محمد خان واحد من المخرجين الجادين الذين أصدروا بيان جماعة
السينما الجديدة في مصر في نهاية السبعينات، وأخذوا على عاتقهم إرساء دعائم
فنية وجمالية، وطرح مشكلات واقعية بشكل عميق، ما أدى إلى النهوض بمستوى
الفيلم المصري، وبالتالي التأثير في السينما العربية بشكل عام.
يطلقون عليه «عاشق التفاصيل»، كل لقطة في أي فيلم يخرجه لوحة
فنية مليئة بالإيحاءات، ممزوجة بعرق جيل حمل على عاتقه ولا يزال رغبة أكيدة
بنجاح الفيلم العربي في كل المحافل. ورغم المناخ الرديء حالياً للسينما،
يصر خان على اقتحام مناطق شائكة ببراعة، وفي كل عمل جديد يوجعنا على ما فات
وما هو آت، يدهشنا باختيارات مواضيعه، الأماكن والشوارع نراها في أفلامه
مختلفة تبوح برائحة البشر الذين يسكوننها أو يسيرون عليها، ينقل نبض
أحلامهم.
وفي فيلمه «في شقة مصر الجديدة» يعري مشاعرنا ويقذف بها في
وجوهنا، وكل أفلامه تستحق المشاهدة أكثر من مرة. ينفرد محمد خان عن باقي
المخرجين، في أنه يكتب القصة لأغلب أعماله، وهذا ما يجعله أكثر حميمية مع
أفلامه، كان هذا هو مدخلنا للحوار معه.
·
تتدخل دائماً بالكتابة أو تضيف إلى
سيناريوهات أفلامك، فهل تسعى بذلك أن تكون مميزاً عن الآخرين.
ـ ليس بالضرورة، فأنا لا أعرف ما الذي يميزني، لكن الفكرة أن
عدداً كبيراً من أفلامي تكون بذرتها من عندي، فالفكرة أو شخصية الفيلم تكون
هاجسي، ويبدأ العمل من هذه اللحظة، أو أن يأتيني السيناريو كاملاً مثل «في
شقة مصر الجديدة»، فأقرأه، ثم أضع ملاحظاتي أو تعديلات لأشياء أريدها، أو
أؤكد أفكاري على أمور بعينها، وبالتالي أرى أن كل مخرج لابد أن يضع يده في
السيناريو، وليس بالضرورة أن يضع اسمه عليه.
·
القاهرة في أفلامك مختلفة بشوارعها
وميادينها، ما الذي تراه ولا يشاهده غيرك؟
ـ القاهرة ليست مختلفة.. هي كما هي لا أؤلفها أو أجملها،
ولكنني مولود وأعيش فيها، وبالتالي عيوني تراها وتعرف تفاصيلها، يمكن أن
يكون لدي وجهة نظر مختلفة، فهذا شيء داخلي لدي، ليس هناك تعمد أن أصور
القاهرة بشكل معين، الأمر مرتبط بما أصوره، فمثلاً فيلم «في شقة مصر
الجديدة» الموضوع يتحدث عن الحب.
وبالتالي لابد أن أنظر لها بما يخدم موضوع الفيلم وحالته،
ومثال آخر عندما أخرجت فيلم «هند وكاميليا» النظرة كانت مختلفة، وهو عالم
آخر سفلي، لابد أن تظهر القاهرة بشكل مختلف، فكل فيلم له مناخه وتفاصيله
ونظرته، وبالتالي القاهرة هي القاهرة، لكنها تتغير من تناول إلى آخر،
فالشوارع والأماكن في فيلم «الحريف» تختلف عن «عودة مواطن» وهكذا.
وهناك مثال آخر، عندما صورت فيلم «ضربة شمس» وفي نهايته يذوب
البطل في ميدان التحرير وسط الناس، المكان موجود ومعروف للجميع، لكنني
أظهرته برؤيتي، فكان مفاجأة لاحظت أصداءها لدى الجمهور والنقاد.
·
لماذا إصرارك على المفهوم التجاري السائد
والذي يجعلك تخسر مالياً، رغم أنه يمكنك التفوق فيه؟
ـ ليس إصراراً، أنا أعلم أن السينما فن وتجارة، ولم أنس أبداً
أنها تجارة أيضاً، بل أرى أن ما يقولونه شماعة، فأنا وأبناء جيلي دخلنا
المجال والسينما الحقيقية سائدة بنجومها وعملنا أفلاماً أكثر صرفاً وربحت
هذا هو الفرق، نحن نتحدث عن نسبة وتناسب، ففي الثمانينات كانت ميزانية
الفيلم تتراوح بين 600 و850 ألف جنيه.
أما الآن فنحن نتحدث عن أفلام تتكلف 4 إلى 7 ملايين، كنا نعمل
للفيلم عشر نسخ فقط، وكان توزيع الفيديو مهماً. إنها تركيبة أخرى، لكن
الفيلم كان يحقق عائدات، وإلا لم نكن نستمر، فمن الذي يستثمر في فيلم لا
يحقق دخلاً.
·
كيف ترى السينما المصرية الآن؟
ـ السينما المصرية مريضة للأسف الشديد، لأنها تمر بمرحلة
احتكار مثل تلك الموجودة الآن، شخص واحد متحكم في كل شيء، هو المنتج
والموزع وصاحب دار العرض، فهذا احتكار بمعنى الكلمة، وبالتالي أصبح هو من
يوجه نوعية الأفلام، وعندما عملت فيلم «في شقة مصر الجديدة» لم ينتجه شخص،
بل الذي أقدم على إنتاجه جهاز السينما في مصر.
وبالتالي أصبحت هذه النوعية من الأفلام ينتجها قليلون، أو من
يعرف قيمتها ويغامر، والفيلم حقق عائدات ونجح تجارياً وفنياً، المسألة هي
قناعة من ينتج يمكنك أن تقدم فيلماً وتكسب خمسة أو ستة ملايين، لكن يمكن أن
تحقق 30 مليوناً بشرط التنازل، وأنا بصراحة لا يمكنني التنازل.
·
هل السينما في السبعينات والثمانينات مختلفة
عن 2007؟
ـ السينما الحالية يمكن أن نطلق عليها مسمى «السينما المنسية»،
هناك بعض الاستثناءات حتى لا نظلم أحداً، ولكن تعالى نفتكر فيلماً لهنيدي
من سنتين أو لمحمد سعد من أشهر، هذه سينما استهلاكية بحتة.
·
هناك طفرة سينمائية تحدث في العالم العربي
يقابلها ضعف عام في السينما المصرية لماذا؟
ـ لدينا صناعة سينما تاريخها مئة عام موجودة بكل مفرداتها، لكن
المناخ بشكل عام لا يساعد، فمثلاً أتوقع تقدماً للسينما اللبنانية في
المستقبل، نتيجة ما يعانيه أهلها وظروف البلد الآن، ثم أعود بك لمحور من
يمول من، المشكلة في السينما المصرية أن تجد من يمول أفلامك.
فعلى مدى 30 عاماً وهو تاريخي في هذا المجال، أجد دائماً صعوبة
في التمويل، فمثلاً لدى فيلمي المقبل وبطله محمود عبدالعزيز، ولا أجد
تمويلاً له لأن وجهة نظر المنتج أن محمود ليس الآن هو نجم الشباك، فالقاعدة
تغيرت وأصابت السينما في مصر بالضعف، وأنا الآن في مهرجان دبي السينمائي
أبحث عن فرصة لتمويل فيلمي.
·
هل ترى أن فيلم «في شقة مصر الجديدة» حقق
النجاح المطلوب؟
ـ اسأل منتج الفيلم ممدوح الليثي الذي أعلن أن الفيلم كسب وحقق
دخلاً، رغم أن له مراحل أخرى مقبلة.
·
تم اختيار فيلمك «في شقة مصر الجديدة» ليدخل
مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، هل فعلاً كمخرج تأمل في الحصول على هذه
الجائزة؟
ـ لا.. ليس بسبب قيمة الفيلم، السبب أنها عملية تجارية، فلك أن
تتخيل تنافسك مع 63 دولة لمخرجين أقوياء، أنا أعرفهم وأحترمهم، ولي الشرف
أن أكون من ضمنهم، ولكن هذا يحتاج إلى دعاية، فليس من المعقول أن يشاهد
أعضاء أكاديمية الفنون «الأوسكار» هذا الكم من الأفلام، الأمر يحتاج إلى
دعاية.
وحاولت إثارة أن الفيلم يمثل مصر وليس محمد خان، فتبرع جهاز
السينما بجزء من المال لعمل دعاية في مجلة «هوليوود ربروتر» وأنا محظوظ أن
يذهب الفيلم إلى مهرجان كاليفورنيا، وسيعرض ضمن قسم «ذبذبة الأوسكار»، وهذا
دعاية مجانية وسيعرض في سان رفائيل وسان فرانسيسكو، مع أفلام أخرى مرشحة
للأوسكار، وكما سيعرض تجارياً هناك. إذاً الفيلم له دوره وأهم شيء بالنسبة
لي أن يشاهده الناس، وأعرف ردود أفعالهم.
·
دائماً نعشق المشاهد المتحركة، ما الذي يغريك
فيها؟
ـ هذه هي لغتي وتأتي تلقائية ولا أتعمدها، وفيلمي المقبل
«ستانلي» يتحدث عن العنف، وستجدني أتبع فيه هذا المنهج وهو اللغة بتركيز
وحرفية.
·
هل تحدثنا عن فكرة «ستانلي»؟
ـ إذا مشيت في شوارع مصر الآن، واصطدمت خطأ بكتف أحد فلن تسلم
من توبيخه أو ضربك، وهذه حالة في كل أنحاء العالم، العنف موجود ويترك
تأثيراً فظيعاً على الناس، ستانلي هو شاطئ في الاسكندرية، وأتناول فيه
شخصية اسكندارني ترك بلده وعمره 20 عاماً.
وسافر على مركب وتاه في أفريقيا، وجد نفسه في حروب أهلية وأصبح
جندي مرتزقة، يعود إلى مصر في مهمة قتل، ينفذها ويعود من حيث أتى، يبدأ في
مقابلة أهله وعلاقاته القديمة، ويبدأ في استدراك ما كان وأصبح عليه، بطل
الفيلم محمود عبدالعزيز، وهناك شخصية فتاة يونانية ستقوم بها الفنانة
اللبنانية كارمن لبس.
·
هل تتعمد وجود دلالات في لقطاتك السينمائية؟
ـ لا.. الفرق الأساسي أنني عندما أبدأ أي فيلم تكون لدي طموحات
شكلية كثيرة، وهذه تزول مع العمل فوراً، وأكتشف نفسي بميلي للبساطة أكثر،
وأترك اللقطة كما هي من دون تعقيدات، وعلى المشاهد أو الناقد أن يفهمها
بالشكل والأسلوب الذي يريد.
·
تعاملت مع الممثل الراحل أحمد زكي، ما الذي
أضفته له وماذا أضاف لك؟
ـ أنا أكثر مخرج عمل أفلاماً مع أحمد زكي، قدمنا معاً ستة
أفلام هي «طائر على الطريق»، و«زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا» و«مستر
كاراتيه» و«موعد على العشاء» و«أيام السادات»، أنا لو كنت ممثلاً لتمنيت أن
أكون أحمد زكي، وهو كذلك كان يقول: لو كان مخرجاً كان يتمنى أن يكون محمد
خان، هو نادر ومجنون، وصفة الجنون مشتركة بيننا، باعتبارات أننا من «برج
العقرب» نفسه.
·
ما العمل الذي تشعر أنه علامة فارقة في
رحلتكما معاً؟
ـ فيلم «زوجة رجل مهم» السيناريو مكتوب بشكل جيد، وحضرنا قبل
تصوير الفيلم بمراحل، وكنت أذهب إليه في البيت وأصوره بكاميرا الفيديو على
طريقة المشي والشنب المناسب، وتفاصيل حركة الجسد والعيون.
حفل
توزيع جوائز «المهر» مساء اليوم
يقيم مهرجان دبي السينمائي الدولي الساعة السابعة مساء اليوم
الحفل السنوي لتوزيع «جوائز المهر للإبداع السينمائي العربي»، كما يكرم في
الحفل المخرج يوسف شاهين والمخرج والممثل والكاتب الأميركي داني غلوفر
والمخرج الكوري إيم كوون تيك، وتقام الفعاليات في مركز المهرجان بقاعة مسرح
أرينا في مدينة جميرا.
البيان الإماراتية في 15
ديسمبر 2007
|