هى نجمة السينما المذبوحة ليلة زفافها، وبنت الحارة الفقيرة التى لا
تجد قوت يومها، ورغم ذلك ما زالت تعيش قصة حب كتبت فى مذكرات سيئة السمعة..
بين تلك الشخصيات الثلاث تنقلت الفنانة رانيا يوسف برشاقة وانسيابية أدهشت
الجميع.
وفى هذا الحوار تعلن رانيا يوسف عن رفع «راية التصحيح» بعد 15 عاما من
تحمل القهر حتى اعترف بها أهل الفن كممثلة.. وتقول بكل ثقة «الآن أضع رجل
على رجل» وأفرض شروطى، خاصة بعد تألقها للعام الثانى على التوالى.
تقول رانيا يوسف: بعد نجاحى العام الماضى فى مسلسل «حرب الجواسيس»
رفضت أكثر من 20 سيناريو لأنها كانت تقليدية، ورغم أننى اكتفيت بعد ذلك
بمسلسل «مذكرات سيئة السمعة» ليمثلنى فى رمضان، إلا أن القدر كان له كلمته
فجاء الفرج بترشيحى لمسلسل «أهل كايرو»، وحصلت على دور عمرى.
●هل ثمة مقارنة بين دورك فى «حرب الجواسيس» ودورك
فى «أهل كايرو»؟
ــ رغم إبهارى للجميع فى «حرب الجواسيس» إلا أن المقارنة بالطبع ستكون
لصالح «أهل كايرو»، لأن الشخصية التى أقدمها مركبة ومشاعرها متناقضة، وتضم
مساحة تمثيل كبيرة جدا، فتجدها تتحدث بما لا تؤمن به، وتبدو سعيدة وهى
بداخلها أكثر الناس حزنا.
فصافى سليم شخصية إنسانية جدا، لذلك يمكن أن تتعاطف معها فى بعض
الأحيان لأنها كانت مجبرة على الطريق الذى سلكته، ويمكن أن تكرهها أيضا
بسبب الطريقة التى اختارتها فى تحقيق شهرتها.
لكن بشكل عام هى كانت الشخصية الوحيدة فى المسلسل التى كانت مكشوفة
للمجتمع، وكل من حولها كان يتعامل من وراء قناع، وهذه خدعة المسلسل فهو
يبدو مسلسلا بوليسيا لكن الحقيقة أنه عمل اجتماعى سياسى بحت، وصافى سليم
مجرد بداية الخيط الذى يشرح طبقات المجتمع، وكشف عوراته.
● إلى أى مدى شخصية «صافى سليم» منتشرة فى الوسط
الفنى؟
ــ بالتأكيد موجودة بكثرة، لكن ليست هى فقط، لأن شخصيات المسلسل كلها
أيضا حقيقية كل فى مهنته فأحمد حلاوة رئيس التحرير فى الصحافة موجود،
وداليا صحفية الحوادث موجودة، وحسن محفوظ كمثال لنوعية من رجال الشرطة
موجود، وهكذا.. فكل نماذج المسلسل موجودة ومنتشرة فى المجتمع وليس فقط
شخصية صافى سليم.
● لم تخش من غضب نقابة الممثلين خاصة أن الدور
يحمل تشويها لصورة الفنانين؟
ــ أدعى أننا قدمنا حسنات كثيرة للشخصية، ولم نكتف فقط بعرض مساوئها
حتى نتعرض للهجوم، فظهرت فى المسلسل الابنة البارة بأهلها، حتى أن علاقاتها
بالرجال كانت بزواج عرفى، ورفضت أن تعيش معهم فى الحرام.
فهى ليست سيئة إلى هذا الحد، كما أننى مقتنعة أنه لا أحد على وجه
الأرض يعيش بدون أخطاء، لأننا بشر، وأعتقد أن كل إنسان قابلته فى حياته
ظروف أجبرته أن يتخلى عن مبادئه من أجل الحصول على فرصة.
وصافى سليم كانت مجبرة على كل ما فعلته، فهى ضحية مجتمع بأكمله فعانت
الفقر وتم استغلالها من ذوى النفوذ والسلطة وآخرين.
● بصراحة.. إلى أى مدى تشبهين صافى سليم؟
ــ صافى سليم شخصية ضعيفة وهشة فى داخلها، ظلت طوال حياتها تتمنى أن
تطوى حياتها القديمة، وتبدأ صفحة جديدة مع الحياة، وهذا سبب ظهورها مقاتلة
طوال الوقت تحارب كل من يفكر فى هدم أحلامها.
وأدعى أننى أشبهها فى هذه الصفة، فالحمد لله أننى أملك إرادة قوية،
لأنى فى محاولاتى لإثبات نفسى كممثلة املك موهبة واجهت صعوبات وإحباطاً غير
طبيعى، فكنت أتعرض للقهر المادى والفنى والنفسى، لأنهم كانوا يروننى دائما
على أنى ممثلة محدودة، وكانوا يعطوننى أدوارا صغيرة لا يشعر بها أحد.
ظل هذا حالى منذ أن دخلت مجال التمثيل قبل 15 سنة وحتى جاءتنى فرصة
«حرب الجواسيس»، التى غيرت نظرة الجميع لى، وبدأوا يعترفون بى كممثلة.
● هل فعلت مثل صافى وضحيت بأشياء مهمة فى حياتك من
أجل المال والشهرة؟
ــ إذا فكرت أن أكون مثلها كنت ضحيت بالزواج والإنجاب لأكون نجمة،
لأنى تعطلت كثيرا، وأدعى أن المرأة التى تفكر فى الزواج والإنجاب وتكوين
أسرة، من رابع المستحيلات أن تضحى من أجل الفن.
● هل لأنه لا يستحق؟
ــ شغلى يستحق، ولكنه ليس فى مقدمة أولوياتى، ولا يمكن أن أضحى بحياتى
الخاصة من أجله، لأنه فى مرتبة متأخرة عن أسرتى وبيتى.
● قلت بعد نجاحك فى «حرب الجواسيس» إنك ستضعين
«رجل على رجل» وتطلبين الأجر الذى يرضيك؟
ــ وهذا حدث بالفعل، فى كل الأعمال التى شاركت فيها هذا العام، فأنا
حصلت على الأجر الذى طلبته، ورفعت أجرى بنسبة ترضينى، وتوازى موهبتى، وحرصت
عند فعل ذلك ألا أبالغ فى طلباتى، لأن الفلوس فى النهاية ليست هدفى من
التمثيل، وإنما هى وسيلة للاستمرار.
● هل ترين أنك السبب فى نجاح مسلسل «أهل كايرو»؟
ــ بعد خالد الصاوى أنا أهم ممثلة فى العمل، فكل أحداث المسلسل تدور
حول «صافى سليم» بما فى ذلك المشاهد التى لا أشارك فيها، ولا يضرنى أن
استثنى خالد الصاوى لأنه ممثل عملاق وعبقرى ولديه حضور طاغ، كما أن خبرته
فى التمثيل تسبقنى بكثير.
● ولكن مساحة دور السورية كنده علوش أكبر منك؟
ــ مساحة دورها أكبر لكن حجم تأثيرها أقل، فالبطولة والأهمية لا تقاس
بالشبر والكيلو، وإنما بأى مدى تؤثر هذه الشخصية فى الأحداث، وليس معنى ذلك
أن دورى صغير، فأنا موجودة فى 28 حلقة من أصل 30، يضاف إلى ذلك أن جميع
مشاهدى «ماستر سين» وليست مشاهد تقليدية.
● هل يضايقك ما قيل بأن المسلسل نجح بعناصر معظمها
لم يكن معترف بها؟
ــ لا يضايقنى لأن هذا سر نجاح المسلسل الذى اعتمد فى كل شخصياته على
الموهبة ولم يجر وراء النجوم، والفضل فى ذلك يعود إلى المخرج محمد على لأنه
سلط الضوء على مواهب حقيقية كانت مدفونة ولفت لها أنظار الناس، والحقيقة
أننا طوال الوقت نشاهد نجوما كبار وأسماء فظيعة لكن لا نرى أعمالا كبيرة
بقدر نجوميتهم، عكس «أهل كايرو» الذى أراه عملا كبيرا ورفع معه كل عناصره
من أصغر ممثل لأكبر ممثل.
وأدعى أن «أهل كايرو» عمل متكامل بغض النظر عن أسماء الممثلين الذين
يشاركون فيه،ويكفينا اسم بلال فضل الذى كتب سيناريو أقل ما يوصف به أنه
«مجرم» حواره جرىء وساخن لم نعتد عليه فى الدراما المصرية.
● تصوير رجل الأعمال نديم كمال لصافى سليم النجمة
المشهورة أثناء لقاء حميم جمعهما هو اسقاط على ما حدث بين حسام أبوالفتوح
ودينا، ألم تخشين غضب الأخيرة؟
ــ ليس لى دخل بما كتب، فأنا جسدت الدور كما هو وليس من حقى تغيير شىء
فى السيناريو، ثم لماذا تغضب من المسلسل، فالأولى أن تغضب من الذى صورها ثم
طرح هذا الفيديو فى أسطوانات وعلى الإنترنت.
ويجب توضيح شىء ليس فقط علاقة صافى سليم ونديم كمال هى القصة الوحيدة
من أرض الواقع ولكن كل أحداث المسلسل، ويكفى أننا افتتحنا المسلسل بمشهد
التحرش الجنسى الجماعى الذى حدث فى أول يوم العيد، وكذلك باقى أحداث
المسلسل الذى أدعى أنه مكتوب من صفحات الجرائد.
● الكثير رأى أن مقتل «صافى سليم» فى الحلقة
الحادية عشرة أصاب المشاهد بالملل لما فى ذلك من تطويل وكان الأفضل أن تقتل
فى الحلقة الأولى ثم تتوالى الأحداث من خلال التحقيقات؟
ــ أعتقد أن هذا الرأى ناتج عن طبيعتنا البشرية، فالجميع بعد مشاهدة
الإعلان الترويجى للمسلسل وعلم أن العروس تقتل يوم زفافها، تشوقوا لمعرفة
القاتل فى الحلقة الأولى. لكن الحقيقة لم يكن هناك تطويل على الإطلاق، فكان
طبيعيا أن نستعرض صافى سليم قبل مقتلها، وأن تظهر كل أسباب حربها ومن هم
أعداؤها فى حفل زفافها، حتى ينشغل المتفرج ويفكر فى سبب قتلها، ومن هو
القاتل؟.
● رغم عملك فى مسلسل أنت محور أحداثه ذهبت لتقدمى
دورا صغيرا فى «الحارة»، لماذا؟
ــ وافقت على شخصية «سناء» فى مسلسل «الحارة» لأنها واقعية جدا، فهى
امرأة تعيش فى العشوائيات، ولا تجد ثمن طعامها وأسرتها، وزوجها عاجز، ورغم
أنها كان لديها إرث عن والدها إلا أن أخاها سرقها، ولم تجد أمامها إلا أن
تعمل شغالة فى البيوت، ولأن أصحاب هذه البيوت طمعوا فيها وحاولوا
استغلالها، قررت ارتداء نقاب وخرجت تتسول فى الشوارع لتستطيع الإنفاق على
أسرتها، فهى امرأة مصرية تفعل كل شىء لتنفق على أسرتها، وكان أمامها خياران
للحياة إما أن تخرج إلى الشارع وتشحذ أو تبيع نفسها.
● بشكل عام كيف رأيت المنافسة فى رمضان؟
ــ بكل تواضع إحنا «كسرنا الدنيا والحمد لله»، هذا ما أستطيع قوله
فيما يخص المنافسة وليس أكثر من ذلك.. فالعمل حقق حالة فريدة نادرا ما
تتكرر، فـ«أهل كايرو» اتفق عليه النقاد والفنانون والجمهور.
الشروق المصرية في
16/09/2010
يا مؤرخى مصر: اتحدوا
بقلم: أحمد يوسف أحمد
لا يمكننى بطبيعة الحال أن أرتدى ثوب المؤرخ أو الناقد الفنى، ولكن
طوفان المسلسلات التليفزيونية الذى أغرقنا فى شهر رمضان المنصرم دفعنى
للتعليق على محتوى عدد من هذه المسلسلات من منظور محدد، فقد تعرض عدد لا
بأس به من الأعمال الدرامية التليفزيونية التى قدمت لنا فى ذلك الشهر
لمراحل مختلفة من تاريخ مصر ومحيطها الخارجى، بدءا بالعصر البطلمى
(كليوباترا)، ومرورا بالعصر المملوكى فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر
(شيخ العرب همام)، ثم العقود الأخيرة فى حياة دولة الخلافة العثمانية فى
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (سقوط الخلافة)، وأخيرا تاريخ
مصر المعاصر بدءا من أواخر عشرينيات القرن الماضى وحتى الآن (الجماعة)، أو
فى الربع الثانى من القرن العشرين (الملكة نازلى).
ولأن هذه الأعمال ليست تسجيلية، ولأن التفاصيل بشأن المراحل التى
تناولتها قد تكون غير كافية، ولأن مقتضيات العمل الدرامى تتطلب عادة إضافة
شخصيات وهمية يكون لها دور محدد فى توصيل رسالة هذا العمل، فقد ترك هذا
للعديد من كتاب هذه المسلسلات مساحة للحرية أفضت أحيانا إلى إبداع حقيقى
(سقوط الخلافة)، واتهمت أحيانا أخرى بتشويه المراحل والشخصيات التاريخية
التى تناولتها (شخصية اللص المصرى الذى أحبته الملكة كليوباترا فى مرحلة من
حياتها).
تبدو أسباب هذه الاتهامات عديدة، منها أن هذه الأعمال الدرامية تتعرض
لشخصيات لا تزال لبعضها على الأقل امتدادات أسرية حتى الآن تعترض رموزها
على الطريقة التى تم تناول تلك الشخصيات بها، وأبرز الأمثلة هنا اعتراض
أحفاد «شيخ العرب همام» على التفاصيل التى رسمت لشخصيته فى العمل
التليفزيونى، وابن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين على التفاصيل التى وردت
بشأن والده فى مسلسل الجماعة.
وقد أصبح مألوفا على أى حال، أن يعترض أقارب أى شخصية تقدم فى عمل
درامى على الشاشة على الطريقة التى تم تصوير هذه الشخصية بها. ومن أسباب
هذه الاتهامات أيضا أن العمل الدرامى ربما يكون قد جافى الحقيقة فعلا ولو
فى بعض مواضعه (كما اتهم مسلسل الجماعة)، ومن هذه الأسباب كذلك ما هو فنى
يتعلق بتماسك السيناريو أو مدى ملاءمة الأزياء والديكورات المستخدمة فى
العمل للمرحلة التاريخية التى تناولتها (كليوباترا).
يفضى ما سبق إلى مناقشة مشكلة مهمة تتعلق بصياغة العقل والوجدان
المصريين، ففى عصر سيادة التليفزيون وسيطرته على وقت فراغ المشاهد، وارتفاع
نسبة الأمية، وتردى تعليم التاريخ سيصبح التليفزيون بذلك مصدرا مهما إن لم
يكن الأهم بالنسبة للمواطن العادى يستقى منه المصريون معلومات ورؤى حول
تاريخهم وشخصيات محورية فى هذا التاريخ، والطريف أو الخطير أن مدى تقبل
المشاهد لهذه المعلومات والرؤى قد يتوقف على اعتبارات غير موضوعية من منظور
علم التاريخ، كجودة العمل الدرامى وإتقانه، أو «نجومية» القائم بدور هذه
الشخصية التاريخية أو تلك، فكما يتعاطف مشاهد السينما مع اللص أو القاتل
إذا كان القائم بدوره هو نجمه المفضل يمكن أن يحدث الأمر نفسه مع الشخصيات
التاريخية التى تتناولها الدراما التليفزيونية.
ألم تتحسن صورة الملك فاروق كثيرا لدى البعض بعد السيناريو المبهر
والتنفيذ الخلاب والأداء الرائع لشخصية الملك من قبل النجم السورى تيم
الحسن على الرغم مما شاب المسلسل من قصور فى نهج التناول؟ ألا يمكن أن يكون
بعض المشاهدين قد تعاطف مع الملكة نازلى، وراجع تصوراته بشأنها على الرغم
مما شاب تاريخها من وقائع مؤكدة لمجرد أن «نجمة الجماهير» قد قامت بدورها؟
ألم يلتف المشاهدون حول شخصية «شيخ العرب همام» بسبب عبقرية أداء يحيى
الفخرانى بغض النظر عن مدى الدقة فى تناول هذه الشخصية التاريخية؟ ألا يمكن
التنبؤ والأمر كذلك بأن «محمد على» سوف يقفز إلى العلا مع الأداء المتوقع
من قبل هذا النجم المبدع لشخصيته فى رمضان القادم؟
لكن المسألة لا تتوقف عند مستوى الشخصيات التاريخية فحسب، وإنما تمتد
لتصل إلى تشكيل «الرؤى».
ألم يقدم «شيخ العرب همام» رؤية محددة حول أمن مصر الوطنى وطريقة
تحقيقه، ويتضمن إسقاطات مهمة حول الدور الخارجى فى تقويض هذا الأمن؟ ناهيك
عن أن طليعة تحقيق هذا الأمن كانت من «عرب» الهوارة فى صعيد مصر.
ألا يمكن أن يتعاطف المشاهد مع جماعة الإخوان المسلمين أو يتبنى موقفا
رافضا لها بعد المعالجة التى قدمها وحيد حامد فى مسلسله عن «الجماعة»؟ ألا
يمكن أن يغير المشاهد رأيه إيجابا فى فكرة الخلافة الإسلامية بعد أن تم
تسليط الضوء على الموقف المبدئى الصارم من قبل السلطان عبدالحميد ضد اغتصاب
اليهود أرض فلسطين؟ وألا يمكن كذلك أن يزداد حماس هذا المشاهد للدور التركى
بعد النهاية الرمزية لمسلسل سقوط الخلافة؟ (مقاتل عربى من يافا كان حارسا
للسلطان عبدالحميد يقود طابورا من الفرسان رافعا العلم التركى وصوت المعلق
يقول: تقدم أيها البطل، فإن الأمور لم تحسم بعد). بل إن مسلسل «سقوط
الخلافة» أيضا قد قدم رؤى مهمة حول زيف الدور الخارجى فى التطوير
الديمقراطى، واستخدام الديمقراطية ذريعة للتدخل الخارجى، وتمزيق الدول موضع
المطامع الخارجية أشلاء.
والظاهرة الأخطر مما سبق فيما يتعلق بإعادة صياغة العقل والوجدان
المصريين أن بعض «نجوم» المسلسلات أفتى بغير علم فى قضايا تاريخية شائكة
كنوع من التماهى بين النجم والشخصية التاريخية التى اضطلع بدورها، فها هى
الفنانة نادية الجندى تنفى ببساطة شديدة وقائع أكيدة فى حياة الملكة نازلى
فى أحد حواراتها الصحفية، وتتحدث فى موضع آخر عن ظلم رجال الثورة (أى ثورة
يوليو!) لها، مع أن صورة الملكة نازلى لدى الشعب المصرى بل وأغلب الظن لدى
ابنها الملك فاروق نفسه والأسرة الملكية بعامة محسومة قبل قيام الثورة
بكثير. لكننا الآن «نشاهد» التاريخ ولا نقرأه، وقد يكون من السهولة بمكان
أن يُحقَن عقل المواطن العادى بزيف لا مثيل له.
المشكلة إذن أننا لسنا أمام مسلسلات تاريخية يعرضها التليفزيون وتمضى
لحال سبيلها، وإنما نحن إزاء عملية بدأت تأخذ شكلا منتظما وإن ظل عشوائيا
للمشاركة فى صياغة العقل والوجدان المصريين، خاصة أن معظم المسلسلات
السابقة حظى بأعلى نسبة مشاهدة. وإذا كنا نقول إن الحرب لا يجب أن تترك
للعسكريين وحدهم، فكيف يكون الحال لو تُرك التاريخ لكتاب المسلسلات
التليفزيونية ونجومها مع كامل الاحترام لمعظمهم وعلى رأسهم المبدع يسرى
الجندى إذ قدموا أكثر من عمل رفيع المستوى؟ لكن المسلسلات بطبيعتها لا تصلح
وحدها مصدرا لتعليم التاريخ، ناهيك عن أن تكون المصدر الأساسى للمواطن
العادى فى ظل العوامل التى سبقت الإشارة إليها، وقد يقال إن الحل فى
الرقابة التاريخية لمحتوى هذه المسلسلات، وقد لجأ بعضها بالتأكيد إلى مشورة
تاريخية علمية، لكن هذا لم يكن كافيا.
ولذلك فإننى أعتقد أن جماعة المؤرخين المصريين والتى تضم رموزا عديدة
لمؤرخين أجلاء مدعوة للتفكير فى هذه الظاهرة التى تتعلق بإعادة صياغة العقل
والوجدان المصريين بوسائل أكثر جاذبية وتشويقا من الكتاب الرصين، وإن تكن
بالتأكيد أقل دقة منه بكثير، ولعل «الجمعية التاريخية المصرية» تضيف إلى
إنجازاتها الاضطلاع بهذه المهمة أملا فى التوصل إلى «دستور» يُسترشد به فى
هذا الأمر الذى قد يستخف به البعض مع أنه ليس بالهزل.
الشروق المصرية في
16/09/2010
يوميات الخسائر فى تليفزيون مصر
علا الشافعى و ريمون فرنسيس
◄◄
الفنان الكبير يحيى الفخرانى يؤكد أن التليفزيون المصرى يجب أن تكون له
سياسة أبعد بكثير عن فكرة منافسة الفضائيات الخاصة
انقضى شهر رمضان وذهب معه موسم الزحام الرمضانى والتنافس على تحقيق
أعلى عائد من الإعلانات ونسب المشاهدة، حيث انصب هدف التليفزيون المصرى على
منافسة القنوات الفضائية الخاصة، فى محاولة للتفوق والقدرة على جذب النجوم
بأعمالهم، وأيضا المعلنين بأموالهم.
وتجاوز حجم الإنتاج الدرامى فى رمضان الـ60 مسلسلا تليفزيونيا بتكلفة
اقتربت من 850 مليون جنيه، حيث تنوع الانتاج الدرامى ما بين اجتماعى
وتاريخى وكوميدى، وبلغ إجمالى ما تم إنفاقه على شراء الدراما وإنتاج
البرامج 500 مليون جنيه مليون جنيه من قبل التليفزيون المصرى، حيث تراوحت
أسعار شراء المسلسلات من 12 مليون جنيه إلى 20 مليون جنيه كحد أقصى للمسلسل
الواحد، مثلما حدث مع مسلسل الجماعة، فى حين بلغ إجمالى عائدات الاعلانات
التى حققتها برامج ومسلسلات التيلفزيون المصرى 100 مليون جنيه فقط، وهو
السؤال الذى يطرح نفسه حول عشوائية العرض وتكدس المنافسة الدرامية
والبرامجية خلال شهر واحد طوال السنة، وهى أزمة حقيقية لأن تلك العشوائية
تنعكس سلبا بالتأكيد على بعض الأعمال التى لا تأخذ حقها، كما انه لا يتم
وضع خطة تسويقية جيدة يستطيع من خلالها اتحاد الاذاعة والتليفزيون تحقيق
مكسب مادى يقابل حجم الانفاق على دراما رمضان فى شهر واحد، وإذا كان مسؤولو
التليفزيون المصرى وغيرهم من القنوات الخاصة يراهنون على أن أعلى نسب
مشاهدة تكون فى شهر رمضان فإنهما ليست بالضرورة قادرة على تحقيق أكبر قدر
إعلانى ممكن، وهذا ما حدث مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون هذا العام،
فإيرادات إعلانات رمضان بالكامل لم تتجاوز مبلغ الـ160 مليون جنيه معظمها
جاء على 4 مسلسلات و3 برامج، أما باقى الاعمال الدرامية والبرامج فكانت
توزع فيها الاعلانات كهدية إضافية للمعلن، حيث وصل إجمالى الإنفاق على
مسلسلات وبرامج ماسبيرو حوالى 50 مليون جنيه ليصل إجمالى خسائر التليفزيون
حوالى 350 مليون جنيه تقريباً، حيث وصل إجمالى الإنفاق على مسلسلات وبرامج
ماسبيرو حوالى 500 مليون جنيه.
ويبدو أن التليفزيون مثل كل عام وقع فى فخ المنافسة وهو المنطق الذى
يرفضه نجم بحجم الفنان الكبير يحيى الفخرانى الذى يؤكد أن التليفزيون
المصرى يجب أن تكون له سياسة أبعد بكثير عن فكرة منافسة الفضائيات الخاصة،
موضحا أن التليفزيون يجب أن يدعم هذه الفضائيات لأن دورها معه تكميلى وليس
تنافسيا، إلا أن مسؤولى التليفزيون يرفضون هذه الفكرة مفضلين شعار «رمضان
حصرى على التليفزيون المصرى» عن كونه تليفزيونا خدميا يخدم كل شرائح الشعب
المصرى، عموما وعامة الناس خصوصا كونهم الشريحة الأكبر من المشاهدين والذين
لم ترض ذوقهم نوعية برامج النميمة التى ملأت شاشات ماسبيرو أو حتى البرامج
الكوميدية، ومن الواضح أن معظم برامج ماسبيرو تم إنتاجها من قبيل المجاملات
أو الإعجاب الشخصى، من أحد قيادات ماسبيرو سواء لمقدمى البرامج أو معديها
ومنهم أكرم حسنى أو ميس حمدان ومنى الحسينى وآخرون حيث لم تحقق برامجهم أى
نسبة إعلانات أو مشاهدة أو تحظ باهتمام صحفى ونقدى.
وأكد إبراهيم العقباوى رئيس صوت القاهرة لليوم السابع أن القناة التى
تصدرت قائمة الأعلى إعلانات فى ماسبيرو هى قناة النيل للدراما وذلك لأنها
عرضت 8 مسلسلات يوميا مما يدل على أن اهتمام المشاهد انصب على المسلسلات،
وفى المرتبة الثانية جاءت القناة الثانية ثم نايل دراما 2، فيما وصل متوسط
الإعلانات يوميا للقناة الأولى 60 دقيقة و100 دقيقة لقناة الدراما يوميا.
والمفارقة أنه مع الكم الكبير من المسلسلات التى اشتراها ماسبيرو ورصد
لها الملايين إلا أنها لم تحقق أى منها مكسبا إعلانيا سوى «الجماعة» الذى
جاء بالمركز الأول يليه «زهرة وأزواجها الخمسة» و«عايزة أتجوز»، حسبما أكد
ابراهيم العقباوى رئيس صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات.
ويعد مسلسل الجماعة من أهم المسلسلات اللافتة للانتباه نظرا للجدل
الذى أثاره العمل وحساسية موضوعه وتناوله لجزء مهم من تاريخ مصر الحديث،
وكان من أعلى المسلسلات على مستوى التقنية الفنية والدرامية، حيث تميز
المسلسل فى جميع عناصره، ويظل هو المسلسل الدرامى الأول الذى استطاع صناعه
أن يجمعوا مجموعة بارزة من النجوم سواء الكبار منهم أو الشباب، وتخطت تكلفة
المسلسل الـ40 مليون جنيه، واشتراه التليفزيون المصرى بمبلغ 20 مليون جنيه،
إضافة إلى بيعه إلى قناتى القاهرة والناس والأوربت، واستطاع المسلسل أن
يحقق عوائد إعلانية خلال الـ20 يوما الأولى فى شهر رمضان وصلت إلى 569
دقيقة إعلانية حسب تصريحات إبراهيم العقباوى، حيث وصل سعر الدقيقة فيها إلى
38 ألف جنيه، وهو أعلى سعر للدقيقة وسط القنوات التليفزيونية، يتبعها فى
ذلك قناة القاهرة والناس والتى يصل فيها سعر الدقيقة إلى 20 ألف جنيه.
ويبدو أن المزاج الشعبى بات يتوافق مع ما تقدمه النجمة غادة عبد
الرازق التى استطاعت لفت الانتباه بمسلسلها «زهرة وأزواجها الخمسة» رغم
الخلاف حول قيمة المسلسل وتقنياته، إلا أنه استطاع تحقيق المركز الثانى فى
أعلى نسبة مشاهدة يليه مسلسل العار فى المركز الثالث من حيث الإعلانات
ونسبة المشاهدة، حيث حقق دقائق اعلانية وصل عددها إلى 389 دقيقة، متجاوزا
بذلك الكثير من الأعمال لكبار النجوم مثل الفنانة يسرا فى «بالشمع الأحمر»،
والتى اعتادت أن تكون على رأس قائمة الفنانات الأكثر تحقيقا للاعلانات،
والمفارقة أن عدد الدقائق الإعلانية فى مسلسلها «بالشمع الأحمر» لم تتجاوز
276 رغم تكلفة المسلسل العالية التى تجاوزت الـ15 مليون جنيه.
وجاءت بعدها الفنانة هند صبرى بمسلسلها «عايزه أتجوز» والذى كان يراهن
عليه الكثيرون على تحقيقه عائدا إعلانيا أكبر ونسبة مشاهدة عالية، لكن
حصيلة اعلاناته لم تتجاوز 102 دقيقة، وقد يكون هذا راجعا الأسلوب الإخراجى
لرامى إمام، والذى أخذ منحنى بريختيا فى بعض المشاهد عندما كانت هند تقوم
بالحديث إلى الكاميرا، أو المشاهدين فى محاولة لكسر الخط الوهمى وجعل
المتفرج شريكا فى العمل.
وتذيل مسلسل «الكبير قوى» والذى اشتراه التليفزيون المصرى بـ15 مليون
جنيه قائمة الأقل تحقيقا للاعلانات، وذلك بعد أن توقفت حلقاته عند 15 حلقة،
رغم أنه كان يتصدر قائم الاعلى فى الايام الاولى.
لذا يجب على أنس الفقى وزير الإعلام والمهندس أسامة الشيخ أن يعيد
النظر مرة أخرى فى سياسة الكم التى تنتج على أساسها المسلسلات والبرامج إذا
كان فى النهاية لا يجذب الناس سوى عملين أو أكثر من المسلسلات أو البرامج
فلماذا لا يتم تركيز مواد ماسبيرو فى عدد قليل من الأعمال المتميزة بدلا من
هذا الزحام خصوصا أن هذه الأعمال معظمها تم «كروتة» حلقاتها الأخيرة والبعض
الآخر تم إلغاء بعض حلقاته بسبب ضيق الوقت مثل مسلسل الكبير قوى، والغاء
مشاهد من أعمال أخرى مثل ريش نعام وغيرها من الأعمال.
اليوم السابع المصرية في
16/09/2010 |