في منتصف الطريق، تنكشف البرمجة عن أخصب دورات «كان» منذ مطلع الألفية
الجديدة. مع دخول الدورة ٦٤ أسبوعها الثاني، تزداد حدّة المنافسة، ويزدحم
المرشّحون للسعفة الذهبيّة، وينتظر الجمهور وصول الكبار، وسط هيمنة نسائية
واضحة
كان | مع دخول «مهرجان كان السينمائي» أسبوعه الثاني، بدأ سباق
التوقعات والمراهنات على الأفلام الأوفر حظّاً في نيل جوائز الدورة 64.
ويتضمن برنامج الأسبوع المقبل العديد من الأفلام البارزة التي ينتظرها
النقاد وجمهور المهرجان بفضول وشوق، (بيدرو ألمودوفار، ولارس فون تراير،
وتيرينس مالك، وآكي كوريسماكي...)، والتي ستحمل بالتأكيد الكثير من
المفاجآت السارة والمخيبة، ما يجعل من المبكّر قليلاً التكهن بمن سيخطف
«السعفة الذهبية». لكن رواد الكروازيت اعتادوا إطلاق هذا النوع من «التقويم
المرحلي» في منتصف المهرجان.
لم تخيب أفلام النصف الأول من الدورة الآمال، وخصوصاً لجهة البرهنة
على أنّ الفن السابع تجاوز تبعات الأزمة المالية العالمية التي ألقت
بظلالها على الإنتاج السينمائي خلال المواسم الثلاثة الماضية. برز ذلك من
خلال حضور كوكبة مهمّة من كبار صنّاع السينما العالمية. في المسابقة
الرسمية، أطلّ ثلاثة سينمائيين نالوا سابقاً السعفة الذهبية (لارس فون
تراير ــــ ناني موريتي ــــ الأخوان داردين)، فضلاً عن أسماء أخرى مرموقة
ما زالت تنتظرها، لكنها نالت عدداً من جوائز المهرجان الأخرى، ويمثّل
حضورها الدائم هنا ملح الكروازيت (بيدرو ألمودوفار ــــ آكي كوريسماكي ــــ
نوري بيلج سيلان ـــ ناوومي كاواسي...).
أما خارج المسابقة، فنجد أيضاً أعمالاً عدة تحمل تواقيع سينمائيين
بارزين، من وودي ألن (فيلم الافتتاح «منتصف الليل في باريس» أحد أفضل
أعماله منذ «هاري في كل أحواله» 1997)، إلى غس فان سانت الذي قُدِّم جديده
«توتر» في افتتاح تظاهرة «نظرة ما».
إلى جانب حضور كل هؤلاء الكبار الذي يجعل من الدورة الحاليّة أحد أخصب
مواسم «كان» منذ مطلع الألفية الجديدة، يمكن تلخيص حصيلة هذا الأسبوع الأول
في ثلاث نقاط أساسية: هناك سمة غالبة تتمثل في سطوة السينما النسائية
(«الأخبار»، 14 أيار/ مايو 2011)، من خلال ثلاثة أفلام نسائية باهرة عُرضت
حتى الآن، في انتظار فيلم رابع لليابانية ناوومي كاواسي. أما النقطة
الثانية فهي مفاجأة باهرة حملتها التشكيلة الرسمية، وتتمثل في فيلم «مايكل»
الذي ينافس على «السعفة»، وأيضاً على «الكاميرا الذهبية»، لكونه العمل
الأول لمخرجه النمساوي ماركوس شلينزر. وأخيراً، فيلمان يستحق كل واحد منهما
«السعفة الذهبية» بإجماع النقاد هنا، هما «صبي الدراجة» للأخوين داردين،
و«لدينا بابا» لناني موريتي.
الأفلام النسائية الثلاثة التي خطفت أضواء المهرجان في أيامه الأولى،
حملت معها مفاجأتين عُدّتا ضمن أبرز محطات النصف الأول من هذه الدورة. لعل
أبرزها الأداء الباهر للنجمة الإسكتلندية تيلدا سوينتون في فيلم «يجب أن
نتحدث عن كيفن» لمواطنتها لين رامسي، ما جعل النقاد يجمعون ـــــ في ضوء ما
عُرض حتى الآن ـــــ على أن جائزة «أفضل ممثلة» لا يمكن أن تفلت من هذه
الفنانة الإشكالية القادمة من عالم التشكيل، التي تجسّد نموذجاً فنياً
مناقضاً تماماً للصورة النمطية للنجومية الهوليوودية.
من جهته، حمل فيلم «بوليس» للفرنسية مايوان مفاجأة مماثلة، لكن على
صعيد الأداء الذكوري، إذ بهر نجم الراب الفرنسي جوي ستار (فرقة
NTM
الشهيرة) جمهور الكروازيت بأدائه في دور مفتش شرطة
الآداب الباريسية. إلى جانب الموهبة التمثيلية التي برهن عنها الفنان
المشاغب الذي سبق أن شتم الشرطة في إحدى أغنياته، كان تقمّصه دور شرطي
مفاجأة صادمة لجمهوره من شباب الضواحي. فهؤلاء يحملون مشاعر عداء مزمنة
تجاه الشرطة الفرنسية، على خلفية التجاوزات العنصرية المتكررة التي أدّت
مثلاً إلى إطلاق شرارة انتفاضة الضواحي الباريسية في خريف 2005.
بعض النقاد رشّح جوي ستار لجائزة أفضل ممثل. لكن الفيلم/ المفاجأة
«مايكل» للنمساوي ماركوس شلينزر، سرعان ما نسف هذه التوقعات. الممثل
النمساوي مايكل فويث الذي يؤدّي فيه دور وحش بشري يعتدي جنسياً على صبي
قاصر ويحتجزه في قبو بيته، أثار موجة عارمة من التصفيق، رغم القتامة
الشديدة التي يتّسم بها العمل، والسمات السلبيّة والمنفِّرة للشخصية التي
تقمّصها.
هذا الفيلم الذي يعدّ باكورة مخرجه، لم يخيّب الوعود التي أطلقها
المفوض العام للمهرجان، تييري فريمو، غداة إعلان برنامج هذه الدورة، إذ قال
إنّ الرؤية الإخراجية المحكمة التي يتّسم بها هذا العمل ــــ رغم موضوعه
الإشكالي وأجوائه القاتمة ــــ ترشحه ليكون محطة بارزة في التشكيلة الرسمية
هذه السنة. وبالفعل، تتوقع غالبية النقاد أن ينال هذا الفيلم «الكاميرا
الذهبية» المخصصة للأعمال الأولى المشاركة في مختلف برامج المهرجان، بينما
يرشحه بعضهم لجائزة أكثر أهميّة، قد تكون «أفضل إخراج».
إلى ذلك، في نهاية الأسبوع الأول من «كان»، استطاعت التشكيلة الرسمية
أن تطمئن جمهور الكروازيت إلى أن هذه الدورة لن تكون معدمة، في ما يتعلق
بالسباق على «السعفة الذهبية»، كما كانت عليه الحال في العام الماضي، إذ لم
يبرز أي عمل يحظى بالإجماع، ما أدى إلى مفاجأة غير متوقعة تمثّلت في منح
السعفة للفيلم التايلندي «العم بونمي الذي يتذكر حيواته السابقة». فحتّى
الآن، لدينا عملان مرشّحان بقوّة لـ«السعفة»، وهما «لدينا بابا» لناني
موريتي، و«صبي الدراجة» للأخوين داردين.
المعلم الإيطالي الذي سبق أن خطف «السعفة» عن رائعته «غرفة الابن»
(2001)، منح إلى النجم الكبير ميشال بيكولي أحد أجمل أدواره منذ رائعة
«سأعود إلى البيت» (مانويل دي أوليفرا ــــ 2001)، من خلال شخصية كاردينال
ينتخبه أقرانه لمنصب بابا الفاتيكان، لكن الشك والخوف يستبدان به، ما يؤدي
به إلى التنازل عن البابوية.
أما التوأمان البلجيكيان، فقد اعتادا خطف الأضواء في كلّ مرّة يأتيان
فيها إلى الكروازيت. هما ينتميان إلى النادي الضيق للسينمائيين النادرين
الذين سبق أن نالوا «السعفة الذهبية» مرتين. بعد نيل هذه الجائزة عن «روزيتا»
(1999) ثم عن «الطفل» (2005)، ها هما يقتربان من سابقة لم تتحقق لأحد، وهي
إحراز ثلاث سعفات ذهبية بعدما حظي جديدهما «صبي الدراجة» بحفاوة نقدية
كبيرة، لما يتّسم به ــــ على غرار أعمالهما ــــ من مقاربة إنسانية مؤثرة
في تصوير عوالم المهمشين والمسحوقين.
هذه المرة اختار الأخوان داردين قصة صبي اسمه سيريل (توماس دوريه)
يتخلى عنه والده (جيريمي رينييه) فيعيش في ملجأ أيتام، ويسعى طوال الفيلم
إلى استعادة الأب المفقود. ثم تتعلق به سيدة تدعى سامانتا (سيسيل دو فرانس)
يلتقيها مصادفةً، وتسهم تدريجاً في إخراجه من براثن البؤس ومخاطر
الشارع...
خارج المسابقة | قراصنة الخيبة
عثمان تزغارت
بعيداً عن حمى التكهنات والجوائز والسباق على السعفة الذهبية، يدور
مهرجان مواز لـ«كان» يستقطب عدداً من الأعمال المرموقة التي تقدم ضمن
برنامج العروض الخاصة، لكن خارج المسابقة.
وقد قدمت منها حتّى الآن ثلاثة أعمال هي «منتصف الليل في باريس» لوودي
ألن (فيلم الافتتاح)، و«توتر» لغس فان سانت (افتتاح «نظرة ما»)... وبالطبع،
هناك الفيلم الهوليوودي البارز الذي درجت العادة على أن يمثّل الحدث
الجماهيري الأبرز في عطلة نهاية الأسبوع الأول من كل مهرجان. وتمثل هذا
الحضور الهوليوودي خلال الدورة الحالية في الجزء الرابع من السلسلة
السينمائية «قراصنة الكاريبي».
في «منتصف الليل في باريس» الذي يعدّ أفضل ما حقق منذ عمله الأشهر
«هاري في كل أحواله»، قدم وودي ألن من خلال قصة زوجين أميركيين يزوران
باريس في رحلة شهر عسل، فيلماً يمثّل امتداداً لعمليه
Match Point و«فيكي كريستينا برشلونة» لجهة كون المدينة واحدة من شخوصها
المركزية.
بعد الاحتفاء بلندن في العمل الأول وبرشلونة في الثاني، يحتفي ألن هنا
بعاصمة الأنوار، ويوجه تحية خاصة إلى باريس العشرينيات التي يمكن القول
إنّها الشخصية الأبرز في هذا العمل.
أما غس فان سانت، فيواصل هنا ــــ على صعيد الرؤية الإخراجية ــــ
المنحى التجريبي الذي صنع شهرته، منذ رائعته «فيل»
elephant التي بهرت الكروازيت وخطفت «السعفة الذهبية» (2004). ومن خلال قصة حب
بين مراهقين، يستعيد السينمائي الأميركي تيمتيه الأثيرتين: المثلية
والمراهقة، وما يرافقهما من هواجس وتساؤلات وجودية وأزمات هوية...
أما الجزء الرابع من «قراصنة الكاريبي» الذي حمل عنوان «إكسير الشباب»
وأسند إخراجه إلى روب مارشال (صاحب «شيكاغو»،
nine...)، فقد جاء مخيباً حتى بالنسبة إلى عشاق هذه السلسلة، إذ غلبت عليه
مشاهد الأكشن، ما انتقص كثيراً من جاذبية شخصية جاك سبارو (جوني ديب) الذي
كان أكثر عمقاً وجنوناً وغرابة في الأجزاء السابقة من السلسلة.
كلاكيت
■
أثناء مشاركته في ندوة عن السينما السوريّة على هامش مهرجان «كان»، علّق
المخرج السوري أسامة محمد على ما يجري في بلاده. وتحدّث صاحب «صندوق
الدنيا» عن الجدل المحتدم الذي أجَّجه «بيان سينمائيي الداخل السوري» الذي
جاء ردّاً على بيان «السينمائيين السوريين» الذي كانت قد وقعته شخصيات
سينمائية عالمية، ودعا السلطات السورية إلى الكف عن قتل المدنيين ومنح
المواطن السوري الحق في التظاهر. وقال محمد: «كنت أتمنى عدم التعليق على
بيان الفنانين السوريين في الداخل وأن أتمكن من اعتباره وجهة نظر أخرى،
لولا الشحنة الاتهامية التي تجعله بمثابة تقرير أمني». واتهم أسامة محمد
موقّعي البيان بالتعامي المقصود، وأبدى أسفه وحزنه إزاء «إقامة هذا الجدار
بين الداخل والخارج. فإقامة جدار عازل بين السينمائيين هو استمرارية لمنطق
لا علاقة له بالإنسانية، من منطلق أن الداخل والخارج السوري منقسمان». وفي
تعليقه على الأحداث السورية ومقتل مزيد من المدنيين، قال: «من غير الممكن
لإنسانية أي فرد منا ألا تكون واضحة بإدانتها لهذا القتل».
الأخبار اللبنانية في
16/05/2011
منتصف الليل في... كيليماندجارو
الكروازيت على موعد مع عيون السينما
يزن الأشقر
أثار فيلم كيث آلن الجدل لإتهامه العائلة المالكة بـ«مقتل» ليدي دي،
فيما أُخذ على فيلم غس فان سانت ضعف الحبكة. لكنّ الأنظار تبقى معلّقة على
المكرسين...
لا أحد ينكر أنّ «كان» أهم مكان يمكن محبي السينما أن يقصدوه في هذا
الوقت من السنة. الكل هنا: سينمائيو ونقاد العالم، وطاقم هوليوود اللامع.
رجال المال والسياسة والنجوم يملأون المدينة، فيما تعقد في كواليس
الكروازيت صفقات الإنتاج الكبيرة. أبرز أسماء السينما الفنية وسينما
المؤلف، حاضرة هنا وسط تنافس شديد مع المهرجانات الأخرى في استقطاب الأفلام
الجديدة. وكانت صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسيّة قد تساءلت على غلافها ما إذا
كانت هذه النسخة من المهرجان هي الأخيرة، خصوصاً مع انتشار تكنولوجيا
المشاهدة الجديدة. ومع أنّ هذا التساؤل مبكر جداً، فإنّه يشير إلى مدى
القلق الذي تثيره هذه التكنولوجيا على ارتياد السينما التقليدية، رغم
احتفاء منظمي المهرجان بهذه التطورات في بيانهم الافتتاحي.
ويبدو أن الدورة الـ64 قد أثبتت بنيتها السينمائية والجدلية باكراً.
إلى جانب أعمال أبرز السينمائيين العالميين، حجزت السياسة مقاعد عدة لها،
منذ أن أعلنت مصر ضيفة شرف المهرجان: بعد الإعلان عن التظاهرة التكريمية
التي ستقام الأربعاء، تفجّر الجدل بسبب وجود رموز من نظام مبارك المخلوع في
التظاهرة بينهم سفير مصر في باريس ناصر كامل («الأخبار»، 14 أيار/ مايو
2011).
ضجة أخرى أثيرت بسبب وثائقي «قتل غير مشروع»
Unlawful Killing الذي يحقّق في مقتل الأميرة ديانا. الشريط الذي أخرجه البريطاني كيث
آلن، وأسهم في إنتاجه محمد الفايد، يتّهم العائلة المالكة بالتخطيط لمقتل
«ليدي دي» ويثير مسألة تستر النظام القضائي البريطاني على المؤامرة. المخرج
الإيطالي الكبير بيرناردو بيرتولوتشي الذي كُرِّم في هذه الدورة بسعفة
فخرية، دخل أيضاً على الخط السياسي، بإهداء سعفته الفخرية إلى مناهضي
بيرلوسكوني.
أما روبير غيديغيان المشارك ضمن تظاهرة «نظرة ما» بفيلم «ثلوج
كيليماندجارو»، فقد أعلن أنه لن يشاهد فيلم وودي آلن «منتصف الليل في
باريس». أراد المخرج الذي يعدّ من أهمّ رموز الواقعيّة الجديدة في فرنسا،
أن يعلن احتجاجاً سياسياً على مشاركة كارلا بروني في الشريط... وبالتأكيد،
فإنّ تسلل جعفر بناهي ومحمد رسولوف بفيلمين جديدين إلى المهرجان، مثّل
تعزيزاً لوقفة سينمائيي العالم تضامناً مع المخرجين الإيرانيين اللذين
يعانيان مشاكل قضائية وتضييقاً من النظام في طهران. أما على صعيد الحصيلة
الأوليّة، فالأفلام التي عرضت حتّى الآن تثير نوعاً من التردد النقدي. ولا
يبدو أن هناك عملاً أثار الإجماع الإيجابي حتى الآن.
فيلم الافتتاح «منتصف الليل في باريس» للنيويوركي العجوز وودي آلن لفت
النقاد. لكن يبدو أن هناك نوعاً من الاتفاق على كون الفيلم مناسباً إلى حد
ما للافتتاح، مع الأخذ في الحسبان جمالية الصورة السينمائية التي يقف
وراءها المصور الفرنسي الإيراني الشهير داريوس خوندجي. الشريط يروي رحلة
كاتب (أوين ويلسون) وخطيبته وعائلتها إلى باريس التي سرعان ما تتحول إلى
رحلة حميمة إلى الماضي.
المخرج الأميركي غس فان سانت ـــــ أحد مدللي المهرجان ـــــ يواصل
إحدى ثيماته المفضلة في تتبع حياة المراهقين المضطربة بأسلوب مغاير لما
تقوم به هوليوود. فيلمه «توتّر»
Restless
يروي علاقة تربط أنابيل (ميا فاسيكوفسكا) التي تعاني ورماً خبيثاً، وإينوخ
(هنري هوبر). الفيلم لقي أيضاً تفاوتاً نقدياً، وارتكزت الانتقادات على ضعف
ترابط الشخصيات وضعف الحبكة.
وسط التخبط النقدي الهائل الذي شهدته العروض السينمائية في أيام
المهرجان الأولى، ما زالت الأنظار متجهة إلى أفلام مقبلة، أهمها «شجرة
الحياة» لتيرينس مالك الذي أنهك العالم في انتظاره، و«الجلد الذي أسكنه»
لبيدرو ألمودوفار، و«اكتئاب» للارس فون تراير، وLe Havre
لأكي كوريسماكي، و«صبي الدراجة» للأخوين داردين... إضافة إلى «هذا ليس
فيلماً» لجعفر بناهي. على ما يبدو، فإن دورة المهرجان هذا العام ليست هادئة
أبداً.
الأخبار اللبنانية في
16/05/2011
مهرجان كان السينمائي الدولي (5)
السينما العربية.. سعيا لوجود ما بين الغياب والحضور
الهامشي
كان: محمد رُضا
ربما لم يعد أحد يكترث سوى تلك الحفنة من النقاد، بل ليس كل النقاد،
بل تلك المجموعة التي تعلم أن السينما العربية كان يمكن لها أن تنجز وتحقق
وتصل، لكنها آثرت أن تبقى أسيرة عجزها شبه الدائم عن الخروج من القوقعة.
ليست المسألة في حضور أو غياب السينما العربية عن المسابقة على النحو
النظري مطلقا، فكما هي غائبة، كذلك السينما اللاتينية والسينما الأفريقية
وأفلام نرويجية وإسبانية ومجرية ونيوزيلندية وهندية، إلى آخر تلك الدول،
صغيرة وكبيرة، التي أرسلت أفلاما لم تحظ باهتمام لجنة الاختيار.
لكن المسألة هي أن السينما العربية (لا بالجمع ولا بالمفرق) حاضرة في
العالم العربي أساسا. طبعا، هناك إنتاجات في مصر وتونس والمغرب ولبنان
وسوريا والإمارات والأردن، لكن بالنظر إلى عامل عدد سكان الدول العربية من
ناحية، وإلى عامل المقارنة مع نشاط الدول الأخرى من ناحية أخرى، فإن ما
تنتجه هذه الدول المختلفة فقاقيع صابون.
والأمر صابون جيد الرغوة فعلا، ذلك أن الكمية ليست المشكلة الوحيدة،
بل المشكلة الأكبر هي أن معظمها لا يصلح للمهرجانات، وإن صلح فلمهرجانات
محلية أو صغيرة أو متخصصة، وليس لبرلين وكان وفينيسيا وسواها.
فهل تفتقت الذهنية الإبداعية للمخرجين العرب عن الاكتفاء بإنجاز أفلام
مكبلة لا تستطيع مبارحة أرضها؟ حتى لا نظلم المخرجين (على الرغم من ضلوعهم
في التقصير) فإن المسألة منتشرة في كل قطاعات العمل السينمائي، بدءا بأولئك
المنتجين الذين لم تعد لديهم أي طموحات. تقابلهم في «كان» فتجدهم يتحدثون
عن فيلم صغير هنا وفيلم صغير هناك. تلتقي مخرجين، فتجدهم يبحثون عن مائة
ألف دولار دعما من هذه الوكالة أو ذلك المهرجان وما وازاه من مؤسسة أو مصدر
شبيه آخر.
الحالة لا يمكن قلبها بالتمنيات، بل بإعادة تشكيل خطة شاملة إنتاجية
وفنية، هذا قبل فوات الأوان، فالمخشي عليه هو عقل المبدعين أولا، وقد تحول
كليا إلى صندوق مقفل لا يحلم ولا يطمح، بل يصرخ نادبا حظه ومنتقدا
المهرجانات العالمية بدعوى أنها ترفض عرض أفلامه.
المخرجة جوليا لي: البطل الغائب في فيلمي هو المجتمع على الرغم من أن
فيلمها الأول «جمال نائم» حمل في طياته رسالة ذكية حول وضع بطلته الشابة
والقرارات الخاطئة التي تضطر إليها في محاولة لإنقاذ نفسها من براثن الفقر
والحاجة إلى الغير، فإن غالبية النقاد هنا كانوا حذرين من التجاوب كليا مع
فيلم وجدوه باردا حيال العالم الذي يعرضه. وكما جاء في استعراضنا للفيلم،
أمس، فإن المشكلة الرئيسية هي أن المخرجة بحذفها المبررات واعتمادها الفعل
وحده مجردا من الدوافع، سحبت من الفيلم إمكانية التجاوب مع وضع البطلة..
فالعلم بالشيء شيء والتجاوب معه (أو حتى ضده) شيء آخر.
جوليا لي، مخرجة هذا الفيلم، كاتبة روائية أسترالية، وهي تقول إن
بطلتها تتحدث إلى العالم حين تقبل أن تنام وتترك العالم ينهش جسدها كما
يحلو له. «في ذلك رسالة»، تقول: «وهذه الرسالة أن أمثالها من الضحايا فقدوا
تصديق أن حياتها الحاضرة مهمة في نظر الآخرين».
·
أنت روائية في الأصل.. كيف قررت
التعامل مع مفردات الصورة ومعالجة الفكرة سينمائيا؟
- كوني روائية مكنني من فهم الشخصيات التي أكتب عنها فهما كبيرا هيأ
لي نقلها على نحو صحيح، كما أفترض، إلى الشاشة. والعلاقة بين القصة
المكتوبة والقصة المصورة وثيقة على أي حال ليس عندي فقط، بل على نحو عام.
فكلتاهما قائمة على بناء شخصيات عليها أن تثير الاهتمام وتنضوي على طبقات
وشرائح نفسية وعاطفية متشابكة. شخصيات هي من صنع المجتمع وتعيش تحت ثقله
وتبعا لما تواجهه فيه. هذا لا علاقة له إذا كان المصدر الأول أدبيا أو أن
السيناريو كتب خصيصا للسينما.
·
ماذا عن التحضير لعملية الإبداع
ذاتها؟ هل تختلف بين التأليف بنية وضع كتاب روائي والإخراج بنية تحقيق
فيلم؟
- المراحل التي يمر بها صاحب العمل لا تختلف كثيرا في البداية.. أعني
أنك عندما تجلس لتكتب نصا سينمائيا عن رواية ستقوم بالعملية نفسها التي
تتطلبها الكتابة للسينما بصورة مباشرة. كلاهما عمل يتطلب الكثير من حل
المسائل التعبيرية والإبداعية وآلاف القرارات المتعلقة بالحدث وبالمكان
وبالزمان وبالشخصيات، حتى لو كانت شخصيات ثانوية جدا. ما يتبع ذلك مختلف
طبعا. الفيلم السينمائي يحمل كل ما سبق إلى نطاق تنفيذي مختلف تماما.
·
لوسي، بطلة الفيلم، في عُرف
كثيرين، قد تستحق ما يحدث لها؛ فهي لا تعكس ملكيتها لقرارات صائبة.. هل
تعتبرين أن ذلك سبب يدفع البعض منا إلى عدم التجاوب مع ما يقع لها؟
- لا أعتقد. المسألة أكبر شأنا منها وحدها. كيف تأخذ القرار الصائب
إذا كانت ملوية الذراع من البداية، تواجه جدارا مانعا يحد من الحياة بمأمن
عن اتخاذ القرار الخطأ؟ البطل الغائب في فيلمي هو المجتمع. إلى حد بعيد هو
الشر المحيط بلوسي وبالكثير من أبناء الجيل الجديد الذي ربما يكون معذورا
إذا فشل في الوصول إلى القرار الصحيح بشأن حياته.
·
كمخرجة أولى، كيف واجهت عملية
التعبير عن نفسك بالكاميرا؟ كيف ألفت أسلوبك البصري؟
- مثل أي فيلم يعتمد على الشخصيات ويريد أن يسبر حقيقة ما يحدث لها،
فإن «جمال نائم» استلهم أسلوبه من الرغبة في متابعة الشخصية في صورة أمامية
والأحداث في صورة خلفية. هذا ما جعلني أركز مشاهدي على الشخصيات. بعض
النقاد سألني: لماذا لا تتحرك الكاميرا في هذا الفيلم؟ لكن الحقيقة أنها
تتحرك فعلا. ربما لا يلحظها الجميع؛ لأن حركتها بطيئة ومحسوبة وليست سريعة.
هذا الأسلوب، كما أجبت، يسمح للمشاهد أن يغوص أكثر فيما يراه عوضا عن أن
يعتبر الفيلم حكاية تبدأ وتنتهي تبعا لمنهج حدثي فقط.
·
ما سبب اختيارك للممثلة إميلي
براونينغ؟
- سؤال مهم وبسيط معا؛ لأنها أفضل من وجدت قدرة على التعبير عن
الشخصية التي في بالي، وآمل أن توافقني على ذلك. لقد كنت أبحث عن الفتاة
الشفافة التي تتمتع بجمال نادر كما بموهبة أداء مقنعة. لقد وجدتها قادرة
على أن تحمل عبء الفيلم؛ فهي في كل مشهد منه تقريبا. أنا سعيدة لأن وجودها
في هذا الفيلم منحها الفرصة لكي توجد في مهرجان «كان» أيضا.
أفلام اليوم
* هل مهرجان «كان» جاد في دعمه معارضي النظام في إيران؟
يدعي مهرجان «كان»، فيما يدعيه، أنه يؤيد حرية التعبير ويناوئ - بذلك
- ما يحدث في إيران من كتم لتلك الحرية واضطهاد للمثقفين والمبدعين
والسينمائيين، وهذا كله عين الصواب بلا ريب. لكن المرء لا بد أن يتساءل وهو
يشاهد الفيلم الإيراني «وداع»: أين يذهب هذا الكلام كله حينما يصل الأمر
إلى الفعل؟
فعوضا عن أن يتم اختيار فيلم محمد رسولوف في إطار المسابقة، نراه
اكتفى بالوصول إلى تظاهرة «نظرة خاصة» ليس لقصور فيه وليس تطوعا، بل لأن
إدارة «كان» ارتأت ذلك. هذا مع العلم أنه - حتى الآن - أفضل فيلم شوهد على
شاشة المهرجان الفرنسي العريق.
إنه دراما عن وضع امرأة حبيسة على أكثر من نحو: حبيسة نظام متعسف،
ووضع شخصي ناتج عن ذلك الوضع السابق، ثم حبيسة طموحاتها المشروعة. إنها
محامية اسمها نورا (تقوم ببطولتها ليلى زاره) تم سحب رخصتها منها وزوجها
صحافي هارب من ملاحقة البوليس إلى حيث يعيش ويعمل ضد النظام من مكان تحت
الأرض غير معروف. في بطنها جنين يعتقد الأطباء أنه سوف يولد معاقا، لكن حتى
من قبل معرفتها بذلك تحاول طرحه بسبب غياب زوجها ورغبتها في السفر والهجرة.
ما تدركه نورا جيدا هو أنها وحيدة في مجابهتها لما يتربص بها، وهو على
جبهات متعددة: هناك الحكومة، والمخابرات، والنظام، كلها في أعلى القائمة،
والقوانين المرعية والتعقيدات الإدارية والنظم الناتجة عن تقويض أي حلم
بالتغيير إذا استطاعت.
التغيير الذي تنشده نورا بدهي: إنها تريد الخروج من وطن تجد فيه نفسها
معزولة تماما. وهناك أكثر من وصف لهذه العزلة، من أكثرها جمالا ورمزا تلك
اللقطة لها وهي جالسة وحدها عند شاطئ البحر تنظر إلى بحر متجهم وسماء داكنة
تنذر بالمطر. لكن المرء يستطيع أن يرقب من مطلع الفيلم حالة شخصية لا خلاف
في إنسانية ما تطرحه. بروية وتمعن وببناء سينمائي يتجاوز فذلكات محمد
مخملباف وعباس كياروستامي التي لا تخدم إلا كليهما، يقدم محمد رسولوف على
متابعة ذلك السعي العنيد والهادئ في الوقت ذاته. رجال النظام يدقون باب
شقتها لسحب جهاز ستالايت من منزلها، مما يجعلها أكثر عزلة مما هي عليه
أساسا. والمخابرات تدخل حياتها حين تفتش المنزل بحثا عن أوراق تخص زوجها.
معاناة نورا أساسية في تأليف فيلم (كتبه وأنتجه وأخرجه رسولوف) ينادي
بالحرية الشخصية وعلى درجة مزدوجة من الأهمية بسبب كونها امرأة تتطلع
للانعتاق من وضع لا أمل فيه.
في مشاهده الكثيرة لبطلته وهي تدخل مكاتب مختلفة بحثا عن سبل الحصول
على فيزا أو جواز سفر أو حل لوضع صحي متأزم، سيلحظ المشاهد أن السكرتيرات
عليهن دائما مغادرة مكاتبهن ودخول مكاتب مديريهن للخروج بجواب أو بإذن ما
يرمز لهرم في صنع القرار وهيمنته على القاعدة التي دونه. في ترميز آخر، نجد
نورا ترعى سلحفاة صغيرة في حوض. في أحد الأيام تنقلها إلى صينية كبيرة
تغرقها بالماء. من لحظة إدراك السلحفاة أنها خرجت من ذلك الحوض، تسعى
لاستكمال حريتها بالخروج من محيطها الجديد، ولو أن قوائمها تنزلق من على
الجوانب البلاستيكية. في النهاية، وعلى صورة حقيبة مفتوحة نقب فيها رجال
المخابرات ما شاءوا، وصوت طائرة عابر ينتهي الفيلم وقد قيدت نورا للتحقيق.
أجمل ما في الفيلم هو التشكيل داخل الصورة. تخال نفسك أمام رسام يؤلف
الحياة ضمن الكادر ويؤلفها بجمالية رائعة كلما استدعى الأمر.
إذ تم عرض هذا الفيلم خارج المسابقة، كما ذكرنا، سنجد أن الفيلم
الإسرائيلي «ملاحظة» لجوزيف سيدار موجود في المسابقة على الرغم من أنه،
بإعجاب معظم مشاهديه من النقاد، لا يحمل أي سبب فعلي يدعو لجنة الاختيار
لتقديمه داخلها. ألم يكن من الممكن إثارة التنافس على نحو أفضل لو أن كلا
الفيلمين، الإيراني والإسرائيلي، كانا جنبا إلى جنب في المسابقة، بصرف
النظر عن النتيجة؟
سيدار كان قد كتب وأخرج فيلم «بيوفور» عن القلعة الواقعة في الجانب
اللبناني من الحدود مع إسرائيل. جهد جيد وإن لم يحقق كامل أهدافه. هذا
الجهد نفسه مبذول هنا، لكن نسبة المحقق من الأهداف هي أقل مما ورد في ذلك
الفيلم السابق له.
إنه عن صراع بين أب وابنه. أحدهما حصل على جائزة الأكاديمية
الإسرائيلية بالخطأ. لقد ارتكبت الوزارة، يشرح لنا الفيلم، خطأ حين اعتقدت
أنها تمنح الابن الجائزة لكنها وضعت اسم الأب عليها. الغيرة بينهما. عدم
الثقة. الصراع العاطفي، كل في عالمه، وسعي أحدهما لكسب ود الآخر من دون
نجاح، هو جل ما يمضي الفيلم ساعتيه في الحديث فيه.
تدرك أن المخرج لا يتمتع بصدق الموهبة حين تلحظ أنه مستعد لوضع مشاهده
في إطار واحد ولأطول فترة ممكنة من الوقت، ثم الإسراع في عملية التوليف في
مشاهد أخرى. في معالجة الفيلم جديا هنا، ثم البحث عن مناسبات كوميدية هناك.
كذلك في أن رغبته في الوصول إلى مستوى من التعبير الفني لا تنم عن نظام
مبدئي يؤدي إلى أسلوب عمل وتعبير، بل عملية تصنيع مفذلكة لا روح فيها. في
حدود ذلك كله، هو فيلم ذو قصة كان يمكن أن تكون مثيرة لو قدمت نفسها فعلا
على هذا النحو، وليس بحشرها في أتون محاولات تفنن غير مجدية.
أخبار «كان»
* أقام مهرجان دبي السينمائي حفلة غداء باتت تقليدا سنويا الهدف منها
جمع أهل الخبرة في مكان واحد والتداول طويلا حول مستقبل السينما والعلاقة
بين السينما العالمية ومهرجان دبي السينمائي.. المدعوون كانوا من المجتمعين
العربي والعالمي، أما الحديث فبكل اللغات.
* بينما يستعد الفيلم اللبناني «لوين هلق» أو «إلى أين من هنا» (حسب
ترجمة عنوانه بالإنجليزية) لمواجهته مع النقاد والجمهور الكاني، أكد مهرجان
الدوحة، وهو الذي دعم تجربة المخرجة اللبنانية نادين لبكي، صاحبة الفيلم،
أنه قرر خوض 25 مشروعا في مراحل مختلفة من العمل وبمستويات مختلفة من
الدعم. بين هذه الأفلام عشرة مشاريع مصرية وخمسة لبنانية بات مخرجوها
يتطلعون إلى تنفيذها في الأشهر المقبلة.
* قدر من السرية يحيط بمصير فيلم «الذهب الأسود»، الفيلم الفرنسي لجان
جاك آنو، الذي تم تصويره بين تونس وقطر، فبعد أن كان حديث الصحافة مؤخرا
بات من النادر أن تسمع أو تقرأ شيئا عنه. الفيلم من إنتاج طارق بن عمار.
* أعلن المخرج الأرجنتيني جوان جوزيه كامبانيلا، الموجود في «كان»، عن
انتهائه من إنجاز فيلمه الجديد «الفوتوبول.. 3 أبعاد»، وهو رسوم متحركة.
المخرج كان قد حاز أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمه السابق «السر في
عيونهم»، وحين سُئل عن سبب تحوله إلى الأنيماشن، أجاب: «الإغراء كمن في أن
الإنتاج كان سهلا، ولو أن مراحل العمل كانت صعبة إذ تطلب العمل 3 سنوات
متعاقبة».
* الممثل كريستيان بايل يتحدث عن مشروعه الجديد «أبطال نانكينغ»
فيقول: «سعدت بتمثيلي هذا الفيلم للمخرج زانغ ييمو وبالحياة في الصين لفترة
التصوير. إنها تجربة متكاملة من كل الجوانب.. تقع أحداث الفيلم سنة 1937
حول أميركي يجد نفسه في وسط الحرب بين اليابان والصين.
الشرق الأوسط في
16/05/2011 |