لا شك أن السينما عمل جماعي، وفن يتطلب تكاتف جهود الجميع، إذا
ما كانت الرغبة صادقة وحقيقية في إيجاد سينما إماراتية، خصوصاً أن المناخ
مؤهل حالياً لقيام بوادر سينمائية جادة، يدعمها في ذلك الإمكانيات المادية
والتقنية والفنية.
وفي اعتقادي أن مهرجان دبي السينمائي الدولي، سيعيد إشعال
حماسة أسماء معروفة محلياً، افتقدت الدافع منذ سنوات للمشاركة في ولادة
سينما إماراتية، كما سيؤكد رغبة المواهب الشابة الجديدة في إكمال مشوار
التواجد سينمائياً، من أجل خطوات أخرى طموحة تنتصر لحركة السينما في
الإمارات.
هذا العام تعرض الدورة الرابعة للمهرجان أعمالاً تلفت الأنظار،
وتؤثر وتزيد الاندهاش، فهناك مبدعون إماراتيون في مجال السينما، قادرون على
النهوض بتلك الصناعة، التي ما زال ينقصها الكثير لتحقيق مكاسب تصيب الهدف،
ففي مسابقة الأفلام القصيرة يعرض فيلم «حارسة الماء» للمخرج وليد الشحي،
وهو من المواهب الواعدة، كما يعرض فيلم «تنابك» للمخرج عبدالله حسن أحمد،
الذي منحته مجلة «ديجيتال ستوديو» جائزة أفضل مخرج شاب، وبالتالي الرهان
كبير عليه وعلى فيلمه الذي فاز كنص مكتوب في مسابقة السيناريو العام
الماضي.
وللسنة الرابعة على التوالي، يحتفي المهرجان بالتجارب
السينمائية الوليدة، من خلال برنامج «أصوات إماراتية»، فيعرض تسعة أفلام،
صحيح أن بعضها يحاكي الشكل الغربي في صناعة الفيلم، والآخر يماشي شكل
السينما الكلاسيكية، لكنها في مجملها تعطي صورة بانورامية للمشهد السينمائي
في الإمارات.
وحركة الأفلام في الدولة، بدأت منذ سنوات من خلال مسابقة
«أفلام من الإمارات» التي كان يديرها مسعود أمر الله، ولعبت دوراً في رعاية
تلك المواهب التي تمكنت اليوم من تقديم أعمالها في أقسام المهرجان
المختلفة، بل وتتنافس على حصد الجوائز.
ولطالما حلم السينمائيون في الإمارات خصوصاً والخليج عموماً،
بالنهوض بالإنتاج السينمائي، والوصول إلى تأسيس نواة صناعة حقيقية في هذا
المجال، إلا أن واقع الحال كسر الحلم وشل أي حركة منظمة، وبعد سنوات عجاف،
وعلى بعد أربعة أشهر من اليوم، سيلتقون تحت شعار «مهرجان الخليج
السينمائي»، ليكون قاعدة انطلاق تدعمها دبي بالإمكانات الموجودة، حيث تحاول
«مدينة دبي للاستوديوهات» جاهدة لإيجاد بنية تحتية سليمة وقوية وجاهزة
لوجود هذه الصناعة.
طبعاً بدأ العد التنازلي، وأعتقد أن مسعود أمر الله رئيس
مهرجان التحكيم السينمائي يعلم ذلك.. وأربعة أشهر زمن غير كاف، لكن بتعاون
الجميع، الثانية التي تمر تعني إضافة، والدقيقة تزيل حاجزاً، والساعة بداية
لنهضة فكر ورقي وثقافة سينمائية سيكون لها مع الوقت طعم ورائحة خاصة.
كلام ساكت
أغلق الباب عليك الآن.. أحضر ورقة وقلماً.. وضع جدولاً لأحلامك، احذف
المتشابه منها، احذف الذي لا يتناسب مع مهاراتك الشخصية، احذف الحلم غير
واضح المعالم، ركز الأحلام.. ابدأ.
osama614@yahoo.com
البيان الإماراتية في 13
ديسمبر 2007
نظرة ما
ألوان السما السابعة
بقلم
:أسامة عسل
أخذنا المخرج سعد هنداوي في فيلمه الروائي «ألوان السما
السابعة» إلى عالم السينما بكل إغراءاتها الجمالية، فيلم يتركنا نستريح الـ
«100» دقيقة مدة الفيلم، حيث تألق مع أبطاله محلقا في فضاءات النفس
الإنسانية، راسما مشاهده بعناية العاشق للأمكنة وملامح الوجوه.
«لقد سما
الجسد الترابي من العشق حتى الأفلاك، وحتى الجبل بدأ في الرقص وخف» نص صوفي
لشيخ الصوفية جلال الدين الرومي، كانت مدخلاً، مزج بين وجه حنان «ليلى
علوي» و«تيترات» الفيلم التي بدت وكأنها لوحات، هيأت المشاهد ليخرج من
همومه وأعبائه اليومية، ودفعته داخل الدوائر المرسومة ليعيش حالة خاصة،
أراد «هنداوي» أن تكون باب الولوج لعالمه.
منذ بداية الفيلم ولأكثر من نصف ساعة، تعمد هنداوي إخفاء حقيقة
شخصياته، وأعطانا الفرص لنكتشفها ونتلمس الإيقاعات الصوفية المقصودة، والتي
تركزت على فكرة السمو والانطلاق من الجسد للطيران والتحليق، والاستفادة من
جماليات رقصة التنورة الشهيرة، وحركاتها ودورانها، واختلاط ألوانها، ومع
الأداء الراقص الذي قدمه «بكر ـ فاروق الفيشاوي» بدأت الأقنعة تسقط تدريجيا
لنعيش مفردات الحكاية.
«راقص
تنورة صوفي» يرتبط بعلاقة مع فتاة ليل لها ماضٍ تحاول الهروب منه،
والاغتسال من خطايا رذائلها التي تراودها أحيانا، والراقص نفسه غارق باللذة
مع سيدات الطبقة الراقية والأجنبيات، وجهان متشابهان وإن اختلفت النتائج،
هي تبحث عن مكان للهجرة لا يعرفها فيه أحد، وهو يفقد الشعور بالواقع رغم أن
قدميه عليها، ولا يجد متعته إلا في الرقص ـ أعني ـ التحليق بتنورته إلى
السماء السابعة.
هذه المحاور عبأها بصريا هذا الفيلم، وأجادتها كاميرا رمسيس
مرزوق، فنسج المخرج صوره المتلاحقة المنسجمة حيث الصورة تقول الحدث، توضحه،
وترسمه، ببعديه الجمالي والفكري، وكانت مشاهد السماء المختلفة الألوان، ما
بين المبهجة والفاتحة، والقاتمة والكئيبة تعبيراً عن مواقف لأبطال الفيلم
وأزماتهم، وفرصة للمشاهد لالتقاط الأنفاس..
رصد الفيلم، تلك المساحات الغامضة في الإنسان، حيث يتفاعل
ويتجاور الخير والشر، الأبيض والأسود، كما رصد بهدوء مقصود الرغبة الشديدة
في الاغتسال من الذنوب، وكان مشهد صلاة العيد ودموع «حنان» وجموع البشر، من
أجمل اللقطات الناعمة والمؤثرة والعميقة شكلاً ومضموناً.
حمل الفيلم شخصيات محورية أخرى، «سعد» ابن راقص التنورة، والتي
أجادها «شريف رمزي» الراغب في أن يعيش في عباءة والده، الرافض لسلوكيات أمه
المطلقة «سوسن بدر»، وجارته «منى هلال» التي قدمت دور الفتاة الشعبية
اللعوب التي تعشق إقامة علاقات عابرة مع الرجال مقابل الحصول على هدايا
منهم، وهي امتداد لشخصية «حنان».
«حسن
مصطفى» العجوز الذي أخذت الحياة منه أكثر مما أعطته، وهو النهاية الطبيعية
لبطل الفيلم إن استمر بدون زواج. موسيقى تامر كروان أبرز مميزات الفيلم
باعتبار أن الكثير من المشاهد تضم رقصات سواء للتنورة أو لليلى علوي التي
قدمت مشهداً جميلا أكدت فيه قدرتها على الاستعراض وتمكنها من أداء الرقصة
الصوفية على نغمات تركية، وساهمت بحركاتها الرائعة في الإحساس بحالة السمو
والطيران التي تريدها.
«ألوان
السما السابعة» فتح أمامنا أبواب الأسئلة على مصراعيه، فقال لنا الكثير
لكنه أيضاً أربكنا وهو يعيد صياغة نوعية جديدة من الأفلام بكل حداثتها،
نظرا لأن وجودها في السينما المصرية أصبح نادراً.
كلام ساكت
الإنسان هو الذي يصنع أحلامه، وليست الأحلام هي التي تصنعه، والحلم هو
الوسادة التي تخفف عنا صعوبة الحياة وقوة الصدمات بأرض الواقع.
osama614@yahoo.com
البيان الإماراتية في 12
ديسمبر 2007
نظرة ما..
حلم الإنتاج العربي
بقلم
:أسامة عسل
ظهرت نظرية استخدام فنانين من البلد نفسه الذي يراد اختراقه،
في صناعة أفلام تهدف إلى تقديم أفكار ووجهات نظر صاحب التمويل أو على الأقل
لا تعاديه، وغلفت تحت مسمى «التمويل الغربي» الذي يخطط في الأساس إلى نشر
مفاهيم وأفكار مغلوطة، تحاول إعادة صياغة وجدان المتلقي الذي لا يجد في
النهاية أمامه إلا التعاطف المسكون بحالة من الكآبة.
والنقد المستمر لكل الأوضاع المقلوبة، التي تسلب من المواطن
انتماءه وتحوله إلى حالم بعالم آخر. ومن هنا رأينا فرنسا وبلجيكا وسويسرا
تحتضن شباب السينما الجديد، الذي يحلم بإخراج فيلمه الأول،
وأيضا أصحاب الخبرة الذين يريدون الاستمرار والتواجد، لأن
أفلامهم لها قيمة لا تعرفها جيوب كثير من المنتجين، لذلك سرعان ما نرى
أسماء بعينها مصرية وتونسية وجزائرية ومغربية ولبنانية، تعمل تحت راية
التمويل الغربي.
وجاءت غالبية أفلام هذا التمويل، لتهتم بتقديم الفلكلور
الشعبي، وطقوس العادات الشعبية، من خلال حفلات الزار والمواليد والأفراح،
مع دس لمغالطات، وتأتي الخطورة في أنه يستخدم نفس لغتنا في صورة متخفية
تغزو عقولنا ووجداننا،
سواء بطريق مباشر من انتاج الغرب، أو غير مباشر يصنعها للغرب
بعض منا. وإذا كان الانذار الخطر قد سمعه السينمائيون حين صور أحد مخرجي
شمال افريقيا في فيلمه شخصية يهودي متسامح يريد العيش في أمان، ويقوم بحل
مشكلات أصدقائه من المسلمين، لكن يبقى للفيلم الأميركي أيضاً خطره المطلق
في صياغة تاريخ العالم،
من خلال أفلام مثل «المناضل» الذي يروي تاريخا مصطنعاً لأمة
مصطنعة، تفرض هذا التاريخ على وجدان الأجيال الجديدة، وهذه الأفلام نفسها
هي التي صنعت أميركا الحلم في رؤوس نسبة كبيرة من شباب العرب.
كل هذه التداعيات تؤدي إلى طرح فكرة الانتاج السينمائي العربي
المشترك، فهل يمكن ان يتحقق هذا المشروع الحلم، أم ان ثمة عقبات تحول دون
ذلك؟ خصوصاً ان صناعة السينما العربية لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، إذا
ما قارناها بتجارب سينمائية أخرى ولدت بعدها، أو إذا ما واجهناها بحجم ما
هو مطلوب منها انجازه لتحسين صورة العربي والمسلم أمام الرأي العام
العالمي.
كلام ساكت
أنت تحلم.. أنت إذن إنسان متفائل، قادر على ان ترى النور في
الظلام الحالك، أن ترى قوتك في أقصى درجات ضعفك، وترى الابتسامة مهما كان
الحزن وكانت الدموع.
osama614@yahoo.com
البيان الإماراتية في 11
ديسمبر 2007
|