بالنسبة لقضية التوصيل والتواصل مع الجمهور، فهي قضية هامة تشغل
عبد السيد، هذا لأنه فنان تهمه قضايا ومشاكل واقعه، بل وحريص على
مخاطبة أكبر عدد من الناس. كما أنه في نفس الوقت يريد أن يكون
راضياً عن عمله، ويحقق من خلال العملية الإبداعية نضجاً فنياً.
إنها طبعاً معادلة صعبة، لكنه مصر على تحقيقها، بل ونجح فعلاً في
تحقيقها، وأفلامه تشهد له بذلك. فهو يتحدث في هذا الصدد، ويقول:
(...أريد فيلمي فيه الحد الأدنى من الجاذبية.. أحد أهدافي المهمة
جداً هو الإتصال، وداخل هذا الإطار في الوصول، يقف الواحد ويقول:
عايز أعمل اللي أنا عايزه، داخل إطار أن هناك مبدئياً جسراً بينك
وبين الناس...).
سينما الشخصيات:
يهتم عبد السيد كثيراً بشخصياته أكثر من إهتمامه بالقضية المطروحة
كقضية، مقتنعاً تماماً بأن أية قضية إنما تبرز عندما تتألق الشخصية
وتعبر عن أحلامها وطموحاتها بصدق. وهو بذلك لا يبحث إطلاقاً عن
حكاية تقليدية، وإنما يبحث عن نماذج وحالات نمطية تعيشها شخصياته.
ثم أنه يقدم هذه الشخصيات ويتركها تعيش واقعها وتتصرف بتلقائية حتى
ولو أدى ذلك الى تصرفات لا أخلاقية.. إنه يتابعها فقط، ويقدمها كما
هي.. لا يدينها بل ينظر إليها برحمة ويتلمس لها الأعذار والدوافع،
ويتفهم حاجات النفس والجسد.. (...عندما أكتب أفلامي أكون في حالة
خاصة ولا أتدخل في تطور الشخصيات، بل أتركها كما هي، تأخذ إمتدادها
الطبيعي...).
نهايات متعددة:
ويتميز عبد السيد بتقديم نهايات مختلفة عن التقليد في أفلامه.
فبناء النهاية عنده يشكل أسلوباً خاصاً، حيث تبدو الأفلام متعددة
النهايات. ففي مشهد من (الكيت كات)، عندما يظهر الشيخ حسني متوجهاً
الى عمق الكادر وهو يجر العربة التي تحكل جثمان عم مجاهد، يعتقد
المتفرج بأن هذا المشهد، المؤثر والمليء بالحزن والأسى، هو
النهاية.. إلا أن عبد السيد يتجاوز كل هذا الحزن، ليدفع بنا الى
أكثر مشاهد الفيلم مرارة وسخرية، وهو مشهد حديث الشيخ حسني في
الميكروفون.. وبالرغم من عبثية هذا المشهد وجماليته كنهاية طبيعية
للفيلم، إلا أنه لا يحقق لعبد السيد هدفه ورؤيته، ليعود الى يوسف ـ
بعد أن تخلص من عجزه ـ وهو منطلق مع والده في شوارع القاهرة في
مغامرة مجنونة على الدراجة، لينتهي بهما المطاف في نهر النيل، مع
إشراقة الصباح الرائعة، ليخرجان بثياب مبللة تجمعهما ضحكات صافية
وساخرة، معلنة إنهزام اليأس والإحباط والعجز. هذا ما أراد عبد
السيد الوصول إليه في فيلم (الكيت كات).
الفرسان الجدد والسينما المختلفة:
يحاول مخرجنا داود عبد السيد ـ مع قلة من زملائه المخرجين ـ
المغامرة بأفلام مختلفة، والخروج على التقاليد السائدة للسينما
المصرية. ويجمع هؤلاء المغامرين شيء رئسي واحد، وهو أن السينما
بالنسبة لهم ليست وسيلة لأكل العيش فقط.. يقول عبد السيد:
(...الترفيه جزء مهم لا ينكره أحد، والأهم هو كون السينما وسيلة
تعبير، وهو ما لا نجده في السينما التقليدية. إن السينما من وجهة
نظري شخصية.. وأعتقد بأن هذا هو ما يجمعني بمحمد خان وخيري بشارة
وعلي بدر خان، مع إختلاف كبير جداً في الإساليب وفي الأفكار الفنية
والسياسية وغيرها.. إننا مهتمون بالسينما كفن...).
|