إذا كان الشعب تتقدمه النساء خرج في «العصفور» بتظاهرة رافضة
للاستسلام لتصرخ بطلته «حنحارب» ويرددها الجميع وراءها، فإن النساء في «هي
فوضى» خرجن في تظاهرة جديدة في حي شبرا القاهري لخوض حرب من نوع آخر، الحرب
على الفساد المستشري في دوائر السلطة.
هكذا هو دائماً يوسف شاهين: عاشق للمغامرة السينمائية، يرفض
القوالب الثابتة ويتمرد على التفاصيل المعتادة، هو حالة سينمائية خاصة في
تاريخ الفن العربي، يقدم في فيلمه الجديد المجتمع المصري والأزمة العربية
بلغة بسيطة ومباشرة ليعود بالسينما إلى حضورها المؤثر.. والنابض بالحياة.
تدور أحداث فيلم «هي فوضى» في الزمن الحالي، ويروي قصة تدور
أساساً حول شخصية واحدة، لكنها تتفرع إلى شخصيات وتفاصيل كثيرة أخرى ترسم
لنا صورة لما وصلت إليه الأحوال من فوضى في مصر الآن.
شاهين في فيلمه الجديد يحاول أن يستعرض أحوال المجتمع بمختلف
طبقاته من خلال شخصية أمين شرطة، يلعب دوره خالد صالح يعمل في قسم شبرا
أثناء تظاهرات تجتاح البلاد، يقوم خلالها بأعمال الغسل الوسخ لضابط مباحث
في حضور مأمور سلبي.
يحب هذا الأمين جارته، وهي مدرسة شابة تلعب دورها منة شلبي.
أما المقابل الإيجابي لكتلة الأمن الفاسدة هو العدل الممثل في وكيل النيابة
الذي تعشقه الفتاة، وأمه ناظرة المدرسة التي تلعب دورها هالة صدقي، وتتصارع
كتلة الأمن والعدل مع صراع الثالوث الكلاسيكي: الرجلان أمين الشرطة، ووكيل
النيابة، والفتاة المدرسة، وينتهي الفيلم نهاية رمزية بمشاركة الشعب الذي
تحرك أخيراً للقضاء على الفساد.
«حاتم»
أمين الشرطة الفاسد الذي يحكم الحي الشعبي بالقهر والقمع وإشاعة الخوف
وإساءة استخدام السلطة، حول مركز الشرطة إلى سجن خاص يسوق إليه كل من يشعر
هو بالحقد عليه لسبب أو لآخر، الشعار الذي يردده أمام الجميع طيلة الوقت هو
«إن كل من لا خير له في حاتم لا خير له في مصر».
لقد تحول «حاتم» إلى «حاكم» يتستر الضباط على سلوكياته
وجرائمه، التي يبذل وكيل النيابة «إمعاناً في الرمز يسميه الفيلم شريف»
جهوداً لكشفها وتعرية فساده واخضاعه للقانون. ويبرر كاتب السيناريو ناصر
عبدالرحمن القمع الذي يمارسه أمين الشرطة: من خلال مشهد واحد، يبدو فيه
«حاتم» متوازناً كإنسان يبوح بمعاناته (لنور) ـ الاسم ذو دلالة ـ جارته
الحسناء التي يعشقها إلى حد الجنون، كيف نشأ يتيماً، استولى عمه على أرضه،
وعاش في طفولته متنقلاً بين بيوت أقاربه الذين أساءوا معاملته، وظل دائماً
يشعر بالجوع والقسوة.
عرض الشخصيات سريع ومبهر، الحوار جميل، الصورة لرمسيس مرزوق
شديدة الاتقان، خصوصاً عندما يكون هناك جماهير، ينقل قهرها أو غضبها، أو
المشاهد التي أكدت سلوك «حاتم» الجنسي مثل تلصصه على «نور» وهي تستحم
عارية، تسلله إلى مسكنها يتشمم فراشها وملابسها، أو اللقطات داخل زنزانة
الحجز، أو التعذيب الذي يتعرض له السجناء بالضرب أو استخدام التعليق
والكهرباء.
لا شك أن أداء خالد صالح الذي حمل الفيلم على كتفيه، كان
ممتازاً ويحمله أيضاً مسؤولية ما هو قادم، وإلى جواره الممثلة منة شلبي
التي أجادت التلوّن في التعبير عن الحب والكراهية، وأخيراً الممثل الصاعد
يوسف الشريف في دور وكيل النيابة الذي يتصدى للقهر كنموذج فردي متمرد على
نظام بأكمله، أراد له شاهين ألا يقهر حتى يمنح مشاهديه الأمل ولو على حساب
الواقع.
كلام ساكت
من الحماقة أن نطلب حياة هادئة لمجرد ألا نفقد شيئاً، ومن
الممتع أن نموت في سبيل شيء كنّا نؤمن إننا نعيش من أجل الوصول إليه.
osama614@yahoo.com
البيان الإماراتية في 16
ديسمبر 2007
نظرة ما
التمثيل لدى يوسف شاهين
بقلم
:أسامة عسل
استطاع يوسف شاهين أن يلبس أبطال أفلامه ثوبه، وجعلهم يتقمصون
حركاته العصبية وطريقته في خطف الكلام والتلعثم، فلا تكاد تفهم شيئاً مما
ينطقون ولا تعرف سبباً لاختيارات شاهين الرجالية، التي ركز فيها أيضاً على
صفات جسدية متشابهة لحد ما، هشام سليم في «عودة الابن الضال»، محسن محيي
الدين في «اليوم السادس»، هاني سلامة في «المصير»، أحمد وفيق في «سكوت
هنصور»، أحمد يحيى في «إسكندرية نيويورك»، وأخيراً يوسف الشريف في «هي
فوضى».
دائماً يجهد شاهين نفسه بالبحث عن المواهب الشابة، فيذهب إلى
حفلات الأوبرا، ويشاهد أفلاماً كثيرة، ويتجول بين مسارح الجامعات بحثاً عن
وجوه مميزة، وقدرات فنية، ربما تمكن من خلال أعماله من إخراج طاقاتها، إلى
مساحات أوسع ونطاقات أشمل.. ولا يكتفي بذلك بل لن تجده يبدأ فيلماً جديداً
قبل عمل لقاءات فنية للشباب ليختار أبطال فيلمه الجديد. نصيحة شاهين
الوحيدة التي يوجهها لممثليه هي أن الطاقة الحقيقية لتقديم أي شخصية تكون
من العينين، فهي الأساس، وليس من تقلصات الوجه.
نظرات العين هي أكثر ما يهتم به شاهين في تعبيرات الممثل، وكان
محمود المليجي أبدع من يؤدي دوره بتلقائية لم يجدها شاهين لدى أي ممثل آخر،
بل عبر عن ذلك بقوله: «إنني شخصياً أخاف من نظرات عيون المليجي أمام
الكاميرا». ولعل ولع يوسف شاهين بالتمثيل يأتي في الأساس من رغبته وحلمه
الأول في العمل كممثل، فقد كان ينوي دراسة التمثيل أثناء وجوده في أميركا،
فوجد أن شكله وتكوينه الجسماني لا يؤهلانه لنجومية التمثيل، فاتجه للإخراج،
وترك التمثيل، لكن عشقه له لم ينته أبداً.
وكان فيلم «باب الحديد» فرصة حقيقية لشاهين أن يخرج من خلال
شخصية «قناوي» بائع الصحف الأعرج، كل شوقه ورغبته في أن يكون ممثلاً ذا
أداء وملامح خاصة، ولن تجد فيلماً لشاهين خالياً من ممثل يؤدي بطريقته، فهو
يصبغ ممثليه بأدائه وأسلوبه في الكلام والحركة والانفعالات المتوترة
والحادة والطفولية.
وعلاقة يوسف شاهين بالممثل متشابكة جداً، فهو يرغب في رؤية
الممثل من خلال مرآته هو، ورغم ذلك يحترم الممثل الذي يبتعد عن محاكاته ولا
يعتمد على التقليد لأنه يرغب في أن تكون للممثل شخصيته المستقلة.
وبعد رحلة طويلة تخطى فيها عمر شاهين ال80 عاماً، نجد أن
الكلمات نفسها لم تتغير وأسلوب اختياره وتعامله مع الممثلين كما هو منذ
بدأ، وحتى هذه اللحظة، ولذلك لا يزال اسم شاهين ذا وقع خاص في الأذن ننجذب
إليه سريعاً كلما سمعنا «فيلم من إخراج يوسف شاهين» قبل أن ننجذب إلى اسم
بطل أو بطلة الفيلم.
كلام ساكت
الحلم فن، يقدر عليه الجميع.. لكن لا يقوم به إلا عدد قليل من
البشر يملكون الشجاعة والمغامرة والرؤية والإصرار.
osama614@yahoo.com
البيان الإماراتية في 15
ديسمبر 2007
نظرة ما
سينما المرأة في المهرجان
بقلم
:أسامة عسل
هل تستطيع اتجاهات وأفكار الجيل الجديد من مخرجات السينما، أن
تكسر حاجز الصمت المطبق تجاه سينما وجدت كثيراً من الاتفاق والاختلاف حول
تسميتها، وإن كانت في كل المراحل معروفة وناضجة وأكثر طرحاً لما يمكن أن
نطلق عليه مصطلح «سينما المرأة».
وهل تعتبر بحق محاولات السنوات الأخيرة نواة ومؤشراً لسينما
محددة التفاصيل، يمكن مع الوقت أن تتشكل لتصبح أكثر قدرة على التعبير عن
واقع المرأة وقضاياها.
منذ فترة طويلة، كانت هذه القضية تثير الحساسية وردود الأفعال،
وتدخل أحياناً في نطاق ما هو محظور، بل إن البعض كان يتعمد الوصول بها إلى
تساؤل، من هو أكثر قدرة على التعبير عن ـ سينماها ـ الرجل أم المرأة؟
في فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان دبي السينمائي وتحت عناوين
البرامج المختلفة توجد العديد من الأفلام التي يتناولها الرجل عن المرأة،
وتعكس خفاياها ومشاكلها، ففي مسابقة الأفلام الروائية هناك أفلام مثل:
«ألوان السما السبعة»، «بلد البنات»، «في شقة مصر الجديدة»، وفي برنامج
الجسر الثقافي نجد الفيلمين الفرنسيين «امرأتان» و«رحلة البالون الأحمر».
وإذا رصدنا أيضاً اجتهادات المرأة في السينما العربية فنجدها
تنافس في مسابقة الأفلام القصيرة من خلال أفلام «مغارة ماريا» لبثينة كنعان
خوري، «قمر 14» لساندرا ماضي، «33 يوم» لمي المصري، «حبل غسيل» لعلياء
أرصغلي و«سارا» لخديجة ليكلير.
أما برنامج «ليالي عربية» فنجد أفلاماً تتحدث عن المرأة مثل،
«لولا» للمغربي نبيل عيوش، «آنسات، نساء، مواطنات» للبناني محمود حجيج..
بالإضافة إلى «من نافذتي من دون وطن » للمخرجة ماريان زحيل، «أميركا ضد
العربان» للمخرجة لين هالفورسن.
وفي برنامج «سينما العالم» نجد فيلمين أحدهما للمخرجة أنا هي
برنيري وعنوانه «أنكارناثيون» والآخر للمخرجة سوزان باير بعنوان «أشياء
فقدناها في الحريق».
أما في الأفلام الوثائقية، فتشارك من خلال فيلم «الساعة
الحادية عشرة» للمخرجتين ليلى كونورز وناديا كونورز، وفي سينما الأطفال
تقدم متراس فيلم «شجرة السلام»، وبرياناير فيلم «كويمر تعمل لكي تعيش»، وفي
برنامج «إيقاع وأفلام» نرى فيلم «حول الكون» للمخرجة جولي تيمور.
ولعل القيمة الفنية التي تحملها هذه السينما، وعمق الرؤية،
وجرأة الإخراج، كلها بلا شك عوامل تؤكد خصوصيتها، وأن هاجس إخراج سينما
المرأة للواقع أصبح بالفعل قوياً لوجودها.
كلام ساكت
الأغبياء هم أشخاص كسالى حتى عن الحلم، مترهلون بالشكل الذي
يرفضون معه التفكير ـ مجرد التفكير ـ في صناعة شيء جديد مدهش، هم يسيرون
إلى الخلف بنظرية عدم الرغبة في الحلم، فالأحلام من وجهة نظرهم وجع دماغ
ووجع قلب.
osama614@yahoo.com
البيان الإماراتية في 16
ديسمبر 2007
|