يعكس وجود ستة عشر فيلما مغربيا في الدورة الخامسة من مهرجان «أبوظبي»
السينمائي نقطتين مهمتين، واحدة ظاهرة والثانية خفية.
الظاهرة هي أن هناك حركة سينمائية فاعلة ونشطة في السينما المغربية
هذا العام أدت إلى وجود هذا العدد من الأفلام المتوافرة في المهرجان (واحد
منها فقط قديم يعاد عرضه). مدير البرمجة العربية انتشال التميمي يقول إن
المهرجان استحوذ على الأفلام الأكثر أهمية وجودة هذا العام، وهذا ما يمكن
توقعه نتيجة أنه لا شيء يمنع ذلك. فالمهرجان الإماراتي يسبق المهرجان
القطري (يبدأ في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، أي بعد يومين من انتهاء
هذا المهرجان)، والمهرجان الإماراتي الآخر (دبي). ومدير البرمجة العربية
حرص على زيارة المغرب في وقت سابق لكي يجري عمليات مسح يشاهد فيها
الاستعدادات، حتى تلك التي ما زالت قيد العمل، ويضمنها. لكن الواضح أنه
شاهد الكثير، ووافق على الكثير، وذلك لم يكن ليتاح لولا نشاط الوضع
السينمائي في ذلك البلد.
أما النقطة المتوارية بعض الشيء، فهي أهمية السينمات العربية الواقعة
في الشمال الأفريقي بالنسبة لهذا المهرجان وسواه من المهرجانات الخليجية.
ففي أساليب عملها، وفي بنائها اللغوي كما في مواضيعها، دائما ما شكلت
السينمات القادمة من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا (حين يكون ذلك
متاحا) تحديا جميلا لثلاثة كيانات سينمائية أخرى: اللبنانية والفلسطينية
والسورية والأردنية من ناحية، والسينما المصرية من ناحية، والسينما
الخليجية من ناحية ثالثة. فكل واحدة من هذه السينمات لديها صفات شمولية
تجمعها مهما اختلف أسلوب كل مخرج على حدة. وتلك القادمة من الشمال الأفريقي
هي أكثر الأفلام الناطقة بالعربية اختلافا، كون الثقافة التي تستند إليها
لترجمة مواضيعها بمفردات سينمائية تختلف عن تلك الكامنة في منطقتي الشرق
الأوسط والخليج. لذلك فإن وجود هذه السينما يبدو امتدادا فسيحا للسينما
العربية، وغيابها يتبلور كنقص شديد.
ولا يجلب المهرجان إليه أفلاما لا يرغب فيها لكي يملأ الخانة، بل وإذا
كان حكمنا قائما على مخرجي هذه الأفلام، فإن ما استطاع تأمينه لهذه الدورة
يبدو بالغ الأهمية. فبالأمس، تم عرض «أيد خشنة» لمحمد العسلي، ثاني فيلم
روائي طويل له بعد عمله الفاتن الأول «الملائكة لا تطير فوق الدار البيضاء»
(2005). محمد العسلي المولود في كازابلانكا مخرج أساسي في السينما المغربية
الجديدة، أتى من دراسة، ثم تدريس، السينما.. وفيلماه المذكوران هما نتيجتان
متلازمتان في طرح واقعي لمشاكل المدينة.
المخرجة ليلى كيلاني، التي تشترك في المسابقة بفيلمها «على الحافة»
(والتي أجرينا معها مقابلة نشرت في «الشرق الأوسط» حين عرض الفيلم في
مهرجان «كان» الأخير)، هي مخرجة مغربية شابة تؤسس نفسها سريعا كمعبرة عن
طموحات الجيل الجديد.
وهناك من بين المشتركين أيضا المخرج إسماعيل فروخي، بعد فيلمه الجيد
«الرحلة الكبيرة» الذي تحدث فيه عن اختلاف الأجيال في رحلة تنطلق بالسيارة
من فرنسا قاصدة مكة المكرّمة لأداء فريضة الحج. وها هو يعود في فيلم جديد
يتعامل مع الإسلام من زاوية أخرى، وذلك في «رجال أحرار»، مختارا الحديث عن
كيف آوى المسلمون اليهود في فرنسا المحتلّة من قِبل النازية في مطلع
أربعينات القرن الماضي.
إسماعيل فروخي آت من خلفية الأفلام القصيرة، كذلك فوزي بنسعيدي الذي
يطرح على الشاشة هنا فيلمه الجديد «موت للبيع»، وذلك بعد فيلمه الروائي
الأول «ألف شهر» والثاني «يا له من عالم بديع».
في شكل من الأشكال، فإن واقع السينما المغربية المميزة كله على شاشة
الدورة الحالية.
«أياد خشنة».. عاصفة فوق المدينة
* هناك مشهد في فيلم محمد العسلي الجديد «أياد خشنة» (إنتاج مغربي
بالكامل) تتقدم فيه الشخصية الرئيسية في الفيلم مصطفى (محمد البسطاوي) من
مدخل منزل وزير سابق، ليجد الوزير المقعد خارج باب المنزل. يتقدم منه
ويسأله إذا ما كان يريد الخروج للفسحة، وتبعا للجواب يدفع مصطفى بكرسي
الوزير ذي العجلات فوق سلالم الدرج الرخامية ومنها إلى الممشى فالشارع وهو
يحادثه. ينتقل المخرج من اللقطات المتوسطة وقد أصبح ممثلوه وسط الشارع
المقفر، إلى لقطة عامة من الخلف لتحيط بالمكان ولتمنح الحوار بعض التشبع
بالأجواء المقصودة.
مثل هذه الحركة الفيلمية المشغولة بإتقان كثيرة الظهور في فيلم العسلي
الروائي الثاني، وهو الذي كان قدم فيلمه الأول قبل خمس سنوات «الملائكة لا
تطير فوق الدار البيضاء»، وأولها في مشهد التمهيد حيث بطله الثاني (عبد
الصمد مفتاح الخير) في لقطة ثابتة على خلفية المدينة وهي تبدو كما لو كانت
تدور من حوله. في كلتا الحالتين، وفي حالات أخرى كثيرة، المدينة هي المفتاح
النهائي: شخصياتها المتعبة التي تقود الحكاية الشاسعة في دروبها المختلفة،
هي أمامية بالنسبة لمدينة دائما في هذا الفيلم كئيبة، عاصرة، ساحقة وخطرة.
وهذا ليس شأنها في هذا الفيلم فقط، بل كان شأنها في فيلم العسلي السابق
أيضا، كما سيتبدى بعض قليل.
مصطفى ليس شابا، بل أصبح في الأربعين من عمره. والدته عمياء لكنها
تدير شؤون البيت كالمبصرة. وهو لا يزال بلا زواج. عمله مريب، فهو عبارة عن
تسلم طلبات من مختلف أصحاب الحاجات والباحثين عن وساطات وقبض مبالغ لقاء
توصيلها إلى زوجة ذلك الوزير التي تقدم على تحقيق تلك الطلبات عبر
اتصالاتها الخاصة أو حتى بتزوير تلك الوثائق أو الشهادات المطلوبة. مصطفى
يقبض من أصحاب الطلبات ويدفع للزوجة المتأففة لقاء حصة بسيطة لكنها كافية
لكي تدر عليه مبلغا لا بأس به. مساعده (مفتاح الخير) رجل صامت في معظم
الأحيان، يدمن القمار ويتجسس أيضا على مصطفى مبلغا عنه شخصية مريبة تعمل
لصالح جهاز بلا اسم.
مصطفى أيضا حلاق. ويحب قص الشعر على موسيقى آلة القانون، فيصحب معه
عازفا عجوزا ماهرا إلى معظم من يقص لهم شعره، وكذلك مساعده الذي ينكب على
الأظافر بينما يتراقص المقص بين يدي مصطفى، وهو يؤمن هذه الخدمة في المنازل
والمكاتب. كما أنه يقع في حب معلمة أطفال في مدرسة في الحي اسمها زاكيا
(هدى ريحاني) تمني النفس باللحاق بمن تحب في إسبانيا تخلصا من وضع معيشي
صعب. لكي تفعل ذلك، عليها أن تتقدم إلى وكالة تفحص يديها لتتأكد من أن
يديها خشنتان مما يعني أنهما مارستا العمل في المزارع أو المصانع حتى تتأهل
لمنحها إذن عمل. هذا من بعد أن جلبت الأوراق التي تحتاجها بمساعدة مصطفى.
الآن مصطفى في الحب، والمشهد الذي يدفع فيه الوزير السابق فوق كرسيه في
الشارع هو أول كاشف حقيقي لما يعايشه مصطفى من حالة عاطفية. هو دائما يتحدث
عن صديق له في الحب غير كاشف أنه هو، وسؤاله للوزير «عروس صديقي تحب أن
يتجولا في سيارة مكشوفة يوم الزفاف، هل يحقق هذه الأمنية لها؟»، وفي ربع
الساعة الأخير، حين يدرك مصطفى أنه ليس بمقدوره استئجار سيارة، يسرق واحدة
ليتزوج بها.
ليس «أياد خشنة» هو ذاته فيلم «الملائكة لا تطير فوق الدار البيضاء»،
لكن هناك العديد مما يجمعهما. في الأساس كلاهما عن المدينة كحالة اجتماعية
ضاغطة. والأكثر هناك مشاهد في فيلمه الأول يحس المرء فيها بالخطر الذي
تمثله. مشاهد من نوع قيام الغرسون في أحد المقاهي بالانتقال بين أرصفة
الشارع المزدحم متلافيا السيارات السريعة. المشاهد يتوقع أن تصدمه واحدة
منها. في هذا الفيلم الخطر الجسدي متمثل في أشخاص يركبون الدراجات النارية
ويمرون لجانب وأمام السيارات في سرعة. ينحرفون بينها ما يثير التوقع
باصطدام يقع في أي لحظة. إنه تفسير عاكس لعدم إعجاب المخرج بالحياة في
المدينة. وصورة أخرى لتلك التي تتراءى منذ المشهد الأول. لا شيء جميلا
فيها. وهذا هو مفتاحه للربط بينها وبين الشخصيات التي تعيش فيها فإذا بهم
يعيشون، لا فيها فقط، بل تحت وطأتها أيضا.
لكن لجانب تلك المشاهد ذات الكاميرا المسحوبة في بانوراميات جميلة،
هناك تلك اللقطات المتكاثرة والقطع المونتاجي الكثيف الذي يحاول عكس لهاث
الحياة. لكن النتيجة هي خلق تناقض أسلوبي لا يساعد الفيلم كثيرا.
الحكاية ذات الشخصيات المتعددة تبدو في نصف ساعتها الأول، أو أكثر
قليلا، كما لو كانت تبحث عن حبكة، إذ يقضي المخرج الوقت في المتابعة من دون
البلورة. ومع أن الرصد يبقى سائدا، فإن الفيلم يخلص بعد ذلك إلى بلورة
رسالته واهتمامه وتكوين القصة التي تتدرج من شمولية الشخصيات وأدوارها إلى
قصة الحب وقد قربت الفيلم إلى وجه عاطفي جديد. على تناقض مفردات العمل
التعبيرية المشار إليها، وتأخر تكوين الحبكة التي تمنح المشاهد معرفة ما
الذي يتابعه تحديدا ولماذا، فإن العمل ممتاز في مختلف خاناته: إخراجا
وتمثيلا وتصويرا.
هذا الناقد انتبه من البداية إلى أن شروط الصورة في العرض الليلي
المفتوح تحت سماء المدينة لم تكن مؤمنة. بعض المشاهد، خصوصا تلك الداخلية
في المقهى أو في المدرسة، كانت باهتة، لكن الحق ليس على مدير التصوير
جيوفاني باتيستا ماراس، بل إن السبب اختلاف النسب التقنية وشروط العرض بين
صالة مقفلة وصالة مفتوحة.
الشرق الأوسط في
17/10/2011
مباراة سينمائية لرد اعتبار مشاعر الجمهور
خالد محمود
«القصص موجودة حين نتذكرها» .. لم يكن هذا مجرد عنوان طرحه المخرج
جوليان موراتف فى فيلم يحمل الجنسية البرازيلية والفرنسية والأرجنتينية، بل
هو شعار وحقيقى لمعظم ما تطرحه شاشة السينما العالمية فى مهرجان أبوظبى،
فالأفلام تأخذ من المشاهد وترد تحاول أن تعيده للحياة مرة أخرى وتعيد ترتيب
أفكاره حتى ولو تربعت فكرة الرحيل والموت على عرش أولوياته حتى يشعر
بالراحة.
تخترق الأفلام بحق كهف الأحلام المنسية، وتنفض عنها غبار الزمن
ولعنته، وهى تضع مشاهديها تحت خيارين لا ثالث لهما: إما أن تحب نفسك أو لا
تحبها.. وهو ما يعنى المواجهة مع مجتمع لا يرحم ضحاياه.. إذا ما امتلكهم
الخوف وعدم الرغبة فى تقرير مصيرهم.
وجاء فيلم افتتاح مهرجان أبوظبى السينمائى الدولى فى دورته الخامسة
ليقر من جديد نظرية الأمل، وكان عرضه فى الهواء الطلق بمثابة مساحة رحبة
للتفكير واطلاق العنان فى واقع وحاضر ومستقبل، فبطل فيلمنا الكندى «السيد
لزهر» الذى يدعى بشير لزهر لاجئ جزائرى يأتى إلى كندا ليصبح معلما بديلا
لمجموعة من الطلاب المصدومين بحق بعد انتحار معلمتهم أمام أعين البعض فى
المدرسة، ويحاول أن يسعى للتعايش رغم مأساته التى يحملها معه كل يوم.
على مدار العام الدراسى يقتحم بشير قلوب وعقول الأطفال فى رؤية
تعليمية رائعة بحق فهو يصاحبهم ويحكى لهم القصص ويبرز طاقاتهم الإبداعية
ويصالح أحلامهم على الحياة.. لدرجة أننى تمنيت لو أصبح التعليم فى بلدى
هكذا، لا حقائب ثقيلة، لا مقررات «رزلة»، المدرس والتلاميذ يذوبون فى عالم
واحد من المعرفة، وكانت الرسالة التى يطرحها المخرج فيليب فالاردو ذكية
للغاية، حيث طرح فكر المواطن العربى الجزائرى برغبة شديدة فى أن هذا
المواطن لديه حضارة وثقافة ورؤية، ويكن أن يكون مؤثرا على أجيال الغرب عبر
سيناريو ساحر مؤثر ومعبر عن الشقاء والحب وخسارة وحسرة المدرس الجزائرى من
أنه لا يستطيع أن تقبله البلد، وعليه أن يرحل فور انتهاء العام الدراسى..
وبدا الفيلم الذى ينافس على جائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبى، وتألق فيه عنصرا
الايقاع والتمثيل وكذلك أداء الأطفال الرائع، ليكون بمثابة استنهاض جديد
لصراع الحضارات، والمدرس هنا كان يحاول أن يعطى الأطفال منهجا حياتيا لا
شخصيا أو أيديولوجيا، كان يعلمهم كيف ينسون أحزانهم، كيف يفكرون بالقلم،
كيف يتخيلون عالما أفضل حسب قدرتهم الذهنية.. كان المدرس يحاول أن يقول
للجميع إنه يفعل الصواب، لكن حلمه يبقى ناقصا، فلم تستطع كندا أن تمنحه
البقاء، وكأن الهدف يحتاج لأكثر من محاولة.
بهذا الفيلم وغيره يبدو أن مهرجان أبوظبى السينمائى الذى يديره
الأمريكى المخضرم بيتر سكارليت قد تخطى الأمركة فهو لغة سينمائية مغايرة
مثلما شاهدنا الفيلم الرائع «دجاج بالبرقوق» وهو فرنسى ألمانى بلجيكى..
وكأن السينما الجميلة لم تعد لها جنسية واحدة.
فإن صناعها مثل متلقيها لهم هم مشترك، ذابت الجغرافيا وبقى تاريخ
مواطن اليوم.. وكيف ينظر للحياة مهما كانت همومه بسيطة أو معقدة؟
وأعترف أننى فور خروجى من العمل السينمائى البديع صورة وحوارا والمدهش
تمثيلا وإخراجا، ووقائع وخيال، قد عشت لحظة سعيدة، افتقدتها كثيرا خلال
الفترة الماضية، وقد كنت أؤمن أن السينما وحدها كفيلة بتغيير النظر للحياة،
مثلما أؤمن بالقضاء والقدر.
كنت أدرك أننى سأعثر على فيلم يمكنه أن يبكينى ويضحكنى يسعدنى ويشعرنى
بقليل من الأحزان فى نفس واحد.. يشعرنى أننى أعيش وأتنفس، وهذا هو ما فعله
معى بطل «دجاج بالبرقوق».
الفيلم تدور أحداثه فى إيران، وبدا مخرجاه مورجان ساندابى، فنسان
بارانو، شديدا الذكاء حينما بدآ بمشهد ربما بمثابة رسالة، فبطلنا ناصر على
عازف الكمان المبدع الشهير ويلتقى فى الشارع بحبيبته بعد فراق أكثر من ربع
قرن، ليناديها: إيدان هل تذكرينى؟ فتقول له: لا، ألم تعرفيننى؟ فترد:
اطلاقا، وتتركه وتذهب مع حبيبها.
كان المشهد ملهما رمزيا، إذا اعتبرنا أن المواطن الإيرانى ناصر على
الذى جال العالم يعزف تتنكر منه حبيبته، وعاد الفيلم ليروى قصة الرجل على
طريقة الفلاش باك.. قصة موته بعد عشرة أيام قضاها فى السرير ينتظر الموت
برغبته، قرر أن يهجر الحياة.. وظل يبحث عبر صور فانتازية كوميدية عن وسيلة
مريحة وشيك للموت ولم يجد سوى هجر البشر وزوجته وأولاده والطعام والبقاء فى
السرير.. ورغم أن راوى الفيلم أخبرنا بموته مبكرا، إلا أننا كنا فى كل مشهد
نرى الرجل ينبض بحياة وحلم ويأس وحب وهجر، وكأنها مفردات إنسان حقيقى، فلا
يوجد إنسان فى عصرنا هذا يحيا دون معاناة دون روح حتى لو كان حلمه هو
الرحيل.
وناصر على العازف الماهر تزوج بدون حب رغم أن زوجته حلمت به لسنوات
كفارس أحلام، وأنجب ولدا وبنتا.. كان لا يعيش سوى لفنه، وكالعادة تشعر
الزوجة المثالية منزليا أنها تفتقد الزوج الكلاسيكى الذى يشاركها
المسئولية، فتقوم بالتخلص من ضرتها «آلة الكمان» وتكسرها، وهنا ينكسر معها
قلب ناصر وما تبقى من عواطف تجاه زوجته، إلا أن يلتقى بفتاة إيران يحبها
وتحبه بجنون، لكن والدها يرفض زواجه منها بحجة أنه مجرد عازف، ويترك ناصر
البلد لسنوات طويلة لكن إيران كانت دوما فى قلبه فهى الحب والوطن، ويقرر
ناصر هجر الجميع والبقاء فى السرير يقابل عزرائيل ملك الموت ويحاول أن يهرب
منه، لكن لا أحد يستطيع أن يهرب من الموت، ويحكى له عزرائيل قصة عبر مشاهد
ساحرة محمومة ورسوم متحركة قصة رجل ذهب إليه عزرائيل ليخطف روحه فاستنجد
بأنه لا يريد الموت وعليه الذهاب إلى الهند، وهناك التقى عزرائيل وسأله
الرجل إذن لماذا لم تأخذ روحى أمس، فقال له لأنه كنت انتظرك فى الهند وكان
عليك أن تموت بها.
أما قصة اسم الفيلم «دجاج بالرقوق» فهى تعود لأكلة ناصر المفضلة من يد
زوجته فعندما كان مستسلما للحدث حاولت أن تعيده لقلبها فعملت له الأكلة
وطلبت منه أن يسامحها وهو ما يفعله. واقع الأمر أن الفيلم الذى شهدنا به
أداء تمثيلا وصور جمالية شهد أيضا حوارا إنسانيا شجيا عن قصة الموت
والحياة، أم ناصر مريضة فتطلب من ابنها ألا يصلى من أجلها حتى تموت وهو
عندما شعر أن الموت تأخر عنه نجده يقول «من المؤكد أن هناك أحد يصلى له»
وبالفعل نجد ابنه يصلى له ويتمنى أن يتوقف الابن عن الصلاة لأجله حتى يرحل،
وكما كان مشهد البداية بين ناصر وإيران نراه مرة أخرى فى النهاية، لكن
اللقطة التى لم تظهر فى البداية وشهدناها هى أن إيران بعد أن قالت له لم
أعرفك وقفت تبكى على الحائط وتقول ناصر على حبيبى.. وكأنها كوطن للقلب
والعقل والآلام لا تعترف بمن تحب سوى فى وجدانها فقط.. تاركة الباب مفتوحا
أمام حلم لم يكتمل ويأس نضجت صورته ونهاية نرسم جزءا من رتوشها بإرادتنا
نحن.
الفيلم عرض بمهرجان البندقية السينمائى ويشارك فى المسابقة الرسمية
لأبوظبى، ولم يكن هو الوحيد الآتى من مهرجانات السينما العالمية الكبرى،
فقد حرصت إدارة المهرجان الذكية على اختيار مجموعة من أجمل وأهم الأفلام
التى طرحت على شاشات مهرجانات العالم لتكون وجبة سينمائية غنية لمواطنى
المهرجان ومنها الإيرانى «انفصال نادر وسيمين» الذى عرض ببرلين، والأمريكى
«منتصف شهر مارس» بطولة وإخراج جورج كلونى، «وإذا وقعت شجرة»، «قصة جبهة
تحرير الأرض» الذى عرض فى مهرجان صندانس و«إيلينا» الروسى من كان، وأتمنى
اليابانى من تورونتو، والبحر الأصفر الكورى الجنوبى من كان، والسويدى «بهلوانيات
فتاة» من برلين و«بوليس» الفرنسى من كان، وهنا نذكر ما قاله بيتر سكارليت
مدير المهرجان عن هذه الأفلام أنها فرصة رائعة لاكتشاف مجموعة من القصص
والشخصيات.
بينما أشار الناقد وصاحب العين الذكية فى اختيار الأفلام انتشال
التميمى بأن المهرجان سعى لأن يضع بين أعين مشاهديه وجبة سينمائية تمزج كل
مفردات الحياة من أفكار ومشاعر.
وأنا أقول فى النهاية إن هذه الأفلام مبادرة رد اعتبار لمشاعر
المشاهد.
الشروق المصرية في
17/10/2011
مستقبل السينما العربية المستقلة فى ندوة بمهرجان أبوظبى
رسالة أبوظبى - علا الشافعى
تحت عنوان "أبعد من هوليوود وبوليوود.. مستقبل السينما المستقلة"
أقيمت ندوة لمناقشة مستقبل السينما المستقلة فى العالم العربى وكيفية
النهوض بها، وهى الندوة التى عقدت ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان
أبوظبى بفندق فيرمونت، بمشاركة فريدريك سيشلر رئيس “باشا بيكتشرز” من جيان
لوكا شقرا رئيس مجلس إدارة “فرونت رو فيلمد إنترتينمنت”، ومايكل ورنر، رئيس
“فورتيسيمو فيلمز”، وما هى جولتشن ديبالا المديرة التنفيذية فى “فارز
فيلم”، وهشام الغانم المدير العام لشركة الكويت الوطنية للسينما.
ولفت فريدريك أن صناعة السينما فى الشرق الأوسط تواجه عدداً من
التحديات، ولا بد من اتخاذ كل التدابير اللازمة إن كنا نريد لهذه الصناعة
أن تتطور وتتقدم، وأشار سيشلر إلى أنه على الجميع أن يدركوا أن السوق
السينمائية فى الشرق الأوسط تختلف عن نظيراتها من الأسواق حول العالم،
نظراً للظروف السياسية التى عاشتها المنطقة منذ بداية هذا القرن وما زالت
تعيشها إلى الوقت الراهن.
وأضاف فريدريك من الصعب أن يكون لدينا فكرة واحدة أو طريقة واحدة
لتحقيق النجاح فى مجال صناعة السينما فى الشرق الأوسط، ففى هذه المنطقة
لدينا سينما واحدة وهى السينما المصرية، والتى نجحت بفضل الإيطاليين الذين
ساعدوا هذه الصناعة حينها على الظهور والاستمرار، فقدت بدأت السينما
المصرية إنتاجاها عام ،1927 فى حين لم تعرف باقى الدول أى إنتاج سينمائى
قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، ولو نظرنا فى الإحصائيات لوجدنا أن هناك
أكثر من 5000 فيلم تنتج كل عام، وحصة الدول الأكثر إنتاجا كالولايات
المتحدة وفرنسا لا تتعدى الـ 700 فيلم، فهذه الأرقام والمؤشرات تأخذنا إلى
نتيجة أن هناك عدداً كبيراً من الأفلام تحتاج إلى من يسوقها ويعرضها على
الجمهور.
وأضح فريدريك أن أحد أفضل الطرق لدعم الإنتاج السينمائى هو التركيز
على عرضها تلفزيونياً، وأوضح أن “عدد الأفلام التى تعرض على شاشات السينما
قليل، والسوق بإمكانها أن تتوسع فى العالم العربى إذا حصلت على دعم من
الفضائيات وخير مثال على ذلك المبادرة التى طرحت فى المغرب، فقد شدد ملك
المغرب بأنه ينبغى على التلفزيون المغربى شراء أى إنتاج سينمائى مغربى بسعر
يصل إلى 100 ألف يورو.
ويرى مايكل ورنز أن أحد أهم التحديات التى تواجهها صناعة السينما فى
العالم العربى هو النظرة السلبية التى ينظر بها سكان باقى الدول إلى هذا
الجزء من العالم، يقول مايكل: "قد كانت السينما الصينية هى الوحيدة التى
تعرض خارج هذه المنطقة، وليست كل الأفلام، بل تلك الأفلام التى تعتمد على
الحركة والإثارة، وأعتقد أن ذلك عائد إلى عدم الإلمام بالسينما العربية
وثقافات هذه المنطقة، والتأثير الكبير الذى خلفته المقالات السلبية التى
تناولت هذه المنطقة الغنية بثقافاتها، ومن هنا كان علينا أن نلجأ إلى
السينما لنعرف العالم إلى منطقة الشرق الأوسط ونسلط الضوء على الغنى
الحضارى والبشرى والطبيعى الذى يتمتع به العالم العربى، لكن هذا لا يحصل
بين ليلة وضحاها، بل يتعين تعيينه عبر خطة عمل طويلة تحتاج إلى وقت وصبر.
وأشار مايكل إلى أن دفع صناعة السينما فى العالم العربى يحتاج إلى
تطوير فى البنى التحتية لهذه الصناعة، كبناء الصالات السينمائية التى تعطى
فرصة أكبر لمحبى هذا الفن بمشاهدة آخر الإنتاجات السينمائية.
ومن جانبها أشارت ماهى جولتشن إلى أنه يجب الفصل ما بين أفلام الصالات
وأفلام العرض التلفزيوني، وأضافت: “فى الهند تغطى السينما عدداً كبيراً من
المواضيع التى قد لا تصلح للعرض العائلي، إلا أنهم فى نفس الوقت ينتجون
أفلاماً للعائلة، تواجهنا مشكلة فى العروض السينمائية نبدأ بعرض الفيلم يوم
الخميس والجمعة ونحظى بنجاح كبيرو لنفاجأ بأغلب الأحيان أن الفيلم تمت
قرصنته، ليأتى لنا على أقراص مدمجة من باكستان فتقوم العائلات بمشاهدته فى
منازلهم، ولنحل هذه المشكلة وجدنا أنه من الأفضل أن ننتج أفلاما مخصصة
للعرض المنزلى التلفزيونى مباشرة” .
أما هشام الغانم فأكد أن التقلبات السياسية التى تشهدها المنطقة قد
أثرت فى عملية توزيع الأفلام وتحتاج إلى وقت لتتعافى وتعود كسابق عهدها
ويضيف: “95% من الانتاجات السينمائية العربية هى إنتاجات مصرية، وقد اتخذنا
قراراً لتشجيع المنتجين المصريين من خلال التقليل من مخاطرهم، وشراء
الأفلام وعرضها حتى لو كنا متأكدين بأنها لن يكون لها ذلك العائد المادى
الكبير، ويؤكد الغانم أن شركة الكويت قامت بعدد من المبادرات لدعم السينما
المستقلة، وفى السنوات الأخيرة تعاونا مع عدد من السفارات كالسفارة
الإسبانية والكورية، وتوصلنا إلى فكرة نعرض فيها انتاجات بلدانهم فى
الكويت، ثم نطلقها فيما بعد للعرض المنزلي، ونحن نعرف أننا لن نحصل على شيء
فى المقابل، ولكن الأمر لا يتعلق دائماً بتحقيق الأرباح، بل يتعلق بالعمل
فى حد ذاته، نحن نعمل على عرض الأفلام على جمهورنا.
اليوم السابع المصرية في
17/10/2011 |