اينما عرض شريط المخرج الروسي أليكسي
فيدورشينكو 'ارواح صامتة' نال التقريظ والاجماع، ذلك انه نص
مغاير، يحتفي بنفس شعري
عالي الجودة بالموت والغياب، ويقارب شعائره بكثير من التبصر السينمائي. وما
نيله
الجائزة الكبرى 'اللؤلؤة السوداء' لمهرجان ابو ظبي السينمائي في دورته
الرابعة التي
اختتمت يوم السبت الماضي الا مؤشر اضافي على فرادة هذا النص
وتجلي لغته واختزاليته
الباهرة. انه مجموعة من القيم والاعتبارات الانسانية التي صيغت عبر منظور
اثنوغرافي
لعرق بشري اندثر. لم تنفع معه عزلته الجغرافية، فوأده التحضر وهجمة الاوربة
التي
اكتسحت القيم الروسية العريقة.
شريط 'ارواح صامتة' من بابه التأويلي يعد صرخة
اعتبارية لهذه الفئة، ودعوة الى الالتفات الى مصيرها الاسود
واستعادته كعبرة.
ولعل ثيمة الموت التي عرضها فيدورشينكو هي اكثر الصيغ نجاعة في ارغام
مشاهده على
الانتصار لثقافتها ومصيرها وتاريخها. نرحل مع بطلي الشريط نحو
البقعة التي شهدت في
الازمان الغابرة تألق المجموعة الاثنية المسماة بـ 'ميريها' (بالروسية تدعى
'ميرا')
التي تعود اصولها الى الاثنيات الفنلندية ـ
الاسكندنافية، من دون ان تتحول هذه
الرحلة الى درس تاريخي، فعمل فيدورشينكو خال من همومه. في وسط
روسيا اليوم يعيش
الشاب ايست (ايغورسرغييف) وهو ابن احد كبار شعراء المنطقة، يحترف التصوير
الفوتوغرافي، يقرض الشعر وكتابة الاغاني التي ترتبط بمجتمع الـ 'ميريها'
الذي تقول
الاساطير ان الروس ارغموه على الاندماج مع قبائل الـ 'فينوجوغريك'
قبل اربعمئة سنة،
منطلقا من ايمانه بأن جذوره تمتد اليهم.
وتقع الصدفة اثر عودته الى مقر اقامته،
ليخبره رئيسه ميرون بوفاة زوجته الشابة تانيا طالبا منه
مرافقته الى قرية نائية
تدعى 'غورباتوف' هي موقع الغرام الاول بين الاثنين.
ومنذ اللحظات الاولى،
يرغم صاحب 'الاول على القمر'( 2005) و'محطة القطار' ( 2008) المخرج
فيدورشينكو
مشاهده على مراعاة الانتباه والتيقظ الى المحيط المتحرك حولهما. فالسيارة
المسرعة
هي صندوق عجائب، يسعى بطلاه الى توثيق الارض وطقسها، الغابات ومروجها،
الانهار
وضفافها، السماء وعظمتها، الزمن وانتقالاته، الاعمار ومعانيها،
العشق ومصائره،
الاصوات وانتباهاتها، الاشياء وحركيتها. ان ايست وميرون هما روحان دفعتهما
الفاجعة
وفخامة الرحيل بمغزييه الفسلجي (الجثة) والجغرافي ( اندفاع السيارة) الى
الالتزام
بخرس مؤقت. من هنا، فإن وجود الكاميرا ( تصويرقدير من ميخائيل
قرتشمان) داخل
المركبة، حتم علينا ان نكون جزءا من الشعائر، متوجسين صمت الموت الذي تمثله
الجثة
الضخمة المضطجعة بسلام فوق المقعد الخلفي. ولكي يضفي المخرج فيدورشينكو
المزيد من
قيمة الحياة على شريطه القصير (75 دقيقة)، جعل بين الشخصيتين
قفصا كبيرا يضم
طائرين لا يكفان عن الحركة، ما يمكن اعتباره الامتداد لحركة الخارج وتسربها
السريع
من نواظرنا، الى ذلك تمكن الاشارة الى توكيده على مبدأ الشراكة البشرية
التي تتجلى
وحدتها دائما امام الموت، حيث نرى الرجلين وهما ينهمكان بطقوس غسل الجثة
البيضاء
بصبر نادر وبكثير من شراب الفودكا الذي يسكب على اعضائها من اجل تطهيرها.
يكشف
فيدورشينكو (ولد عام 1966) ان هذه المجموعة البشرية تؤمن بقوة الحب
والمياه، فهي
محاصرة بعزلتها التي فرضت على افرادها التآخي والجماعية والتنادي الى
العرق. كما
ان رعويتها الموغلة بالقدم دفعتهم الى التماهي مع الطبيعة
الزاخرة بكل شيء، بدءا
بالحجارة وانتهاء بأعراف الموت. من هنا نفهم اسقاط الشريط حاجتي الكلام
والشرح من
حساباته الدرامية، ذلك ان المعاني الكبيرة في مقطع الزفاف هي من الغنى
المعرفي ما
يجعلها مشهدية مفحمة القيم، ومثلها لاحقا قيام البطلين بحرق
جثة تانيا عند ضفة
البحيرة الساحرة والذي تم تصوير الوقائع ضمن زمنها الحقيقي. هل يستحق الموت
شرحا او
تفسيرا؟ الجواب: نعم!
حينما لا يفقه المرء قوة ندائه. وحول هذاالاخير (النداء)،
كتب الروائي الياباني الاصل البريطاني الاقامة والهوى كازو ايشغورو نصه
البليغ 'لا تتخلَّ عني' الذي صدر العام 2005،
واقتبسه الى السينما صاحب 'اظهار الصور
بساعة واحدة' (2002) المخرج الامريكي مارك رومانيك، ونال
البريطاني اندرو غارفيلد
جائزة افضل ممثل في مهرجان ابوظبي السينمائي عن دوره كخريج جامعي حديث
العهد يدعى
تومي يلتقي باثنتين من زميلاته في المدرسة الداخلية الصارمة القوانين،
ليحققوا
وعدهم الجماعي بالتبرع بأعضائهم قبل موتهم المبكر. وسعى
ايشغورو ان ينجز نصا خياليا
حول مفهوم الاستنساخ الآدمي لاغراض الامراض المستعصية، واحاله الى ادانة
مضمرة
لفاشية القوانين الحكومية التي تُغلف بأطر الاحسان الجماعي.
تسرد البطلة كاثي
(الممثلة
كاري موليغن) التي تحمل صفة 'راعية المتبرعين' يوميات العهد الاول في
المدرسة الداخلية الانكليزية ذات القوانين الصارمة والتي تقع في مقاطعة
هيلشام
العريقة حيث تلتقي بالصبي المعقد والحسي تومي الذي يعاني من
صدود الاخرين له
وانكفائه، والفتاة المتهورة روث (كيرا نايتلي) التي تبدي حماسة للتعلق به
كرأفة
امومية، قبل ان تعترف في نهاية الشريط وقبل وفاتها انها ارتكبت حماقة
مقصودة
لابعاد الاثنين عن الوقوع في الحب واعلان خسارتها الشخصية. في المقطع
الثاني
للرواية والفيلم على السواء، تشهد البطلة الشابة حتفي الصديقين لكن على
مستويين
باهري المغزى:
الاول ان تومي تغلب على صلف الاخرين بالتبرع بأكثر من عضو فسلجي
ليتحول الى 'شهيد الاخرين'، فيما تلحق روث به الى صالة العمليات لتثبت
للجميع ان
انانيتها المخزية قادتها الى التبرع وليس الايمان به كفعل انساني. ان لعنة
موتها
تأتي متأخرة قليلا على اعترافها بخطيئة خيانتها الى رفيقي
عمرها بحياكتها
مؤامراتها الشخصية بعزلهما عن بعضهما. لا يجعل ايشغورو من كاثي بطلة
مثالية،
ذلك انها تبقى الى النهاية غير قادرة على الامساك بقرار حقيقي، ما عدا
مراقبة
الاخرين وعقلنة خياراتهم المميتة. وفي الوقت التي تمارس فيه
روث حيوية شبابها بكثرة
المواقعات الجنسية مع تومي من اجل اغاضة كاثي وفك اسرها العشقي السري له،
فإن هذه
الاخيرة تحاول اثارة غضب الشاب عبر كشف اسراره الشخصية ـ مثل مشهد المجلات
الفضائحية التي يخفيها في غرفته ـ من دون ان يصل الى صراخه
الهستيري الذي يقوم به
عندما يلعنه الصغار، او عندما يكتشف لاحقا خدعة 'التبرع' التي مارستها
ناظرة
المدرسة المتسلطة (شارلوت رامبلينغ) لصالح النظام وقوانينه، مع الاعتراف
الصاعق لأمينة المدرسة، 'المدام'، التي ترفض تقييم اعماله التشكيلية
باعتبارها علامات
للحب، كاشفة للثلاثة ان هيلشام لم تكن سوى 'ثكنة لتقييم قوة المتبرعين
وتربية
اعضائهم او انذار المجتمع والسلطة في حالة خروج البعض عن
الارادة
العليا'.
استعار ايشغورو عنوان
روايته من فقرة ترد في اغنية شهيرة للمطربة
الامريكية جودي بريدجووتر تحمل عنوان 'بعد حلول الظلام'. ويُهدي تومي
الالبوم الى
كاثي مناديا في كيانها مناغاة الام ـ كما هي في الاغنية ـ لابنها وتحريضها
اياه ان:
'لا
تتخلَّ عني'.
ان نص صاحب 'بقايا اليوم'( 1989) يغمز بروية المحاسب
الايديولوجي لقناة الدولة السرية التي لا تسعى الى تربية طبقات اجتماعية
صحية،
وانما الى تشكيل قطعان من البشر الذي يغفلون خطط التدجين التي
شتمها جورج اورويل
بعيد الحرب العالمية الثانية، واحالها النظام الجديد الى اهانة تمس كبرياء
مجموعة
من البشر سعوا الى الذود عن الاخرين، وتنكر لافضالهم الشخصية.
في شريط الايراني
زماني عصمتي 'اوريون' (ضمن خانة 'آفاق جديدة' وترجم خطأ بـ 'جوزاء') تقف
السلطة
امام ازواجية المعيار الاخلاقي، مثاله القاضي الذي يسعى الى معرفة ان تعمدت
البطلة الشابة توريط المنجم الشاب في قضية فضّ بكارتها، ام ان
القضية تتعلق بعلاقة
حب جارفة لم يمنع الوازع الاخلاقي العام وقوعها وتحولها الى مصيبة شخصية
لالهام
ولعائلتها بعد تعميم الفضيحة. الحاسم في القضية ان السلطة تمارس دورها
القائم
على منع التسيب، بيد ان صاحب 'أزقة ضيقة'( 2005) حاول موازاة هذا بتورط
اصدقاء امير
الذي يقدمه الشريط رجلا على قدر من القلق لكنه لا يكشف عن هلع، فيما تكون
الهام
خاضعة لوجعين: الاول حيث تنتظر الطبيب الذي سيرتق غشاء
بكارتها، اي ان يعيد تأهيلها
اجتماعيا كزوجة مستقبلية سارت على صراط الزنى. والثاني، دخول الشرطة الى
مكان
التجمع الشبابي، وهي شركة لانتاج اشرطة التلفزيون والدعاية وتصوير احتفالات
عقود
القران وما شابهها، يحول مطاردتها فوق سطوح المنازل الطهرانية
الى تعميم اخلاقي
عنيف على كم الخطايا التي تشهدها احياء المدينة الكبيرة. وكلما خمن
مشاهد
'اوريون'(اي
'كوكبة الجبار') ان مصير الخاطئة هو رجمها، يبتعد عصمتي بفطنة
عن اعلان الادانة او نوعها. والوحيدة التي تعلن بحزم مرارتها هي الام التي
تنال
من
امير بالشتائم داعية القاضي الى ارغامه على الزواج من الفتاة درءا لعارها
بين
الناس، قبل ان يردها بأن 'المرأة لا تقرر' ويصرفها بغلاظة بينة.
يفلت الجميع من
المساءلة القانونية، ما عدا الهام التي تواجه استحقاق فعلتها مع قدوم الاب.
هنا
نقف على ذكاء سردية عصمتي، ففي بداية الشريط نرى فتاة على قدر كبير من
القلق تفر
بين ممرات بناية فارغة، قبل ان نسمع صوتاً نسائياً ينهال
بالشتيمة على انسان غامض.
وهذه التوليفة سيستعيدها عصمتي بعد سبعين دقيقة لنفهم حقيقة المأساة
العائلية التي
ارتكبها شابان غرّان. ترى اين يكمن تحامله؟ في واقع خطاب الفيلم الذكي، لا
يذهب
عصمتي بسهولة الى شتم النظام بفظاظة تقلل من شأن عمله، بل عكس
صورتها على تجمع
الشباب الذي قدمه ككيانات ذات خفة لا تستهين بالعقاب، لكنها غير وجلة على
الاطلاق
من رموز نظامه، اي انها لا تحمل خوفها محمل الجد، عليه نرى ان تقاطعاتها مع
المحققين تتم وكأنها امتحان مدرسي فيه كم من رعونة الاجابات
التي لا تضع هاجس النجاح والتفوق كأولوية. ولعل شخصية الفتى المرافق للطبيب
والذي كُلف بشراء المزيد
من الفوط الطبية تمثل صورة باهرة للحُمق بإصراره على التواجد مع المجموعة
المعتقلة
ولعبه دور الأبله.
الملفت في عمل عصمتي انه لا يقع في خطل العموميات حيث انه لم
يسع الى تقديم ازلام السلطة سوى كواجهة متعقلة تحاول جمع عناصر التهم من
دون اساءات
او إهانات او قذف. انها ارادات لا تمثل الزجر الكلي، بل تسعى الى تطبيق
القانون،
عليه فان العلاقة القصيرة التي تجري بين الجندي المكلف والهام
حول الدواء تمثل
تواؤما طبقيا، قبل تمثلها لقطبي حاكم ومحكوم. انها صيغة معبرة عن حاجتيهما
الى عبور
الازمة: الهام بشأن ان لا تخترق فضيحتها جدران غرف التحقيق. والجندي
بانجازه مهماته
قبل التسريح. مقابل هذا، يضع الثنائي الهام وامير امام شكوكنا
ان كانا يعرفان
بعضهما بعضاً. فحين يسأل القاضي الشابة ان هي اصرت على اتهامه له، يتدخل
امير
لدفعها الى قول الحقيقة، اي الملاحة نحو بر الامان للجميع باعراف التنجيم
وافلاكه
التي يشير لها عنوان الشريط.
وحينما تعلن الهام تراجعها، ينقل عصمتي نصه الى
المع نجمين من بين 'كوكبة الجبار' التي اتخذها شرطا رمزيا الى
ورطة بطله الشاب،
وهما 'رجل الجبار' الذي يمثله الاب الذي توصل الى قراره النهائي بتصفية
المخطئة في
عراء صحراوي عاصف، والاخرى الام (الجوزاء) التي ستفلح في منع دم الفضيحة من
ان ينال
من زلّة الشابة. ان فرادة المشهد الختامي وقوته الدرامية ارتكزت في مجملها
على
المحيط الذي يُذكر بحسم بفصول 'الريح'( 1928) لفكتور سيوستروم
حيث تنتهي ليتي (ليليان
غيش) وسط العاصفة الرملية هاربة من فضيحة محاولة تجني احدهم عليها في غياب
زوجها ورفاقه. وتظهر الهام وسط هبات الريح العارمة مع صراخات
الام وندب الاب في
تشكيلة تعيدهم الى الطبيعة حيث ان قانون قتل العيب او التخلص منه يكمن
بينهم، هم
الثلاثة، ولا قوة اخرى قادرة على اعادة ترميم ما تهشم. ان سماوات طهران (في
مشاهد
هروب الهام) تُختزل هنا الى سماء موحشة واحدة يقدمها عصمتي وهي
تتنبأ بما سيحدث
للشابة التي فشلت في استغفال زناها.
القدس العربي في
27/10/2010
أداء ساحر للثنائي ديان لين وجون مالكوفيتش
فيلم «سكريتيرييت» دعوة لمواجهة الفشل
عبدالستار ناجي
الذهاب لفيلم من توقيع
ستديوهات (والت ديزني) يعني الذهاب لفيلم يعتمد كم القيم والطروحات
التربوية
والاجتماعية عالية الجودة. فكيف اذا ما تم اختيار هذا الفيلم لافتتاح
مهرجان أبوظبي
السينمائي، فان ذلك يعني الشيء الكثير، فنحن أمام تجربة سينمائية تذهب بنا
بعيدا في
طروحاتها ومضامينها التي تخلق مساحة اكبر من المواجهة مع
الواقع والتصدي للفشل
والعمل على ترويضه وتفجر الطاقات الانسانية الكامنة لبلوغ المراد والهدف،
وهذا ما
يسعى اليه فيلم «سكريتيرييت» الذي يأسرنا منذ المشهد الأول وهو يأخذنا الى
فضاء
حكاية مجدولة بالطرح الاجتماعي الذي يأخذ بعين الاعتبار جملة من الموضوعات
التي تظل
في مجملها تعزف على وتر أساسي هو التحدي للذات قبل أي شيء آخر.
فيلم «سكريتيرييت»
افتتح افلام مهرجان أبوظبي السينمائي- وهو خارج المسابقة الرسمية، وهو
من توقيع المخرج راندل ولاس وتمثيل كل من ديان لاين وجون مالكوفيتش وديلن
والش
وسكوت غلين وديلن بايكر وجيمس كرومويل ومارغو مارتيندايل...
معتمدا على نص روائي
وقصة حقيقية.
للوهلة الاولى يعتقد المشاهد بأنه امام فيلم عن الخيل ولربنا
نسبه كبيرة من الجمهور محقة في اعتقادها ولكن المضامين والنتائج تذهب بنا
لابعد من
ذلك حيث التاكيد على مجموعة من القيم والمبادئ التي قارب فيها
بين الإنسان والخيل،
والتي يعرضها الفيلم مثل الإرادة والعزيمة والنهوض بعد الفشل ونبذ
الانكسار،
والحرية.
ولعل الحرية هنا تظل الموضوع الأهم والأكبر قيمة وتندرج تحتهما كل
القيم الأخرى من إرادة وعزيمة وقوة في مواجهة المصاعب بالتخطيط وعدم
الانكسار،
والفيلم يصور الحرية في مشهد درامي دار بين «بيني الابنة»
وتؤديها الممثلة دايان
لاين، ووالدها بعد وفاة والدتها وتوليها مسؤولية رعاية الخيل، إذ قال لها
دعي الخيل
تعدو بحرية... وفي هذة الجملة الكثير من الدلالات والمعاني الكبيرة.
ونذهب
الفيلم من حيث القراءة الدرامية حيث ينتقل بنا الفيلم إلى قيم أخرى منها أن
الأساس
الجيد والتربية الجيدة لا ينتج عنهما إلا ما هو مرض، فقد كان أساس الفيلم
مستنداً
إلى الخيل وأصله، فالمهر «سكريتيرييت» شبيه بأبيه «بيغ ريد»
لما يحمله من خصال
ونقاوة في النسل المنحدر منه وايضا اللياقه العالية والمقدرة على
النجاح.
صاحبة الخيل «بيني» تلك المرأة القوية التي ظهرت في الفيلم، هي ربة
المنزل التي تعتني بابنتيها وولدها وتمنحهم نصائحها التي غالباً ما تحمل
قيم الحرية
في التعبير عن الرأي، وحصلت من نتاج ذلك على تربية ناضجة قادرة على تخطي
الصعاب
.
أحداث الفيلم تدور بين نهايه الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن
الماضي
في مزرعة خيول يمتلكها زوجان، بينما تعيش ابنتهما المتزوجة في ولاية أخرى،
ولديها
أسرتها المكونة من زوج وبنتين وولد، حيث ياتيها خبر مفاجئ بأن والدتها
توفيت، وهذه
اللحظة تكون منعطفاً مهماً في حياتها، إذ ستتوزع مهام «بيني»
بين الأسرة ومزرعة
الخيول .
وبعد أن ذهبت لمواساة أبيها بوفاة والدتها منحها دبوساً ذهبياً
صغيراً على شكل حصان، ثم أدركت بعدها أن مدرب الخيول بالمزرعة يحاول أن
يبيع بعض
الخيول بنصف قيمتها.
وفي ظل ظروف وفاة والدتها وألم والدها، قامت بطرد
المدرب، وبدأت «بيني» تحمل مسؤولية إدارة الاسطبل، هذا الأمر جعلها تبتعد
عن أسرتها
بعض الشيء لتوجه اهتمامها إلى المزرعة، فجعل هذا الأمر زوجها وبدعم من
شقيقها يقترح
عليها بيع المزرعة لعدم قدرتها على إدارتها وعدم جدواها المادية.
ولكنها لم
تستجب لهذه الضغوط، وأصرت على أن تقوم بالمهام التي أوكلتها لنفسها، وواصلت
بثبات
مسيرتها رغم عدم معرفتها بإدارة الاسطبل، فبدأت تبحث عن مدرب بديل للذي
طردته ومروض
للخيول لتستعين به.
وحينما تجاوزت «بيني» هذه المحنة بعد الاتفاق مع مدرب
نزق أدى الشخصية باقتدار كبير النجم جون مالكوفيتش - ، لم يبق لها سوى
المراهنة على
أحد الخيول لتربيته كونه من نسل أصيل ووضعت ثقتها به، هذا
الحصان الذي شهدت ولادته
أطلق عليه اسم «بيغ ريد» كونه بنياً مائلاً للأحمر وينحدر من سلالة أصيلة،
وبما أن
جده كان أحد أمهر الخيول الأصيلة وحائزاً على المراكز الأولى في السباقات،
تنبأت
«بيني»
للحصان بأن يرث عن جده هذه السمة، فاعتنت بتربيته حتى وصل إلى سن العامين،
ودخلت به أول السباقات، إلا أن السباق لم يقبل إلا الأسماء الغريبة فسمته
«سكريتيرييت»،
وهو اسم الفيلم.
وهنا نكون امام أول صدمة لبيني، إذ خسر
الحصان أول سباق خاضه، وكانت تراهن على فوزه بكل ثقة، فسقوط
الفارس عنه أدى إلى
الخسارة المبكرة، وبدأت قيم الإصرار والعزيمة والثقة تظهر في الفيلم بشكل
أكثر
وضوحاً، فالثقة بأن الحصان يمكن أن يصبح من أهم خيول السباق لنسله الأصيل
جعل بيني
تصر على ادخاله سباقاً آخر وبعد هزيمته بأسبوعين فقط، ففاز بالمركز الأول
وتوالت
مشاركاته وانتصاراته حتى حصد سبعة انتصارات خلال أربعة أشهر
ونال بعدها لقب «جواد
العالم».
المهم في الفيلم أنه لم يسر على وتيرة واحدة، ففي كل لحظة نصر كانت
هناك هزيمة من نوع آخر، فحين لقب الحصان بـ«جواد العالم»، جاء لبيني نبأ
إصابة
والدها بالسكتة القلبية ومن ثم وفاته، وهنا تصاب بانتكاسة بسبب
ضغط زوجها وأخيها
عليها لبيع المزرعة والخيول لترتب ضرائب باهظة عليها، فأبت ذلك وقالت:
«منحني الخيل
إرادة الفوز».
وتبين بعدها أن والدها منحها قانونياً حرية التصرف بالمزرعة
وذلك قبل وفاته بخمس سنوات، ما أسكت من حولها وجعلها تنهض من انكسارها
مجدداً،
فعادت إلى المراهنة على فوز الحصان ودخل أحد أهم السباقات
بمنافسة الخيل، «شام»
الذي كان أحد أهم الخيول أيضاً، إلا أن «سكريتيرييت» أخفق ونال المركز
الثالث، ما
جعل بيني والمدرب والمروض ينصدمون لما جرى، وهذه انتكاسة أخرى، اتضح بعدها
أن
الحصان كان مصاباً بخراج في أحد أسنانه، وهنا كان دور بيني في
تقوية نفسها وتقوية
الحصان ومنحه إرادة الفوز، فيظهر لنا مشهد لبضع ثوان تواجه فيه بيني الحصان
وترمقه
بنظرة تمنحه الإرادة والعزيمة لمواصلة الفوز.
تمضي المسيرة في اجواء من
الترقب حيث يدخل الحصان سباقاً آخر نال فيه المركز الأول، وهنا
ينتهي الفيلم بطرح
النتائج، فيظهر لنا مدرب الخيل وهو يحرق قصاصات الصحف التي كانت تحمل أخبار
خسارة
الخيول التي كان يدربها في السابق، في حين يأتي زوج «بيني» بعد أن شاركها
في أحد
السباقات وشعر بلذة الفوز ليقول لها بشكل مباشر «علمتني كيف
أحب الأولاد» بعدما
كانت مسؤولية الأسرة على عاتقها فقط.
ويحصد الحصان أهم النجاحات والانجازات
حينما يفوز باكبر السباقات في الولايات المتحدة.
وفي المشهد الاخير ومع نزول
الاسماء في الفيلم نشاهد صور الشخصيات الحقيقية للقصة مع
الإشارة إلى ما أصبحوا
عليه لتنقل المشاهد إلى أجواء واقعية، والإشارة إلى أن الحصان ولد 600 مهر
ولايزال
يلقب بأنه أفضل جواد على وجه الأرض.
ونصل الى بيت القصيد
...
ان
الارادة لا تحدها حدود .. وان التحدي لا ينتهي عند محطة بل يظل يتواصل ايضا
بالارادة والتحدى الذي يتخذ الحرية نهجا في التعامل وصناعة القرار ..
وحينما نبلغ
المحطة الاخيرة نتاكد بان الحرية وحدها ساعدت الزوجة على
المحافظة على بيتها
وأسرتها وزوجها وايضا الانجارت التي حققتها مع مزرعتها وحصانها ومدربه
وفارسه وبقيه
فريقها.. كم من العلاقات الانسانيه المتداخلة التي تؤكد ان الارادة هي خير
الرادع
للفشل والفيصل في ترويضه.
في الفيلم اداء جميل لديان لين التي نضجت وهكذا
الامر مع النجم النزق جون مالكوفيتش الذي يظل مبدعا مهووسا
بحرفته ومتجددا في
اختياراته.. وهي دعوة للمشاهدة لجميع افراد الاسرة فنحن امام عمل سينمائي
يصلح
للجميع وبتميز.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
27/10/2010 |