مفاجأة المهرجان الذي اختُتم قبل أيام، كانت فوز لبنان بالبطولة
المطلقة. أفلام تحكي تاريخ هذا البلد وتحولاته عبر زوايا ومكابدات شخصية
وجردات حساب لا تنتهي مع الذات والجماعة. أما الشعر فاحتل الصدارة مع تتويج
شريط الروسي أليكسي فيدورتشنكو «أرواح صامتة»
المخطوفون، والشيوعيون، والابن الوحيد في طرابلس... اختزال سريع
للجوائز العربية في الدورة الرابعة من «مهرجان أبو ظبي السينمائي» التي
جاءت لبنانية بحتة. وقد اجتمعت أيضاً على استفادتها من منح صندوق «سند»
لتمويل الأفلام التابع للمهرجان. «اللؤلؤة السوداء» لأفضل روائي عربي كانت
من نصيب بهيج حجيج عن فيلمه «شتي يا دني» (راجع المقال أدناه)، وأفضل
وثائقي لماهر أبي سمرا عن فيلمه «شيوعيين كنا» مناصفةً مع فيلم الهولندي
جورج سلاوزر «وطن». أما «اللؤلؤة السوداء» لأفضل مخرج جديد في العالم
العربي ضمن مسابقة «آفاق جديدة»، فذهبت إلى اللبنانية رانيا عطية والأميركي
دانييل غارسيا عن فيلم «طيب، خلص، يلا».
الجوائز معقدة ومتشعّبة وسخية، وعرضة أيضاً للتعديلات الطارئة.
الأفلام العربية ضمن المسابقة الرسمية (مقسومة إلى مسابقة عامة وعربية)
شاركت إلى جانب الأفلام الأجنبية الأخرى، على رغم أنّ لها جائزتها الخاصة
المعادلة لقيمة الجائزة العامة (100 ألف دولار). وقد تنافس على المسابقة
العامة هذا العام إضافة إلى «شتي يا دني»، كل من «رسائل البحر» لداوود عبد
السيد و«روداج» لنضال الدبس فقط لا غير. بينما كانت «اللؤلؤة السوداء»
لأفضل فيلم روائي في المسابقة الرسمية ككلّ من نصيب الروسي أليكسي
فيدورتشنكو عن فيلمه الاستثنائي «أرواح صامتة».
لكن حتى الجوائز العربية لم تكن عربية أيضاً. مع أبي سمرا، جاء سلاوزر
وقد عدلت صيغة الجائزة في الوثائقي فقط وأصبحت جائزة لأفضل وثائقي عربي أو
فيلم يتناول قضية عربية، علماً بأنّ سلاوزر وفيلمه يستحقان الكثير، هو
المصرّ على مواصلة توثيقه لحياة الشتات الفلسطيني. ومن اللافت أيضاً أن
الفيلم العربي الوحيد الذي كان منافساً لأبي سمرا في مسابقة الوثائقي، هو
شريط محمد سويد «بحبك يا وحش»، الذي يستكمل فيه توثيقه لبيروت وصيدا
بطريقته المميزة. بينما كانت «اللؤلؤة السوداء» لأفضل وثائقي في مجمل
المسابقة مناصفةً بين «حنين إلى الضوء» للتشيلي باتريسيو غوزمن، و«ساري
زهري» للإنكليزية كيم لونغينوتو.
كذلك فإن جائزة أفضل مخرج جديد في العالم العربي كانت أيضاً لغير
عربي، أي من نصيب الأميركي دانييل غارسيا الذي شارك اللبنانية رانيا عطية
فيلمها الطرابلسي الجميل.
«تشي: رجل جديد» غنيّ بمادة أرشيفية جمعها تريستان باور على مدى 12 سنة
بين طرابلس وبيروت، سنمضي. بهيج حجيج سيدع المخطوف العائد بعد عشرين
عاماً، هائماً على وجهه في شوارع بيروت يجمع الأكياس الملونة في «شتي يا
دني»، بينما سنقع على شاب ملتصق بأمه في «طيب، خلص، يلا» هائماً في شوارع
طرابلس بعد ذهاب أمه فجأة إلى بيروت. هو وحيد ينتقل من مكان إلى آخر،
ويزداد وحدة في غيابها. حياته لا شيء فيها إلا أمه ومحل الحلويات الذي
يديره ومجسمات السيارات التي يجمعها. إلا أنّ غياب أمه سيضرب له موعداً مع
العوالم السفلية لطرابلس والجوانب الخفية منها. وهنا انعطافة الفيلم
الدرامية. الشريط المصوّر بكاميرا «ايتش دي كام» محمولة تهتزّ في أحيان
كثيرة، لا يفارق التوثيق لطرابلس المدينة. يبدأ الفيلم من توصيف المدينة
وشباب يحرقون الإطارات احتجاجاً على انقطاع الكهرباء.
في التنقّل بين أفلام هذا العام، ستحضر قضايا كثيرة، على رأسها
منطقتنا العربية، لكن بعيون غير عربية، مثلما هي الحال مع «ميرال» جوليان
شنابل، و»حرائق» الكندي دني فيلنوف (جائزة أفضل ممثلة للبنى أزابال عن
دورها فيه) وصولاً إلى «كارلوس» لأوليفييه أساياس الذي نال تنويها خاصاً من
لجنة التحكيم، لأنّه يقدّم «حقبة زمنية ومنطقة جغرافية وشخصية مثيرة
للجدل»... كما لو أن الأفلام الأخرى لم تفعل ذلك! وفي هذا السياق، فإن
«شيوعيين كنا» سيمثّل الحركة بين الماضي والحاضر، ثم سرعان ما ينغمس في
الراهن. وبناءً عليه، يتحرّك الشريط من خلال الرفاق في نطاق الشيوعي
المعتصر بين المسيحي والإسلامي في الماضي، ثم يمسي معتصراً بين الشيعي
والسنّي.
لكن مع «تشي: رجل جديد» الفيلم الاستثنائي الذي حملته مسابقة
الوثائقي، سنكون أمام غيفارا الراهن، وضحكته مهيمنة على مادة أرشيفية
ووثائقية مترامية جمعها الأرجنتيني تريستان باور برفقة مخرجين آخرين على
مدى 12 سنة... بما فيها وثائق تظهر للمرة الأولى من خلال التسهيلات التي
قدمها الرئيس البوليفي ايفو موراليس، مثلما هي الحال مع التسجيلات الصوتية
للقصائد التي تركها غيفارا لزوجته، وكتابه غير المكتمل عن تجربة الاتحاد
السوفياتي الذي ألّفه بعد عودته من الكونغو.
«أرواح صامتة» الفائز بالجائزة الكبرى كان خارج تلك السياقات. إنّه
بحق الفيلم القصيدة الذي يمنح للشعائر مجازاتها البصرية، ويحتفي بالجسد
بوصفه خزان لذة وشعائر، من خلال طقوس ايروتيكية وثنية على وجه الدقة.
الفيلم غنائية كبرى عن الحب بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، الجنسية
والنفسية والروحية، يسير على إيقاع خاص تمتزج فيه مشاعر زوج تانيا والراوي:
الأول يغرق في الماء بحثاً عن تانيا التي نثر رمادها في النهر، بينما سيبحث
الراوي عن الآلة الكاتبة لوالده الشاعر الذي مات أيضاً من شدة حبه لزوجته
التي حرق جثتها.
عودة إلى مخطوفي الحرب الأهلية
يتخذ بهيج حجيج من المخطوفين إبان الحرب الأهلية اللبنانية معبراً
كاملاً إلى جديده «شتي يا دني» الفائز بـ«اللؤلؤة السوداء» عن أفضل شريط
روائي عربي طويل. يجد في المطر أفضل ما يمكن أن يختم به الفيلم، فيكون
عنوانه وخاتمته.
بين البداية والخاتمة، ينسج الفيلم علاقات لا تكتمل، ولا نعرف إن كان
ذلك سيكون مصير المخطوف، أو أنّ هذا مجرد مبرر (غير سينمائي) كي تبقى
العلاقات معلّقة غير موظفة بالكامل في نسيج درامي يجمعها جميعاً بقبضة
محكمة.
سيحكي الشريط مصائر ثلاثة مخطوفين: الأول رامز (حسان مراد) الشخصية
الرئيسية، الذي نقع عليه وقد حان موعد إطلاق سراحه. نشاهده في غرفة معتمة
ومحتشدة بالبشر، ونمضي معه وهو يعود إلى حياته التي سيعجز عن الانخراط
فيها. لن يستطيع التواصل مع زوجته ماري (جوليا قصار)، لا حياتياً ولا
عاطفياً ولا جنسياً. وسيكون بعيداً عن ولديه اللذين سيجدان فيه كائناً
غريباً، وقد اختطف بينما كانت ابنته لا تزال في الثالثة، وأصبحت اليوم
عازفة تشيلو (ديامان بو عبود). أما الابن (إيلي متري) الذي كان يبلغ
الخامسة حين اختُطف والده، فقد أصبح اليوم موظفاً في وكالة إعلانات.
«شتي يا دني»: أدوات تلفزيونية أحياناً
تلك العلاقات ستكون الناظم الرئيس للفيلم، وسيخيّم عليها الاضطراب
والتشويش جرّاء غياب الأب الممتد أكثر من عشرين عاماً. لكنّ الأب العائد،
سيُشغل عن هذه العلاقات بتجميع الأكياس الملونة، ثم يصادف امرأة وحيدة
(كارمن لبس) أمضت حياتها تنتظر زوجها المخطوف. هكذا، سنمسي مع مصير مخطوف
آخر، يبقى غائباً عن الفيلم ومستعاداً عبر «الفلاش باك» المقبل من تلك
المرأة.
العلاقة بين تلك المرأة ورامز ستبقى عصيّة على التصنيف. لن يكون رامز
بديلاً من الزوج المخطوف، ولا هو في الوقت نفسه غير ذلك، مثلما هي الحال مع
ماري زوجة رامز التي تكون على علاقة مع رجل نشاهده لمرة واحدة. أما المرأة
الأخرى التي يبدأ بها الفيلم وهي تناشد خاطفي طفلها على صفحات جريدة
«السفير»، فتظلّ حاضرة كلازمة متكررة تتبع بالعزف على التشيلو، وتنتهي
بإخبارنا بأن هذه السيدة انتحرت. ونكون هنا أمام المصير الثالث الخارج عن
سياقات الحكاية التي ينسجها، وتندرج في النهاية ضمن عينة واقعية ومأساوية
لمصائر المخطوفين أو المختفين.
الحرص على تقديم تنويعات من حالات المخطوفين ومصائرهم سيتغلّب في
النهاية على كل ما عداه. وقد جاءت بنية الفيلم وفية أولاً للمخطوف بالمعنى
التنويعي للكلمة، من دون إعطاء الشخصيات والحكايا المقترحة مجالها
السينمائي الذي كانت تتداخل أدوات تلفزيونية في السرد. هكذا، اجتمعت ثلاثة
مصائر في الزمن الافتراضي للفيلم، فيما رامز ينتهي مصارحاً المرأة بمصير
زوجها الذي كان يعرفه منذ البداية وهو على سرير المرض.
زياد...
عين الحلوة: مملكة النساء
إنها مملكة بحق. مملكة أقامتها النساء في غياب الرجال. بيوتها شُيدت
حجراً فوق حجر بالأيدي الناعمة في أزمنة حالكة وقاسية. نساء حرقن الخيمة
واستبدلن بها بيوتاً، رغماً عن الاحتلال الإسرائيلي. الإرادة تبدو نبضاً
أساسيّاً لفيلم الفلسطينية دانا أبو رحمة «مملكة النساء: عين الحلوة».لا
تحضر المادة الوثائقية بقوة في الفيلم، بقدر ما تحضر مرويات نساء مخيم عين
الحلوة. يستعدن كيف أعدن إعمار بيوتهن التي هدمها الجيش الإسرائيلي في
اجتياح 1982، بعدما اعتقل رجال المخيم الذين تراوح أعمارهم بين الرابعة
عشرة والستين.
عنوان الفيلم هو المعبر الأكثر دقة إليه. بمعنى أنّ النساء عنصر حاسم
في التأسيس لهذا المخيم/ المملكة. يأتي هذا التوصيف أيضاً على لسان إحدى
السيدات اللواتي يتكلمن في الفيلم عن معاناتهن أثناء الاجتياح الإسرائيلي.
ولعل كلمة معاناة غير دقيقة، لأن النساء اللواتي نشاهدهن، يمثلن مفهوم
الصمود أكثر من المعاناة. لا بل إنّها ــــ أي المعاناة ــــ لن تروى إلا
بمسحة كبيرة من التفاؤل، والنساء يتكلمن عن منجزاتهن أثناء الاجتياح في ظل
الاختفاء التام للرجال، وبقدر كبير من المرح واجتراح النكات. تستعين أبو
رحمة برسوم توضيحية لما ترويه السيدات، لا بل إن الرسوم الغرافيتية في
الفيلم بمثابة تجسيد بصري لما نسمعه من بطلات المخيّم. في النهاية، يستسلم
الجنود لإرادة النساء في بناء بيوتهن بدل الخيم. هكذا، نجد من تخبرنا عن
آلام الظهر التي عانت منها، بينما تروي سيدة أخرى كم كان بطيئاً الرجل
السبعيني الوحيد الذي ساعدهن. ولعل هذه التفاصيل وقدرة النساء على سردها
بدفء ومرح ستكون من أهم العناصر التي منحت الفيلم خصوصية متأتية من خصوصية
النساء اللواتي ظهرن فيه.
في المستوى الثاني من الفيلم، التركيز هو على حاضر المخيم ومصائر تلك
النسوة وحفاظهن على الهوية الفلسطينية من خلال التطريز وأعمال أخرى، مروراً
بالأولاد، وحلم بعضهم بزيارة فلسطين من خلال فرقة الرقص التي يشاركون فيها،
وصولاً إلى المخيم نفسه ببيوته المتلاصقة وأزقته الضيقة والملتوية. كل ما
تتمناه النساء ألّا يعيش الأبناء ما عشنه وأن تكون أيامهم أفضل.
ز. ع.
الأخبار اللبنانية في
25/10/2010
3
أفلام لبنانية تفوز
بالجوائز الأولى في مهرجان أبو ظبي
النتائج بين أعين
النقّاد وأعين المُشاهدين
نديم جرجورة/ أبو ظبي
:
لم يكن
الأمر مفاجئاً. الجوائز الممنوحة من مهرجانات سينمائية عربية ودولية إلى
أفلام
ومخرجين لا تصنع إجماعاً بين المشاهدين والنقّاد وأعضاء لجان التحكيم. لكل
فريق
حساسية ومزاج مختلفان. أعضاء لجان التحكيم أنفسهم مختلفون عن
بعضهم بعضاً، تماماً
كالمُشاهدين والنقّاد، في حين أن النتائج النهائية التي يتّفق عليها أعضاء
لجان
التحكيم تصدر عن إجماع الأكثرية، أو عن توافق ما. هذا ما حصل أيضاً مساء
الجمعة
الفائت: إعلان النتائج النهائية للمسابقات الرسمية الثلاث
الخاصّة بالدورة الرابعة
لـ«مهرجان أبو ظبي السينمائي»، في فئات الأفلام الروائية الطويلة والأفلام
الوثائقية و«آفاق جديدة». لكل فئة لجنة تحكيم. ولكل لجنة تحكيم توجّهات
ورؤى وأفكار
وأنماط سينمائية عدّة. المُشاهدون والنقّاد في طرف آخر. الأولون يُطالبون،
غالباً،
الأسهل والأقرب إلى سكينة داخلية ما. هذا تعميم لا يجوز وأمزجة
مشاهدين قد يتوقون
إلى الصدام والمثير للسجال والانفعال. النقّاد يريدون الأجمل والأفعل
والأقوى،
فنياً ودرامياً وجمالياً. يريدون الأقدر على إضافة شيء جديد، أو على مشاكسة
المألوف. هذا تعميم أيضاً. نقّاد عديدون يسعون إلى الأسهل
والأمتن سينمائياً. بعضهم
يقول إنه يُفترض بجوائز المهرجانات أن تتطابق وأمزجة المُشاهدين. هذا نقاشٌ
آخر.
سجال
إنه سجال نقدي لا ينتهي. النتائج النهائية لمسابقات الدورة الرابعة
لـ«مهرجان أبو ظبي السينمائي» أفضت، بدورها، إليه. بعض الزملاء توقّع فوز
الفيلم
اللبناني «شتّي يا دني» لبهيج حجيج بالجائزة الأولى (مئة ألف دولار أميركي)
في فئة
«أفضل
فيلم روائي طويل عربي»، إثر مشاهدته الفيلمين العربيين الآخرين «روداج»
للسوري نضال الدبس والمصري «رسائل البحر»
لداود عبد السيّد (المسابقة الرسمية
للأفلام الروائية الطويلة)، لأنهما أقلّ أهمية، درامياً وجمالياً وفكرياً
وبصرياً.
لكن التوقّع شيء، والنقاش النقدي حول
الفيلم الفائز شيء آخر: لم يجد عددٌ من هؤلاء
الزملاء الفيلم ناجحاً في مستويات شتّى، أبرزها آلية المعالجة
الدرامية للشخصيات
والمادة المختارة (عودة مخطوف إلى ذويه، ورحلة الآلام الجديدة لهم جميعهم).
زملاء
عديدون انفضّوا، نقدياً، عن «شيوعيين كنّا» للّبناني ماهر أبي سمرا (أفضل
فيلم
وثائقي عربي أو عن العالم العربي، مناصفة مع الفيلم الهولندي
«وطن» لجورج سلاوزر،
وقيمتها المالية تساوي مئة ألف دولار أميركي). وجدوه عادياً، أو أقلّ من
عادي.
هؤلاء لم يتغاضوا، مثلاً، عن أن الفيلمين
اللبنانيين الفائزين بالجائزة الأولى كلٌّ
في فئته استفادا من منحة «سند»، التي قدّمها المهرجان نفسه إلى
مشاريع سينمائية
مختلفة. تماماً كما حصل مع الفيلم اللبناني الروائي الطويل الأول «طيّب،
خلص،
يلّلا» للثنائي رانيا عطية ودانييل غارسيا، الحائز على جائزة أفضل فيلم
روائي لمخرج
جديد من العالم العربي (مئة ألف دولار أميركي)، في مسابقة «آفاق جديدة».
وهم، أي
الزملاء، لم يتجاوزوا الأهمية الدرامية والجمالية للفيلم
الأخير هذا، وإن لاحظوا
العلاقة القائمة بين الجوائز والمنحة. ذهب بعضهم القليل جداً إلى حدّ
السخرية
الجميلة، بقوله إن الأفلام الثلاثة هذه «لبنانية» الإنتاج أيضاً: «كأن
إدارة
المهرجان أرادت التعبير عن اهتمامها بالشقيق الصغير سينمائياً،
طالما أن الشقيق
الصغير هذا لا يكفّ عن الهبوط إلى أسفل درْك ممكن من البؤس والخيبات
والانكسارات،
في السياسة والحياة العامّة». وإذا أضيف فوز ممثلة بلجيكية من والدين ذوي
جذور
إسبانية ومغربية، تُدعى لبنى آزبال، بجائزة أفضل ممثلة (خمسة
وعشرون ألف دولار
أميركي) عن دورها في الفيلم الكندي «حرائق» لدوني فيلّنوف، فإن «السخرية
الجميلة»
هذه تتّسع أكثر، لأن الفيلم المذكور تناول
الحرب الأهلية اللبنانية من دون أن
يذكرها.
غير أن جائزة أفضل ممثلة هذه أثارت اشمئزازاً كبيراً لدى عدد من
المهتمّين بالجانب السينمائي البحت. فالصبيّة التي ظهرت سابقاً في لقطات
عدّة في «الجنّة الآن» (2005) للفلسطيني هاني أبو
أسعد، والتي مثّلت أدواراً صغيرة وأساسية
بإدارة عدد من السينمائيين أمثال أندره تشيني وريدلي سكوت
ونادر مكناش ونبيل عيّوش
وغيرهم، بدت في «حرائق» أعجز من أن تمتلك حضوراً درامياً عادياً، في فيلم
عانى
ارتباكاً فظيعاً في نصّه البصري ومعالجته الدرامية وبنائه الفني الخاص
بشخصيات
وحالات. أهو الهمّ اللبناني لمهرجان عربي، أم عشوائية
الاختيار، أم هواجس خاصّة
بأعضاء لجان التحكيم، أم غياب الأقوى والأفضل، بالنسبة إلى أعضاء لجان
التحكيم
أنفسهم؟ لا فرق، أو بالأحرى لا أهمية. فالجوائز مُنحت. والفائزون فرحوا بها،
خصوصاً
أنها تتضمّن بدلاً مالياً يبدو واضحاً أن غالبيتهم الساحقة، إن لم يكونوا
جميعهم،
محتاجون إليه.
تنويعات
استعاد الوثائقي «شيوعيين كنّا» مرحلة يسارية
لبنانية قديمة، من خلال لقاء ثلاثة أصدقاء للمخرج نفسه في
محاولة البحث عن المآل
التي بلغها كل واحد منهم، فظلّ عادياً في معاينته السينمائية تلك الحالات
والانفعالات. بينما شكّل «وطن» مرآة لمآل من نوع آخر، بلغه أناس ظهروا في
الأفلام
السابقة للمخرج، الذي عاد إليهم اليوم بحثاً في المسارات التي
عاشوها، والتحوّلات
التي اختبروها، والمنعطفات الني شهدوها، في خط متوازن والبحث في مصير
فلسطين
والمخيمات والناس أيضاً.
إلى ذلك، فاز الفيلم الروسي «أرواح صامتة» لأليكسي
فيدورتشنكو بجائزة «اللؤلؤة السوداء» كأفضل فيلم روائي طويل (مئة ألف دولار
أميركي)، وأندرو غارفيلد جائزة أفضل ممثل (خمسة وعشرون ألف
دولار أميركي) عن دوره
في «لا تتخلّ عنّي أبداً» للأميركي مارك رومانك: بلغة سينمائية أقرب إلى
الكتابة
البصرية الشعرية، تناول الفيلم الروسي حكاية رجل أراد دفن زوجته الحبيبة
بحسب
تقاليد المنطقة، فسافر برفقة صديقه وجثمان الراحلة، في رحلة
داخل الروح والذات
والعلاقات. أما «لا تتخلّ عنّي أبداً»، فسرد سينمائي حاد وعنيف وجميل، عن
ثلاثة
أصدقاء عاشوا طفولتهم ومراهقتهم معاً في مدرسة صارمة التعاليم والتربية،
اعتادت
إدارتها «جلب» أبناء متعاطي مخدّرات ومومسات وسفلة ومجرمين،
تمهيداً لأخذ أعضائهم
منهم عند بلوغهم سنّ المراهقة، ومنحها إلى أناس محتاجين إليها. قصّة لا
تقلّ حدّة
وعنفاً داخلياً عن «أرواح صامتة»، وإن اختلفت المعالجة الدرامية بينهما.
أفلام
أخرى فازت بجوائز أساسية لم تتسنّ لي مشاهدتها (في مقابل مشاهدتي أفلاماً
متفرّقة
لم تنل جوائز، على الرغم من جمالياتها البديعة)، باستثناء الوثائقي المصري
«جلد حي»
لفوزي صالح، الفائز بجائزة أفضل فيلم وثائقي لمخرج جديد من العالم العربي
في مسابقة «آفاق جديدة» (مئة ألف دولار أميركي). كان
يُمكن للفيلم المذكور أن يكون أعمق وأجمل
في تناوله يوميات أناس فقراء مقيمين في منطقة «مجرى العيون»
وعاملين في الدباغة،
ومعرّضين لأنواع شتّى من الأمراض والانكسارات والخيبات. لكن «جلد حي» ظلّ
على مسافة
من موضوعه، الذي تناوله عبر يوميات متتالية، من دون أن يبتعد عن نقل وقائع
مخيفة عن
العيش في الحدّ الفاصل بين حياة وموت.
السفير اللبنانية في
25/10/2010 |