في أسبوع واحد انطلق مهرجانان مهمان في القاهرة عاصمة مصر،
المهرجان السينمائي الدولي مساء الثلاثاء، ومهرجان الاعلام العربي مساء
الاحد، وبينهما أربعة أيام فقط، أي أن أحدهما اقتحم فعاليات الآخر وخطف
الانتباه منها، وهناك مقارنات أخري مثل أن المهرجان الأول هو أقدم مهرجان
سينمائي بالمنطقة العربية بعد قرطاج التونسي لكنه أكبرها. كما أن المهرجان
الثاني هو أقدم مهرجان إذاعي تليفزيوني عربي، مع الفارق بينهما في السنين
إذ يبلغ عمر الأول 31 عاما بينما لايزال الثاني في سن 13، وهي سن قد تؤهله
لدور الابن البكري وليس المنافس. ومن الغريب أن أحدا من المسئولين عن
مهرجان الاعلان لم يضع في اعتباره هذه المقارنة المبدئية التي تعني أن مصر
تواجه مصر في نفس المكان والزمان، وأن النيل من حدث يمثل قمة الاحداث
الفنية السينمائية المصرية أمر لم يكن مستحبا، إذ يكفي ما تعرض له مهرجان
القاهرة السينمائي من محاولات عديدة من مدن عربية شقيقة لمنافسته وصرف
الانتباه عنه أو - علي الأقل - الادعاء بأنه من حق أي مدينة أن تقيم
مناسباتها السينمائية في أي وقت وأن تضارب المناسبات العربية الأخري، مهما
كانت المقارنة صعبة فنيا لصعوبة صناعة «تاريخ سينمائي جاهز».. وإن كانت
وفرة المال تغطي بعض الأمور!
والحقيقة أن هذه المهرجانات السينمائية الشقيقة عادت لتنسق مع
مهرجان القاهرة وحيث أصبح الترتيب هو أبوظبي ودمشق والقاهرة ثم دبي
باستثناء مراكش.. لكن مراكش في المغرب.. بينما مهرجان «الاعلام العربي» في
قلب نفس المدينة.. وهو أيضا مهرجان مهم بل هو أهم مهرجان للابداع الاذاعي
والتليفزيوني العربي منذ بدأ اعماله. وحيث يأتي إليه كل صناع البرامج من
أصحاب القامات العالية آملين أن ينصفهم من خلال لجان تحكيمه التي أنصفت
الكثيرين منهم، ومنهن، علي مدي سنواته، وكم من لجان تحكيم كان أغلب اعضائها
من مصر أعطت جوائزها الذهبية لاعمال سورية وعمانية وإماراتية وغيرها لأن
الابداع يتلألأ ولا يمكن إخفاؤه وتجنيبه.. وفي بدايات مهرجان الاذاعة
والتليفزيون الشهير مهرجان الاعلام، كنت عضوة بلجنة تحكيم المسلسلات، وكان
من بين اعضائها الدكتور رياض نعسان اغا الذي أصبح وزير الثقافة السورية
الآن، والذي كرمه المهرجان مساء الاحد في افتتاحه، وكان رئيس اللجنة هو
المخرج الكبير كمال الشيخ رحمه الله وحيث اعطت لجنتنا جوائزها إلي مخرج
جديد وقتها هو نجدت أنزور عن مسلسل بعنوان «نهاية رجل شجاع» وكم من لجان
أخري فعلت المثل وأعلنت عن إبداعات عربية غير معروفة وقتها.
انسف اسمك
وموعدك
إلي هذا الحد اذن يتمتع مهرجان الاذاعة والتليفزيون بأهمية
جعلت اعماله تتسع عاما بعد عام في موعده القديم في شهر يوليو الذي كان
يلائم ضيوفه العرب وأيضاً المصريين، لكن المهرجان تخلص من موعده واسمه معا،
ولا أحد يعرف كيف ترتكب حماقتان من هذا النوع مرة واحدة في زمن تتصارع فيه
المهرجانات والاحداث علي تثبيت وتأكيد ذاتها لأنه يرسخ للزمان والمكان
والهوية.. وحكاية مهرجان السينما شاهد علي لعبة المواعيد حتي أصبح الوقت
بين مهرجان وآخر يوما واحدا فقط لا غير، أما أن يغير مهرجان وقته واسمه
الذي يعني هويته التي مازال يشتغل عليها فهو العجيب بالفعل، فمازال
المهرجان مخصصا للابداع الاذاعي والتليفزيوني بينما يعني اسمه الجديد أن
يضم إلي مسابقاته ما يخص الصحافة المقروءة بكل زخمها لأنها أصل الاعلام فهل
فكر الذين غيروا الاسم في ضم الصحافة.. ولماذا لم يحدث؟ ثم كيف يتخلي حدث
مهم عن اسم اصبح ماركة مسجلة في لغة الثقافة «هوية» وفي لغة الاقتصاد
والمال «علامة مميزة تجارية» مع ملاحظة وجود مهرجان آخر - قطاع خاص يقيمه
ثري خليجي اسمه مهرجان الاعلام العربي انطلق منذ أربعة اعوام في بيروت
ونقرأ اخباره في الصحف.. فهل لم يقرأ احد؟ ما علينا.. دخل المهرجانان علي
بعضهما، وأضطر العديد من النقاد والمثقفين والمبدعين إلي تقسيم الوقت، أن
أفلحوا بين عضوية لجان تحكيم المهرجان الثاني وبين حضور المهرجان الاول،
ولم يكن الاضطرار ماديا فقط وانما فنياً أيضا، ففي المهرجان الثاني تباح
لهم رؤية اعمال مميزة أو سماعها، لأننا لا نستطيع استرجاع مسلسل أو برنامج
تليفزيوني أو اذاعي مهم، أو فيلم قصير، بينما الامر مختلف مع أفلام السينما
التي من الممكن البحث عنها داخل المهرجان نفسه في عروضه المختلفة صباحا
ومساء أو علي شرائط مدمجة تملأ شوارع القاهرة.. مع هذا فإن ترك الفرصة لكل
مهرجان لكي يحصل علي حقه من الاهتمام يعني أن يستمتع محبو السينما والثقافة
في مصر، وهم كثيرون بذلك المناخ الجميل الذي يعيشون فيه وقت المهرجان من
خلال الافكار والرؤي المبدعة للأفلام.. وقد وصل مهرجان القاهرة السينمائي
إلي عمر يؤهله لاطلاق المزيد من المبادرات لدي جمهوره الذي يتزايد عاما بعد
عام، سواء جمهور قاعات عروض المسابقات الرسمية في سينما جودنيوز، أو جمهور
قاعتي الاوبرا، المسرح الصغير وقصر الابداع، وحيث يجلس الجمهور أحيانا علي
الارض بعد أن تشغل جميع المقاعد.. ومع ذلك فإن علي المهرجان أن يحل مشكلات
بدأت تعلو قبل أن تحدث فيه شرخا حقيقيا وأولها مشكلة العلاقة مع الصحافة
التي انضمت والتي يجب أن تقنن، ثم مشكلة التسويق الافضل لبرامجه، ثم مشكلة
الرعاية التي وأن أضافت إليه الكثير من خلال الانفاق علي العروض في
الافتتاح والختام وعلي مواد الدعاية من خلال رعاية رجل الاعمال نجيب ساويرس
وشركاته، إلا أن الامر يحتاج لبروتوكول يحدد لكل من المهرجان والراعي ما له
وما عليه حتي لا تختلط الأوراق.
صناعة
الافتتاح
في حفلي الافتتاح بدا الفرق واضحاً بين الهواية والاحتراف،
فبينما أصبح المهرجان السينمائي قادرا علي تقديم افتتاحات مبهرة وبرامج
جديدة لتراكم الخبرات به واجتهاد فريقه الفني ورؤسائه المتتالين منذ سعد
الدين وهبة مروراً بحسين فهمي وشريف الشوباشي وحتي عزت أبوعوف الآن، تراجع
مهرجان التليفزيون الشهير بالاعلام وأصبح كما لو كان يحبو وليس عمره 13 سنة
في سنواته الاولي، قدم هذا المهرجان افتتاحات جيدة فنيا وفكريا، وبعضها
مبهر أفلح في تقديم عروض فنية مبتكرة لها سحرها، لكنه تراجع إلي المشهد
الذي رأيناه مساء الاحد الماضي فقدم أغنية متعددة الاصوات ضاعت في ضجيج
الزحام، وموسيقي كلاسيكية عزفها رباعي وتريات علي انغام عزف الملاعق والشوك
في العشاء.. حتي أسلوب التقديم علي المسرح والتكريمات كان أفضل في سنوات
المهرجان الاولي فما الذي حدث؟ وكيف يتم تكريم العديد من الاعلاميين
المبدعين في اطار أقرب للعشوائية بدون سيناريو منضبط ورؤية فنية وأسلوب
اكثر جمالا مما حدث لقد افتقد الحفل مخرجا ومصمم ديكور واضاءة وسيناريو
يبلور كل هذا المجهود الضخم الذي بذله العاملون في الاعداد للمهرجان.. فهل
أراد البعض منهم من حيث لا يدري - الايماء بأن هذا الافتتاح ينتمي لمهرجان
في عامه الاول (وفقا للاسم الجديد) وهل غفل البعض بأن تغيير الموعد
والمقارنة بين الافتتاحيين قد يأتي لغير صالحه؟ نعم حدث هذا لان مهرجان
السينما بذلك السيناريو المتفق لحفل الافتتاح ودخول وخروج المكرمين والجمع
بين الشكل الارتجالي في فقرة أحمد حلمي والالتزام في بقية الفقرات والديكور
والموسيقي والاضاءة أثبت أن الامر دخل في عالم التخصص والاحتراف وليس
الهواية، وعلي مؤسسة الاعلام المصري أن تدرك هذا وألا تقل عن مستواها
القديم لأن كل شيء قديم مسجل في الذاكرة، وكل جديد منقول ومثبوت علي الهواء
للعالم فورا ولا يمكن اخفائه.. ثم أن المهرجان الذي لا يري الجمهور العادي
عروضه في قاعات عامة أو خاصة لابد أن يعتمد اساسا علي حفلتي الافتتاح
والختام لتكونا رصيده أمام العالم الذي مازال يعتبره اكبر مهرجان عربي
للإذاعة والتليفزون (وليس الاعلام) أخيرا هناك صفة وحيدة مشتركة جمعت بين
المهرجانين في حفلتي الافتتاح وهي الفوضي، وجلوس الناس في غير اماكنها..
ومع الاسف.. فقد كانت الفوضي أشد ايضا في المهرجان الثاني وفي انتظار
الختامين.
الأهالي المصرية في 5
ديسمبر 2007
|