وجد كل جيل ضالته في منجم نجيب محفوظ، ليس بالنسبة للمخرجين فحسب، بل
للممثلين في المحل الأول.
على مدار العام 2011 احتفلت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بالذكرى
المئوية للأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، فقد خصص مهرجان أبوظبي
السينمائي الدولي الذي تنظمه عددا من فعالياته وأنشطته له، وأقامت على هامش
معرض أبوظبي الدولي للكتاب أكثر من جلسة نقاشية تناولت أدبه وعلاقته
بالسينما وتأثيره على مسيرة السينما العربية، وها هو خلال الدورة الخامسة
(13 – 22 أكتوبر/تشرين الأول 2011) يتوج احتفاؤه ببرنامج خاص يتضمن عرضا
لثمانية أفلام مأخوذة عن أعماله، أو أسهم بكتابة السيناريو أو القصة
السينمائية لها، بنسخ أُعيد طبع وترجمة أغلبها. بالإضافة إلى إصدار كتاب عن
نجيب محفوظ والسينما، ومعرض لملصقات الأفلام المأخوذة عن أعماله، وطاولة
مستديرة لمناقشة عناوين بارزة تخص علاقته بالسينما.
يأتي ذلك ليؤكد عمق الرؤية التي تنطلق منها هيئة أبوظبي للثقافة
والتراث في انتمائها العربي، فهي في سعيها لمكانة عالمية تحرص على ترسخ
وتأصيل مكانتها الثقافية محليا وعربيا، ففي الدورة السابقة قدم المهرجان في
برنامجه "خرائط الذات" عروضا لأهم وأبرز ما قدمته السينما العربية
والعالمية، في إشارة واضحة إلى قيمة ودور ما قدمته السينما العربية على
مدار تاريخها في تشكيل وعي الذات العربية بقضاياها ومشكلاتها وتحدياتها
واشتباكاتها سواء كانت داخلية أو خارجية، وعالم نجيب محفوظ الذي تقدمه هذا
العام جزء أصيل في ذلك.
يتضمن برنامج الاحتفال بنجيب محفوظ عرضا لأهم أفلامه التي هي من
علامات السينما العربية والعالمية أيضا، "بداية ونهاية"، "بين السماء
والأرض" للمخرج صلاح أبوسيف، و"بين القصرين" للمخرج حسن الإمام، "اللص
والكلاب"للمخرج كمال الشيخ، "الجوع" للمخرج علي بدرخان، "درب المهابيل"
للمخرج توفيق صالح، و"بداية ونهاية" للمخرج المكسيكي أرتورو روبنيستين،
و"حارة المعجزات" للمخرج جورج فونس.
29 فيلما يحملها اسم نجيب محفوظ كاتباً للسينما، منها 12 فيلماً من
إخراج صلاح أبوسيف، يليه يوسف شاهين 3 أفلام، وعاطف سالم 3 أفلام، وحسام
الدين مصطفى فيلمان، وفيلم واحد لكل من نيازي مصطفى، وتوفيق صالح، وفطين
عبدالوهاب، وحسن رمزي، وإبراهيم السيد، ونور الدمرداش، وكمال الشيخ، وحسين
كمال، وحسن الإمام، وهؤلاء الـ 13 يعدون من أهم المخرجين الذين ولدتهم
السينما المصرية والعربية وتركت أعمالهم في تاريخها بصمات مميزة.
وفي الكتاب الذي يقدمه المهرجان حول محفوظ وعلاقته بالسينما "نجيب
محفوظ سينمائيا" تناول كل من النقاد سمير فريد وكمال رمزي ووائل عبدالفتاح
وإبراهيم الريس، وكاتبة السيناريو المكسيكية باث فوثيا غارثيا دييغو، نتعرف
على رحلة محفوظ مع السينما وتأثيره ودوره سواء على مسيرتها أو مسيرة
مخرجيها وحتى الفنانين الذين شاركوا في أعماله.
• نجيب محفوظ وعلاقته بالسينما
يحكي محفوظ لرجاء النقاش عن علاقته بالسينما قائلا "بدأت علاقتي
بالسينما في سن مبكرة جداً، كنت لا أزال في الخامسة من عمري عندما دخلت
سينما (الكلوب المصري) في خان جعفر المقابل لمسجد سيدنا الحسين. ومنذ
اللحظة الأولى عشقت السينما وواظبت على الذهاب إليها مع الشغالة حيث كانت
أمي ترسلها معي، وتظل ملازمة لي حتى انتهاء العرض، ثم تصحبني إلى المنزل.
كانت كلمة (النهاية) على آخر الشريط، من أشقى اللحظات على نفسي. فقد كنت
أتمنى أن أمضي اليوم كله داخل دار العرض، وتمنيت لو أنني أسكن في دار عرض
سينمائي فلا أخرج منها أبداً. كانت السينما وقتذاك تعرض الأفلام الصامتة،
ولا نرى في دار العرض إلا صوراً متحركة بدون أصوات، ومع ذلك كانت متعة
مشاهدة فيلم صامت لا تعادلها عندي أي متعة أخرى.
أما علاقتي المباشرة بفن السينما، فقد بدأت أواخر الأربعينيات على وجه
التقريب عندما أخبرني صديقي فؤاد نويرة، وكان من المهتمين بالفن والتمثيل
وله علاقات بالوسط الفني، بأن المخرج صلاح أبوسيف يرغب في مقابلتي لكي أعمل
معه في كتابة سيناريوهات الأفلام، فرفضت متعللاً بعدم معرفتي بهذا المجال،
إلا أن نويرة أقنعني بأن أبوسيف سوف يعلمني، وهمس نويرة في أذني بأنني سوف
أتقاضى مبلغاً محترماً نظير كتابة السيناريو، وأنا الذي أصرف من جيبي على
الأدب، ولم أكسب منه مليماً واحداً حتى ذلك الحين.
وذهبت إلى أبوسيف، وعرفت منه أنه يعد لفيلم جديد عن عنتر وعبلة، ويريد
أن يكلفني بكتابة سيناريو الفيلم. وعلى مدار عدة جلسات متواصلة، علمني
أبوسيف التفاصيل والدقائق في كتابة السيناريو، ثم بدأت في الشروع في كتابة
السيناريو بالفعل، واستطعت إنجاز ما طلبه، وكانت النتيجة مبهرة من وجهة
نظره. ثم أعطاني أبوسيف مجموعة كتب عن فن السيناريو فقرأتها بنهم شديد، كما
قمت بشراء مجموعة كتب أخرى ودرستها بعناية، حتى أتقنت هذا الفن.
الغريب أن أبوسيف عندما طلبني للعمل معه لم يكن قد قرأ من أعمالي
المنشورة سوى رواية (عبث الأقدار)، واستشف من بين سطورها أنني أصلح لكتابة
السيناريو. وحصلت على مبلغ مائة جنيه مصري نظير عملي في الفيلم الذي كان
حدثاً في حياتي، وفتحاً جديداً أشبه بظهور (النفط) في دول الخليج العربية.
ورغم الكسب المادي كنت أشعر ببعض الضيق في عملي الجديد. فقد تعودت في
الأدب أن أكون أنا كل شيء في العمل، أمضي بأحداثي وشخصياتي طبقاً لرؤيتي
الخاصة، ودون تدخل من أحد. أما السينما فهي عمل جماعي، لا تستطيع أن تنفرد
فيه بالقرار، حيث تحكمه أهداف مختلفة منها ما هو فني وما هو تجاري، وله
أطراف عديدة من منتج وموزع ومخرج وممثلين، وينبغي أن ترضى كل الأطراف رغم
اختلاف أهداف كل منها.
والحقيقة أن حلاوة المكسب المادي جعلتني أتغاضى عن تلك المتاعب وأبلع
ضيقي، وخاصة أن كتابة سيناريوهات الأفلام لم تعطلني عن عملي الأساسي وهو
الأدب. واستغرقتني كتابة السيناريو طيلة الفترة من 1952 إلى 1957، وسجلت
اسمي خلالها كسينارست محترف في نقابة المهن السينمائية".
ويقول محفوظ: "لقد راودني أمل كبير عندما بدأت الكتابة للسينما في أن
يصبح هذا المجال امتداداً لحياتي الفنية. وقلت لنفسي إن الكتابة للسينما
تتضمن عناصر مشابهة إلى حد كبير للعناصر التي يقوم عليها بناء الرواية من
خيال وحبكة وشخصيات وصراع إلى آخره، فلماذا لا تكثف عملك في هذا المجال،
وتعطيه مزيداً من الاهتمام، مادام هو قريباً من الأدب".
ويضيف محفوظ عن علاقته بالسينما لإبراهيم عبدالعزيز في كتابه "أنا
نجيب محفوظ: سيرة حياة كاملة": "كنت أحب الذهاب إلى السينما مرة أسبوعياً،
وكانت أغلب الأفلام أجنبية وكلها مغامرات، وكنت أفضل أفلام رعاة البقر. كان
يخيل إلي أني قد ولدت في قرية من قرى رعاة البقر لكثرة الأفلام التي
شاهدتها فيها. وقد وصل عشقي للسينما إلى درجة أني اشتريت سينما صغيرة كانت
عبارة عن علبة صغيرة بها منظار ومكان توضع فيه شمعة داخل العلبة، وكنا نغلق
علينا الغرفة ونطفئ الأنوار ونشاهد الصور أمامنا على الحائط، أما الأفلام
فكنت اشتريها من محل أمام سينما أولمبيا، وكانت تلك أول جامعة بالنسبة لي
فتحت ذهني على جميع المعارف في الأدب والفنون، ومازلت أذكر مشهد المحل
وصاحبه الجالس فيه الذي كان يبيع هذه الأفلام كما تباع الكتب".
• الأفلام المحفوظية
ويقول الناقد السينمائي سمير فريد: "يمكن تقسيم الأفلام التي كتبها
محفوظ أو اشترك في كتابتها للسينما إلى أفلام محفوظية تعبر عن فكره، وهي
الغالبية منها، وأخرى تعبر عن فكر المخرج، وعمل فيها كمحترف أو بالأحرى
كحرفي، أو اضطر إلى الموافقة على كتابة اسمه بين أسماء كتابها نتيجة وضعه
الوظيفي كما في فيلمي الدعاية السياسية اللذين أخرجهما يوسف شاهين (1926 ـ
2008)، وهما (جميلة الجزائرية) 1958، و(الناصر صلاح الدين) 1963.
وأول الأفلام المحفوظية (فتوات الحسينية) إخراج نيازي مصطفى عام 1954،
وكان أول وآخر فيلم اشترك في كتابته (قصة وسيناريو) من إخراج نيازي مصطفى
الذي اشترك معه في الكتابة. وكان نيازي مصطفى (1911 ـ 1986) أكبر مخرجي
الأفلام المصرية التجارية، ولا يزال صاحب العدد الأكبر من الأفلام بين كل
مخرجي السينما المصرية في كل تاريخها".
• محفوظ اليوم منّي
وفي شهادتها كشفت كاتبة السيناريو المكسيكية باث أليثيا غارثيّا دييغو
عن تجربتها وفيلمها "بداية ونهاية" المأخوذ عن الرواية التي تحمل نفس
العنوان، قالت: "في (بداية ونهاية)، هذه الرواية التي سحرتني، تتوحش
العائلة. يأكل بعضها بعضاً. وتصير العائلة آكلة لحوم بعض أفراجها، لأنّها
القاعدة التي تنظم المجتمع وأفراده. إنها البداية والنهاية. العائلة التي
يُصوّرها محفوظ تحيلني إلى عائلتي، التي أُفقِرت فجأةً في مطلع القرن
العشرين والتي كما في رواية محفوظ، كان لا بدّ للنساء من التضحية بأنفسهنَّ
على مذبح مستقبل أخوتهنّ. وكما في الرواية فإنّ هذه التضحية حولّتهنّ إلى
منبوذات اجتماعياً، بلا أمّ ولا أولاد، بلا سمعة ولا مصير. على الرغم من
أنّ الموضوعات العائلية كانت عزيزة عليّ، لم أنكبّ عليها كلياً إلاّ مع
(بداية ونهاية) ليس على موضوع الأزواج، الأمهات. بل على العائلة بمجموعها:
الأب، الأم، الأخوة، الأخوات. روابط توحّد، تحمي، وروابط تخنق".
وأضافت "أنا مدينة لمحفوظ وللعناصر التي منحتها لي روايته بأن سمحت لي
بالتحرّك في العائلات المكسيكية، على الرغم مما قالته لي أمٌّ في مدينة
وادي الحجارة (أنا لا أعرف كيف هي الأمور في بلدك ـ مدينة المكسيك ـ لأنّنا
نحن الأمهات هنا نُحبّ أولادنا). لم أبغِ أن أُوضّح لها أنّني وُلِدتُ في
وادي الحجارة. فجدّتي ابنة بلدتها، وبالتأكيد نسخة عنها.
(بداية ونهاية) سمحت لي أيضاً أن أتكلّم من جرح الأمومةِ عن الأمّ
المكسيكيّة، كي أكون أكثر دقّة، عن تلك المفضّلة في سينما الأربعينيات.
وأنا، كأمّ، ممتنّة جدّاً، ممتنّة له لأنّه سمح لي أن أتلمّس طريقي في
البئر الذي لا يُسبر غورُه، والمليء بالوعورة الذي هو الأمومة.
في مناسبة أخرى وَصَمَتني مخرجةٌ مُبتدئة بالأنثوية التبسيطية: (كلّ
نساء الأفلام إمّا غبيات أو عاهرات). بوضوح لم تكن المخرجة المبتدئة تملك
الحاجات الجنسية أو لم تكن تفهمها، أو أنّها تتكلّم من وجهة نظر ذكوريّة
غير واعية، تبخَسُها حقّها. كانت، دون أن ينتابها شكٌّ، ضحية ذلك التزمت
الذي يعتقد أنّ الكلامَ عن السيّئ سيّئٌ. هل نعتقد بأنه يجب أن لا يُقال
(عبيد) بل (عمال مؤقّتون)، وأنّ العمال يجب أن يكونوا طيّبين ومندفِعين
وأنّ النساء يجب أن يكنّ قويات ومستقلات. إنّ أيّ اقتراب من الواقع يجب أن
يكون ممنوعاً. كانت تعيش في إمبراطوريّة واجب الوجود، مثل أبطال الواقعيّة
الاشتراكية، الذين من حسن الحظّ تمّ تجاوزهم ونسيانهم".
ورأت أنّ محفوظ يفضل الشخصيات الأنثوية المعقّدة، مزدوجات، معذبات
وكان قليل التأثُّر بالأحكام الأخلاقيّة. كان يُصَوِّرُ مَنْ يمكن للنظرة
التبسيطية الأولى أن تُصنّفهنّ على أنّهن عاهرات وبلهاوات ويُكتشف في العمق
أنّهن الباقيات على قيد الحياة من عالمهن المتخشّب.
وقالت: بعيداً عن حالات عدم الفهم والاختلافات مع بني وطني فإنّ إعداد
(بداية ونهاية) كان في الوهلة الأولى سهلاً وسريعاً وكان على وجه الخصوص
مشوّقاً، وهذا ليس لأنني لم أواجه عوائق مصدرها الترجمة من مجتمع إلى آخر.
وأضافت المخرجة المكسيكية: كنتُ أقولُ إنّ البنيةَ العائلية ـ في محور
مصر المكسيك ـ صخبَ الاجتماعات، طريقة إقامة الصداقات تؤاخي بيننا.
إنسانيةُ الإنسانيّ تجمعنا. لذلك كنت أشعر ببعض الإهانة عندما كانوا
يسألونني بامتعاض: كيف خطر لكِ أن تُعدّي روايةً مصريّةً؟ القاهرة في
المكسيك؟ كانوا يسألون غير مصدّقين. كنتُ قد أعددتُ موبَّاسان، الفرنسيّ
جدّاً، دون أن يخطر لأحد أن يجد غرابة في ذلك، وأُراهن أنّهم إذا ما
تورّطتُ بمسرحية "بيت الدمية" لإبسنسيرون ذلك طبيعيّاً، على الرغم من أنّ
النرويج لوثريّة جدّاً وشمالية جدّاً ومتحضّرة جداً ولا يربطها بالمكسيك أي
رابط.
وتعترف الكاتبة المكسيكية "عالمُ محفوظ يقتربُ منّي. هو اليومَ عالمي.
ضممت محفوظ إلى سيرتي الفكريّة بالطريقة ذاتها التي فعلتها مع دوستوفسكي
وبرونتي، فارغاس يوسا وأموس أز. هو اليوم منّي، لي، مثل أيّ كاتب من بلدي
وبلغتي. يشكّل جزءاً من هذا الوطن الرحب الذي هو القراءة. أنا راضية عن
النقل الذي قمنا به لعالم محفوظ إلى العالم المكسيكي".
• هل كان محفوظ مخرجا؟
ولفت الناقد كمال رمزي إلى دخول نجيب محفوظ عالم الفتوات من بوابة
السينما، وقال: "حين شارك المخرج نيازي مصطفى في كتابة سيناريو (فتوات
الحسينية) 1954.. فيما قبل، لم يظهر الفتوات في روايات نجيب محفوظ، وفيما
بعد بدأ تواجد الفتوات في قصصه القصيرة ليهيمنوا على أعمال كبيرة، مثل
(أولاد حارتنا) و(الحرافيش) فالواضح أن كاتبنا الكبير وجد إمكانات واسعة،
للتعبير عن عشرات القضايا، من خلال الفتوات، ومعان أعمق مما جاء في (فتوات
الحسينية) الذي قام ببطولته فريد شوقي أمام غريمه الدائم.. محمود المليجي".
ويكشف رمزي عن أن محفوظ "يبدو كما لو أنه مخرج، يشرح لممثله دقائق
الموقف، ويوجهه إلى طريقة التعبير، فعندما يضيق عيسى الدباغ ذرعاً بفتاة
الليل (ريري) المتميزة نادية لطفي التي تقيم معه، يعاملها بغلظة فكيف يكون
رد فعلها؟.. نجيب محفوظ يشرح ويوجه (عند الإساءة ينقبض وجهها فليحظ خفية
الجهد الذي تبذله لشكم غضبها والتنفيس عن استعدادها العدواني المكبوت
المكتسب من حياة الأرصفة بمعركة باطنية تفتضح آثارها في خديها وشفتيها
وإنقلاب سحنتها)، سارت (نادية لطفي) على هدي إرشادات نجيب محفوظ فحققت، عن
جدارة، نجاحاً مرموقاً".
وأضاف: "(أزمة عيسى الدباغ) من خارجه، ترجع لقطار الثورة الذي داهمه
وتركه وحيداً، أما أزمة (عمر الحمزاوي) فتأتي من داخله، بسبب ذلك الفراغ
الذي يحسه برغم ازدحام حياته بأسرة وأصدقاء، لذا فإن محمود مرسي في (السمان
والخريف) يغضب، ويجهش بالبكاء، بينما في (الشحات) يزداد يأساً وتعاسة، ولعل
التنوير المنبعث في صفحات نجيب محفوظ هو الذي أضاء طريقة أداء محمود مرسي،
وانتقاله من تدهور إلى تدهور أشد وطأة.. فإذا كان نجيب محفوظ يشير، في
البدايات إلى أن بطله يعاني خمولا وضجراً في عمله وأسرته، فإن الرواية
تتابعه وهو يمضي في ارتياد الملاهي الليلية، متنقلا من امرأة لأخرى، ومع
ذلك تزداد غربته عن العالم يوماً بعد يوم، وبالتالي ينسحب نفسيا ويغرق داخل
ذاته، ويقترب شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه الهذيان والجنون.. محمود مرسي،
يجعلنا نتابع، كيفية انسحاب رجل من الحياة".
ورأى كمال رمزي أن "أفلام الفتوات، إجمالاً، تتضمن أحداثاً وشخصيات
تشد انتباه المشاهدين، فهنا، تندلع الخصومات، وتتصاعد التناقضات، وتتوالى
المواجهات، حاملة معها معظم ألوان الصراعات، المعنوية والمادية، وثمة معركة
تصفية الحساب الأخيرة، الدامية غالباً.. لكن، لا يمكن تجاهل أن هذه
الأفلام، تلبي حاجة عند الجمهور، أشمل وأهم من مجرد كونها تنتمي إلى (سينما
العنف)، أو (سينما المغامرات)، ذلك أنها في بعد من أبعادها، تعبر عن حلم
العدالة، فالفتوة عادة، هو رمز الطغيان، سلطة القمع، قوة الظلم والظلام،
وفي المقابل، أناس يعملون وينتجون ويذهب عرقهم لحملة النبابيت، وكلما انهار
فتوة، يحل مكانه فتوة آخر، ينعش الآمال قليلا، لكن سرعان ما تصبح سلطته
المطلقة، هي الفساد المطلق، ويتحول إلى غول لا يرحم.
• محفوظ لكل الأجيال
وأكد رمزي أن المساحة الزمنية التي تعرضت لها روايات نجيب محفوظ
طويلة، ومنذ أكثر من نصف قرن اتجهت السينما المصرية إلى تلك الأعمال، وتلقف
كل جيل من أجيال المخرجين المتعاقبة الروايات التي تتعرض لفترات عاشوها، أو
كانوا قريبين منها: صلاح أبوسيف اختار "القاهرة 30" و"بداية ونهاية" اللتين
تدور أحداثهما في الأربعينيات، عاطف سالم فضل "خان الخليلي" التي تدور في
دوامة الحرب العالمية الثانية، حسن الإمام حقق الثلاثية التي تمتد من سنوات
ما قبل ثورة 1919 إلى مشارف الخمسينيات.. أما الجيل التالي من المخرجين،
فإنه تعرض إلى ما يتوافق معه، حسام الدين مصطفى قدم "السمان والخريف" التي
تتعرض إلى ما جرى عقب ثورة 1952، وكانت "الحب تحت المطر" التي تعبر عن
الندوب الروحية التي أصابت أبطالها بسبب هزيمة 1967 من نصيب حسين كمال الذي
قدم أيضاً "ثرثرة فوق النيل" التي ترصد أجواء الإلهاء والطمأنينة الكاذبة
التي أدت للنكسة.. ثم يأتي من جيل لاحق، علي بدرخان، ليراجع على نحو نقدي،
ممارسات مخالب السلطة ضد أبناء الثورة في "الكرنك"، ويفضح قيم الانفتاح
المنحطة في "أهل القمة"، وتتوالى الأجيال لينظر عاطف الطيب، بغضب، إلى واقع
الثمانينيات خلال "الحب فوق هضبة الهرم" 1986. وجد كل جيل ضالته في منجم
نجيب محفوظ، ليس بالنسبة للمخرجين فحسب، بل للممثلين في المحل الأول، وفي
أكثر من لقاء، صرح نجيب محفوظ أن الممثل "هو أفضل عنصر في السينما
المصرية".
ميدل إيست أنلاين في
10/10/2011
العرض الأول للفيلم الإماراتي "ظل البحر" في مهرجان أبوظبي
للأفلام
أبوظبي –دنيا الوطن- محمد جمال المجايدة
تشهد فعاليات مهرجان أبوظبي للأفلام 2011 العرض الأول لفيلم ظل البحر،
أول فيلم إماراتي من إنتاج شركة إيمج نيشن أبوظبي، مساء يوم الأربعاء 19
أكتوبر وهو من إخراج نواف الجناحي وسيناريو محمد حسن أحمد. وسيتم عرض
الفيلم للجمهور في صالات السينما في كل من الإمارات وقطر والكويت وعمان
والبحرين إبتداءً من 17 نوفمبر المقبل.
ويروي فيلم ظل البحر، والذي تقع أحداثه في حي صغير على ضفاف البحر في
الإمارات العربية المتحدة، قصة منصور وكلثم في رحلتهما نحو اكتشاف الذات.
وهي رحلة يشوبها مزيج من العلاقات الإنسانية والقيم العائلية والتضارب بين
القديم والجديد، في سبيل التحلي بالشجاعة واتخاذ القرارات الهامة.
وكانت الأعمال السابقة للمخرج الإماراتي نواف الجناحي في مجالي
الإخراج والإنتاج قد لاقت إستحساناً كبيراً، ومن بينها "مرايا الصمت"
و"الدائرة"، الذي عُرض لأول مرّة ضمن فعاليات مهرجان الخليج السينمائي لعام
2009.
وعلّق نواف الجناحي على إطلاق فيلمه الجديد قائلاً: "أشعر بسعادة
بالغة لعرض فيلم "ظل البحر" لأول مرّة ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي
السينمائي."
وأضاف: "إن دعم ومساندة إيمج نيشن أبوظبي لنا سمح للمواهب المحليّة
بأن تنطلق وتتميز خلف الكاميرا كما أمامها. ونأمل أن ينال عملنا هذا إعجاب
الجمهور من مختلف الجنسيات والثقافات."
وأشار محمد العتيبة ، رئيس إيمج نيشن أبوظبي: "إن إطلاق فيلم "ظل
البحر" من خلال مهرجان أبوظبي السينمائي يعد خطوة هامة للسينما الإماراتية.
تتمتع هذه المنطقة بوفرة من المواهب في مجال السينما، ويأتي هذا الفيلم
ليؤكد التزامنا بمساعدة صُنّاع السينما في دولة الإمارات العربية المتحدة
."
دنيا الوطن في
10/10/2011 |