واحد من الأفلام الأكثر جذبا للجمهور خلال هذه الدورة التي تنتهي مساء
اليوم (الأربعاء) بإعلان الجوائز، هو «بيروت بالليل» (أو «فندق بيروت» كما
هو عنوانه الأجنبي) لدانييل عربيد. إنها ذات المخرجة التي سبق لها أن قدّمت
«معارك حب» سنة 2004 و«رجل ضائع» (2007).
لكن جزءا محددا فقط من الإقبال كان بسبب فيلميها السابقين أو بسبب
اسمها كمخرجة لبنانية. السبب الرئيسي كان ما انتشر بين الحاضرين والمتابعين
بأن الفيلم «ساخن» بمشاهد عاطفية لا تعرف التورية. مشاهد تقع بين بطلي
الفيلم الفرنسي ماثيو (شارل بيرلينغ) واللبنانية دارين حمزة. هو الآتي إلى
بيروت كمحام في العلن وربما جاسوس في الباطن، وهي الباحثة عن الحقيقة في
حياتها كما في شأنه.
زاد على ذلك، إسداء الرقابة اللبنانية خدمة جليلة، إذ انتشر هنا
القرار الذي صدر قبل أيام من أن الأمن العام منع الفيلم من العرض.
تقول في لقائي معها: «أريد أن ألتقي بالأمن العام اللبناني أو بالجهاز
الذي منع الفيلم وأسألهم عشرة أسئلة سينمائية. إذا عرفوا كيف يجيبون سأوافق
على قرارهم».
لكن المسألة ليست سينمائية، بل اجتماعية وربما سياسية، ومن غير
المتوقّع أن يعاد السماح بعرضه إلا إذا وافقت المخرجة على حذف عدد من هذه
المشاهد وربما المشهد الذي يتعرّض إلى رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري
والذي تردد أنه انتقادي.
الرقابة ليست مشكلة لبنانية فقط، بل هي ملازمة للعمل السينمائي.
الفارق الأساسي أن معظم المخرجين المنتمين إلى السينما العربية يقررون سلفا
السقف الذي يريدون البقاء تحته في مثل هذه الحالات. وفي المسابقة أيضا،
كشأن «بيروت بالليل»، فيلم «جناح الهوى» لعبد الحي العراقي، فيلم مغربي حول
قصّة حب بين شاب هو ابن رجل متديّن مع قدر من التزمّت، وامرأة شابّة
ومتزوّجة يلتقيها الشاب - الذي افتتح لنفسه محل جزارة - كزبونة، ثم يُقيم
معها علاقة بعيدا عن الأعين إلى أن تتطور الأحداث إلى وضع ليس بحسبانه.
هنا كان يستطيع المخرج توخي الفرصة من مشاهد تجمع بين الشاب والمرأة
لتقديم تلك المشاهد بالسخونة التي ستثير اهتمام عدد كبير من المشاهدين في
بلده كما في أي مهرجان يقصده، لكنه قرر العكس تماما. تلك المشاهد تتم
والاثنان بلباسهما الكامل مفضّلا التوقّف عند الحد الذي لا يجرح مشاعر
جمهوره والمؤسسات الاجتماعية المختلفة.
لكن إذا كان في إقدام المخرج العراقي خيانة للحقيقة أو الواقع في مثل
هذه الحالات، فإن في الذهاب إلى النقيض الكامل تجاوزا للواقع. وفي حين
يستطيع المخرج الدفاع عن اختياره على أساس أنه كسينمائي لا يرى سببا
للصراحة على هذا النحو، تقول دانييل إنها «مخرجة مستقلّة، أسعى إلى إثارة
المسائل المسكوت عنها ولا أؤمن بالرقابة أو القطع على أي فيلم كان حتى ولو
كان فيلما رديئا».
حياة أم
* بعيدا عن هذا السجال، لا يزال بالإمكان الاستمتاع بسينما مشغولة
بأحاسيس جميلة يعبّر عنها فيلم «يامو» للمخرج رامي نيحاوي. إنه فيلم تسجيلي
في المسابقة يتناول فيه المخرج وضعه الخاص. هو ابن شاب لسوري اسمه مصطفى
نيحاوي ورد إلى لبنان وتزوّج من الفتاة المسيحية نوال التي أعجبت بانفتاحه
وعلمانيّته وعارضت والديها وتزوّجت منه. رامي هو أحد ثلاثة أولاد لهما
(لديه شقيق اسمه ريان وشقيقة اسمها ريما)، لكن الوالد بعد سنوات هجر
الجميع. عاد إلى سوريا. والمخرج في تعليقه المفعم بصوته الجهوري ولفظه
المدروس للعربية الفصحى يقول إن الرجل الذي أنشأه علمانيا انقلب متديّنا،
مما يفسّر السبب الذي من أجله هجر زواجه، معتبرا أنه كان زواجا باطلا.
لكن خلال تلك المرحلة التي كان الأب (لا نراه إلا من خلال صور
فوتوغرافية) لا يزال يعيش في لبنان، أمّت زوجته نوال الحزب الشيوعي
اللبناني وأصبحت عضوا فيه. وهي بدورها أعادت التفكير ووجدت أنها غير راضية
عن تلك الخطوة فانسحبت: «اكتشفتُ أن الممارسات لم تكن بمستوى الأفكار» كما
تقول لابنها رامي وهو يصوّرها في مقابلة تؤلّف معظم الفيلم.
كل ذلك هو من نسيج هذا الفيلم وليس نسيجه الكامل. هناك موضوع مهم
يحاوره المخرج بجدارة يشمل الحرب اللبنانية والقضية الفلسطينية والذاكرة
الفردية والمجتمع الإنساني المار عبر كل ذلك. لا يتوقّف كثيرا عند هذه
المسائل والمشاغل، لكنه يتطرّق إليها على نحو يتوافق ونظرته الكليّة لما
يقدم عليه من خلال هذا الفيلم: عرض حكاية والدته الغريبة وما تعايشه من
أحلام وذكريات، والشغل على الصورة بذكاء وفاعلية.
باسم السينما التجريبية
* ويكاد المرء يقول إن ما يفعله رامي الحناوي في هذا الفيلم هو النقيض
الكامل لما يفعله عمار البيك في فيلمه التجريبي (المنساق في نطاق مسابقة
الفيلم التسجيلي) وعنوانه «أسبرين ورصاصة».
عمّار البيك مخرج سوري حديث قدّم أفلاما قصيرة آخرها «حاضنة الشمس»
الذي تناول فيه خفاءً الثورة ضد النظام في بلده. طريقته في ذلك أن يعرض
مشاهد مما كان يعرضه التلفزيون عن الثورة المصرية، ثم نكتشف أن المخرج
وزوجته في سبيلهما للخروج إلى تظاهرة مشابهة في سوريا. لكن المخرج كان حذرا
وربما لم يكن، فهو إن قصد أن يقول إنه مع المتظاهرين ضد النظام السوري، لم
يذكر كلمة سوريا ولا صوّر مشهدا واحدا لتظاهرة سورية. وبل يستطيع دوما أن
يقول إن ذلك الفيلم إنما يحكي عن رجل وزوجته يعيشان في مصر وليس في سوريا.
هذا الحديث ليس سياسيا (والفيلم ليس سياسيا بدوره) بل هو عن خيارات
المخرج وطريقته في الإفلات من السؤال إذا ما ورد. لكن في فيلمه الطويل (125
دقيقة) يذهب، وهذا حقّه المشروع، بعيدا عن كل رابط سياسي. هو ليس فيلما
موحيا بشيء مما تطرحه الأحداث، ولا عنده همّ الإشارة إلى ما يقع أو ما لم
يقع، بل يتّجه إلى الاشتغال على الناحية التي أحبّها المخرج دائما وفضّلها:
السينما ذات التجريب… حتى وإن لم تكن النتيجة على المستوى ذاته من
الطموحات.
هناك أُمّ يتم التحقيق معها في هذا الفيلم (هي أمّ المخرج كما حقق
سيمون الهبر مع أبيه في «الحوض الخامس» بعد قليل)، لكن في حين أن تجربة
فيلم «يامو» حانية تستمد من الأم رهافة حسّها وعذاب أيامها وتضحياتها، ليس
لدى «أسبرين ورصاصة» ما يستفيد منه على هذا الصعيد. نصف المشاهد التي تقع
مع الأم تصوّرها وهي جالسة على الكنبة بانتظار بدء التصوير. وفي هذا
الانتظار لامرأة عجوز ولا تعرف شيئا عن الكاميرا والسينما (ناهيك عن الفيلم
التجريبي) هذا أقرب إلى التعذيب يمارسه المخرج ببرودة أعصاب (تقول له:
«خلّصني… صوّر… ضاق خلقي وأنت واقف بتشرب سيجارة»).
هذه ليست نكسة الفيلم الوحيدة. هناك صديق المخرج زغلول الذي يملأ
مشاهده إما بحكايات مغامراته العاطفية في باريس التي قضى فيها خمسا وعشرين
سنة، أو يترجم لنا كلمات الأغاني الفرنسية التي يستمع إليها مرددا إعجابه
بها «ولك شو هيدا يا زلمي؟» ثم هناك رجل وامرأة لا نعرف مكانهما من الإعراب
يتجالسان ويتعانقان ثم يتجالسان. وفي الموازاة المخرج نفسه مع ممثلة فرنسية
يطلب منها أن تقرأ بالفرنسية نصوصا وضعها المخرج الفرنسي روبير بريسو. في
الباقي من الفيلم، وكل ذلك يمر على شكل خطوط متوازية ينتقل بينها الفيلم
كما يريد، صور مخرجين لأفلام يعرضها عمّار البيك من خلال جهاز تلفزيون قديم
وصغير أمام كاميرته البعيدة. كل ذلك وسواه وليس هناك من سبب لأي من هذه
الخطوط ولا للفيلم بأسره.
هذا ما يتوّجه بالسؤال: إما أن المخرج لم يكن لديه فعلا ما يقوله، أو
أنه أساء الإيصال، أو أن هذا الناقد أساء الاستقبال تماما، وهو أمر صعب
الحدوث لمن أمضى حياته متابعا لكل لون سينمائي استطاع التقاطه على الشاشة.
مرسيدسات
* مثل «تاكسي البلد» الذي قدّمناه هنا قبل أيام، يتحدّث «مرسيدس» (أو
«مارسيدس» كما كُتب العنوان) عن التاكسيات اللبنانية، كذلك سنجد الفيلم
الوثائقي اللبناني الآخر «الحوض الخامس» فيه شطر كبير منه يدور حول التاكسي
وسيارة المرسيدس. لكن «مرسيدس» الفيلم يختلف في أنه يصوّر حال السيارة التي
كانت رمز سيارات التاكسي والسرفيس في لبنان، وهي تُقاد وتُغسل وتُقصف
وتُدمّر. إنها في متناول الأحداث كونها الأكثر انتشارا وفي أحد المشاهد
نراها وهي تسحل مواطنا ميّتا.
هذه الصور تؤلّف معظم الفيلم الذي يريد تأريخ الحرب من خلال تاريخ
المرسيدس فيه. لكن الفيلم متشرذم ومحدود الفعل. ولو أخذنا مشاهد المرسيدس
بأسرها، لما اختلف مضمونه لأنه في الأساس يستعرض ما حدث خلال السنوات الستّ
عشرة. بالتالي تأريخ الحرب مطروق هنا لكن تاريخ المرسيدس فيه لا يتبلور صوب
ناصية مهمّة. من حسن حظ الفيلم أن المخرج لا يطرح المرسيدس على أساس أنها
أهم من الإنسان، لكن القليل مما هو معروض يهدف إلى شيء ما أكثر من مجرّد
عرضه.
ولا يستطيع المرء إلا أن يُلاحظ أن الفيلم يبدأ بإدانة الطائفية بينما
كل العاملين فيه من طائفة واحدة. ولا يمكن تفويت حقيقة أن كل تلك العناوين
الفرعية التي يحفل بها الفيلم ليفصل بين مشهد وآخر، لا تضيف إلا بقدر ما
تأخذ. إنها تضيف عنوانا لما سنراه وشرحا للمرغوب إيصاله، لكنها تأخذ من
الفيلم قدرته الخاصّة على توظيف الصورة لتوفير المضمون.
فيلم سيمون الهبر «الحوض الخامس» يقع أيضا في مطب أن الاهتمام أساسا
هو بطائفة واحدة أكثر من سواها، لكنه على الأقل يحتوي على سواها. يتناول
الحوض الخامس القابع في ميناء بيروت المليء بالشاحنات والبضائع وبالرجال
الجالسين مع ذكرياتهم حول سنوات الحرب حين كانوا يعملون هنا. هذا الحديث
شيّق وفيه ما يضفي بعض المعلومات الجديدة حول كيف تقاسمت الفئات المتحاربة
الصادر والوارد على طريقة «حكلّي تحكّلك» كما قال أحد المستذكرين. لكن
النصف الثاني من الفيلم هو عن والد المخرج الذي يقود سيارة تاكسي مرسيدس
ويفتح نافذته الخاصة على ذكريات الحرب. طبعا لا أحد يقول كل شيء، وربما لا
أحد يستطيع. هناك حذر تحت الكلمات. لكن كلام الأب عام وقصصه ليست ذات أهمية
خارج نطاقها العائلي. لا يهم كثيرا أن يتحدّث عن حكاياته الشخصية كونها
تبقى شخصية مُساقة ضمن رغبة المخرج البقاء في أتونه وهو الذي سبق وقدّم
فيلما أفضل عنوانه «سمعان بالضيعة».
خلال تبادل الذكريات وفتح النوافذ نصف فتحة، يحسن سيمون الهبر تصوير
تلك المشاهد العابقة بالمكان أو البعيدة عنه. هو أساسا يبدأ فيلمه بمشهد
يفتح العينين على اتساعهما: مجموعة من الأبقار تغادر حظائرها المعدنية
الكبيرة إلى ما سنكتشف لاحقا الشاحنات التي ستخرج من الميناء. تلك اللحظات
التي تحاول فيها البقرة الواحدة معرفة أين هي الآن وممانعة قيادتها خوفا من
أن يكمن بانتظارها ما لا تتمنّاه (وهو توقّع ينتشر بين المشاهدين كون
الكاميرا لا تكشف عن المكان إلا لاحقا) وكيف تتحاشى إحدى البقرات الخروج من
المكان فتتولّى أخرى ذلك من دون كثير تردد - تلك اللحظات تؤسس لمنهج الصورة
عند هذا المخرج، وبالتالي منهج كل المشاهد التي لا تحتوي على رجال
يتحدّثون.
الشرق الأوسط في
14/12/2011
عن فيلمي «وداعاً» و«الصفارة الأخيرة»
امرأتان إيرانيتان في سجن كبير
زياد عبدالله
فيلمان إيرانيان نعرض لهما هنا، كانا ضمن أفلام مسابقة «المهر الآسيوي
الإفريقي» للأفلام الروائية الطويلة في الدورة الثامنة من مهرجان دبي
السينمائي، الذي تختتم فعالياته اليوم، ولهما أن يكونا تتبعاً سينمائياً
وتوثيقاً موازياً للحياة المعاصرة في إيران، الأول يمضي خلف المدافعين عن
حقوق الإنسان في إيران، والثاني له أن يضع السينمائي وجهاً لوجه مع مادته
المصورة، وكلاهما عبر امرأة لها أن تكون وحيدة، كما لو أنها في سجن كبير،
أو قد تكتشف أنها وحيدة وهي متورطة ومنغمسة في عالم كانت تتلصص عليه من
الكاميرا، ولا تراه بعيون عارية.
الفيلم الأول هو «وداعاً» للمخرج محمد روسولوف، حيث سنقع ومن البداية
على امرأة، لنا أن نعرف كذلك دون أن نرى الوجه،وهي في مستشفى يسحب من يدها
دماً. نحن في مساحة أخرى يقصدها روسولوف لا علاقة لها بفيلمه «سهول بيضاء»،
الذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة في الدورة السادسة من دبي السينمائي،
وجائزة أفضل ممثل لحسن بورشيرازي عن دوره فيه.
مع «وداعا» نحن في مكان آخر، إنها طهران، بعيداً عن «مروج بيضاء»
والذي يضع أمامنا من البداية بحراً أبيض، وجسداً مغموراً بالملح. السواد
الذي تتشح به النساء يمضي نقيضاً للبياض، بينما يمضي رحمة (حسن بورشيرازي)
في قاربه وهو يجمع الدموع في قارورة، يمضي من مكان إلى آخر والدموع تتزايد
وهو يصبها في قارورة أكبر تتمازج فيها دموع عشرات العيون الحزينة، ومصائر
من زرفها معلقة بالبعيد.
لن نعثر على أي أثر من «رعوية» روسولوف في «وداعا»، نحن حيال امرأة
وحيدة اسمها نورا (بينامي تشكر)، وإيقاع الفيلم يخبئ الكثير، وكل ما نشاهده
بداية خاضع لتأويلات كثيرة، إنها في بيتها تصنع علب هدايا، يأتي رجل
ويتسلمها منها، نعرف أنها حامل وهي تكلم رجلاً على الهاتف وتخبره عن
جنينها، وما من كائن حي في بيتها سوى سلحفاة صغيرة تضع لها بعض الطعام قبل
أن تغارد البيت، ولعل الزمن يمضي كسلحفاة، كما إيقاع الفيلم، وثمة انتظار
لما لا يأتي.
ستتكشف شخصية نورا رويداً رويداً، ستتضح مآزقها مع معرفة أن زوجها ليس
هارباً منها، بل هارب سياسي، وحين نشاهدها تقابل إحداهن وتقول إنها مهتمة
بالترافع في قضية، نتساءل: هل هي محامية؟ سؤال من بين أسئلة كثيرة سنلاحقها
في الثلث الأول من الفيلم، مثلما هي الحال مع مشكلة الجنين الذي تحمله،
ومصير مسعاها للسفر، وتعاملها مع من يستطيعون تأمين «فيزا» لها ولزوجها،
إلى أن تصلنا الأجوبة الدرامية الحاسمة في خصوص كل ما يبدو عالقاً.
لن نمضي أكثر في أحداث الفيلم، لكن علينا أن نضع نورا في سياق من يهرب
من النافذة إلى غرفة بلا نوافذ، روسولوف في جديده يخبرنا على طريقته الخاصة
وبنيته الفيلمية المحكمة عن مصائر ناشطي حقوق الإنسان في إيران، فالمحامية
ممنوع عليها الترافع، وهي تعمل في صناعة علب الهدايا، بينما زوجها هارب،
وما في بطنها سيضعها أمام خيارات انسانية مصيرية، إنها عالقة بمصعد بيتها
الذي يقتحمه اثنان من رجال الأمن، ويتركون للمصعد يمضي صعوداً وهبوطاً، وهم
يسألونها عن زوجها، وما من خلاص لها إلا أن تحتفظ بما في أحشائها، وتسافر
خلاصاً لكم لتعرفوا إن كان سيتحقق، وإن كان هذا الجنين سيأتي طبيعياً مع
تلك الظروف المشوهة التي تطال كل شيء.
روسولوف وفي ملمح شخصي يضيء أيضاً على ما عاشه ويعيشه شخصياً مع
السلطات الإيرانية، هو الذي وجد نفسه معتقلاً ثلاثة أسابيع قبل أن يبدأ
تصوير هذا الفيلم، وسارع في تصويره وهو يتوقع أن يعود إلى المعتقل في أية
لحظة.
بالانتقال إلى الفيلم الثاني الذي حمل عنوان «الصفارة الأخيرة»
للمخرجة والممثلة نيكي كريم، أول ما يتبادر إلى الذهن هو البحث عما عما
يجري خلف الكاميرا، إنها الحياة ما قبل وما بعد التصوير، لكن ولالتقاط ذلك
علينا بالكاميرا أيضاً. هناك من نستعين بهم من ممثلين ثانويين أو
«كومبارس»، بضع لقطات ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، هم الذين لم يفكروا
يوماً في أن يظهروا على الشاشة، ولدى العودة إليهم، وهذا نادراً ما يحدث،
نكون أمام حكاية تستدعي فيلما عنهم، ربما بصدق أكبر طالما أننا أمام الواقع
عارياً.
«الصفارة الأخيرة» ثالث فيلم تخرجه وتلعب البطولة فيه نيكي كريم، ونحن
حيال المرأة الإيرانية مجدداً، كما لهذه المرأة أن تكون مفتاح تجربتها
الإخراجية في «ذات ليلة» ،2005 و«بعد بضعة أيام» ،2006 الأول يمضي مع امرأة
تتجول في ليل طهران، وتقع على حكايا ثلاثة رجال تقابلهم، بينما يأتي الثاني
تتبعاً لحياة تلك المرأة التي تريد الطلاق من زوجها ولديها ابن عاجز منه.
في «الصفارة الأخيرة» نحن أمام علاقة السينما بالواقع، ليس بالمعنى
النظري للكلمة، بل بإطلاق تلك الصفارة أو النداء من اللقطة الأولى من
الفيلم، ونحن نتعرف إلى سحر مخرجة أفلام وثائقية (نيكي كريم) وزوجها المخرج
أيضاً (شهاب حسيني)، وليكون على الأخير إعادة لقطة تستدعي إحضار فتاة ظهرت
في تلك اللقطة، وليوكل هذه المهمة إلى زوجته لأنه سيسافر.
هذا المأزق السينمائي إن صح الوصف، والضرورات الفيلمية التي تحتم
العثور على تلك الفتاة، ستفتح الباب على مصراعيه أمام مآزق من نوع آخر،
وذلك من اللحظة التي تمضي فيها سحر في البحث عن تلك الفتاة، وهنا سيكون
لأغلب الفيلم أن يكون مصوراً بكاميرا محمولة، ومشاهد خارجية في شوارع طهران
وأزقتها، وهي تنتقل من مكان إلى آخر للعثور عليها، وتتعرف إلى نماذج متعددة
من البشر المجتمعين على البؤس والعوز، وصولاً إلى تلك الفتاة التي تأخذ سحر
إلى عالمها بدل أن تأخذها سحر إلى الفيلم وتعيد اللقطة وينتهي الأمر.
هذه الفتاة «الكومبارس» ستكون في صدد التبرع بكليتها، لتدفع دية أمها
التي أقدمت على قتل زوجها، بعد أن أقدم هذا الأخير على محاولة الاعتداء على
ابنتها، بل إن المبلغ الذي ستحصل عليه مقابل كليتها لا يشكل إلا جزءاً
يسيراً من المبلغ الإجمالي، وستمضي علاقة سحر بتلك الفتاة في أطوار كثيرة،
بما يضع السينما جانباً، بمعنى تصوير سحر لأم تلك الفتاة في السجن لن ينفع
بشيء، هناك من قتل، وعائلة القتيل لا تجد محيداً عن خيارين لا ثالث لهما،
إما الدية أو القصاص، بينما تلك الفتاة تعيش الذنب مضاعفاً، وفي قصتها
ملابسات أخرى.
الإمارات اليوم في
14/12/2011
«البستكية» تحتضن المشهد الختامي للمهرجان اليوم
محمد عبدالمقصود - دبي
يصل مهرجان دبي السينمائي، اليوم، إلى مشهده الختامي، بعد أسبوع حافل
بالاحتفاء بالفن السابع، سواء من حيث العروض التي بلغت 171 فيلماً، أو
استضافة مخرجين وممثلين من مختلف دول العالم، وعقد فعاليات متعددة شكلت
همزة وصل بين المنتمين لصناعة السينما من جهة، والنقاد والإعلام من جهة
أخرى.
وغيرت إدارة المهرجان برنامجها السنوي المعتاد، الذي جعل من منتج
الصحراء وجهة دائمة لاستضافة الحفل الختامي، إذ ستستضيف للمرة الأولى منطقة
البستكية التراثية فعاليات هذا الحدث الذي سيقام مساء اليوم في أجواء شديدة
الصلة بالتقاليد الفنية والجمالية للأبنية الإماراتية التي يزخر بها
المكان، في الوقت الذي سيستضيف قبيل هذا الحفل فندق زعبيل سراي المؤتمر
الصحافي الخاص بالكشف عن جوائز المهرجان التي تأتي في مقدمتها جوائز المهر
للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، فضلاً عن مهر الأفلام
العربية ومهر الأفلام الإماراتية بأصنافها المختلفة.
وعلى الرغم من أن إطلالة كروز في حفل الافتتاح وحضوره عرض فيلمه
«بروتوكول الشبح»، الذي يمثل الجزء الرابع من المهمة المستحيلة، إلا أن
المهرجان حفل ببعض اللقطات المهمة في دورته الثامنة، لا تلغي فكرة أن
إدارته عليها الكثير من المهام ومراجعة الكثير من سياساتها من أجل الحفاظ
على المكتسبات التي تحققت في الدورات السابقة، لاسيما في ظل دورة كانت
ستفقد الكثير من الألق، لولا وجود كل هذا الحشد من الاهتمام الإعلامي الذي
وفره تصوير «المهمة المستحيلة» في دبي، ومن ثم تسهيل مفاوضات صفقة عرضه في
الليلة الافتتاحية.
فرصة
استطاع سينمائيون شباب إماراتيون أن يكونوا بؤرة مهمة في المهرجان
بشكل أقوى في هذه الدورة التي كانت بمثابة فرصة لهم، لطرح رؤاهم والتواصل
مع ممثلي وسائل إعلام عالمية وعربية ومحلية، بعد أن كانوا يشكون سابقاً من
سلبيات تجاهل إعلامي. في وقت غابت فيه وجوه اعتادت أن يستضيفها المهرجان
سنوياً، دون أن تكون هناك مؤشرات واضحة لهذا الغياب، وما إذا كان الأمر
يرتبط بتوازنات حضور مهرجانات أخرى منافسة، كما هي الحال مع المصرية ليلى
علوي، التي امتنعت عن حضور الحدث الافتتاحي للمهرجان أو أي من فعالياته،
رغم وجودها في دبي في تلك الفترة، أو مواطناتها يسرا وإلهام شاهين، حتى
هالة سرحان اللائي كن يشكلن مجموعة لا تغيب عن فعاليات «دبي السينمائي»،
واللائي أصبحن يتعاطين مع ما يدور بمنهجية أخرى بعد أحداث 25 يناير
المصرية.
وفيما تختتم عروض المهرجان اليوم بفيلم «أسبوعي مع مارلين»، الذي يرصد
مراحل متنوعة بمثابة سيرة ذاتية للنجمة مارلين مونرو، أعلن مهرجان دبي
السينمائي الدولي الثامن، عن اختياره خمسة أفلام جديدة عربية، ليخصّها
بالدعم المالي في مرحلة ما بعد الإنتاج، في إطار الدورة الثانية من مبادرة
«إنجاز»، برنامج المهرجان الخاص بتقديم الدعم للمشروعات قيد الإنجاز للعام
الجاري، ليصل العدد الإجمالي للأفلام التي حظيت بالدعم من المنطقة خلال
مهرجان هذا العام إلى 20 فيلماً. وبميزانية تصل لنحو مليوني درهم سيدعم
المشروع إنتاج أفلام لم ينجز منها سوى السيناريو الخاص بها، إذ يخصص لكل
فيلم دعماً يصل إلى 100 ألف دولار، في خطوة من المهرجان ترمي إلى مساعدة
السينمائيين العرب، أو ذوي الأصول العربية، في تخطي المصاعب التي تقف
حائلاً بين مرحلة الإنتاج وتقديم منتج صالح للعرض السينمائي.
دعم
تمثّل هذه المشروعات الإضافية الخمسة، التي تضم أفلاماً وثائقية
وروائية طويلة، وتمّ انتقاؤها من بين أكثر من 110 مشاركات، دول: الإمارات،
ومصر والمغرب والجزائر وفرنسا ولبنان وفلسطين. وهي: «المتسللون» للمخرج
الفلسطيني خالد جرار، و«39 ثانية»، وهو إنتاج إماراتي ــ لبناني مشترك،
للمخرجة لارا سابا، و«10 سنين»، وهو إنتاج إماراتي - مصري مشترك، للمخرج
محمود سليمان، و«أخي»، وهو إنتاج فرنسي ــ مغربي مشترك، للمخرج كمال
الماهوتي، و«عريدة كان لها أبناء»، وهو إنتاج جزائري ــ فرنسي ـ إماراتي
مشترك، للمخرجة جميلة صحراوي.
من جهة أخرى، جاء إصرار إدارة مهرجان دبي السينمائي على اقامة حفل
خيري سنوي، لتأكيد أن للمهرجان رسائل أخرى بخلاف ما يتعلق بالثقافة
السينمائية، ومنها الجانب الإنساني إذ نجح المزاد الخيري الذي استضافه
مهرجان دبي السينمائي الدولي في فندق أرماني بدبي أخيراً، في جمع أكثر من
مليون دولار لصالح الأعمال الخيرية للمؤسستين الإنسانيتين «دبي العطاء»، و«أوكسفام»،
وسيتم تحويل التبرعات وريع الأعمال والتجارب الخاصة بالمشاهير التي جرى
بيعها في المزاد لكل من المؤسستين، وحمل الحفل الخيري عنوان ليلة «واحدة
تغير حياة الناس».
الإمارات اليوم في
14/12/2011 |