لم يمنع القيظ فرحة
السينما في «ليدو فينيسيا» هذا العام، وهي تحتفل بالدورة الثامنة والستين
لـ«موسترا». حماسة الجميع هي نفسها، وإن شابتها شكوكٌ كثيرة حول مآلات
المهرجان،
بعد إعلان مديره النافذ ماركو مولر عن رغبته وعزمه على العودة إلى أوراق
الإنتاج
ومخاطره وألقه الابداعي بعد ثمانية أعوام، أمضاها مشرفاً على فريق برهن في
كل عام
على جودة اختياراته، وعناده في استقطاب المتردّدين من صنّاع السينما إلى
المهرجان.
لا قرار حول مستقبل مولر في أروقة القصر المُحَاصر بعشرات الألواح، التي
استبشر
الجميع منذ أعوام بأنها ستؤدّي إلى انقلاب معماري، يُنهي أزمة الفوضى
العارمة في
بقعة الـ«موسترا»، وشحّ إمكان العروض اللائقة، سواء بالأفلام أم بأسماء
مخرجيها
ونجومها. بيد أن التسريبات تشير إلى أن هناك صراعاً خفيّاً على المحاصصات
المالية،
وهو دأب إيطالي صرف في الانتفاع، دفع بقرارات عليا إلى تجميد المشروع
الطموح،
لتُضيف بشاعة الموانع الموزّعة بشكل عشوائي المزيد من عرقلة حركة عشرات
آلاف
الوافدين، الذين حوصروا في اللسان البحري، وأصبحوا ضحايا علنييّن لشراهة
مالية، لا
تضاهيها سوى نظيرتها في «كانّ» الفرنسية.
غناء وتمثيل
المزاج العام
رائق. يُمكن إرجاعه بيقين كامل إلى ما تصُحُّ تسميته بـ«كلوني مينيا»، أو
هوس نجم
هوليوود جورج كلوني، الذي اكتسح القناعات المتردّدة بفيلمه الجديد، الذي
كُرِّم
كفيلم حفل الافتتاح الباذخ، مستلِفاً فيه صرخة العرّاف الإغريقي الأعمى،
الذي حذّر
الطاغية يوليوس قيصر من غدر رفاقه وخلانه قبل أعدائه، عندما صرخ بتاريخ
«الخامس عشر
من آذار» (عنوان الفيلم)، وهو اليوم الذي ستخترق جِنابه أنصال خناجر الغدر.
لا
سكاكين في عمل كلوني، بل الكثير من الحوارات والدسائس التي تشهدها مكاتب
سيناتور
أميركي ساع للوصول إلى البيت الأبيض. أضفى العمل، الذي يستكمل كلوني فيه
خطَّه
التهكميّ بعد «عمتم مساء وحظاً سعيداً»، نزعة محاباة غير مسبوقة له بين
الإعلاميين
الأوروبيين، ليدبِّجوا مقالات حماسية عن اشتغاله الذي غمز كثيراً من قناة
جمهوريّي
الرئيس السابق جورج دبليو بوش، في مواجهة «تاريخية» لاختيار الرئيس الحالي
باراك
أوباما، وقوّته السياسية التي تحاول جاهدة إزاحة إرث هائل من العثرات
والحروب التي
ارتكبتها الإدارة السابقة. وهذا ما لمَّح كلوني إليه مراراً، وبإصرار غريب،
في
مؤتمره الصحافي. لكن أهل الإعلام شنّوا هجمات لاذعة على نصّ المطربة
الشعبية
الأميركية مادونا، التي أفلمت فيه علاقة الحب المعروفة التي جمعت الملك
إدوارد
البريطاني، قبل رفضه وراثة العرش، بعشيقته الأميركية، في فيلمها الإخراجي
الثاني «دبليو
إي.»، على الرغم من إصرارها على انحيازها إلى سيرورة خيار الرجل، الذي قلب
مفهوم الإلزام السياسي لقائد، افتُرِض أنه يقود أمّته نحو النصر في الحرب
ضد
النازي.
ظاهرة ازدواجية النشاط الفنّي الذي مثّلته مادونا (غناء سينما)،
استُكمل في فيلم مواطنها المميّز آل
باتشينو، الذي اختار جديده «وايلد سالومي»
للتأكيد على منهجية عمله المتداخل الهموم والإبداع بين المسرح والسينما،
منتقياً
نصّ صاحب «صورة دوريان غراي» و«أهمية أن يكون إرنست» الايرلندي أوسكار
وايلد «سالومي»،
لاعباً على مفردات الـ«دوكو دراما»، كما فعل في «البحث عن ريتشارد»،
مُحيِّياً صراع الكاتب الراحل ضد توتاليتارية الدولة البريطانية آنذاك،
التي رأت
فيه «عاراً اجتماعياً» بسبب علنية شذوذه الجنسي، غير ملتفتة إلى حجمه
الإبداعي،
الذي ثوَّر المشهد المسرحي في لندن مفتَتَح القرن الفائت. جهد باتشينو
لإعلاء
سينمائية «سالومي» المعاصرة، ضمن تلميحات مسيَّسة حول عنفية الدين، وعسف
السلطة،
ودموية الرغبات التي تجسّدت في الرقصة الانتقامية للمرأة ضد من صدّ شبقها،
لتُعلن
لاحقاً: «لقد قبّلت شفتيك. لكنّي لم أحسَّ طعمهما، بل طعم الدم». فيلم آل
باتشينو،
الذي كرّمه المهرجان عن مجمل جهده، ذو منحى متثاقف، شديد النخبوية. اختار
مخاطبة
هواة كلاسيكية وايلد (1854 ـ 1900) والقطاع الكبير من مريديه، كتابةً
وسلوكاً
جنسياً. من اللفتات الباهرة في الفيلم، تلك الزيارات المختارة للأماكن
والمؤسّسات
التي ما زالت تحتفي بإبداعه وطلّته المميّزة، وتحافظ على ذكراه مبدعاً
وضحية. ومن
نافل القول إن مغزى العمل لا يكمن في أفلمة العمل الجماعي لفريق باتشينو
(خصوصاً
المشهديات الباهرة التي أدّتها الموهوبة جيسيكا شستين، المُشاركة في فيلم
«شجرة
الحياة» لترينس ماليك)، وهو ما غطّى القسم الأول منه، بل التأنّي في «ضخّ»
كَمّ
مُعتَبَر من المعلومة حول حياة وايلد وعصره وأزماته، قبل انكفائه
في فندق باريسي،
ورحيله المفاجئ بسبب المرض وهو في السادسة والأربعين من عمره.
بدت حكمة اختيار
باتشينو لرقصة سالومي في المقطع الختامي
المُحكَم، مدروسة وبليغة، على اعتبار أن
الممثل الكبير يتصاغر أمام قوّة دراما لا تريد أن تندثر، وشخصية إشكالية لا
تنفكّ
تكشف عن طباع البشر الحمقى، الذين يسعون للحسم قبل المهادنة. «سالومي»
باتشينو أعاد
الاعتبار إلى نصّ مقولب في الحقب المتأخّرة من الأوبرا والغنائيات، نظراً
إلى
احتوائه على عناصر فرجتها، مستضيفاً إياه مجدَّداً على الشاشة، وأَثَرُ
كَمّ مُشعّ
من نصوص السينما الصامتة المفخّمة، التي وجدت أنتلجنسيا الـ«ليدو» ضآلتها،
في عمل
حيويّ ومليء بهاجس الاستعادة الصوريّة المبهرة (تصوير محكم للفرنسي بونوا
دولوم
وفريقه).
تمجيد السينما
الإيراني ـ الأميركي المُقِلّ في إنتاجه
أمير نادري خطف الاهتمام والمديح، باستعادة
لمّاحة من نوع آخر، في جديده «قطع» (سينمائي)
الذي عُرض ضمن خانة «آفاق». فيه، ذهب صاحب «العداء» (1985) و«ماء، ريح،
غبار» (1986) و«فيغاس: مُقتَبَس عن قصّة حقيقية» (2005) إلى يابان المخرجين
المؤسّسين أكيرا كوروساوا وياساجيرو أوزو وميزو غوتشي، مستلفاً الحقبة
المنيرة
للسينما، ورافعاً صوت بطله السينمائي الشاب شوجي (هيدوتشي نيتشيجيما، الذي
عُرف
دولياً بأدائه دور البطولة في فيلم «دمى» (2002) لمواطنه تاكيشي كيتانو) ضد
موت
السينما وحرفها عن مبادئها الصافية في زمن صالات الـ«مولات» والإنتاج
التجاري
الكبير المزيِّف معياريتها المعرفية. إنه صراع بين المؤمنين بفنيّتها
وأصالتها
وقدرتها على الإمتاع، وأولئك المتاجرين بقصص العنف والمخلوقات الفضائية
والمضحكات
السفيهة. شاب حداثي لا يريد أن تُغتال الشاشات بمتحيني الثراء والـ«بلوك
باستر»،
يحيط نفسه في شقّته بصُوَر جهابذة العمل السينمائي وتواريخ أفلامهم وأزمنة
عروضها.
ساموراي في الألفية الثالثة، يذود عن موت «سينماتيكات» العاصمة التي فلتت
من نوويات (الرئيس
الأميركي) ترومان، بتحويل سقف شقّته إلى دار عرض مفتوحة، يجتمع فيها شباب
يتنادون للاحتفاء ببلاغة كلاسيكيات الأميركي باستر كيتون الصامتة (يقول
للتجمع
المبهور: «ليكن صوت الريح حوار الفيلم معكم»)، ومواطنه جون فورد (مُشيراً
إلى فيلمه «الباحثون»
بأنه «واحد من اثنين ذَوَيّ خاتمة خالدة في تاريخ الفن السابع)، وشنيادو (حول
عمله الأخّاذ «الجزيرة العارية»، الذي يكرّسه باعتباره «جوهرة السينما
اليابانية المعاصرة»).
الشاب شوجي نبيٌّ سينمائيٌّ يدعو إلى عفّة السينما،
ودانتي يسعى لاستعادة جحيمها الذي تراكمت
في طبقاته عشرات آلاف الدرَر. تُرى، كيف
يُمكن لعمل ممتدّ على مئة واثنتين وثلاثين دقيقة، أن يكون مُبتَكَراً
ومُتحايلاً
على تكراره العنيد لصرخات البطل المهووس بعذابه السينمائي، ولاحقاً بلكمات
المعتوهين بالعنف؟ ببساطة نادرة، ولّف مخرج «حاجز صوت» (2005) حكايتين
متوازيتين:
الأولى عن الكائن الملتاع بخوفه على تاريخه الشخصي الذي يجب ألاّ يندثر
بإغفال
الآخرين للفن الكلّي، الجامع أصناف الإبداع البشري كلّها. والثانية عن
الكائن الذي
عليه أن يدفع ثمن فساد الآخرين للذائقة العامة، وهؤلاء زمرة من عصابات الـ«ياكوزا»
اليابانية، التي تُشكِّل حسب عرف المنجز السينمائي الياباني مفتاح سلسلة
«الهراء
السينمائي التجاري»، في بلد أنجز «الساموراي السبعة» لكوروساوا و«الصبي»
لنجيزا
أوشيما، ومئات آلاف المرجعيات الفيلمية.
يُصبح على شوجي أن يواجه استحقاقين:
الشرطة التي تطارده باعتباره «مُحرِّضاً» (يقول له زميله
محتجّاً: «أنت لست أوشيما
(الروائي). العالم تغيّر، والناس لا يلتفتون اليوم إلى
أمثالكما»)، والعصابة التي
تطلب منه ردّ دين شقيقه، الذي دفع حياته
ثمناً لحيلته ورعونته. والسبيل إلى ذلك،
إذعان مُطلق من البطل لثمن بديل: «استئجار جسده» للكمات القبضايات، في
مقابل «ديّة
دم». أفلح شوجي في ردّ دينه المعلق فوق كيانه العنيد كقدر سينمائي، وأنهاه
بصفقة
مبتكرة، هي لكمة في مقابل عنوان كلاسيكية سينمائية عالمية، نراها مكتوبة
على شاشة
سوداء، لتكون في عرف المخرج نادري كأنها موسوعة سينمائية، امتزج في ترتيبها
حلم
شجاع بالدفاع عن خالقيها، وصدّ شخصي ضد موت أرشفتها. وعندما نسمع صوت صرخته
«أكشن»
في نهاية الفيلم، يعرف المُشاهد أن كلمة «قطع» السينمائية لن تحدث. ذلك، أن
أم
الفنون لن تتوقّف أبداً عن إنجاب نجبائها، ومنهم المهووس الإيراني.
السفير اللبنانية في
05/09/2011
"حبيبي راسك خربان": وذلك الانتحار السينمائي!
أمير العمري- فينيسيا
عرض في قسم "أيام فينيسيا" في الدورة 68 من مهرجان فينيسيا السينمائي، فيلم
يحمل عنوانا غريبا هو "حبيبي راسك خربان" للمخرجة سوزان يوسف. وهو فيلمها
الروائي الأول، وقد حصل على تمويل من جهات عدة في هولندا والولايات المتحدة
وفلسطين والإمارات، ومن الأخيرة حصل تحديدا على منحة دعم من مؤسسة "إنجاز"
التابعة لسوق مهرجان دبي السينمائي.
كل هذه ولاشك جهود لا بأس بها على الإطلاق، ولكن السؤال البديهي الذي يفرض
نفسه علينا هو: هل الجهات الداعمة جميعها ومنها مؤسسة فولبرايت التي قدمت
منحة لمرحلة كتابة السيناريو، راجعت سيناريو الفيلم جيدا ورأت أنه متماسك
ويصلح لعمل فيلم، أم أن المخرجة قدمت لتلك الجهات سيناريو مكتوبا جيدا،
لكنها قدمت شيئا آخر أثناء التصوير، ثم تولى المونتير الذي قام بتوليف
الفيلم تدميره لكي يصبح ذلك المسخ السينمائي الذي شاهدناه؟!
سوزان يوسف ليست فلسطينية، فقد ولدت في حي بروكلين بنيويورك لأب لبناني،
وأم سورية. وعملت لفترة قصيرة كصحفية في بيروت ثم عادت للولايات المتحدة
حيث درست السينما في مدرسة تدعى
UTوأخرجت
عددا من الأفلام القصيرة، لكننا لا نعرف عناوين هذه الأفلام، فهي ليست
منشورة في الموسوعة السينمائية العالمية على شبكة الانترنت، لكن تحقيقا عن
سوزان يوسف في مجلة
Filmmakerبتاريخ 20 يوليو 2010 جاء فيه "إن أفلام سوزان
يوسف القصيرة الأولى التي عرضت في دائرة مهرجانات الشواذ والشاذات جنسيا
gay and lesbianكما
في دوائر الفيلم التجريبي، أظهرت تأثرها ببعض الأعمال السينمائية مثل أفلام
كياروستامي وفاسبندر وريتشارد لينكلاتر".
وفي عام 2002 صورت سوزان يوسف فيلما تسجيليا في غزة، وهناك كما تروي، وقعت
في حب شاب فلسطيني، لكن العلاقة معه لم تستمر أو تتطور كما تقول، وإنه
نصحها بالذهاب الى هولندا للبحث عن تمويل لمشاريعها، وهناك تزوجت من شاب
آسيوي يدعى مان كيت لام، هو الذي قام بمونتاج فيلمها الجديد (الذي لا يعرف
لغته). وقد أصبحت بالتالي تقيم بين هولندا ونيويورك. وعندما أرادت العودة
الى غزة لتصوير "حبيبي راسك خربان" لم يسمح لها حسبما تقول، دون أن توضح من
الذين منعوها: الفلسطينيون في غزة أم السلطات الإسرائيلية، رغم أنها تحمل
الجنسية الأمريكية. وعندما لم تتمكن من التصوير في غزة قررت تصوير الفيلم
في الضفة الغربية!
وهي تصف غزة في مقابلة منشورة بأنها مكان شديد "الرومانسية" بدرجة غير
معقولة، في حين أن كل من يعرف شيئا عن غزة ولو من خلال ما ينشر يوميا من
صور في الصحف، يعرف أنها أبعد الأماكن في الأرض عن الرومانسية، فكأن سوزان
يوسف تتكلم عن مقاطعة توسكاني في الريف الايطالي مثلا!!).. والأكثر من ذلك
أنها عندما قررت تصوير الفيلم في الضفة بدلا من غزة، وفقدت بذلك أهم ما
يميز المكان في الفيلم، وتحديدا في هذا الفيلم، استعانت كما تقول "بممثلين
فلسطينيين يحملون الهوية الإسرائيلية" لكي تبعد نفسها عن أي مخاطرة.
ولكن بعد كل هذه الطرق والتحايلات كيف جاء فيلمها، الذي تشكو من أنه صنع
بميزانية "محدودة للغاية" لم تسمح بزيادة عدد أعضاء فريق العمل (علما بأن
الفيلم صور بكاميرا الفيديو الرقمية). ومن المقرر أن يذهب الفيلم بعد عرضه
العالمي الأول في فينيسيا، الى مهرجان تورنتو!
مجنون ليلى
تطمح سوزان يوسف إلى إعادة تقديم "مجنون ليلى" في السينما من خلال قصة حب
بين شاب وفتاة، تدور بين خان يونس وغزة، وهي فكرة جيدة وجريئة ويمكن إذا
كتبت جيدا، ووقف وراءها مخرج يمتلك "رؤية" فنية حقيقية، أن يصنع منها عملا
جيدا.
هناك قيس بن الملوح (هكذا تطلق عليه في الفيلم وهو اسم مطابق بشكل يدعو
للسخرية من قيس ) وهو شاب مشعث الشعر، نحيف البنية، يعمل في البناء، ويقيم
في مخيم خان يونس. وهو مغرم بـ"ليلى" التي تنتمي لعائلة ميسورة الحال تقيم
في غزة. ويتقدم قيس لخطبة ليلى تحت ضغط من جانبها لأن أهلها يريدون تزويجها
من قريب لها، طبيب فلسطيني درس في أمريكا وعاد مؤخرا الى غزة لكي يساعد
"هذا البلد الفقير- (حسب نص كلماته في الفيلم!). ولكن والد ليلى يرفض طلب
قيس الزواج من ابنته لأنه لا يمتلك مسكنا مستقلا بل يقيم مع أسرته في
المخيم، كما أنه يجده غير ملائم لها، ويقوم بطرده شر طردة من منزله رغم
احتجاج ليلى.
ليلى أيضا ترغب في استكمال تعليمها الذي قطعته في جامعة بيرزيت في الضفة
الغربية حيث التقت هناك بقيس، الذي قطع أيضا تعليمه لكي يساعد أهله. وليلى
مرغمة على ارتداء الحجاب أو حتى النقاب لكي تتفادى التعرض للمشاكل من جانب
الاسلاميين المتشددين في غزة. وهي رغم ذلك تجد وسيلة أو أخرى لكي تلتقي
بقيس أو تبعث له رسائل عن طريق وسيط هو طفل من أطفال الحي.
وقيس من ناحيته لا يكف أبدا عن كتابة أشعار الحب والغزل في ليلى على كل
جدران المدينة.. ووالد ليلى يستشيط غضبا بسبب ما يراه تشويها لسمعة ابنته
ويريد أن يزوجها في أقرب وقت. لكن خطيبها الطبيب يقتل في حادث اطلاق نار من
جانب أحد المستوطنين على سيارته.
بطبيعة الحال نحاول في هذه العجالة العثور على موجز "منطقي" لأحداث الفيلم
أو تسلسل مشاهده ولكن بلا أدنى طائل، فالفيلم يفتقد الى الوحدة الفنية،
والى التسلسل، والى الحبكة، في حين أنه لا يحلق خارج البناء التقليدي، بل
يظل يراوح مكانه، والشخصيات لا تتطور، ولا تنضج الحبكة أبدا، والصراع
السياسي غائب تماما عن الفيلم، وكل اهتمام المخرجة- المؤلفة يتركز فقط في
تصوير كيف أن بعض الشباب المتشدد دينيا يهددونها وحبيبها قيس بعد أن يعثرون
عليهما معا في منطقة خالية.. ولكنهم سرعان ما يتركون الاثنين بعد أن يتعهدا
بعدم تكرار فعلتهما (أي الاختلاء!).
وبعد أن كان هدف ليلى الذهاب للضفة الغربية للتقديم للجامعة لاستئناف
دراستها كما تقول لوالدها الذي يسمح لها بالخروج وهي ترتدي النقاب، نراها
تذهب الى قيس قرب شاطيء البحر، لكي تنتقل معه بعد ذلك الى مسكنه (لا نعرف
لماذا فالفيلم تغيب عنه كل مشاهد الحب الممكنة حتى مجرد اللمس، كما تغيب
عنه المناجاة العاطفية على أي مستوى، بل يتحول الى تصوير عجز حبيبين عن
الزواج في ظل واقع يراد لنا أن نشعر بأنه خانق في حين أننا لا نلمح أي
خصوصية لتجربة الحب في هذا المكان تحديدا، بل يظل الفارق الطبقي بين
الاثنين هو الأساس، وهو ما سبق تناوله في الكثير من الأفلام.
الجانب الغائب
وعندما ترغب المخرجة في تقديم الجانب الغائب عنمعظم مشاهد فيلمها ولو على
استحياء، أي الجانب الإسرائيلي، تقفز فجأة من رغبة ليلى في الذهاب للضفة
للدراسة، الى رغبة قيس في الهجرة الى هولندا.. هكذا فجأة نراهما يحاولان
المغادرة للسفر الى هولندا. يستجوبهما ضابط اسرائيلي بالطبع، ويتساءل عن
التأشيرة التي حصل عليها قيس (لا نعرف هل كانت هناك أي فرصة لكي تحصل ليلى
على تأشيرة لهولندا أيضا ولو مزيفة!).. ويكتشف الاسرائيلي أن التأشيرة
مزيفة، ويقول لهما ان ما معهما من نقود (400 شيكل) لا تكفي، ويعرض أن
يمنحهما تأشيرة ومالا ويتيح لهما فرصة للزواج في حالة موافقتهما على
التعاون مع السلطات الاسرائيلية وتزويدها بأسماء نشطاء "المقاومة" في
المخيم. وعلى حين يكاد قيس يقبل العرض، ترفضه ليلى باصرار. وتتعرض بالطبع
للضرب العنيف من جانب الضابط الاسرائيلي.
ولكن فجأة نجدها في المشهد التالي مباشرة في سيارة تاكسي مع قيس، وهي في
حالة صحية جيدة للغاية دون أي أثر لماتعرضت له، ويفترق الإثنان، ثم نراها
تطرق باب منزل فخم فيفتح لها عمر.. خطيبها الذي فهمنا من قبل أنه توفي في
حادث اطلاق النار. ويمكن لأي طفل مبتديء في العالم أن يفهم أنه ربما لم
يمت، وأن ليلى ربما تكون قد استسلمت أخيرا لفكرة الزواج منه. لكننا في
المشهد التالي مباشرة نراها وهي تتجه ناحية البحر لكي تغرقها المياه مع قيس
الذي يرقد مثلها على الشاطيء في لقطة مجازية تقول لنا ان الاثنين ينتهيان
نهاية تراجيدية.. في خليط بدائي لا يليق حتى بمسرحيات تلاميذ المدارس
الابتدائية.
ضعف الاخراج
لا تعرف المخرجة كيف تدير الممثلين أمام الكاميرا، ولا تعرف متى تنتقل من
مشهد الى آخر، ومن لقطة الى أخرى، فقد ينتهي الممثلون من أداء الحوار
المكتوب لهم وينتظرون أن تنتقل المخرجة للمشهد التالي ولكنها لا تفعل بل
تتأخر كثيرا قبل الانتقال. وعندما تنتقل تنسى أنها سبق أن قدمت شيئا مخالفا
لما ستقدمه في المشهد الجديد، أي ما يتناقض معه.
وبسبب اختيارها التصوير في بيئة ليست هي بيئة غزة المعروفة فقد اكتفت
بتصوير لقطات متوسطة حتى في المناظر الخارجية فحرمت بالتالي الفيلم من تلك
العلاقة الحميمية الخاصة المطلوبة بين الشخصيات والمكان، خصوصا اذا كانت
للمكان خصوصياته وملامحه الخاصة.
واستخدام الشعر في الفيلم ليس موفقا بل بدا عبئا عليه، بحيث أصبح في الكثير
من الأحيان مقحما بل ومضحك أيضا في السياق الذي صور فيه.
عجز الحوار
أما الآفة الكبرى في الفيلم فهو يتعلق بالتمثيل، فكل الممثلين يفتقدون الى
القدرة على التعبير بأي طريقة يمكن تصورها. وعلى حين تكتفي مايسة عبد
الهادي التي قامت بدور ليلى، بالصراخ في كل المشاهد التي تظهر فيها، لا
تبدو أي انفعالات على وجه قيس ناشف، الممثل الذي يقوم بدور قيس، فهو بلا
انفعالات في كل المواقف، ويتسم وجهه بالجمود والتحجر أمام الكاميرا رغم ما
يفترض من أنه قد ينفعل على الأقل، كشاعر يتأثر بالمواقف التي تواجهه، وهو
يعجز عن التحرك بشكل طبيعي أمام الكاميرا، مع غياب الكيمياء بينه وبين
زميلته التي أدت دور ليلى، بشكل يدعو الى الرثاء حقا. والمسؤولية في ذلك،
تقع دون شك، على عاتق المخرجة سوزان يوسف، سواء في الاختيار أم في إدارة
التمثيل، حتى لقد بدا أن الممثلين جميعا يؤدون كيفما اتفق أو كما يتراءى
لهم. ولعل الاستثناء الوحيد هنا هو الممثل المخضرم يوسف أبو وردة الذي قام
بدور والد ليلى.
ويتدنى الحوار في الفيلم إلى مستوى بدائي بحيث تصبح الشخصيات وكأنها تلوك
كلمات محشوة في الفيلم حشوا بلا أي معني. كما في الحديث الطويل بين ليلى
وقيس حول التدخين وأضراره، وكما في الحوار بين الشابين المتشددين وبطلينا.
وهو حوار ضعيف وممطوط يدل على غياب القدرة على توليد المعاني الشعرية من
الحوار ببساطة ودون افتعال، في فيلم يبدأ بطله بالتساؤل عن ذلك الانقطاع
التاريخي في الشعر العربي بين عصر ابن عربي وعصر محمود درويش، وهو تساؤل
يدل أيضا عن جهل بتطور الشعر العربي الذي أنتج عشرات الشعراء الكبار خلال
القرون الماضية بعد ابن عربي وقبل محمود درويش!
خيبة الأمل
وإذا كان هناك مشهد واحد يصلح للحكم على قدرات هذه المخرجة وما إذا كانت
تتمتع بأي موهبة، فلعله المشهد الأخير (المجازي) الذي نرى فيه الاثنين في
لقطات متوسطة (تخشى المخرجة أن تفضحها الطبيعة اذا ما فتحت الكاميرا إلى
لقطة من بعيد قليلا) وهما يرقدان على الشاطيء بينما تحيط بهما مياه البحر..
وليلى تردد أغنية سخيفة تقول إنها تنتمي للبحر.. وانها قادمة للماء، أو شيئ
من هذا القبيل، بما يوحي بأنها ستغرق نفسها، ودون أن تخاطر المخرجة حتى
بتصوير الممثلة والمياه تغطي جسدها!
وبشكل عام يبدو ايقاع الفيلم هابطا مترهلا، مع هبوط ايقاع التمثيل، ووجود
الكثير من المشاهد واللقطات الزائدة (عليك فقط أن تتأمل مشهد محاولة ليلى
الخروج من منزل الأسرة بعد رفضهم الانصياع لاراداتها في حين يغلق أبوها باب
المنزل رافضا خروجها. هنا يتوالى صراخها بهستيرية لا تنقطع، وتشنجاتها
وطرقاتها على الباب وترديدها جملة حوار واحدة تستغرق عدة دقائق!).
الخلاصة أننا أمام تجربة في تصوير فيلم حصل على ما لا يتمتع به كثير من
الأفلام التي تصنع في العالم العربي اليوم، كما حصل على دعم وتأييد أوساط
دولية كونه من صنع مخرجة (امرأة)، يريدون أن يجعلوا منها أسطورة، ويجعلوا
من فيلمها بديلا للأفلام الفلسطينية الأخرى الحقيقية، التي تكشف وتعبر
بوضوح عن مأساة الفلسطينيين في سياق بصري أكثر قوة واقناعا ومن خلال تجربة
ومعايشة حقيقيتين.
هذا العمل المحدود القيمة، سيتصدر المشهد العام للمهرجانات السينمائية في
العالم، وفي العالم العربي أيضا، لاشك في ذلك، في نوع من الاحتفالية التي
لا تكرس في رأينا، سوى التدهور والضعف وخيبة الأمل!
عين على السينما في
05/09/2011
يوميات مهرجان فينيسيا
أمير العمري- فينيسيا
الوصول الى فينيسيا هذه المرة كان من القاهرة وهي المرة الأولى منذ أن بدأت
أتردد على هذا المهرجان العريق قبل 25 عاما، فقد أعتدت دائما أن أطير من
لندن الى المدينة العائمة مباشرة، وهي رحلة تستغرق ساعتين فقط أو أقل
قليلا.
أما الرحلة من القاهرة الى فينيسيا فهي رحلة شاقة بكل معنى الكلمة، فهي
أولا رحلة غير مباشرة، أي أنك يجب أن تمر أولا بالعاصمة روما وتنتظر في
مطارها الدولي ما يرقب من ساعتين ونصف كما حدث معي، في ظل فوضى هائلة في
هذا المطار الشاسع لا أرى لها سببا سوى أن اخواننا الايطاليين قريبون منا
كثيرا في السلوكيات.
وثانيا: رحلة شركة الطيران الايطالية من القاهرة تقلع في موعد "غير إنساني"
على الإطلاق فموعد الإقلاع في الثالثة و50 دقيقة صباحا، ولا أعرف لماذا؟
فهل هذا لمعاقبة المسافرين مثلا!
أما المفارقة الغريبة أنني انتظرت بالقرب من صالة الخروج المحددة بالرقم
والاسم والرحلة (وكانت صالة المغادرة رقم 11) في مطار روما لكي أركب
الطائرة المتجهة الى فينسيا، لكني كلما سألت الموظفة قالت انه يتعين علي
الانتظار. ولما لم يبق سوى 20 دقيقة على موعد اقلاع الطائرة توجهت، أنا
وغيري ممن كانوا ينتظرون، للسؤال مجددا فكانت الإجابة بكل بساطة وبلامبالاة
تامة وبدون أدنى اعتذار: لقد اغيرت صالة الخروج وعليكم الآن العودة الى
الصالة رقم 1!!
عدونا حتى وصلنا الى الصالة البعيدة ووجدنا الطائرة في الانتظار لحسن الحظ،
وإن لم نجد أي نتفسير لما حدث على الاطلاق، فلم يتم الاعلان عن تغيير قاعة
المغادرة ولا عن ضرورة الاسراع الى بوابة الخروج رقم كذا كما هو المعتاد..
ولولا الخدمات الهائلة المتوفر في المطار لكان يمكن اعتباره أقل مستوى من
مطاراتنا التي نئن بالشكوى منها ومن أوضاعها!
المهم أن رحلتك لا تنتهي كما تتصور بالوصول الى مطار فيتعين عليك أن تستقل
حافلة مائية الى جزيرة الليدو في رحلة تستغرق نحو خمسين دقيقة. لحسن الحظ
الفندق الذي أقيم به يقع على مسافة قريبة من موقف الحافلات البحرية (لا
أستطيع أن أصفها بالقوارب فهي أكبر كثير من قارب، كما أنها أصغر كثيرا من
سفينة!).
مفاجأة سيئة
أجواء فينيسيا هذا العام حارة، شديدة الرطوبة، تقترب من احدى وثلاثين درجة
مئوية مرشحة للارتفاع كما علمت.
الجزيرة الشهيرة التي تستضيف المهرجان تعج كعادتها في مثل هذا الوقت سنويا
بآلاف الزوار والمصطافين والفضوليين والمتسكعين وبالطبع، ضيوف المهرجان
والصحفيين وعددهم بالآلاف.
المفاجأة السيئة التي عرفتها بعد وصولي الى مقر المهرجان أن القصر الجديد
للمهرجان بقاعاته الضخمة وامكانياته الحديثة الهائلة (وكان يتوقع أن يفتتح
العام الجاري وان كان قد تأجل عامين أو ثلاثة) قد توقف العمل فيه، ومن
المقرر أن يتوقف الى الأبد. والسبب أنهم اكتشفوا تصاعد كميات كبيرة ضارة من
مادة الاسبوستوس التي تسبب بعض أمراض الجهاز التنفسي. وبالقاء نظرة على
موقع البناء، وهو عبارة عن حفرة هائلة في الأرض تبلغ أكثر من ألفي متر
مربع، يجد المرء نفسه أمام مجموعة من الأكياس البلاستيكية البيضاء التي
تمنع تسرب المواد الضارة وقد تم لفها حول كل حزمة من التربة داخل موقع
الحفر نفسه.. وانعكست أشعة الشمس الساطعة على هذه المساحات المصقولة فزادت
من وهج الحرارة.. وكأننا أمام مجموعة من المقابر التاريخية تم الكشف عنها
ولا أحد يعرف كيف سيردمونها بعد ذلك، وبعد كل ما أنفق من تكاليف في التصميم
والحفر والبناء!
المهم أن صاحبنا ماريو باراتا رئيس بينالي فينيسيا للفنون راعي مهرجان
السينما من ضمن أنشطة أخرى، صرح بأنهم تراجعوا عن خطتهم الأصلية في افتتاح
منشآت جديدة للمهرجان واتجهوا بدلا من ذلك الى تطوير واحياء المنشآت
القديمة القائمة بالفعل، بدعوى "الحفاظ على تاريخ المهرجان) وضرب مثالا
باستعادة قاعة قصر المهرجان القديمة التي يعود تاريخ إنشاؤها الى عام 1937،
الى الحالة التي كانت عليها عند افتتاحها.
المهم أن فيلم الافتتاح الذي يعرض رسميا في المساء عرض للصحفيين عرضا خاصا
وحيدا في التاسعة صباح اليوم الأول، وهو يوم وصولي، ولأني وصلت بعد ذلك
وكان يجب أن أخصل على قسط من الراحة بعد تلك الرحلة الشاقة، فقد أصبح يتعين
مشاهدة الفيلم صبيحة اليوم التالي بعد الاصطفاف مع الجمهور الذي يتمتع
بأولوية الدخول الى تلك الحفلة الصباحية العامة (التجارية). وهو ما قمت به
بالفعل وشاهدت الفيلم، وإن كان يترتب على ذلك أن أظل أتردد على هذه القاعة
المسماة بالا بينالي أي قصر البينالي، طيلة الأيام الأربعة القادمة لكي لا
يفوتني شيء من أفلام المسابقة.
القصر الخيمة
الطريف طبعا أن "قصر البينالي" هذا ليس قصرا ولا هم يحزنون، بل أيضا خيمة
كبيرة شبيهة بخيام السيرك، أقيمت في حديقة عامة من حدائق الليدو.. ويبدو أن
الايطاليين مغرمون بهذا النوع من الخيام القوية عالية الأسقف، التي تبدة
رخيصة التكاليف، وعملية جدا، وتتسع لعدد كبير من المشاهدين خاصة وأنها
مزودة بمقاعد رخيصة. ولكني كنت دائما أتساءل: لماذا لم تستغل نفس هذه
المساحة في بناء قاعة سينما حقيقية كما ينبغي بدلا من الحلم بمحاكاة مهرجان
كان واقامة قصر منيف للسينما قرب القصر القديم!
وبمناسبة الخيام: أتذكر أنني كنت ضيفا على مهرجان القاهرة السينمائي عام
1986.. وقت أن كان سعد الدين وهبة رئيسا له، وكان يتصرف مثل شيخ قبيلة،
فاذا جلست معه ودردشت قليلا دعاك لحضور المهرجان، واذا عدت فكتبت عن
الجوانب السلبية في "مهرجانه" اعتبر أنك أسأت لكرم الضيافة، فحجب عنك
الدعوات متصورا أنك سترجوه وتلح عليه وتقدم له فروض الطاعة (كما يفعل مئات
الصحفيين الذين أعرف الكثيرين منهم ممن يتسولون الدعوات، ويهينون أنفسهم
والمهنة التي يمارسونها بذلك التصرف المتدني، ولكنه هذا الوسط اللعين!).
المهم أن سعد الدين وهبة كان أيضا مغرما باقامة عروض خاصة لضيوف المهرجان
في خيمة السيرك القومي الموجودة في حي العجوزة بالقاهرة، وكان من بين ضيوف
المهرجان في تلك السنة المخرج الايطالي (الكبير جدا- حجما ومقاما!) سيرجيو
ليوني الذي أمتع الجماهير في العالم بأفلامه مثل "الطيب والشرس والقبيح"
و"من أجل حفنة دولارات" و"مزيد من الدولارات" وغيرها. وأظن أن نفس هذه
الأفلام التي أمتعت أبناء جيلي من "مجانين السينما في عصر السينما" مازالت
تمتع الأجيال الجديدة من مدمني الأفلام سواء عبر الاسطوانات الرقمية أو
الانترنت، بموسيقاها التي كتبها العبقري الايطالي انيو موريكوني.
قلق سيرجيو ليوني
كان ليوني يجلس أمامي لمشاهدة عرض الفرقة القومية للفنون الشعبية في خيمة
السيرك القومي التي بداخلها منصة للعرض.
وقد أخذت الخيمة تهتز قليلا. ووجدت ليوني يتكلع الى أعلا في قلق شديد،
يتفحص سقف الخيمة بدقة الخبير. وكانت تبدو في السقف علامات توحي بالقدم
والتدهور. ورأيت نظرات القلق تتسع عند ليوني ثم فجأة وجدته ينهض ويرحل قبل
انتهاء العرض. ولاشك أن الرجل تصاعدت في ذهنه ربما، فكرة أن الخيمة ربما
تنهار فجأة فوق رؤوسنا. وعندها لن تنفع اعتذارات منظمي المهرجان بالكلمة
الشهيرة التي اشتهرنا بها في العالم ويرددها علي الكثير ممن ألتقي بهم من
الأجانب وهي كلمة (معلش)!
لكن للحق صمدت خيمة السيرك القومي دون كوارث تذكر حتى الآن. وأصبحت خيمة
قصر البينالي في الليدو أمرا مؤلما كلما هطلت الأمطار فوق سقفها، لأنها
تصنع مؤثرات صوتية اضافية تؤثر على استمتاعنا بالأفلام!
التطلع الى الجمهور
الملاحظ هنا أيضا أن مهرجان فينيسيا يتوسع في انفتاحه على الجمهور العام،
فهو على العكس من مهرجان كان، يبيع تذاكر العروض بأعداد كبيرة هذا العان
كما يخصص الكثير من الحفلات للعروض العامة في كل القاعات الرئيسية التي
تعرض بها أفلام المهرجان. وربما يكون زيادة عدد اأفلام وتنوعها الكبير أيضا
وراء الرغبة في تحويل المهرجان من مهرجان نخبوي لأفلام المؤلفين ولجمهور
معزمه من "أهل الصنعة"، إلى مهرجان جماهيري يرضي كل الأذواق أيضا، كما
يساهم في تغطية جانب من النفقات الكبيرة التي تتحملها الجهات المنظمة في ظل
الأزمة الملية التي لاتزال تلقي بشبحها على أوروبا!
في إطار الرغبة في جذب الجمهور العريض يشهد المهرجان هذا العام وجود شخصية
أخرى من تلك الشخصيات الخارقة المثيرة للجدل والجدال هي جميلة الجميلات أو
هكذا كانت وكان يجدها البعض، المغنية "مادونا" نجمة الثمانينيات
والتسعينيات في أغاني البوب. أما الآن فهي قد اصبحت مخرجة سينمائية أيضا،
فهل هي أقل من جودي فوستر أو من جورج كلوني مثلا؟ (لكليهما فيلم في دورة
العام الجاري) فبعد أن ظهرت ككممثلة في 22 فيلما فشل معظمها (أهمها وأنجحها
"إيفيتا"-1997 اخراج آلان باركر- ترى أين هو الآن؟).
مادونا حاضرة بفيلمها الجديد كمخرجة وهو فيلم "دبليو إي"
WE
وهما الحرفان الأولان من اسم واليس سمبسون، والملك ادوراد الذي أصر على
الزواج منها رغم كونها أجنبية (أمريكية) مطلقة تكبره من العمر وتنازل بسبب
ذلك عن العرض لشقيقه الملك جورج. وعن جورج الخامس رأينا فيلما عظيما مؤخرا
هو "خطبة الملك". أما فيلم مادونا فيطمح الى رواية قصة الحب الشهيرة التي
دخلت التاريخ من خلال الربط بينها وبين قصة حب معاصرة تنتهي نهاية
مأساوية.. ولكن هل تنجح مادونا- المخرجة هذه المرة بعد أن فشلم في تجربته
الوحيدة السابقة في فيلم "قذارة وحكمة"
Filth and Wisdom؟
هذا السؤال يمكن الاجابة عليه في رسالة قادمة أو مقال قادم.. عندما نتناول
الفيلم نفسه بالتحليل. ولكن يكفي الآن القول إنه فيلم "طموح" أكثر مما كان
متوقعا من ناحية الأسلوب!
عين على السينما في
04/09/2011
النقاد
"يذبحون" فيلم مادونا في مهرجان فينيسيا
وجه عدد من أبرز النقاد الحاضرون في مهرجان فينيسيا هجوما شديدا الى فيلم "دبليو
إي" الفيلم الثاني الذي تقوم باخراجه مغنية البوب مادونا والمشارك في
المهرجان (خارج المسابقة).
ووصفه أحدهم بأنه مجرد ثرثرة غير مترابطة ولا علاقة له حتى بقصة غرام
ادوارد الثامن والسيدة واليس سمبسون، وهي القصة الشهيرة التي أدت الى
اعتزاله العرش البريطاني.
وقال ناقد آخر ان مادونا لا يجب السماح لها بممارسة اخراج الأفلام فلا
دراية لها بهذا العمل. وقال ناقد ثالث إن الفيلم يعاني من سيناريو ضعيف
يقوم على فكرة الانتقال بين شخصيتين لا رابط بينهما بل ولا تشبهان أحدهما
الآخرى، كما يفشل في تصوير لحظة اللقاء الأولى بين ادوارد الثامن ومسز
سمبسون.
وقد وجهت أسئلة كثيرة انتقادة الى مادونا في المؤتمر الصحفي منها ما تساءل
عن رفض المهرجان قبول الفيلم في المسابقة الرسمية وهو ما نفته كما أصدرت
الشركة الموزعة للفيلم في اليوم التالي بيانا نفت فيه هذا القول مؤكدة أن
الفيلم لم يتقدم أصلا للمسابقة.
عين على السينما في
04/09/2011 |