بعد قيام اسرائيل قال الممثل شارلي شابلن "ان السم العنصري
انتقل من الجلاد الى الضحية" وذلك في وصفه ممارسات اليهود تجاه الفلسطينيين
اذ شبهها بجرائم الزعيم الالماني أدولف هتلر في حق اليهود. وهذا ما يذهب
اليه أيضا مخرج فرنسي في تصوير سلوك جيش بلاده ازاء الجزائريين عام 1959
قبيل نهاية ثورة أدت لاستقلال البلاد 1962.ففي حين كان الرئيس الفرنسي
الجنرال شارل ديجول يخطب في جيشه عام 1959 قائلا "اننا نعيش تمردا دام خمس
سنوات وخسارتنا للجزائر كارثة لنا وللدول الاوروبية" كانت القوات الفرنسية
تحاول أن تضع حدا لهجمات "المتمردين" الجزائريين الذين بدأوا ثورتهم عام
1954 وبلغت قمتها 1959 وهو العام الذي تدور فيه أحداث فيلم العدو الحميم.
والفيلم الذي أخرجه فلورنت اميليو سيري يقع في 108 دقائق
ويتناول " جرائم" الجيش الفرنسي في حق الجزائريين.. مواطنين ومقاتلين اضافة
الى "انحرافات" جبهة التحرير الجزائرية التي يقول ان لها أخطاء في حق
مواطنينها مثل جدع أنف المتخاذلين عن الانضمام اليها كما يصور الفيلم رجلا
مسنا قرضت شفتاه لانه ضبط متلبسا بتدخين سجائر فرنسية.
وعرض الفيلم مساء السبت ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة
السينمائي الدولي الذي تختتم دورته الحادية والثلاثون الجمعة القادم ويعرض
151 فيلما من 55 دولة ضمن 12 قسما في مقدمتها المسابقة الرسمية ويتنافس
فيها 19 فيلما من 16 دولة.
ويسجل الفيلم أن جزائريين ممن ساعدوا الجيش الفرنسي في قمع
الثورة كانت لهم "بطولات" في التصدي للغزو النازي لفرنسا في الحرب العالمية
الثانية.
ووعدت فرنسا خلال الحرب الجزائر بالاستقلال لكنها بعد انتهاء
الحرب تخلت عن وعدها وحين انتفض الجزائريون عام 1945 مطالبين بالحرية في
مظاهرات سلمية قام الجيش الفرنسي بقمعهم وبلغ عدد القتلي 45 ألفا في مدن
قسنطينة وقالمة وسطيف.
وشهد عام 2000 كشف الستار عن بعض ممارسات الجيش الفرنسي في
الجزائر حين أراد بعض الضباط أن يريحوا ضمائرهم فاعترفوا بأن وسائل التعذيب
تصاعدت من الصعق بالكهرباء الى الاعدام. ويصور الفيلم بعض هذه حالات لمسنين
يموتون تحت وطأة التعذيب لكي يعترفوا بمعلومات عن جبهة التحرير.
وفي عام 1999 كشفت وثائق من الارشيف الفرنسي عن لجوء عسكريين
فرنسيين الى التعذيب قبل اندلاع الثورة بسنوات. ويسجل الفيلم أن فرنسا لم
تعترف "بوقوع حرب في الجزائر الا عام 1999 فقط" حيث كانت تطلق على ما جرى
تمردا.
لكن الفيلم الذي يذكر أن ضحايا الفرنسيين بلغوا 27 ألفا يقول
ان عدد الضحايا الجزائريين تراوح بين 300 ألف و600 ألف في حين يطلق على
الثورة "ثورة المليون شهيد" ويزيد بعض الجزائريين قائلين انها "ثورة
المليون ونصف المليون شهيد".
ويصور الفيلم معارك دارت في مناطق القبائل من خلال التباين بين
وجهتي نظر الضابط تيريان الذي يمتلك حسا انسانيا والرقيب دونياك الذي يرى
أن " جبهة التحرير مخربة ولا بد من محوها" ويتعاون معهم جزائريون منهم سعيد
الذي حارب الالمان ويواصل التعاون مع الفرنسيين بهمة بحثا عن الرقيب السابق
سليمان أحد "قادة التمرد".
ولا يتردد الفرنسيون الذين يفاجأون بقوة المقاتلين في طلب مدد
من القيادة فتقوم الطائرات بالقاء النابالم المحظور دوليا والذي أدى الى
حرق قرية بالكامل ليظل كل شيء فيها أطلالا بما في ذلك الجثث المحترقة.وفي
أحد المشاهد يسأل جزائري متعاون مع الفرنسيين جزائريا محكوما عليه بالاعدام
بتهمة الانتماء الى "المقاومة" عن حاله فيطلب اليه أن يشعل له سيجارة من
طرفيها ويقول له المقاوم انك مثل هذه السيجارة "لم تعد جزائريا ولن يكون
فرنسيا" وقبل أن يطلقوا عليه النار يخرج من جيبه نيشانا حصل عليه بعد
اشتراكه في الدفاع عن فرنسا فيتعاطف معه الضابط ويأمره بالهرب لكن رصاصة
تنهي حياته. ويسجل الفيلم اعتراف الضابط بأن الفرنسيين الذين قاوموا القوات
الالمانية ودافعوا عن حرية فرنسا وتعرضوا للتعذيب على يد النازي تحولوا الى
جلادين لا يترددون في ارتكاب السلوك نفسه في الجزائر حيث يسعى مواطنوها
أيضا للاستقلال الذي يقول الفيلم في اخر مشاهده انه كان "مقدرا من
البداية".
ويقول الكاتب الجزائري المقيم في فرنسا عثمان تزغارت في مقال
بالنشرة اليومية للمهرجان ان فيلم (العدو الحميم) " يسعى الى وضع الضمير
الجماعي الفرنسي في مواجة مسؤوليته عن تلك البشاعات كاشفا أن من اقترفوها
ليسوا وحوشا بشرية بل هم شبان تربوا على القيم الانسانية السامية لكن الزج
بهم في أتون تلك الحرب الاستعمارية الدموية أدى الى ايقاظ (العدو الحميم)
الكامن في أعماقهم ليغتال بوحشية كل القيم التي تربوا عليها."
موقع "إيلاف" في 2
ديسمبر 2007
|