استطاعت الفنانة نادية الجندي أن تتربع علي عرش الدراما التليفزيونية
هذا العام من خلال تجسيدها لشخصية الملكة نازلي التي أبكت معها الجمهور علي
المصير المؤسف لها فنجحت في الحلقات الأخيرة أن تذكرنا بأمجاد نادية الجندي
في السينما وتقدم عملا تليفزيونيا سوف يظل صدي نجاحها فيه سنوات طويلة.
تقول نادية: كنت مرعوبة من نازلي وخايفة قوي منها خاصة وهي ست يعرفها
العالم كله وتجسيد شخصيتها ليس بالشيء السهل ولذلك لاغيت حياتي تماماً
وجلست من شهر عشرة الماضي حتي الآن متفرغة للعمل الذي كتب في سبع سنين وكل
مشهد وحدث في المسلسل حقيقي وموثق لم نفبرك حدثاً وإنما كل شيء تعاملنا معه
بصدق وموضوعية ولذلك جلست مع المؤلفة والمنتج والمخرج جلسات سيناريو مكثفة
من أجل ان أعرف كل خبايا الشخصية وبالفعل توجدت معها جداً وكل ما حدث
لنازلي كان موجوداً في الجرائد الأمريكية لان كل مشكلة أو أزمة مع رياض
غالي كان هناك محاضر كلها موثقة في البوليس الأمريكي وقد حرصت علي ان أقدم
نازلي بكل سلبياتها وإيجابياتها لم نخف شيئاً عن المشاهد إنما أردنا أن
نكون صادقين مع التاريخ والزمن ولكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من حب ناس
تعاطفت معها جداً وإن كنت لمت نازلي في العند الذي تعيشه لكن التمست لها
العذر لانها عندما أرادت أن ترجع مصر منعها فاروق الذي أصدر قرار نفي لها
فهي لم تختر الغربة بارادتها وعندما سافرت كانت للعلاج وعندما نفاها فاروق
وقعت في يد النصابين وأصبحت كل الظروف ضدها اتقهرت واتظلمت.
وعن تعرض المسلسل للهجوم قبل تصويره وان نازلي ليست قدوة حتي نقدم لها
مسلسلاً قالت نادية: حاربوا المسلسل كثيرا وقالوا ماذا أفادت مصر وانها
ليست قدوة وسكيرة وانها تاريخ لا يجب نشره والذي لا يعلمه الكثير ان نازلي
في آخر حياتها تظهر مصريتها وكم هي عزيزة عليها وكان نفسها ترجع مصر..
نازلي حالة إنسانية قطعت قلبي ومشاهدها مؤثرة جداً وهذا تاريخ لماذا نخجل
منه وهل ما حدث لها يقلل من قيمة أو سمعة مصر التي هي أكبر بكثير من أي
مسلسل ومن نازلي لذلك أقول لكل من يردد شعارات اتركوا مصر وسمعة مصر في
حالها وكفاية حرب لي لانها أكثر فنانة قدمت أعمالاً لمصر وأعرف جيداً كيف
أحافظ علي سمعة مصر وعموما أنا طول عمري أتحارب وأعمالي تثير جدلاً وأعلم
ان النجاح ثمنه غال جداً.
وأضافت نادية: في فيلم "الباطنية" قالوا انه ضد مصر وكانت النتيجة
انني قدمت عملاً حارب المخدرات وكرمتني منظمة الصحة العالمية عنه واعتبرته
أهم عمل حارب المخدرات وهذا العمل كان له تأثير كبير لدرجة ان الرئيس
السادات ألغي بعده حي الباطنية.
ومن يتحدث عن ان العمل يسيء لمصر هل نسي تاريخ نادية الجندي التي قدمت
أفلاماً عن الجاسوسية والسياسة لذلك عيب أن يقال لي هذا الكلام لانني عندي
من الخبرة ما يجعلني أختار العمل الذي يخدم بلدي من أعمال وطنية فقدمت ملف
سامية شعراوي.. امرأة هزت عرش مصر وعلي من يحاربني أن يبعد عن الشعارات
المستهلكة التي تقتل أي إبداع.
وعن الخوف الذي كانت تعيشه مع نازلي قالت نادية الجندي.. كنت خايفة
جداً العمل كبير ومهم ودور صعب راهنت من خلاله علي كل تاريخي الفني لدرجة
ان أصدقائي قالوا لي لقد وضعت كل تاريخك علي الترابيزة ولكن بمجرد أن سمعت
تعليقات الجمهور والزملاء بدأت أشم نفسي وأسعدني جداً رأي الفنانة الكبيرة
هند رستم وأعتبره وساماً علي صدري وكذلك أسعدتني جداً مكالمة محمود
عبدالعزيز والتليفونات والرسائل كل ذلك أشعرني بأن تعبي لم يضع هباء جاءت
لي مكالمات من أمريكا.
وعن أصعب المواقف في نازلي؟
قالت: هناك مشاهد أجهدتني جداً مثل مشهد موت فاروق ومقتل ابنتها
ومشاهد الضياع في أمريكا كانت صعبة جداً إحساس رهيب وفقدان أمان أنا حتي
الآن مريضة بسبب نازلي أرهقتني جداً والمسلسل تم تنفيذه في رقم قياسي كنت
أصور 22 ساعة يوميا كنت أنام ساعتين فقط وأستيقظ من الخامسة صباحا وأصور
وأنا صائمة المسلسل ظل يصور حتي عشرين رمضان.
وعن مراحل شخصية نازلي وكيفية تجسيدها قالت نادية الجندي: الدور ثلاث
مراحل وهي شابة وهي ملكة ثم مرحلة التدهور والانهيار هذه المراحل لها سنين
عمر مختلفة حتي ماتت وعمرها 83 سنة ولذلك كنت أجسد ثلاث شخصيات من حيث
الأزياء والملابس وطريقة الكلام.
وعن مكياج مرحلة الكبر.
قالت: حرصت أن أكون صادقة من خلال المكياج والشعر.. نازلي في المنفي
عندما أرادت أن تتحرر وعندما كرهت التاج علي رأسها وشعرت برغبتي في التحرر
غيرت لون شعري وطريقة ملابسي عايزة أعيش مثل أي ست عادية وتلك مرحلة طبيعية
ومنطقية في الأحداث وفي الستينيات كانت الملابس قصيرة وعريانة وعندما
تدهورت شخصية نازلي علي المستوي المادي والنفسي لم تنس انها ملكة وحرصت علي
هذا المظهر لم تتبهدل لم نجدها مثلا ارتدت جلباباً إنما بالطو قديم لكنه
يحمل ملامح ملابس الملكة لذلك البهدلة كانت بهدلة ملكة تفاصيل صغيرة جداً
احتميت بها علشان الناس تصدقني لذلك حرصت ألا يهرب مني خط الشخصية.
وعن حذف بعض المشاهد من التليفزيون المصري وإذاعتها في القنوات
العربية.
قالت نادية الجندي: حزنت جداً لما يحدث لماذا نخجل من تاريخنا خاصة
إذا كان العالم يعرف هذا التاريخ ياما ملوك نزلت من عرشها ولم يؤثر ذلك علي
بلدها. مصير نازلي لا يقلل من مصر ولا تاريخنا لذلك حزنت أن يحذف
التليفزيون مشاهد هامة في الدراما وتعرض علي القنوات الأخري والمفروض اننا
في زمن الحريات والسماوات المفتوحة.
وعموماً العمل حقق نجاحاً أكثر من تصوري والناس قالت كلمتها.
وعن الهجوم علي العمل.
قالت: نجان نازلي رد علي كل الحاقدين الذين يحاربونني وأنا طول عمري
لا أحب أن أرد علي أحد إنما أركز في اختيار أعمالي ولذلك رفضت في العامين
الماضيين أكثر من عشرين مسلسلاً حتي عثرت علي نازلي ولا يفرق معي أن أجلس
في بيتي ذلك أفضل من أن أقدم عملاً لمجرد التواجد لأنني أحافظ علي اسمي
وتاريخي.
وعن نادية الجندي قبل وبعد نازلي وماذا أضافت لها الشخصية.
قالت نادية الجندي: قبل نازلي هي بعد نازلي إنسانة تضحي بكل شيء من
أجل العمل الجيد وأن تحافظ علي نجوميتها وثقة الجمهور فيها والنجاح الذي
شعرته مع نازلي أكبر تقدير لي هذا النجاح دفعت ثمنه كثيرا من عمري وصحتي.
وهل تفكر نادية الجندي في رفعها أجرها بعد نازلي.
قالت: كل نجاح لابد أن تكون له ثماره وأن أجني ثمار ذلك لكن أهم شيء
عندي النجاح الأدبي والجماهيري الذي لا تعوضه أموال قارون.
ولا أفكر في الفلوس بقدر حرصي علي تاريخي.
الجمهورية المصرية في
13/09/2010
بعد ان انفضّ مولد المسلسلات التي عرضت في شهر رمضان
المبارك
سقطت النصوص ونجح الممثلون
عدنان فرزات
.. وانفضّ المولد.. ثلاثون يوما من ضجيج المسلسلات، عرضت خلال شهر
رمضان المبارك لم يكسب من ورائها الا الصيدليات التي ازدادت مبيعات
«البندول» لديها.
الاعمال الدرامية التي عرضت على الفضائيات، بعضها رفع معنوياتنا، مثل
مسلسل «ضيعة ضايعة» الذي ضاع في الزحمة، والآخر رفع ضغطنا مثل مسلسل
«صبايا» الذي كنت وصفته في مقالة سابقة بأنه ساذج، ولكن تبين لاحقا أن هذا
الوصف ينطبق فقط على الحلقات العشر الاولى، اما الحلقات العشرين الاخيرة
فيمكن إضافة وصف مفرغة عليها. ولكن اللافت أن أداء الممثلين فيه كان أفضل
من مستوى النص فيه، وخصوصا الممثل محمد خير جراح.
ضيعة ضايعة
معظم الأعمال الدرامية، كانت نصوصها ضعيفة، والذي انتشلها هو أداء
الممثلين،فقد جهد فعلا الكثير من الممثلين في أداء ادوار هي اصلا ضعيفة على
صعيد النص، ولكن أصبحت مهمة بسبب الأداء المتميز للممثلين. وفي المقابل
هناك مسلسلات فشلت هي وممثلوها في وقت واحد.
وبالعكس أيضا فقد شهدت هذه الأعمال الدرامية هبوطا في مستوى أداء بعض
الممثلين، فالفنان باسم ياخور، شاهدته في عملين معا، وبقدر ما تألق وأبدع
في مسلسل «ضيعة ضايعة» ذي الإسقاطات السياسية المهمة، بدا ثقيل الظل في
مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة»، خصوصا وهو يلوي لسانه ليتحدث باللهجة
المصرية دون أن يتقنها، فهي لهجة «دمها خفيف»، ودور باسم دمه ثقيل في هذا
المسلسل!
احتجاج متأخر
من المسلسلات التي تم الاعتراض على نصها من قبل متخصصين، مسلسل
«كليوباترا». الذي قال عنه أمين عام المجلس الأعلى للآثار في مصر زاهي حواس
في لقاء صحفي: «لقد رفضت الاشتراك فى المسلسل عندما أرسلوه إليّ، لأني
فوجئت بأنه مليء بالأخطاء التاريخية، وتعمدت ألا أطلب تعديلها، ولا أرد
عليهم لأن السيناريو أسوأ من أن يتم تعديله، فهو لا يضم خطأ أو اثنين وإنما
السيناريو كاملا مليء بالأخطاء لدرجة أنه يصعب تعديله».. ولكن - من وجهة
نظري- كان عليه أن يقول هذا الكلام قبل عرض المسلسل، وليس بعد الانتهاء منه
وتورط الفضائيات والجمهور به. وكان من الافضل لو كتب رأيه هذا على حاشية
الورق المتضمن للسيناريو الذي عُرض عليه. وربما ان جمال سلاف فواخرجي
أهّلها لأداء دور كليوباترا، ولكن السؤال : «هل نجح هذا الأداء»؟ الجواب:
«ليس تماماً». اما الفنان محيي اسماعيل الذي لعب دور يوليوس قيصر، فقد أخفق
أيضا ولم يكن كعادته متوهجا في الأدوار التي تتطلب حالات نفسية اعتاد
أداءها ببراعة.
تيار جارف
من الأعمال التي تأرجحت كنص ونجحت كتمثيل، مسلسل «عايزة أتجوز»، فلم
يفلح المخرج في إخراج النص من كونه عملا روائيا للكاتبة غادة عبد العال،
الى حالته الجديدة كمسلسل تلفزيوني، فظل نسخة ورقية على الشاشة. ولكن بطلته
هند صبري نجحت في اداء الدور. والوصف السابق ينطبق على مسلسل «ذاكرة الجسد»
أيضا فلم يتمكن المخرج من تحويل الورق الى شاشة تلفزيونية، فبدا الممثلون
كأنهم مازالوا مرسومين على صفحات الرواية، يخرجون لبعض الوقت ليطلوا قليلا
أمام الكاميرا ثم يعودون الى شخصيات من ورق. لذلك بدا دور بعض الممثلين
ثقيلا أيضا كأنهم يسيرون في حديقة ورود -أي نعم- ولكن ارضها من طين. رغم
اجتهاد جمال سليمان بكل ما اوتي من خبرة للنجاح بالدور المنوط به.
أما مسلسل باب الحارة فكان من النصوص الضعيفة في جزئه الخامس، ولكن
هذا لا يقلل من أداء الممثلين الناجح، بل إن أداء بعضهم المتميز هو الذي
انقذ المسلسل هذه المرة، كالممثل فايز قزق. ومن الأعمال الفاشلة كنص وناجحة
كتمثيل، المسلسل الكوميدي «أبو جانتي ملك التاكسي» الذي ادى دور البطولة
فيه بنجاح سامر المصري وايمن رضا واندريه اسكاف.
ومن الأعمال التي لم تكن في المستوى المطلوب، لا كنص ولا كممثلين،
مسلسل «زوارة خميس».. رغم وجود نجوم كبار فيه، الا ان النص جرفهم بتياره،
فلم يتمكنوا من العوم الى شاطئ النجاح.
القبس الكويتية في
13/09/2010
صيحة فردوس عبدالحميد لإيقاظ المصريين
هالة مدكور
يُعد اعتلاء السلطان 'قايتباي' عرش مصر بمثابة فترة استقرار
للأوضاع، حرص خلالها على تأمين حدود البلاد من ناحية الشمال ومنع توغل
النفوذ
العثماني وأعوانه. وعلى الرغم مما عُرفَ عنه من التعسف في جمع
الضرائب وتطبيق سياسة
الاحتكار إلا أنه لم يهمل شؤون البلاد الداخلية، فقد استغل تلك الأموال في
تجهيز
الجيوش وكذا في إقامة المنشآت العديدة، ونعرف انه حكم مصر قرابة تسعة
وعشرين عاماً،
عُرفَ عنه خلالها محبته للأدب ومجالس العلم، كما ألفيناه يهتم بإصلاح
وترميم منشآت
أسلافه، وأينما ذهب كان يخلد اسمه بإنشاء الطرق والجسور
والمساجد والمدارس، وعُرفَ
عنه كذلك حب الأسفار، فطاف بمصر العليا والدلتا وتنقل بين أعالي الفرات
والشام، هذا
بالإضافة إلى الحج وزيارة الأماكن المقدسة بالحجاز وبيت المقدس.
وهذه الصورة
تتنافى مع الصورة التي ظهر بها ذلك السلطان في مسلسل 'السائرون نياماً' عن
رواية
للأديب سعد مكاوي تحمل نفس الاسم. ولا ننكر ان السمة الواضحة في تاريخ
المماليك هي
كثرة المنازعات والمنافسات بين طوائف المماليك بعضها مع البعض،
كما يصفهم المؤرخ
أبو المحاسن بقوله 'ليس لهم صناعة إلا نهب البضاعة، يعتدون على الضعيف
ويشرهون حتى
في الرغيف'. لكننا نؤكد على حرص سلاطين المماليك على إنشاء كثير من المنشآت
الاجتماعية المتنوعة من بيمارستانات وخانات ووكالات وأسبلة
وحمامات جعلت الأهالي
يقبلون على وسائل الترفية، فراحوا يشاهدون نطاح الكباش ومناقرة الديوك،
وكذلك عروض
خيال الظل وسماع الموسيقى والغناء، ولهذا ألفينا 'حمدان' (علي الحجار) ينشد
ويغني
ويبرز دوره في مقاومة ظلم الحكام. والحق يُقال أنه فنان له حضور متميز
وساعدته
كلمات أغاني جمال بخيت المعبرة العميقة وكذا ألحان حمدي رؤوف
البسيطة السلسة في
توصيل الفكرة للمشاهد، لكن يُعاب على التوزيع الموسيقي استخدامه لآلة
الأورج في بعض
الأغنيات، وهو ما يخالف روح البساطة وأحوال الشعب المصري في ذلك العصر،
فصوت الأورج
في أغنية 'عاش السلطان المتسلطن' في الحلقة الثانية كان بمثابة
ضربة على الرأس
بعدما نجحت عناصر الملابس بألوانها الهادئة والإضاءة والديكورات في نقلنا
إلى تلك
الأجواء القديمة. ونفس الشيء حدث في الحلقة الرابعة مع الأغنية التي كان
مطلعها
'الدلعدي
من إمتى إدًّلع ولّع قلبي بحب مولّع'، وتتوالى الصدمات على مدار الحلقات
في هذا الصدد..
وعلى الرغم من النقد الذي وُجه للمسلسل حول لهجة الممثلين
السوريين والتي بدت غريبة عن لهجة المصريين، فلا أجد بها غضاضة، فالمماليك
بصفة
عامة سواء بحرية أو شراكسة برجية لا ينتمون لأصول مصرية حتى
يجيدون اللهجة المصرية.
والمماليك الشراكسة التي عمرت قرابة المائة والخمسة والثلاثين عاماً منذ
1382
ميلادية ويتناول المسلسل فترة الستين عاماً الأخيرة منها والسابقة على دخول
العثمانيين مصر عام 1517، ينتمون إلى بلدة جورجيا الواقعة بين
بحر قزوين
والبحرالأسود، وقد تميزوا بقوة البدن والشجاعة، بالإضافة إلى جمال الصورة،
وقد
انخفض سعرهم وكثَُرَ عددهم في أسواق الرقيق بسبب تعرض بلادهم لغزوات
المغول. وهنا
نُشير إلى أنه على الرغم من كل ما يُعاب على هؤلاء المماليك من
كثرة إثارة الفتن
والقلاقل إلا أنهم عملوا على حصر تلك الصراعات واحتوائها داخلياً، فلم
تتمكن أية
قوة خارجية من التدخل في شؤون البلاد أو الانتقاص من سيادتها، وقد صمدت مصر
في وجة
المغول في وقت اهتزت فيه جميع دول غرب آسيا أمامهم.
وعودة للمسلسل، فحسب ما
رأينا فالشعب في مصر ينقسم إلى طائفتين، مماليك يمثلون السلطة
والتعسف والظلم،
ومصريين لا حول لهم ولا قوة فقراء ومطحونين، حتى التاجر خليل (محمد
عبدالجواد)
والذي يُفترض أنه صاحب مال وسلطة نجده ينضم
للبهاليل ويرتدي المرقع هرباً من بطش
المماليك ومن أجل مقاومة تعسفهم بالشعب أيضاً. لكن المصادر
التاريخية تؤكد ان فئة
المعممين من المصريين كانوا من أرباب الوظائف الديوانية ومنهم الفقهاء
والأدباء
والكتاب، وكانوا يمثلون طبقة معاونة للحكام المماليك، وقد حظيت هذه الفئة
بالإضافة
إلى فئة التجار بمنزلة رفيعة في المجتمع.
أما زُليخة (فردوس عبدالحميد) سيدة
البهاليل تلك الممثلة المتميزة التي تكون أول من يظهر في تترات
المقدمة بصيحتها
القوية 'أصحى' لتوقظ المصريين من سباتهم ورقدتهم المستكينة وتعمل على حثهم
على
الجهاد، فقد حرمها التنكر وإكسسوارات الدخول في تفاصيل الشخصية من التعبير
بملامح
وجهها، فبدت في أغلب المشاهد بلا انفعال ثابتة على وتيرة واحدة. وكثيراً ما
نراها
جالسة وعلى جانبيها يصطف أتباعها ومؤيدوها في تكوين مثلثي رأسه
- الذي تمثله زُليخة
-
يتجه لأسفل،لأنها جالسة وتنخفض قامتها عمن يقفون بجوارها، مما يضعف من
مركزها في
الحدث الدرامي، هذا على الرغم من أننا نراها تبث فيمن حولها القوة ونسمعها
تشحذهم
عزماً، فكان يجب ان تظهر في التكوين على قمة المثلث لإضفاء
القوة على موقفها
وبالتالي على الحدث. ولا أعرف كيف غابت تلك الملحوظة عن المخرج القدير
(محمد فاضل)،
ونحن في هذا لا ننكر المجهود الذي بَذَلَه في هذا العمل الفني ولكنها
الرغبة في
الاستمتاع بتكوينات وصور طيبة لا تخلو من الإبداع. وعلى الجانب الآخر، كنت
أود لو
يتم التصوير في مصر حتى نتمكن من رؤية الأحداث في أماكنها
الحقيقية، صحيح ان
المواقع في سورية قريبة الشبة، خاصة ان المماليك أنفسهم شيدوا هناك الكثير
من
المنشآت، ولكن لاتزال آثار تلك الحقبة قائمة في مصر وفي حالة جيدة. فقط كان
يستلزم
الإعداد والاستعداد للعمل بفترة كافية حتى يخرج علينا بصورة
مناسبة، فالعجلة التي
بتنا نعاني منها كل عام تفقد الأعمال الفنية جمالها، وعلى سبيل المثال لا
يُعقل ان
يتحدث المسلسل عن وقوف القوات بباب القلعة فانتظر لأرى الموقع فأجدني في
مكان آخر،
صحيح أنه يشبههه كثيراً ولكن ليس هو. فالقلعة لازالت قائمة ومع
الاستعانة بالصور
والمصادر التاريخية ومع بعض الجرافيك وكذا بعض الإبداعات الفكرية
الإخراجية، سنجد
أنفسنا نحلق في أجواء الماضي وتتحقق لنا المتعة الفنية..
هذا ويبقى لنا ان نشير
إلى ان المصادرالتاريخية تؤكد ان المماليك عملوا على خطب ود الشعب والتقرب
إليه عن
طريق العاطفة الدينية وهو ما ادى إلى تقدم الفنون والعمارة في ذلك العصر،
فيُقدر
عدد المساجد التي أُنشئت بمصر بنحو ألف مسجد، أغلبها بالقاهرة،
ولم تُستخدم في
العبادة فقط، بل كمدارس أيضاً، وقلما نجد سلطاناً مملوكياً لم يؤسس مسجداً
أو أكثر.
وألفينا تيار التصوف يزداد بشدة في مصر في
تلك الفترة، وهو ما أثر بالتالي على
الحياة الاجتماعية والفكرية، فقد صبغ المتصوفة كافة جوانب الحياة بصفة
الزهد
والامتناع عن الدنيا والتعلق والرغبة في الآخرة.. الأمر الذي أدى إلى إرساء
دعائم
الاستكانة والتذلل للسلطة، مما استمرت آثاره وتأثيراته في
النفوس .. فغَدَا 'السائرون
نياماً' يخضعون ويرضون بالفاسدين حكاماً.
كاتبة من مصر
القدس العربي في
13/09/2010 |