياً بالصورة للواقع ورصد مظاهر الخلل فيه.

هنا.. يقدم فيلم (حين ميسرة) شخصيات درامية واقعية، لكنها في نفس الوقت محاطة بالكثير من الأحداث والقصص المبعثرة وغير المكتملة فنياً، والتي لا تترك أثر في وجدان المتفرج، بل أنها ترهقه ومن ثم تنفره من التعامل مع الفيلم وشخصياته.. ففي هذا الفيلم يمكننا العثور على قصص عن كل شيء.. فالفيلم يحدثنا عن الفقر، وعن الجنس، وعن الاغتصاب، والعرى والشذوذ الجنسي، والتعذيب والعنف، وعن غزو العراق، علاوة على الفساد المجتمعي، والأموال المزيفة، والتطرف الديني والإرهاب.. كل هذا نشاهده في كل زاوية من زوايا الفيلم الدرامية، مبعثراً ومخلوطاً بقضية الفيلم الرئيسية، ألا وهي مجتمع العشوائيات ومشكلة أطفال الشوارع، لدرجة أنها، (أي القضية)، قد ضاعت درامياً في هذا الزحام.. فهذه القضية التي زعم الفيلم بأنه يناصرها ويحارب من أجلها، طارت في الهواء مع قنابل الأمن ومتفجرات الجماعات الإسلامية المتطرفة في نهاية الفيلم، بعد إصرار هؤلاء الفقراء البقاء في الحي ليموتوا تحت قنابل الأمن المركزي، بدون أي مبرر منطقي.. ولتصبح رسالة الفيلم النهائية ضد هؤلاء وليست لصالحهم.. فليس من المنطقي أساساً، رصد هذه القضايا والقصص الخطيرة جميعاً في عمل واحد.. باعتبار أن فيلماً واحداً لن ينجح إطلاقاً، في تقديم تحليل درامي ورؤية واعية وواضحة لكل هذه القضايا، أقصد رؤية ليس المطلوب منها تقديم أية حلول مباشرة للقضايا المطروحة، وإنما تقديم رؤية فنية وإنسانية درامية يمكن أن تفيد وتثير الحوار والجدل حولهاً..!!

شخصيات وعلاقات إجتماعية مشوهة..!!

سرد الأحداث الدرامية في فيلم (حين ميسرة) يبدأ مع أولى مشاهده.. في مجتمع العشوائيات، حيث يتعرف عادل حشيشة (عمرو سعد) على ناهد (سمية الخشاب)، وتثمر علاقتهما طفلاً محرماً، تفشل الأم في العناية به، بينما يرفضه الأب بسبب ضيق الحال، ليصبح مصير الطفل هو الشارع.. يتنقل عادل من العمل الشريف إلى تجارة المخدرات، ومنها إلى البلطجة.. وتنطلق ناهد من الهرب للعشوائيات والخدمة في البيوت، ثم إلى الدعارة وتنتهي بأن تكون راقصة.. أما طفلهما، فينتقل من يد سمسار للأطفال إلى أسرة غنية، ثم إلى ملجأ، لينتهي به الحال لأن يكون أحد أطفال الشوارع، حيث يعاشرهم ويعيش معهم، ويقيم علاقة محرمة حين يكبر، لتثمر هذه العلاقة طفلاً جديداً عير شرعي.

هذه هي الثيمة الرئيسية للأحداث في الفيلم، والتي تدور على نطاق زمني ليس بالقصير (أكثر من عشر سنوات).. منذ عزو الكويت، وحتى دخول القوات الأمريكية للعراق.. والفيلم يتابع هذه الأحداث في ثلاثة خطوط درامية رئيسية، الأب والأم وابنهما..!!

الأب عادل حشيشة، الفقير والعاطل عن العمل، والذي عليه أن يصرف على أخوته ووالدته (هالة فاخر)، رغم عدم نجاحه في إيجاد عمل مستقر.. شخصيته متأرجحة بين أن يكون طيب وحنون وبين أن يكون قاسي وشرير، ونراه في تحولاته النفسية والإجتماعية، من مجني عليه إلى مجرم إلى بلطجي.. يبيع المخدرات، ثم يصبح بلطجي وحامياً لمنطقته، يساعد الشرطة في القبض على المجرمين، ثم يساعد الجماعات الإرهابية في عمل كمين للشرطة.. يتعرض للطلم والقهر ويدخل السجن في جريمة لم يرتكبها، بينما ينفذ بجلده من جرائم كثيرة يرتكبها..!!

الأم ناهد، والتي تقابل خلال رحلة هروبها من قريتها إلى المدينة الكبيرة، نماذج كثيرة من البشر، فهي في البداية تواجه زوج أم مدمن يتحرش بها، إلى إمرأة شاذة تتحرش بها جنسياً، إلى إنتقالها لبيت دعارة لتعمل به راقه، ليتم اغتصابها، ومن ثم يستغلها صاحب ملهى في جذب زبائنه، وتتعرض للكثير من الأحداث والمواقف على نفس المنوال.

أما خط الإبن، وهو أضعب الخطوط الثلاثة، بل أنك تشعر بأنه مقحم على الفيلم، فقط يوجد لإثارة قضية أطفال الشوارع التي أصبحن موضة درامية في الفترة الأخيرة، لدرجة أننا نلاحظ بأنه كان منسياً مع بداية الأحداث.. .. فبعد أن يرميه الأب والأم في الشارع، ينتقل بفضل سمسار الأطفال إلى عائلة غنية تربيه، ولكنها تتخلى عنه بعد أنجابهم لطفل آخر، وترميه ليتلقفه الشارع، ويختلط بأطفال الشوارع ويعاشرهم، ويقيم علاقة مع فتاة منهم لتثمر طفلاً.

 

إخراج متذبذب ودعائي ضاع في الزحام..!!

شخصيات فيلم (حين ميسرة) عموماً، بالرغم من نجاح الكاتب وحذره في انتقائها من المجتمع، نرى بأنه لم يحسن صياغتها درامياً، وبدى اهتمامه أكثر بما يحيطها من أحداث، الأمر الذي أثر على بناء هذه الشخصيات، وأفرغها من تلك اللحظات الدرامية الإنسانية العميقة التي تعبر عن مشاعرها وتصرفاتها.. وبالتالي لم يتعاطف المتفرج معها، بل افتقد ذلك الإحساس بمشاعر الأم حين تضطر للتخلي عن وليدها في الشارع، ومشاعر المرأة حين تغتصب، ومشاعرها وهي تنجب على قارعة الطريق.. وكلها مشاعر وأحاسيس لابد من التأكيد على مدلولاتها درامياً لكي تزيد من مصداقية الشخصية نفسها..!!

كما لم ينجح السيناريو بالإمساك بحيثيتات مهمة وتفاصيل صغيرة تحيط بالشخصيات، للتأكيد على خصوصية كل شخصية على حدة، خصوصية تمس واقع الشخصية المعاش وأحلامها المؤجلة وأمنياتها المفتقدة.. علاوة على أن السيناريو يقدم صورة نمطية مكررة لمجمل تلك الشخصيات في الفيلم.. إن كان لفتاة الريف الهاربة من مجتمع تقليدي متخلف، إلى تصويره لتلك الجماعات الإسلامية المتطرفة بشكل كاريكاتوري، مما أفقد القضية جديتها وابتعد عن طرح أي أثر للواقع والمجتمع لظهور ونمو هذه الجماعات..!!

خالد يوسف كمخرج، قدم أسلوباً إخراجياً متذبذباً عموماً.. فنشاهد مثلاً مشاهد قوية فنياً، بل وتثير الدهشة، في مقابل مشاهد تتميز بالنبرة التجارية البعيدة تماماً عن الفن، حيث يبدو التحايل في استخدام مشاهد الجنس والاغتصاب والشذوذ، بهدف دعائي وتجاري بحت، مما أفقد العمل مصداقيته، وجعل الحالة الإخراجية في الفيلم تضيع في زحام ما يطرحه الفيلم من قضايا مثيرة ولكن مبعثرة هنا وهناك.. زد على ذلك، حالة الإخفاق الواضح في عناصر المونتاج والموسيقى الدرامية التقليدية والمؤثرات الصوتية، وفشل واضح أيضاً للماكياج والملابس في إيضاح ذلك التطور الزمني الذي تدور فيه الأحداث.. بالرغم من ذلك الاجتهاد الواضح من مدير التصوير رمسيس مرزوق في تقديم إضاءة درامية معبرة وموحية لواقع الشخصيات وأعماقها، ساعده في ذلك الديكور الموفق لحامد حمدان، في جزئياته وحيثياته المطابقة للأمكنة الحقيقية للعشوائيات.

أبرز عناصر الفيلم إجمالاً، كان الأداء التمثيلي، حيث نجح مجمل الممثلين في استغلال كل الفرص المتاحة لإبراز قدراتهم الأدائية، وتألقت على رأسهم  هالة فاخر في دور أم البطل، دور يعد من بين أهم ما قدمته على مدى مشوارها الفني.. ثم يأتي عمرو عبدالجليل في دور صديق البطل، كاكتشاف حقيقي لقدرات هذا الممثل المتميزة.. وكذلك وفاء عامر، رغم قصر دورها، إلا أنها نجحت في تجسيد شخصية كاملة الملامح درامياً ونفسياً، وكشفت بها عن عمق استثنائي في الأداء.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004