عرض في قسم "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي فيلم "هلق لوين" (أو
"الآن.. إلى أين") للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، ومن الإنتاج المشترك بين
شركات من فرنسا ولبنان ومصر حسبما يظهر على العناوين الأولى المطبوعة على
شريط الفيلم نفسه.
وجاءت المشاركة المالية الأكبر من طرف المنتجة آن ماريه توسون التي
سبق أن أنتجت فيلم نادين لبكي الأول "سكر بنات" الذي عرض في تظاهرة "نصف
شهر المخرجين" بمهرجان كان عام 2007.
وقد علمنا أن المشاركة الإنتاجية المصرية جاءت من فرع شركة إيه آر تي
في القاهرة التي ساهمت بمبلغ مليون يورو في حين صرحت المخرجة بأن الفيلم
تكلف إنتاجه أربعة ملايين يورو، أي أنه حصل على تمويل يتجاوز متوسط ميزانية
إنتاج الفيلم التقليدي في الشرق الأوسط.
وللوهلة الأولى منذ ما قبل نزول عناوين الفيلم، يوحي المشهد الأول،
وهو مشهد تعبيري لمجموعة من النساء يرتدين السواد ويتمايلن على دقات الطبول
والموسيقى الحزينة الرتيبة، بأجواء التضامن النسوي في إحدى القرى اللبنانية
(رغم أن المخرجة في تصريحاتها تقول إن الأحداث تقع في قرية غير محددة
المكان قد تكون في أي بلد في المنطقة). فالنساء، من المسيحيات والمسلمات،
تشتركن معا في تشييع جثمان أحد أبناء القرية.
ما هو إذن موضوع الفيلم؟
يتناول الفيلم موضوع التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، وهو
توتر يرقى إلى مستوى الصراع الطائفي والديني في لبنان وغير لبنان من دول
المنطقة العربية حاليا، وكيف يمكن أن يؤدي انتشار إشاعة ما إلى اقتتال
طائفي يؤدي بدوره إلى سقوط قتلى من هذا الجانب أو ذاك، وهو نزاع لا يبدو أن
الرجال يرغبون في وقف الانسياق نحوه، أو كبح جماح تيار العنف الذي يستولي
على نفوسهم رغم ما يصوره الفيلم من تضامن رجال الدين من كلا الطرفين معا،
في الدعوة إلى تهدئة الاحتقان، وتغليب العقل والتطلع إلى التعايش بدلا من
الاقتتال، وإلى التعاون بديلا عن الثأر، والثار المتبادل.
هذه الفكرة التي يقوم عليها الفيلم، وهي فكرة جيدة، سبق تناولها من
قبل بالطبع في الكثير من الأفلام. لكن نادين لبكي بدلا من أن تستخدم الفكرة
في سياق سينما الرؤية والأفكار والتجارب الذاتية، التي تستند إلى ركائز
درامية واضحة، لجأت إلى فكرة "خيالية" افتراضية مؤدلجة، تنتمي في الواقع،
إلى ما يعرف بـ"فيلم الرسالة".
هذه الرسالة تتلخص في انه إذا كان الرجال قد عجزوا عن كبح جماح ذلك
العنف والتطرف الذي يصبغ سلوكهم، ويضع جميع السكان من مسلمين ومسيحيين، من
النساء والأطفال والشباب، في أتون حرب أهلية تنتظر فقط إشارة البدء لكي
تستعر، فإن النساء هن الاقدر والأكثر رغبة في وقف نزيف الدم، ومنع تفاقم
الموقف حفاظا على أزواجهن وأبنائهن.
أدلجة الفيلم أو إسناده على أفكار مسبقة تتلخص في أن المرأة أكثر ميلا
للسلام واقل ميلا للعنف من الرجل، وأنها ليست مهووسة مثل الرجال بقضية
الأديان، تمتد في الفيلم وتتفرع لكي تتجه من المأساة إلى الملهاة التي تصل
حد الهزلية الغنائية الراقصة، فنحن ننتقل في هذا الفيلم من الميلودراما
بأكثر جرعاتها مبالغة في الأداء المتشنج والحوار (المشاهد الطويلة للنواح
والبكاء والصراخ من جانب أم فقدت ابنها، ثم من جانب شقيقه الذي يصرخ فيها
طالبا أن تتركه يحصل على السلاح للانتقام من القتلة (من أتباع الديانة
الأخرى بالضرورة).. إلى الرقص والغناء واستخدام كل مفردات الفيلم الهزلي في
إثارة الضحك عن طريق التعليقات اللفظية، وتصوير الرجال في صورة حيوانات
جنسية تحت تصور أنه يمكن جعلهم ينشغلون بجموعة من الروسيات الشقراوات تقوم
نساء القرية باستئجارهن من المدينة في تمثيلية مفتعلة لكي يقمن في منازل
القرية بعد أن تقطعت بهم السبل، وبالتالي يبقين الرجال بعيدا عن الاقتتال.
وعندما تفشل هذه الحيلة على ما يبدو (لا نعرف تماما لماذا لا تنجح رغم
الترحيب الكبير من جانب الرجال باستضافة الروسيات!) تلجأ نساء القرية من
المسلمات والمسيحيات في شكل تضامني مثير، إلى عمل كمية كبيرة من الشطائر
والفطائر والحلوى للرجال بعد حشوها بالحشيش والعقاقير المخدرة، لمنعهم من
التعاطي مع الموقف الطائفي المشتعل خارج القرية ويهدد بالانتقال إليها.
وفي مشاهد من نوع كوميديا الفارس الهزلية، يمتد الفيلم ويتفرع وتتواصل
المشاهد وتتقاطع التي تدور بشكل ما، حول شخصية "آمال" المرأة الجميلة
الوحيدة (تقوم بالدور نادين لبكي نفسها) التي تدير مقهى يجتمع فيه الرجال
والنساء أيضا. وعندما تفرغ حيلة الفطائر المعجونة بالمخدرات، تقرر النسوة
في النهاية تبادل الأديان، فالمسيحيات ترتدين الملابس الاسلامية وتبدان في
أداء الصلاة الإسلامية، أي تنتقلن (او ربما تتظاهرن بالانتقال إلى الدين
الآخر) في حين تنتقل المسلمات الى المسيحية بعد ان تخلعن الملابس الاسلامية
وترتدين ملابس تكشف عن رءوسهن واذرعهن!
هذا التبادل المزدوج للأديان لو حدث في الواقع فهو كفيل بأن يقوم
المتعصبون بالطبع بتمزيق أجساد النساء باعتبارهن مرتدات، في حين انه في
الفيلم يتركنا ونحن نعتفد تن الرجال هكذا، سيحرصن على عدم إذاء اللآخر،
صاحب الدين الآخر، بعد ان أصبحت شقيقته او زوجته او امه تنتمي لهذا الجانب!
فيلم الرسالة المؤدلجة ينتج خياله الخاص بالطبع، أو أمنيات مخرجته
لكنه يعجز كونه مصنوع صنعا من أجل توصيل فكرة، وليس تصوير حالة إنسانية
معقدة من خلال "رؤية" خاصة، إلى الإطالة والتكرار والدوران حول الفكرة،
والضغط عليها كثيرا جدا لتأكيدها بشتى الطرق، بالغناء الذي لا معنى له،
وبالرقص من نوع هز البطن الذي يصبح خارج السياق تماما، فائدته الوحيدة ربما
إقناع المشاهدين الأوروبيين بأنهم يشاهدون "تركيبة" شرقية تمتليء بالكثير
من المشهيات والتوابل، والمشاهد الهزلية التي قد تجد من يضحك عليها، والتي
تفتقر الى نوع السخرية السوداء العميقة، بل تصل في الكثير من مشاهد الفيلم،
إلى السخرية من سذاجة الناس عموما، أو من الرجال بوجه خاص، الذين يتم
التعامل معهم باعتبارهم قطيعا يندفع وراء غرائزه ويلغي عقله تماما. وهي
رؤية تتسق بالطبع مع منظور لبكي الذي يقوم على مغازلة الغربيين بافكار "الفيمينزم"
feminism أي الفكر "النسواني" الذي يعلي كثيرا من شأن المرأة ويعتبرها أكثر
حساسية من الرجل بالضررورة، وأنها تمتلك القدرة إذا توفرت لها الفرصة، على
تحقيق السلام والتضامن والحب، في حين أن المرأة بالقطع، سواء في النزاعات
الطائفية، أو في حوادث الثأر الشهيرة أو ما يسمى بـ"جرائم الشرف" في الصعيد
المصري مثلا، وفي البادية الأردنية وغيرهما، هي القوة المحركة للتحريض
والشحن والدقع في اتجاه الفعل.
ولكن الواقع بالطبع بعيد تماما عن هذا الفيلم، الذي يأتي ضعيف البناء،
خاويا لا يمتلك نماذج إنسانية قوية تتمثل في شخصيات رئيسية محددة الملامح
تدور من حولها الحبكة، بل هو أساسا، فيلم وصفي، يكتفي بالاستغراق في تقديم
الصورة العامة للرجال الذين هم تنويعات على نغمة واحدة في النهاية (منهم
أبو أحمد، عامل الطلاء المسلم، الذي يوحي الفيلم بوجود إعجاب متبادل بينه
وبين صاحبة المقهى، آمال المسيحية) دون أن يساهم هذا الاعجاب او ربما حتى
الحب المفترض، في تقريبه من فكرة التسامح، بل إنه يزداد تطرفا مع تراكم
المواقف في الفيلم، ولا نقول تطور الأحداث، فلا تطور يقع في أحداث الفيلم
لأنه يمضي في مسار أفقي يعيد إنتاج الفكرة نفسها في أشكال مختلفة، ويصدرها
للمتفرج.
أداء الممثلين، والكثير منهم من غير المحترفين، ربما يكون أبرز النقاط
الإيجابية في الفيلم. ولاشك في أن نادين لبكي تمتلك الثدرة على التعامل
الجيد مع الممثلين، والحصول منهم على أداء تلقائي مثير للإعجاب حقا.
وقد أعجبتني طرافة بعض مشاهد الفيلم منها مثلا فكرة المشهد الأخير
الذي نرى فيه أهالي القرية، مسيحيين ومسلمين، يحملون جثمان الشاب الذي قتل
خارج القرية، يشيعونه، لكنهم يتوقفون عند وصولهم الى المقابر، عاجزين عن
اتخاذ قرار بشأن أين يدفنوه: في مقابر المسلمين أم مقابر المسيحيين، بعد أن
اختلطت الأديان بالطبع وتمت عملية التبادل المزدوج!
ومن زاوية المقارنة بين هذا الفيلم وفيلم لبكي السابق "سكر بنات"،
يمكن القول إن فيلم "هلق لوين" أقل طموحا من الناحية الفنية وأكثر اتجاها
الى فكرة الفيلم الشعبي الذي يدور حول الرسالة المسبطة، يغلفها في سياق
هزلي لعلها تصل الى الجمهور المفترض للفيلم.. كما نأمل أيضا!
عين على السينما في
17/05/2011
فيلم إيراني "ممنوع" في مهرجان كان
هل تصنع المعارضة السياسية سينما عظيمة؟
أمير العمري- مهرجان كان
جاء فيلم "وداعا" للإيراني محمد رسولوف إلى مهرجان كان، مفاجأة لم تكن
متوقعة، فمخرجه يقضي عقوبة بالسجن لمدة ست سنوات رغم أنه أعلن أنه سيستأنف
الحكم، كما صدر قرار من السلطات الإيرانية بمنعه من الإخراج السينمائي لمدة
عشرين عاما هو وزميله جعفر بناهي (الذي يعرض له فيلم جديد في المهرجان
أيضا، يقال إنه أخرجه من وراء القضبان بمساعدة مخرجة إيرانية على طريقة
الفيلم الأخير للمخرج التركي الراحل يلماظ جوني"، وكان أيضا معارضا سياسيا
في تركيا، ولكن شتان بين الحالتين).
المفاجأة الأولى التي جاءت قبل بدء عرض فيلم المخرج محمد رسولوف
(والمقصود محمد رسول ويكتبه الإيرانيون كما يظهر على شريط الفيلم "محمد
رسول اف".. بينما تميل الصحافة العربية إلى ترجمته عن اللغات الأوروبية خطأ
"راسولوف". وعموما الإسم ليس هو المفاجأة ولا تلك النغمة "الروسية" التي
تصبغ الاسم، إلا إذا كانت كلمة "اف" لها معنى ما ديني أو على الأقل- حميد-
في هذا السياق، في اللغة الفارسية التي لا ندعي أننا نعرفها!
أما المفاجأة أو ما اعتبرته شخضيا مفاجأة (ولا يبدو أن معظم الحاضرين،
وكانت القاعة تغص بهم، اعتبروه كذلك) هو أن يتقدم وفد إيراني مكون من رجل
ومجموعة من النساء الايرانيات بينهن بطلة الفيلم وصاحبة الدور الرئيسي فيه
وغيرها أيضا، وجميعهن يرتدين الشادور أي الزي الايراني الاسلامي التقليدي
ويغطين رءوسهن. والمعنى الواضح وراء ذلك أن هذا وفد "رسمي" جاء من إيران
رأسا (ولم يأت مثلا من أمريكا)، بموافقة السلطات الإيرانية ومباركتها، فكيف
يكون هذا الفيلم فيلما معارضا وتبارك السلطات عرضه، بل وترسل معه وفدا
رسميا. ولو كان الفيلم ممنوعا بسبب معارضته للنظام، أو صور سرا كما أشيع،
لكانت إيران قد اعترضت رسميا، كما سبق أن فعلت، على عرضه ضمن البرنامج
الرسمي في مهرجان كان (يعرض الفيلم في تظاهرة نظرة خاصة أي يتسابق على نيل
الجائزة المخصصة لأفضل الأفلام في هذا القسم وهو أمر غير مستبعد بعد سابقة
حصول فيلم ايراني سياسي آخر ضعيف قيل أيضا أنه صور سرا على هذه الجائزة قبل
سنتين، وهو فيلم بهمن قبادي "لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية)!
ولا أفهم كيف يكون الفيلم معارضا، وتأتي ممثلاته وقد وضعن على رءوسهن
علم النظام "القمعي" أو "ساتر الرأس" الذي تفرضه شرطة الأخلاق والتهذيب
الايرانية، وهي جهاز قمع النظام الايراني الشبيه بنظام المطوعين في
السعودية!
أما الفيلم نفسه، كعمل فني، وليس كعمل سياسي، فقد جاء ضعيفا إلى حد
يثير الرثاء حقا. بناء تقليدي، وايقاع ميت بمعنى الكلمة، قد تستغرق فيه
لقطة واحدة نحو سبع دقائق مع كاميرا ثابتة تصور امرأتين من الجانب
(البروفيل) تتبادلان الحديث الممل، المعاد، المكرر، دون توقف، فما هو
الإبداع الاعجازي الذي يشهق له البعض في كان وغير كان، والذي يمكن أن يكون
موجودا في فيلم متهافت رديء ممل من هذا النوع!
موضوع الفيلم أن محامية شابة متزوجة من رجل يفترض أن يكون في السجن،
كمعتقل سياسي، ترغب في الحصول على تأشيرة للخروج من ايران، ولكننا أيضا
لسنا متأكدين من حقيقة اعتقال زوجها، فهو يظهر في مشهد من المشاهد معها في
البيت، يناقشها في موضوع السفر للخارج ويرفضه إلا لو كان خذا المشهد نوعا
من انخيل أو التذكر لموقف وقع في الماضي ويكون في هذه الحالة خارجا عن
اسلوب الفيلم كل الذي يحاكي الواقعية الصارمة بدون أي محاولة للإبداع حتى
في تصوير لقطة واحدة. وهي في الوقت نفسه تقول لكل من يسألها عنه (مثل صاحب
المنزل الذي تستأجره وتريد أن تتركه لتحصل على مبلغ التأمين الذي دفعه
زوجها) إنه يعمل في الجنوب، في منطقة صحراوية لا توجد فيها تغطية للهواتف
المحمولة. بل انها تكرر هذا القول أيضا لرجال الشرطة السرية، وهو ما يحدث
اختلاطا في الفهم لدى المشاهدين للفيلم، فكيف لا تعرف الشرطة أنه مسجون!
وليس في الفيلم شيء آخر عدا أن هناك زوجا "غائبا"، وزوجة تسعى في طرق
تحت أرضية، للحصول على تأشيرات لدخول دولة أجنبية لها ولزوجها، وهي في
الوقت نفسه حامل، ترغب أولا في الاحتفاظ بالطفل، ثم تسعى الى التخلص منه
لكنها تواجه مصاعب في هذا السبيل. وهو جانب سبق تناوله كثيرا في الافلام
الايرانية وغير الايرانية دون أن يكون له معنى خاص. وبعد مشاهد طويلة
تمتليء بالحوارات المملة والتي تدور كلها في أماكن داخلية، كان قد ينتهي
الأمر باعتقال المرأة ومنعها من السفر. فما هي العظمة الفنية وراء موضوع
ممل ساذج، أحادي الجانب مثل هذا، وماذا يغري في فيلم تقليدي تماما مثل هذا،
ولو أنه صنع في اندونيسيا مثلا لما لفت نظر أحد من القائمين على أمر مهرجان
كان أو غيره من المهرجانات في الغرب.
المسألة بوضوح أن إيران حلت سياسيا محل الاتحاد السوفيتي. وبعد أن ظلت
الأوساط السينمائية في الغرب، وخصوصا في مهرجانات السينما الغربية مثل كان
تحديدا، تذرف الدموع وتصدر بيانات الشجب والادانة طوال الستينيات
والسبعينيات، ضد السياسة السوفيتية، وتطالب بالافراج عن الأفلام"الممنوعة"
هناك وتتلقف ما يهرب منها سرا وتقرع له الطبول، أصبحت الأن تستبدل الاتحاد
السوفيتي بإيران، وتعلي كثيرا من شأن أفلام إيرانية لا قيمة لها ولا يمكن
أن تصمد في أي اختبار حقيقي يعتمد فقط على تحكيم المستوى الفني وحده،
وبعيدا عن تلك المبالغات الاعلامية التي تدور حول المنع والقمع والاضطهاد،
ووضع كراسي فارغة للمخرجين الغائبين، بينما تصادر الأفلام وتمنع يوميا هنا
وهناك دون أن يلتفت أحد، بل واحيانا يقتل أيضا السينمائيون وتدفن جثثهم،
دون أن ينبري السيد تيري فيرمو أو جيل جاكوب، للتباكي على ما يحدث لهم من
قمع وقتل على الهوية. ولعل أمامنا مثل واضح لما يحدث يوميا من انتهاكات من
أبشع ما يكون، تجري على أرض فلسطين. بل وماذا عما يحدث للسينمائيين
السوريين؟ ولماذا لم يخصص مهرجان كان مثلا يوما للتضامن مع هؤلاء
السينمائيين الممنوعين من العمل والذين يتساقطون واحدا وراء الآخر أو
يضطرون للعيش في المنافي أو الصمت في الداخل!
إن السينما العظيمة لا تصنعها بيانات التنديد والتأييد، ولا ادعاءات
أنها سينما معارضة سياسية، فأي معارضة تلك التي ترتدي أعلام النظام، وتأتي
بأوامر منه، وأي معارضة تلك التي تستخدم فكرة المعارضة للمتاجرة بها في
الغرب وتحقيق مكاسب لسينما ضعيفة، مفككة، تقليدية تمتليء بالحوارات المملة
التي لا تنتهي، والمواقف الميلودرامية التي تتوقف الكاميرا أمامها لا تريد
أن تتحرك ابدا؟ وما هذه السينما المتجهمة المنفرة التي لا تعرف أي نوع من
الدعابة وكأن الشخصية الايرانية (المعارضة أو المضطهدة) لا تبتسم، ولا
تضحك، ولا تملك أي قدرة على التفاؤل والأمل.
إنني لا أنسى عندما جاء المخرج الروسي المرموق اليم كليموف الى دار
الفيلم البريطانية ودار معه نقاش مفتوح صريح عام 1987، وكان قد تولى أخيرا
منصب الأمين العام لاتحاد السينمائيين السوفيت، ففاجأ الجميع ممن يسألونه
عن الأفلام "الممنوعة" بأنه عندما تولى منصبه، أمر بإعداد قائمة بالأفلام
الممنوعة او الموضوعة "فوق الرف"، واستدعي مخرجيها وسألهم إذا كانوا
لايزالون يرغبون في عرضها هروضا عامة، فكانت المفاجاة أن معظمهم رفض عرضها
لرداءة مستواها، وحتى لا تحسب عليهم أو بالأحرى، ضدهم، فنيا!
وأنا أكاد اثق أنه سيأتي يوم يعاد فيه فتح ملفات السينما الإيرانية،
لنعرف حقيقة ذلك "المنع" المزعوم، والاضطهاد، والنضال الايراني ضد القمع
السينمائي. والفيلم الجيد يظل في النهاية هو الفيلم الجيد، وليس الف يلم
المؤيد أو المعارض!
عين على السينما في
17/05/2011
رسالة مهرجان كان
بقلم
سمير فريد
سوف يذكر التاريخ أن الأخوين داردينى هما اللذان وضعا السينما
البلجيكية على خريطة السينما فى العالم فى العقد الأول من القرن الواحد
والعشرين. لقد حققا لسينما بلادهما أول سعفة ذهبية فى مهرجان كان ١٩٩٩
عندما فاز بها فيلمهما «روزيتا»، بل أصبحا من القلة التى فازت بالسعفة
مرتين عندما فاز بها فيلمهما «الطفل» عام ٢٠٠٥.
فى فيلمهما الجديد «الصبى ذو الدراجة» الذى عرض أمس الأول فى المسابقة
وصل الأخوان إلى ذروة جديدة فى مسيرتهما الإبداعية، وقدما أولى تحف
المسابقة، وربما أكثر أفلامهما عمقاً وتكاملاً. ولا يوجد ما يعوق فوزهما
بسعفة ثالثة لأول مرة فى تاريخ أكبر مهرجانات السينما فى العالم طالما أن
الفيلم فى المسابقة.
هنا يتجاوز الأخوان أسلوبهما الواقعى إلى آفاق ما فوق الواقع، ويعبران
عن رؤية خاصة للحياة والعالم والوجود الإنسانى، ولكن دون تجريد، فالدراما
تبدو واقعية (صبى يبحث عن أبيه الذى يختفى من حياته ويودعه فى مركز
للمشردين، وعندما يعثر عليه بمساعدة امرأة بسيطة فى منتصف العمر يلتقى معها
بالصدفة، يرفضه الأب رفضاً تاماً). ولكن هناك أبعاداً أخرى. ليس هناك دور
مؤثر لثقافة المكان أو الزمان المعاصرين، وإنما نحن بين مدينة وغابة،
والانتقال بينهما عبر محطة للبنزين (الوقود). والمعالجة معادل موضوعى درامى
مثالى للرؤية التى يعبر عنها الفيلم، وتبدو أقرب إلى الحكاية الخيالية التى
لا تخضع للمنطق العقلى: رفض الأب القاطع لابنه الذى أنجبه، حب المرأة
الجارف للابن الذى لم تنجبه، قتل الصبى لأب وابنه بغرض السرقة وبعثهما من
جديد، سقوط الصبى من شجرة عالية وموته وبعثه من جديد.
وفى البعث الثانى للأب والابن اللذين تعرضا للسرقة يتسامح الأب مع
الصبى بينما يرفض الابن ويحاول الانتقام، وعندما يتصور الأب أن ابنه قتل
الصبى يدعوه إلى الكذب لإنقاذه. وينتهى الفيلم باستجماع كل طاقات الأمل فى
عالم غامض ومبهم، وتتواصل حياة الصبى مع المرأة بقوة الحب بينهما.
يعبّر الأخوان داردينى عن رؤيتهما بتمكن شبه مطلق من اللغة، وسلاسة
مثل كتابة طه حسين بالعربية، حتى يبدو فيلم «الصبى ذو الدراجة» وكأنه لقطة
واحدة صورت فى زمن عرضها (ساعة و٢٧ دقيقة) مع أداء رائع لكل من توماس دوريت
فى دور الصبى وسيسيل دى فرانس فى دور المرأة، واستخدام نموذجى لجملة
موسيقية كلاسيكية أربع مرات فى البداية والنهاية، وبعد أن يدخل الصبى إلى
الغابة مع اللصوص لأول مرة، وبعد أن يتأكد من رفض والده له، واستخدام
نموذجى للمنظر الكبير (الكلوز أب) مرة واحدة طوال الفيلم عندما يضحك الصبى
لأول مرة بعد أن أدرك كم تحبه المرأة.
■
يوميات مصرية
تصدر فى «كان» خمس نشرات يومية هى ملاحق لأهم صحف السينما فى العالم:
«فارايتى» و«هوليوود ريبورتر» و«سكرين إنترناشيونال» بالإنجليزية، و«فيلم
فرانسييه» بالفرنسية، ونشرة «سوق الفيلم» بالإنجليزية. وكان عدد النشرات
قبل الأزمة الاقتصادية العالمية المستمرة منذ عام ٢٠٠٨ يصل إلى عشر نشرات
يومية. وتهتم صحف المهرجان هذا العام بالثورات العربية خاصة المصرية.
■
الجمعة ١٣ مايو
كتب الناقد الأمريكى جى ويسبرج مقالاً طويلاً فى «فارايتى» جاء فيه:
«كان رأى الخبراء أن احتمالات التغيير فى مصر لا تتجاوز عشرين فى المائة،
ولكن هؤلاء لم يشاهدوا العديد من الأفلام المصرية التى ظهرت فى السنوات
العشر الماضية، والتى عبرت عن الغضب العارم من الأوضاع السائدة، وأنذرت بأن
هناك انفجاراً سوف يقع». وذكر ويسبرج على سبيل المثال «هى فوضى» إخراج
الراحل يوسف شاهين وخالد يوسف، و«جنينة الأسماك» إخراج يسرى نصرالله،
و«واحد صفر» إخراج كاملة أبوذكرى.
■
السبت ١٤ مايو
وصلت أزمة فيلم «١٨ يوماً» إلى المهرجان حيث نشرت «فارايتى» أن عدداً
من السينمائيين والنقاد المصريين يحتجون على اشتراك شريف عرفة ومروان حامد
فى الفيلم لأنهما شاركا فى حملة انتخابات مبارك عام ٢٠٠٥. وقال عمرو واكد:
«لقد اشتركا فى الثورة، ولكنهما لم يعتذرا عن مشاركتهما فى انتخابات ٢٠٠٥».
وفى نفس اليوم نشرت «سكرين إنترناشيونال» أن عمرو واكد الموجود فى
كان، الذى اشترك فى إنتاج وتمثيل أحد الأجزاء العشرة لفيلم «١٨ يوماً» أرسل
إلى تيرى فيرمو مدير المهرجان يعتذر عن عدم حضور عرض الفيلم، وقال فى
رسالته: «إن اشتراك بعض السينمائيين الذين ساندوا النظام السابق فى الفيلم
يجعل من الصعب حضورى العرض».
ونشرت أن واكد يتواجد فى المهرجان بحثاً عن شريك دولى لفيلم «ثاء
الثورة» الذى يشترك فى إنتاجه وتمثيله ويخرجه إبراهيم البطوط. وصرح واكد
بأنه سيكون أول فيلم مصرى روائى طويل بعد الثورة، وأنه يتمنى أن يعرض فى
مهرجان فينسيا فى سبتمبر المقبل.
■
الأحد ١٥ مايو
فى الخامسة مساء نظمت مؤسسة «إيل دو فرانس» الفرنسية الدولية التى
تعنى بالإنتاج المشترك وتصوير الأفلام الأجنبية فى فرنسا، مؤتمراً صحفياً
فى فندق كارلتون الشهير عن فيلم «ثاء الثورة» بحضور عمرو واكد، وتم فى
المؤتمر عرض عدة دقائق من الفيلم، وتوزيع ملف صحفى عن موضوعه وتعريف عمرو
واكد والمخرج إبراهيم البطوط.
قال واكد إن البطوط اتصل به يوم ٩ فبراير، واقترح عليه البدء فى تصوير
فيلم روائى أثناء المظاهرات فى ميدان التحرير مع الممثلة فرح يوسف، وبالفعل
بدأ التصوير يوم ١٠ عشية تنحى مبارك يوم ١١. وقال إنه لا يمثل الثورة
المصرية رغم اشتراكه فيها من اليوم الأول، وإنما يمثل الذين ضحوا بحياتهم
من أجل انتصارها، والجرحى الذين يعانون فى المستشفيات. وعندما سأله أحد
الصحفيين هل يتناول الفيلم ما حدث بعد تنحى مبارك، قال بل ينتهى مع تنحيه.
المصري اليوم في
17/05/2011
samirmfarid@hotmail.com
اعتذار وزير الثقافة وسفير مصر فى باريس عن عدم حضور احتفال
«كان» بالثورة
كتب «كان»
ــ سمير فريد
اعتذر الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة، عن عدم حضور احتفالية
مهرجان «كان» السينمائى الدولى بالثورة المصرية، التى تقام غداً
«الأربعاء»، بالتعاون مع وزارتى الثقافة والخارجية المصريتين على هامش
الدورة الحالية، وتتضمن عرض فيلم «١٨ يوم» وحفل عشاء.
وقال أبوغازى فى اعتذاره الذى أرسله إلى إدارة المهرجان، أمس، إنه
اضطر للسفر إلى الإمارات بتكليف من الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، وإنه
أناب عنه خالد عبدالجليل، مدير المركز القومى للسينما.
كما اعتذر ناصر كامل، سفير مصر فى باريس، عن عدم حضور الاحتفالية بعد
أن هدد عدد من الجالية المصرية فى العاصمة الفرنسية بالتظاهر أمام قاعة
الاحتفالات فى المهرجان إذا حضر كامل ممثلاً لوزارة الخارجية المصرية، خاصة
أنهم فضوا اعتصامهم أمام السفارة، والذى استمر لمدة سبعة أيام، لإقالة كامل
بعد أن نقل لهم السفير محمد عبدالحكيم، مساعد وزير الخارجية للشؤون
القنصلية، وعد المجلس العسكرى بتنفيذ مطلبهم.
المصري اليوم في
17/05/2011 |