فاز الفيلم المصرى التسجيلى الطويل «جلد حى» أول أفلام مخرجه فوزى
صالح بجائزة خاصة قدرها ٢٥ ألف دولار أمريكى فى مسابقة افاق جديدة للمخرجين
الجدد فى مهرجان أبوظبى السينمائى الدولى الرابع الذى أعلنت جوائزه الجمعة
الماضى، وهى الجائزة الوحيدة التى فازت بها السينما المصرية فى المهرجان،
والجائزة الوحيدة التى أضيفت إلى جوائز المهرجان الرسمية مما يدل على إصرار
لجنة التحكيم على تقدير الفيلم.
رأس اللجنة المخرج الفلسطينى العالمى إليا سليمان واشترك فى عضويتها
من مصر الممثل الفنان خالد أبوالنجا نجم السينما المصرية المستقلة الأول
ممثلاً ومنتجاً وجاء فى بيان اللجنة عن «جلد حى» الذى أنتجه الفنان الكبير
محمود حميدة أن الفيلم «لمخرج واعد متميز بأسلوبه الحر وشغفه بقضية فيلمه،
اصطحبنا فى رحلة مؤثرة عبر الظروف المأساوية التى يعمل ويعيش فيها أطفال
مجبرون على العمل».
وهكذا تؤكد السينما المستقلة فى مصر أنها أصبحت تياراً أساسياً فى
السينما المصرية، بل الأقدر على الاشتراك والفوز فى المهرجانات الدولية،
كما يؤكد فيلم فوزى صالح التطور الكبير الذى حققته الأفلام المصرية
التسجيلية الطويلة فى العقد الماضى «راجع صوت وصورة ١٨ أكتوبر الحالى».
نجحت لجنة تحكيم أبوظبى فيما فشلت فيه لجنة تحكيم فينسيا بقرارها فوز
الفيلم الروسى «أرواح صامتة» إخراج ألكسى فيدو شينكو بجائزة أحسن فيلم
روائى طويل.
وفازت السينما اللبنانية بالنصيب الأكبر من جوائز المهرجان للأفلام
العربية حيث فاز «شتى يادنى» إخراج بهيج حجيج بجائزة أحسن فيلم روائى طويل
عربى، وفاز «شيوعيون كنا» إخراج ماهر أبى سمرا بجائزة أحسن فيلم تسجيلى
طويل مناصفة مع الفيلم الهولندى «وطن» إخراج جورج سلاوزر، وفاز «طيب، خلص،
يللاَّ» إخراج رانيا عطية ودانييل جارسيا بجائزة أحسن فيلم روائى طويل عربى
فى مسابقة آفاق جديدة، وفاز «الطابور الخامس» إخراج فاتشيه بولجور جيان
بالجائزة الأولى فى مسابقة أفلام الطلبة.
كما فاز الفيلم التونسى «الألبوم» إخراج شيراز فرادى بجائزة أحسن فيلم
روائى قصير، وفاز الفيلم الجزائرى «العابر الأخير» إخراج مؤنس خمار بجائزة
أحسن فيلم روائى قصير عربى.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليوم في
28/10/2010
فى
مهرجان أبو ظبى السينمائى الدولى 2010 المرأة
تنتصر للحب والوطن والحرية
والعدالة
المصدر:
محمد الحمامصى - مجلة حواء
احتفت أفلام الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي الذي
أقيم على مدار عشرة أيام بالعاصمة الإماراتية أبوظبي ـ 14 ـ 23 أكتوبر
2010ـ بقضايا
المرأة وهمومها، وعالجت للتحديات التي تواجهها المرأة العربية
خاصة في الخليج ومصر
والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها من البلدان العربية، فبدءا من فيلم
افتتاح
المهرجان "سكرتاريت" الذي انتصر للمرأة مؤكدا قدرتها على تحمل أكثر
المسئوليات
حساسية وثقلا، ومرورا بأفلام "شتى يا دني"، و"حرائق" و"ميرال"، و"لعبة
عادلة"،
و"نسخة مصدقة"وغيرها الكثير، تلك الأفلام الروائية الطويلة
التي قدمت نماذج رائعة
لكفاح المرأة من أجل أوطانهن وحريتهن وكرامتهن ومن أجل القيم الإنسانية
العادلة.
قد التزم المهرجان بعرض الأعمال الجديدة والمميزة لصناع السينما العرب
لتشارك في المسابقة إلى جانب أعمال كبار المخرجين في عالم السينما، ليقدم
بذلك إلى الجماهير المتنوعة والمتحمسة لهذا الفن في أبوظبي وسيلة لتبادل
الأفكار من خلال فن السينما، وسلط الضوء على الأصوات الجديدة والجريئة في
السينما العربية بما يتماشى مع دور أبوظبي كعاصمة ثقافية ناشئة في المنطقة،
وليكون المهرجان بقعة في هذا العالم لاكتشاف وقياس نبض السينما العربية
الحالية.
أفلام عدة سواء روائية طويلة أو وثائقية طويلة وقصيرة عالجت القضيتين
الفلسطينية واللبنانية من منطلق فني جمالي إنساني، كاشفة أن المرأة هي من
حملت تبعات وآثار الحروب والصراعات والنزاعات، ففي الفيلم الفائز بجائزة
اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم عربي، نرى المرأة اللبنانية التي حملت مسئولية
الأبناء في ظل غياب الأب القسري حيث كان مختطفا لعشرين عاما، وفي فيلم
"وطن" للمخرج جورج سلاوزر الفائز بأفضل فيلم وثائقي نرى للشتات الذي يضرب
الأسرة الفلسطينية في عمق تواصلها، وفيلم "أرواح صامتة" للمخرج ألكسى
فيدروشينكو الذي ينتصر لروح المرأة في قلب الرجل العاشق، وفي فيلم "مملكة
النساءـ عين الحلوة" لدانا أبو رحمة تعيد المرأة بناء ما هدمته قوات
الاحتلال الإسرائيلية يوم اجتياحها لمخيم عين الحلوة عام 1982.
ويدخل فيلم "جلد حي" للمخرج فوزي صالح الفائز بجائزة لجنة التحكيم إلى
عالم عمالة الأطفال في مصر ليفضح ما يعاني منه أطفال في أعمار تتراوح ما
بين 16 عاما و12 عاما، محذرا من الأخطار التي يتعرض له هؤلاء الأطفال،
ويدور حول الأطفال العاملين بالمدابغ خاصة وأنها مهنة شديدة الخطورة
وتعرضهم لمخاطر أقلها ضرر الروائح الناتجة عن المواد الكيماوية السامة "مايه
النار" التي تستخدم في عملية الدباغة، موضحاً أن الفيلم يرصد تعرضهم للموت
داخل مكان شديد الفقر في مقابل بحثهم عن المال الذي يكفيهم بالكاد.
كما يلفت فيلم "ثوب الشمس" للمخرج الإماراتي سعيد سالمين إلى أهمية
تعميق البعد الإنساني في التعامل مع المعاق، حيث يعالج قصة إنسانة صماء
عاشت في بيئة اعتبرها المخرج بيئة عالمية لكن ضمن غطاء إنساني بمناخ عربي
"إماراتي _ سوري" سعى المخرج من خلالها معالجة فكرة الإنسان المعاق ضمن
تساؤلات عن إمكانية تحقيق أحلام الإنسان المعاق ومعالجة صراعه مع الواقع
الاجتماعي المحيط به، يتخلل الفلم أحداث درامية ينتقل فيها المخرج بشكل
فانتازي من واقعين مختلفين ضمن ربط درامي للأحداث. وغيرها من الأفلام تؤكد
على أن قضايا المرأة تحتل مكانة كبيرة في أفكار وهموم صناع السينما عربيا
وعالميا.
إن اختيارات المهرجان للأفلام في دورته هذه انطلقت من رؤية إنسانية
ورؤية فنية جمالية شديدة العمق، تؤكد التوجه الذي تحمله هيئة أبو ظبي
للثقافة والتراث ومديرها محمد خلف المزروعي، وأيضا فريق عمل المهرجان ممثلا
في مديره بيتر سكارليت، لقد أكد المزروعي على أن المهرجان الذي تنظمه هيئته
يسير وفق رؤية آنية ومستقبلية تحمل ذات البعد الإنساني الذي تحمله
استراتيجية هيئته "تعزيز حوار الثقافات"، والكشف عن ودعم ومساندة "جيل من
الشباب في الإمارات ومنطقة الخليج والعالم العربي بدأ في تجسيد ذاته
ومجتمعه من خلال السينما".
وكان الرجل صادقا حين قال إن هؤلاء الشباب أبناء الإمارات والخليج
العربي والعرب كلهم "ما راهنت عليه قيادتنا الحكيمة"، فما المهرجان إلا
"قضايا الشعوب وهمومها تلتقطها عدسة السينما لترويها مرة بعد أخرى، عواطف
الإنسان وشجونه ولمحاته تتجسد أمامنا في لغة السينما الأخاذة، مخاوفنا
البيئية وحياة المدن والقرى وتبدل اهتمامات البشرية تـُحفر عميقاً في
ذاكرتنا".
لقد استقبل مهرجان أبوظبي السينمائي عشرات من نجوم صناعة السينما
العربية والعالمية الذين التقوا بالجمهور وتواصلوا معه عبر مناقشات كانت
تدار يوميا في خيمة المهرجان، من بين هؤلاء النجوم أوما ثورمان وجوناثان
ريس ميريس وأدريان برودي وجوليان مور وكليف أوين و يسرا ولبلبة ويحيي
الفخراني وخالد أبو النجا وخالد النبوي وبسمة وآسر ياسين وبسام كوسا وسمية
الخشاب وفتحي عبد الوهاب ورشيد عساف وغيرهم.
أيضا الأسرة والطفل كان في دائرة اهتمام مهرجان أبوظبي السينمائي حيث
دعا الأطفال وذويهم إلى الاستمتاع بفاعليات "يوم العائلة" حيث عرض برنامجين
مميزين، الأول هو برنامج أفلام الرسوم المتحركة القصيرة من جميع أنحاء
العالم، والذي تضمن مجموعة من أبرز أفلام مهرجان آنسي السينمائي الدولي
لأفلام الرسوم المتحركة _ فرنسا التي عرضت هذا العام، والتي اختيرت مع
الأخذ بالاعتبار جمهور الشباب في مسعى لأن يجد الجميع ما يناسبه، ولإتاحة
الفرصة لجميع الفئات العمرية للاطلاع على جديد عالم الرسوم المتحركة. أما
البرنامج الثاني والذي حظى بإعجاب الجمهور أيضا، فتضمن عرض فيلم "السيرك"
(1982) أحد أكثر أفلام العظيم شارلي شابلن طرافةً.. يضاف إلى ذلك كله هؤلاء
الفتيات والشباب من متطوعي "فزغة" أحد مبادرات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
الذين قاموا بفعالية كبيرة في تقديم كافة أعمال الدعم والمساعدة من النواحي
الإدارية والتنظيمية والعلاقات العامة في مهرجان أبوظبي السينمائي 2010،
مقدمين بذلك صورة مشرقة عن الشباب الإماراتي ومدى اهتمامهم والتزامهم بنقل
صورة مميزة لبلدهم وتأكيد جودة وأصالة الضيافة والاستقبال.
مجلة حواء المصرية في
28/10/2010
'شتي
يا دني' عبقرية الرؤية والأداء
القاهرة - من محمد
الحمامصي
المخرج بهيج حجيج فتح لنا أوجاعاً عاشتها وتعيشها زوجات وأبناء وعائلات تحت
وطأة الاختطاف.
قبض المخرج بهيج حجيج على رؤية فيلمه "شتي يا دني" وأحكم تصويبها،
لتدين رسالته الفنية بامتياز الصراع السياسي وما يرتكب في إطاره من جرائم
بحق المجتمع في بنيته الأعمق العائلة، لم يصرخ أو يتشنج أو ينفعل رافعا
رايات الحرية والعدالة، بل ترك الرؤية الفنية/ الإنسانية لتجرح المشاهد
وتضعه في مأزق مؤلم من التساؤلات حول هذه الجريمة "الاختطاف" التي ارتكبت
وترتكب بحق أصحاب الرأي بل والمواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في
الصراع.
صنع المخرج شخصيات فيلم بنفس درجة إحكامه لرؤيته، الأم نايفه نجار
التي اختطف ابنها "علي"، تبدأ الفيلم برسالة تتبعها ثلاثة رسائل أخرى موزعة
على الفيلم كتبت في زمن 6 أشهر حيث انتحرت الأم بعد الرسالة الرابعة عام
1984.
تشكل الرسائل نقاط مفصلية في تركيبة الفيلم فالأولى المؤرخة 26 آذار-
مارس1984مناشدة لخاطفي وللمؤسسات الإنسانية اللبنانية والدولية والإنسانية
باسم الأمومة والطفولة وما تبقى من عاطفة ومحبة إعادة ابنها الوحيد "علي"
البالغ من العمر 13 عاما، فيما تحمل الرسالة الثانية انتظارا متحرقا وشوقا
لعودة الابن حاملا معه هدية عيد ميلادها "مضت الشهور يا ولدي وأنا أنتظر
عودتك إلى بيروت"، وفي الرسالة الثالثة نحن أمام أم على وشك الانتحار كمدا
"لم أعد أطيق معايشتي لذكراك، لا أريد أن أستسلم للواقع وأجعلك ذكرى تجترها
ذاكرتي، أنت أمامي في كل طفل أراه"، وبعد أن كتابتها الرسالة الرابعة
والأخيرة والتي تناشد فيها ولدها إن عاد أن يتابع السير تطلب نيف السكرتيرة
بجريدة السفير من زميلها المصور التقط صور لها، وبعدها تنتحر.
الشخصية الثانية وهي الرئيسية في الفيلم شخصية "رامز" الذي قرر
الخاطفون إطلاق سراحه بعد عشرين عاما من اختطافه أثناء عودته من العمل،
وحين يطلق سراحه ويلتقي بزوجته في المطار، لا تكاد تتعرف عليه، وعندما
تحتضنه وتعود به للعائلة، نرى لهواجس السجن والقهر والتعذيب الذي مورس عليه
جسديا ونفسيا على مدار عشرين عاما، نرى لرجل فقد السيطرة على ذاته، يتلعثم
وتتوه عيناه وتتقطع أنفاسه، وأصبح مهووسا بالخوف والفزع، وبينما تحاول
الزوجة الاقتراب منه وتلمس روحه وجسده، تجده تائها ومفقودا غير قادر على
ممارسة فعل الحب معها العاطفي والجسدي، مشغول بجمع الأكياس البلاستيكية على
اختلاف أحجامها وأشكالها، يخبأها هنا وهناك، متغزلا فيها، هذه الأكياس التي
تحمل دلالة الاختناق، حيث كان يستخدمها الخاطفون في الخنق والتعذيب.
يستيقظ رامز مفزوعا ولاهثا من نومه بعد حلم يرى نفسه وقد قام الخاطفون
بوضع كيس بلاستيكي في رأسه، لنعرف أن أزمة التنفس "الربو" التي يعانيها
نتيجة مباشرة لآلية التعذيب بالخنق بأكياس البلاستيك، وأن هوسه بجمع وتنظيم
وترتيب وحفظ كل أنواع الأكياس نتيجة لذلك.
عودة "رامز" تجئ بمثابة المفتاح إلى قلب المجتمع، فتح لنا أوجاعا
عاشتها وتعيشها زوجات وأبناء وعائلات، فهذا العائد بعد عشرين عاما يستقبله
ابناه اللذان تركهما أطفالا بفتور في المشاعر، برفض أحيانا وانكسار نفسي
أحيانا أخرى يؤكد أثر غيابه وتراكمه عبر السنين، فهما عانيا من غيابه
ومعايرة المجتمع لهما بـ "الاختطاف"، وعودته تشكل قلبا لحياتهما رأسا على
عقب.
حين يذهب رامز ليسلم رسالة لعائلة أحد زملائه في سجن الاختطاف "إلى
امرأتي فاطمة، أنا بعدي طيب"، يتجلى هذا الأثر ـ الغياب ـ في عائلة هذا
الزميل، الزوجة ماتت كمدا على زوجها الذي لا تعرف له مصيرا، والأطفال ذهب
بهم العم لأستراليا، ليصبح لا وجود للعائلة.
أما "زينب" التي يلتقيها "رامز" مصادفة، بعد أن قام بغير قصد
بالاصطدام ببضائع أحد المحلات، فيجري صاحب المحل وراءه، وهنا يتخيل رامز
المهووس بخاطفيه السابقين، أنهم عادوا ليختطفوه مرة أخرى، يصعد في محاولة
للاختباء إلى إحدى البنايات، ويتوقف مجبرا نتيجة أزمة الربو أمام باب شقة
يطرقه، تفتح زينب، يشير لها وقد أفقدته أزمة التنفس النطق، أنه يريد أن
يشرب، تتوجس خيفة ثم تحضر له الماء، وتعرض عليه الدخول فيما يتمتم بهاجس
الخاطفين الذين يجرون وراءه.
"زينت" التي اختطف زوجها أستاذ الأدب العربي والكاتب بإحدى الصحف، ترد
على كل طارق لباب شقتها باسم هذا الزوج "خليل"، حيث تعيش على أمل أن يكون
هذا الطارق زوجها، يواصل "رامز" زيارتها والتخفيف من آلامها، فعلى الرغم من
هذا الحمل الذي يكبله والممثل في عشرين عاما من الاختطاف والغياب والتعذيب،
لكنه يرأف بحال زينب ويتعاطف معها، هو يعرف أن زوجها الذي كان زميله في سجن
الاختطاف قد مات من أثر التعذيب، لكنه لا يخبرها، ويحاول الخروج بها من
الدائرة المغلقة التي تعيش فيها، لكنه عندما يصاب بأزمة وينقل على أثرها
للمستشفى يطلبها ويخبرها آسفا موت زوجها.
"ماري" زوجة "رامز" التي صمدت في وجه الفقد والغياب القسري لزوجها،
ربت ابنيها ناديا وإيلي، وحين عاد الزوج ورأت ما رأت من فقده للقدرة على
التواصل الجسدي والنفسي، استمرت في رعايته كاتمة لآلامها ومواجهة تجاهل
وإهمال ورفض ابنيها له، بل كانت صارمة معهما بعد أن كشفا عن أن عودته لخبطت
حياتهما، فها هي تضرب ابنتها لأنها سخرت من أبيها وتنهر ابنها.
وعلى الرغم من تعدد المواقف الدالة على حالة الحرمان والشعور بالوحدة
والفقد لدى "ماري"، إلا أن مشهد وقوفها أمام المرآة وتزينها استعداد
لمحاولة مطارحة زوجها الغرام وفشلها كان حادا وواضحا، يضاف إليه مشهد
توترها على ابنتها "صرت أنا الرجال والمرة، ما كان فيه من أسند رأسي عليه"
، وتعلن أن الجميع يتركونها وحيدة، لا تفاعل ولا تواصل، الابنة مع موسيقاها
وحلمها بالسفر لفرنسا والابن مع زملائه في الملهي، وهي ـ ماري ـ وحدها أمام
زوج مريض عاد لتوه فاقدا مقومات التواصل.
إن الأداء العبقري والفذ لفناني الفيلم حسان مراد وجوليا قصار وكارمن
لبس وديامان بوعبود وإيلي متري، جاء متنسقا ومنسجما مع لغة السيناريو
والحوار والأسلوب المحمل بالإيحاءات والإشارات الرمزية، ومع رؤية المخرج
لحركة الكاميرا سواء في الأماكن المغلقة أو في الشوارع والحواري، فكان
السيناريو والحوار والتصوير والرؤية والأداء التمثيلي نسيجا واحدا محكم
الخيوط، الأمر الذي حمل معه الفيلم الذي حصد اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم
عربي من مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الرابعة 2010، نسقا متعدد
الدلالات والتساؤلات حول هذه القضية السياسية الاجتماعية المهمة.
ميدل إيست أنلاين في
28/10/2010
شارك في التظاهرة أكثر من ستين فيلما عربيا
واجنبيا:
حضور عربي متميز في مهرجان أبو ظبي السينمائي
أبو ظبي ـ من فاطمة عطفة
شهدت العاصمة الإماراتية تظاهرة
سينمائية عالمية، وكان الحضور العربي فيها لافتا، في إنتاج
الأفلام، وفي حضور عدد
من النجوم، من كتاب سيناريو ومخرجين وممثلين ومنتجين وغيرهم من الضيوف،
الذين حضروا
وتابعوا فعاليات المهرجان التي تواصلت عروضها لمدة عشرة أيام، وشارك فيها
ما يزيد
عن ستين فيلماً محلياً وعربياً وعالمياً، بالإضافة إلى أفلام مسابقة
الإمارات
والأفلام المشاركة في مسابقة الأفلام القصيرة.
كان افتتاح المهرجان بفيلم
'سكريتاريا' Secretariat
للمخرج الأمريكي راندال والاس، وهو يحمل فكرة التحدي
والحلم والرغبة عند الإنسان، وتأتي هذه الإرادة القوية من سيدة تحقق حلم
والدها
وتستمر في الحفاظ على ما تركه لأولاده، بعكس أخيها الضعيف المتردد الذي
أراد أن
يبيع المزرعة والخيول، بالاتفاق مع زوجها الذي ابتعدت عنه
زوجته (بيني تشينري)
لتشرف على مزرعة الخيول. والفيلم مأخوذ عن قصة واقعية عن الحصان الذي لا
تزال
أرقامه قياسية تذكر في السجلات حتى اليوم.
وكانت الخطوط العريضة لأفلام المهرجان
تتناول قضية فلسطين، والجريمة المنظمة في العراق، وتقييم
المرحلة الشيوعية في بعض
البلدان الاشتراكية، إضافة إلى جوانب من قضايا العمال والمرأة والطفولة،
كما كانت
هناك قصص فردية وعائلية واجتماعية. ومن الأفلام التي شدت الاهتمام فيلم عن
غيفارا
(تشي-
رجل جديد) وفيلم كارلوس. ولعل من أهم هذه الأفلام المتميزة ما قدمه المخرج
الفلسطيني إيليا سليمان في فيلمين: 'سجل اختفاء' و'يد إلهية'، وقد تميزت
أعمال
سليمان بلغة سينمائية راقية، وتعبير عميق، يفضح جرائم
الصهيونية ضد الشعب
الفلسطيني، بالصورة المجردة من الكلام.
وقدمت دانا أبو رحمة: 'مملكة النساء'
حيث تبين تفاصيل من الحياة في مخيم 'عين الحلوة' بين عام 1982 و1984، وتلك
الفترة
الزمنية القاسية التي تعرض لها سكان المخيم، وقت اجتياح إسرائيل للبنان
وسقوط
المخيم وما ارتكبت فيه من مجازر، ونرى هنا حكايات النساء
اللواتي بقين وحيدات بعد
أن اعتقل العدو الرجال وقتل من قتل وأسر من أسر، وبقي المخيم فقط بنسائه
وأطفاله
وجراحه. كما قدم الفيلم تجارب مختلفة لنساء دخلن السجن، وناشطات سياسيات،
وفي ميدان
القتال وفي مجالات أخرى، وأظهر جوانب من التراث الفلسطيني في
مجموعة من الحلي
المصنوعة من الخرز والزركشة التي تشتغل عليها المعتقلات من النساء
الفلسطينيات في
سجون العدو الإسرائيلي، وتخللت العرض لقطات من صور للشهيد ناجي العلي في
خلفية بعض
المشاهد.
وضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة التي عرضت في مهرجان أبو ظبي
امتلأ مدرج مسرح قصر الإمارات لمشاهدة فيلم 'كارلوس' الذي أعادنا إلى
الحالة
السياسية التي شهدتها السبعينات وما بعدها، والحرب الخفية بين
الأنظمة السياسية
وأجهزة المخابرات والخلايا السرية، بين أصحاب القرار واللاعبين الكبار في
هذه
الحروب: أخرج فيلم 'كارلوس' الفرنسي أوليفييه أساياس، كما يشارك أيضا في
كتابة
سيناريو الفيلم، وجاءت صور المشاهد من ست مدن، باريس وبيروت
ولندن وبرلين وبودابست
والسودان، والعرض في أبو ظبي كان النسخة السينمائية التي قدمها المخرج
مدتها ساعتان
وأربعون دقيقة بعد اختصار النسخة التلفزيونية التي عرضت في مهرجان كان.
بدأ
الفيلم من العاصمة باريس1973 واغتيال محمد بوضيا الجزائري الأصل وقائد
العمليات
لجبهة التحرير الفلسطيني في أوروبا، حيث كان واضحا من أسلوب الاغتيال وجود
بصمات
الموساد الإسرائيلي، بعدها ظهر كارلوس في بيروت ليتسلم مهام من
وديع حداد، وقد ركز
الفيلم على التعاون بين الخلية الثورية الألمانية 'بادر ماينهوف' ودور
كارلوس في
التنسيق للعمليات المشتركة بينهما، الموجهة لضرب أهداف إسرائيلية ومنظمات
يهودية في
أوروبا. وأهم المراحل التي يمر فيها كارلوس من دمشق وروسيا وعدن والخرطوم
تبقى
عملية فيينا عام 1975 التي أخذت الاهتمام الأكبر من العرض لما
فيها من تفاصيل
ومفاوضات مع الجزائر، إلى أن تم اعتقاله بالسودان وترحيله إلى باريس ليسجن.
وحصل
فيلم 'كارلوس' على اشادة من لجنة التحكيم.
وتناول المخرج بهيج حجيج في فيلم 'شتي
يا دني'، وهو الفيلم الروائي الطويل الذي حصل فيه على جائزة
'اللؤلؤة السوداء'، قصة
إنسانية مؤثرة عن رجل خطف في منتصف الثمانينيات، خلال الحرب اللبنانية،
وبعد
اختفائه 20 عاما أطلقوا سراحه ليعيش في بيته غريبا محطما ويعاني من فقدان
جزئي في
ذاكرته، إضافة إلى ظروف عائلته التي تعاني من تمزق واضطراب بين
أفرادها، الأم
والبنت والولد، بينما تنقله ذاكرته إلى مكان رجل كان معه في السجن وتوفي
تحت
التعذيب، حيث يلتقي الرجل العائد امرأة ذلك الرجل التي تنتظر عودة زوجها
المخطوف هو
الآخر منذ 20 عاما، وتنشأ علاقة مودة عميقة بينهما بسبب تردده وخوفه من
إعلامها
بالحقيقة. يتولى أدوار البطولة فيه حسان مراد وجوليا قصار
وكارمن لبس وبرناديت حديب
وايلي متري وديامان أبو عبود، والفيلم واحد من ثلاثة أفلام عربية شارك في
مسابقة
الأفلام الروائية الطويلة في المهرجان.
لكن ما أثار جدل الجمهور بعد عرض فيلم
'ميرال'
للمخرج اليهودي الأمريكي وليام شنابل، وهو مقتبس عن رواية للكاتبة
الفلسطينية ـ الإيطالية رولا جبريل. ويحكي قصة حياة السيدة الفلسطينية هند
الحسيني،
التي أنشأت عام 1948 دارا لرعاية الأيتام باسم 'دار الطفل
العربي' في القدس التي
احتلت بعد النكسة، وقد جمعت السيدة الحسيني في تلك الدار مجموعة من الأطفال
الناجين
من مذبحة دير ياسين، ثم توسعت الدار بعد لإعلان عن تقسيم فلسطين وقيام دولة
إسرائيل. البطلة 'ميرال' تؤدي دورها الممثلة فريدا بينيتو يأتي
بها والدها إلى
مؤسسة أطفال فلسطينية في القدس بعد انتحار والدتها المدمنة على الخمر، وكأن
أسباب
الإدمان كانت تشعر البطلة بأنها غير نظيفة، هذا يظهر بوضوح عندما تكتشف
البطلة أن
والدها الذي عرفته ليس أباها الحقيقي، عندما أرادت أن تزرع له من نقي
العظام ولم
يكن النسيج مطابقا، وجاء تأثرها عاديا بدون انفعال عند
اكتشافها ذلك، بينما أظهرت
فرحتها عندما ودعت هند الحسيني، التي تقدم دورها الممثلة هيام عباس، وتقول
لها
ميرال وهي تعبر بفرح: 'إن الحل النهائي والسلام قريبان حيث سيكون هناك
اتفاق للحصول
على 20 ' من الأراضي الفلسطينية، مشيرة بذلك إلى ما سوف يحصل في أوسلو'.
ومن هنا
جاء طرح الأسئلة بعد انتهاء الفيلم على كاتبة السيناريو رولا جبريل، كان
أول سؤال:
هل أنت مسرورة إلى 20 ' وكأنك تريدين أن
يقتنع الناس بفكرتك؟ لكنها تهربت من السؤال
وتجاوزته بدون اهتمام. وجاء السؤال الثاني للمخرج جوليان شنابل
الذي كان يرتدي
بيجاما لونها بنفسجي مع جاكيت فوقها، من هنا بدأ سؤال أحد الشباب من بين
الجمهور
قائلا: ما هو سر حضورك إلى المسرح في تقديم فيلمك وأنت تلبس البيجاما، في
ثياب
النوم؟ هل تريد أن تقول لنا ومن خلال فكرتك ولباسك أنتم نائمون
ونحن نفعل ما يحلو
لنا في مستقبلكم؟ إن كان هذا ما تريد أن توصله نقول لك: نحن غير نائمين
ونعرف ماذا
تخططون له، فكرتكم هذه غير مقبولة، لكن جوليان كان عصبيا وقال: كنتم 20 '
اليوم لا
تحصلون على 5 '!.. طبعا توتر الجو وضاعت القضية الإنسانية التي
كانت تقوم بها هند
الحسيني وكأنها كانت مجرد غطاء لفكرة الاحتلال وقضم الأراضي شبرا وراء شبر.
ومع
فيلم 'لعبة عادلة' للمخرج الأمريكي دوغ لايمن الذي عرض فيه أكاذيب
المسؤولين الكبار
في البيت الأبيض حول وجود أسلحة دمار شامل وكانت ذريعة كاذبة لاجتياح
العراق. يدور
الفيلم في منطقة رمادية بين الحقائق الخاصة والأكاذيب العامة، ويحكي القصة
الحقيقية
لعميلة الاستخبارات الأمريكية السرية، فاليري بلايم (ناومي
واتس) التي دمرت حياتها
حيث وصل زوجها إلى حافة الانهيار، حينما تم الكشف عن هويتها السرية، من
خلال تسريب
إعلامي تم القيام به لتحقيق مآرب سياسية. تجري فاليري، الضابط السري في فرع
محاربة
تهريب السلاح في المخابرات المركزية، تحقيقا حول وجود أسحلة دمار شامل في
العراق،
بينما زوجها الدبلوماسي جو ويلسون (شون بن) يقاد إلى التحقيق لكي يثبت صفقة
بيع
مزعومة لليورانيوم المخصب مصدرها النيجر، لكن تتجاهل الإدارة
الحقائق التي يتوصل
إليها وتقوم بالحرب العدوانية تحت ذريعة السلاح النووي.
وفي لقاء الإعلاميين مع
المخرج دوغ لا يمن وجهت 'القدس العربي' سؤالا حول إمكانية
إنتاج فيلم يطالب فيه
الشعب الأمريكي بمحاكمة بوش وتشيني ورامسفليد، وما سبب هؤلاء للشعب
الأمريكي من
متاعب اقتصادية بسبب الحرب، إضافة إلى معاناة الشباب الأمريكي الذين فقدوا
وشوهوا،
وكان الرد على السؤال: 'هذا يجب أن يحدث لكن على ما أعتقد أن الأمريكيين
تعبوا من
هذه الحرب وهم لا يريدون أن يتذكروا، لأن تذكرها ومن عمل فيها
يكون متعبا لهم، إن
الناس تريد أن تنسى هذه المرحلة'.
هناك أفلام شاعرية وكأنها أحلام تناولت جوانب
إنسانية جميلة ومؤثرة، مثل فيلم 'أرواح صامتة' الروسي الذي
يحكي قصة بسيطة عن وفاة
زوجة ميرون من شعب المريان ذي التقاليد الخاصة. ويرافق الموظف أيست مديره
ميرون في
رحلة طويلة لنقل الجثمان إلى ضفاف نهر الفولغا، حيث تحرق الجثة. وأيست يحلم
بالموت
في النهر منذ وفاة والده الشاعر حزنا على زوجته، لكنه لا يقبل
فكرة الانتحار لأن
المريان لا يؤمنون بالموت قبل الأوان. لكن الرجلين ينتهيان غرقا في النهر
في حادث
سير على الجسر. ولغة الصمت المعبر في هذا الفيلم، إضافة إلى ولع الكاميرا
الروسية
بمناظر الطبيعة هي التي تمنح المشاهد تلك المتعة الشاعرية، رغم
حادثة الموت والحرق.
وكان هناك فيلم إيراني جميل (غيشير) يرصد حياة ثلاثة من العمال
المهاجرين للعمل
في منطقة الخليج بأشغال مختلفة ويعيشون بمودة وتعاون، رغم قسوة الحياة
البائسة التي
يعانونها. وقد حصل هذا الفيلم على جائزة 'اللؤلؤة'. أما فيلم (الحفرة) عن
مرحلة
الثورة الثقافية في الصين فقد كان مزعجا لدرجة أن العديد من
المشاهدين لم يحتملوا
مشاهد أكل الجرذان والقيء، ويبدو أن منتج الفيلم ومخرجه يهدفان إلى مهاجمة
الصين
الشيوعية بشكل عشوائي، وربما إرضاء للغرب ورأسماليته المتوحشة. صحيح أن
هناك جوانب
سيئة في تلك الثورة، لكن تلك المرحلة هي التي دفعت بالصين إلى
ما وصلت إليه من تقدم
وازدهار.
أما فيلم (كرنتينة) للمخرج العراقي عدي رشيد، فهو يرصد حياة مجرم من
المرتزقة تستأجره مؤسسة إجرامية لقتل العلماء، كما فعلت الموساد الصهيونية،
ولكنه
ينتهي بالقتل وإلقاء جثته في دجلة لأنه خالف الأوامر في طريقة
التنفيذ.
ونعود
إلى فلسطين وفيلم (وطن) لجورج سلاوزر هولندا المتعاطف مع القضية الفلسطينية
والذي
قدم أكثر من فيلم في السبعينيات والثمانينيات. ويبدو من وجهة نظر المخرج
الإنساني
أن آفاق السلام مسدودة بسبب ما تفعله دولة الاحتلال. وإذا كان
من الصعب استيعاب
وعرض ملخص لأهم الأعمال التي عرضت، لكن يطيب لي أن يكون مسك الختام في هذا
الموضوع
مع الفيلم القصير 'الدرس الأول' للممثلة الفلسطينية المتألقة عرين عمرين،
وهي تجرب
الإخراج لأول مرة في هذا الفيلم بمساعدة زوجها المخرج المعروف
رشيد المشهراوي.
تحاول سلمى أن تتخلص من أجواء الاحتلال وتسافر للدراسة في فرنسا، لكنها في
الدرس
الأول والطلبة يقدمون أنفسهم مشيرين إلى وطنهم على الخريطة..
وتضع سلمى يدها على
فلسطين قائلة: (من فلسطين)، لكن طالبة إسرائيلية تضع يدها على خريطة فلسطين
وتقول: (إسرائيل)! وهكذا يظهر الصراع على أرض
فلسطين بين شعبها ومحتليه من الدرس الأول.
وينقسم الطلبة إلى قسمين.. وتضطر المعلمة إلى إنهاء الدرس، وينتهي الفيلم
وسلمى
تجلس على درج الجامعة وهي تقضم لقيمة من كعكة من الخبز الفلسطيني.
القدس العربي في
28/10/2010 |