لا أتذكر متى كان ذلك
حين سمعت وللمرة الاولى اسم الفنان محمود ياسين، بمعنى لا اتذكر ايا من
افلامه التي
تجاوزت المئة والسبعين فلما تلك التي جعلتني اتابع هذا الفنان باسلوبه
وشخصيته
الرومانسية الشفافة والخجلة ،
لكن لم تفارق ذاكرتي افلام تألق ببطولتها مثل (شباب يحترق وحب
وكبرياء وإمرأة سيئة السمعة والوفاء العظيم ثم قاع المدينة وعلى من نطلق
الرصاص وحب
أحلى من الحب وافواه وارانب وقاهر الظلام عن طه حسين) وليس اخيرا فلمه
(عزبة آدم
الريس) ليبقى احد النجوم المصريين المفضلين لدي ولدى شريحة
واسعة من مغرمي الشاشة
السينمائية العربية وهي شاشة مصرية بامتياز، وكانت رغبتي يوم قررت البقاء
في مصر ان
لا اخفي جهدا للتعرف عن كثب على فنانين احببت مشاهدة اعمالهم لاجري معهم
حوارات
وكان محمود ياسين احدهم وقد حدث لي ذلك بمعونة من الزميلة
الصحفية هبة شعيب المحررة
في جريدة النهار فما ان اخبرتها عن رغبتي حتى راحت ترفع جهازها الخلوي وهي
تقول
مرحبا استاذ محمود.. كنت اظنها دعابة منها ولكني اسطعت سماع صوته المميز
عبر
السماعة ثم تكمل حديثها بطلب الموافقة على اجراء حوار معه وهي
تخبره باسمي ثم
ناولتني التلفون، رحب بي وتمنى لي طيب الاقامة بمصر ووافق على اجراء الحوار
وقد
دعاني لزيارته في منزله الواقع في محافظة الجيزة احدى محافظات مدينة
القاهرة.
طفولة تتعشق بنرجسية
كنت وضعت في نيتي ان يكون الحوار مختلفا وجريئا ولكن دون ان اعرف
كيف يمكن لي ذلك، فليس لي اطلاع كاف على الشخصية الحقيقية لمحمود ياسين
وماهي
مواقفه السياسية والفكرية ولذلك قررت ان تكون الاسئلة مباشرة
بعد ان اراه واعتمد
فراستي على معرفة طبيعة شخصيته ومن ثم وضع برنامج الحوار وكيفية ادارته.
ذهبنا وانا والزميلة هبة في المكان والزمان اللذين حددهما لنا
وكانت الفكرة ان نجري حوارا موسعا ااخذ انا مايناسبني منه وتاخذ هي الاخرى
ما
يناسبها.. وها انا الان اجلس في مكتبه، هل ينبغي لي ان افضح
ارتباكي امام هذا
التاريخ الفني المتمثل بشخصية فنان ليس ثمة عربي ينكر معرفته به ومشاهدة
بعض
اعماله.
نعم اربكني حضوره والكاريزما التي يتمتع بها على الاقل بالنسبة
لي، بالنسبة لذاكرتي عنه.
·
كان سؤالي الاول المباشر وهو
سؤال تقليدي عن طبيعة دخوله الى عالم
الفن إن كان بمحض المصادفة ام ان ثمة حلما واصرارا مسبقا على هواية التمثيل
واحترافه؟
لكن صدمت ان هذا السؤال البديهي التقليدي حول محمود ياسين الى شخص
غريب فسرعان ماتفتت سماحته وملامح طيبته وماحفظته ذاكرتي عن لطفه
ورومانسيته
المعروفة بخجلها لتظهر واحدة من شخصياته في افلامه الاخيرة،
عيناه سجرتا بغضب وحنق
وراح يزبد بكلمات هستيرية وهو يصرخ ويشخط مستنكرا علي طرح هذا النوع من
الاسئلة
وكيف لي حسب كلامه ان اتجرأ بان اسأله هذا السؤال، اردت ان اوضح له مقصدي
لكنه رفض
وكاد السؤال التقليدي هذا ان يفسد الحوار كله ، صمت قليلا
فاسعفتنا الزميلة هبة
ورجته ان يهدأ ونغير السؤال، لكنه رفض الفكرة ثم سرعان ما انشرحت اساريره
وقال
ساجيب عن السؤال بعد ان اعتذر لي عن عصبيته ودون ان ارد عليه لاني فهمت
روحه
الطفولية المتعشقة مع نرجسية هائمة بتأريخ طويل من التجارب
الفنية التي جعلته بهذه
المكانة التي ينافح عنها بكل شيء.
قبل اجابته ابتسم وقد رمقني بنظرة رضا عما جال في خاطري حيث كنت
افكر بان اكون حذرا من الاقتراب من اية منطقة تعكر صفوه
.
من المسرح الى السينما
وبدأ بالحديث عن بداياته وكأنه يحكي قصة وليس جوابا على السؤال
الذي كاد يدخلنا انا وهو في ازمة حقيقية فقال: وانا في التاسعة او العاشرة
من العمر
وفي مدينة بور سعيد تلك المدينة الساحلية الساحرة حيث اعيش
كانت تثير هواجسي (فلة)
كبيرة كلما مررت بها وكان على بوابتها لوحة صغيرة خط عليها عبارة رشيقة هي
نادي
المسرح وكم كان يغريني وانا ارى الى ذلك الزخم من الشخصيات وهي تدخل وتخرج
منه وكان
الناس في المدينة يكنون الاحترام لرواد هذا المبنى العظيم ولم
يكن هؤلاء الرواد من
المدينة او من مصر فقط بل ان طبيعة مدينة بور سعيد الساحلية جعلها مقصدا
للزائرين
والسياح من كل انحاء العالم ولذلك فان نادي المسرح احد الاماكن التي لابد
ان يدلفوا
اليها وكنت انا متلهف على معرفة اسرار هذا المبنى بل اسرار عالم المسرح
ولكني لم
استطع الكشف عن هواجسي تلك حتى اطلعت وقرأت عن المسرح وشؤونه
لأهم كتاب المسرح في
العالم من الادب الاغريقي الى شكسبير وتشيكوف وصولا الى المبدعين من كتاب
المسرح
المصريين والعرب وذلك من خلال المكتبة التي يملكها اخي وهو ايضا كان مولعا
بالمسرح
وهي مكتبة كبيرة تنتظم فى ادراجها اعظم ماكتب عن المسرح سواء
من نصوص درامية او كتب
دراسات نقدية عن فن المسرح وغيرها وكان يوجد كتاب اسمه (اعداد
الممثل)للكاتب الروسي
ستانسلافسكي وهو كان واحدا من اعظم وافضل المخرجين فى تاريخ المسرح فى
العالم وكان
على اى دارس فى اكاديميات الفنون ان يكون قد درس هذا الكتاب
وقبل انتقالي الى القاهرة كنت قد قرات هذا الكتاب والنصوص التى
تمت ترجمتها الى العربية لعدد كبير من كتاب اوربا والاتحاد السوفيتى، كل
ذلك كان
يوجد عندنا فى المنزل كما كان لدينا شخص اسمه اسماعيل يملك
(كشك) لبيع الكتب وهو
على دراية بوجود اشخاص فى بلدنا تحب متابعة النصوص المسرحية وكتب الدراسات
المسرحية.
ليست مصادفة
·
يعني بداياتك كانت كلها منصبة
على المسرح بينما انت الان معروف
انك ممثل سينمائي وربما القليلون يعرفون ان لديك اهتماما بالمسرح او انك
مثلت على
خشبته؟
-
بالطبع لانى قدمت 173 فيلما ولكن ليس معنى انى قدمت هذا العدد
من الافلام ان اكون فنانا سينمائيا فقط ؟ لا.. انا اعشق خشبة المسرح لان
المسرح ابو
الفنون وانا نشأت فى المسرح لذلك عندما اتكلم اظل احكى عن المسرح (ومابعرفش
ابدا من
غير المسرح)واظل احكى عنه مالم تغير انت الدفة وتنقل الحوار ولكن قبل ذلك
دعني
اجيبك على سؤالك بشأن موضوع المصادفة
.
انا لا استنكر على فنان صنعته المصادفة مادام قد واصل مشواره
واجتهد باثبات قدراته الابداعية لكن بالنسبة لي وجدت نفسي وانا صغير امام
رغبة
عارمة في داخلي، امام هواية انا احبها وادركت انها ليست حاجة
سهلة وانما لابد من
وجود وعي وثقافة كبيرة وعلى الرغم من انني كنت اقدم في حفلات الكشافة او
الجوالة
بعض فقرات التمثيل في المدرسة الى ان ذلك لم يكن في البداية اعترافا حتى
تجرأت في
مرحلة الاعدادي لاقول لاصحابي عن هواجسي ممن لهم نفس الرغبة في
التمثيل وكان عندنا
شلة انتقلت في المرحلة الثالث سنوي وكونا فرقة مسرحية وقرأنا في حينها بلا
مبالغة
كل ما ترجم الى العربية من الادب المسرحي العالمي واقمنا بعض العروض ولكني
كنت اشعر
انه مازال هناك الكثير امامي
وبعد ذلك جئت الى القاهرة ودخلت الجامعة وابتدأت مشواري مع
المسرح
ومتابعة كل فرقه واعماله التي تعرض في القاهرة واكتشف دائرة هذا العالم
العظيم
واصبحت القضية غير الهواية التي كانت قديماً.
السبب في الخصخصة
·
لكن اليوم نرى ان المسرح ليس له
رواده ومن غير الممكن رؤية
طابور امام شباك التذاكر او الحجز المسبق كما يحصل ذلك مع السينما؟
_
المسرح كان تحت رعاية الدولة وليس بوصاية ومزاج اشخاص ومؤسسات
نفعية، كان هناك دعم كبير لاغلب المشاريع الثقافية والمسرح على الاخص له
الاولوية
منذ حكم عبد الناصر و بعده بقليل حتى تغير كل شيء تحت قوة نظام
ما يسمى بالخصخصة
وتاثرت مصر مثل سواها في اغلب دول العالم وتم توقف دعم المسرح مثله مثل
غيره من
قطاعات كثيرة في الحياة بما في ذلك السينما فقبل الخصخصة
كان في كل عام ينتج اكثر
من ستين فلما بينما اصبح الانتاج السينمائي قليلا على الرغم من وجود
امكانيات
وتقنيات كثيرة حتى انه في التسعينيات لم ينتج في كل عام سوى فلم واحد فقط.
·
رغم ذلك السينما المصرية في
ازدهار لاسيما سينما الشباب كما يطلق
عليها؟
-
نعم الآن هناك افلام تقوم في انتاجها شركات خاصة ولكن هذا لا
يتناسب مع اهمية مصر الفنية والسينمائية فمصر لها الباع الاطول في هذا
الجانب ولو
اصغينا لما يقال ان مصر لم تبدأ مثلا مع ما بدأته هوليود او
باريس او ايطاليا لكنها
بكل تاكيد قد سبقت اسبانيا وهي الدولة التي اصبحت منافسا مهما في عالم الفن
السابع،
ولذلك فان كل ماينتج اليوم من سينما في مصر هو اقل بكثير من التدرج الطبيعي
الذي
ينبغي ان تكون عليه السينما المصرية قياسا لتاريخها الطويل
والعريق.
الفن هو فن الشباب
·
طيب بمعزل عن الكم دعنا في النوع
ماهو تقيمك للافلام التي يقدمها
الشباب ؟
_انا معهم تماما مع الشباب في فنهم وفي طموحاتهم وانتاجهم ودائما
كنت وسابقى اقول ان الفن هو فن الشباب، ولكن بطبيعة الحال ليس كل ماقدم من
سينما هو
فن جيد يتواصل مع طموحاتنا في الدفع باتجاه سينما مصرية ترقى
الى المستوى العالمي،
على الرغم من ان تدني مستوى الافلام اليوم ليس مثلبة تعاني منها السينما
المصرية
فقط بل هناك ركاكة حتى في عاصمة السينما العالمية هوليود وهي ركيزة مهمة في
الاقتصاد الاميركي فقد نجد القليل من انتاجها ممكن ان نسميه
فنا اصيلا ومبدعا بينما
يمكن الحكم على الكثير من افلامها انها افــــــلام هابـــــطة
ولاتـــــحمل
ايــــة قيمة تذكر.
وعليه فان الجيل الجديد من الفنانين الشباب يحاول مخلصاً ان ينقذ
السينما المصرية من الخمول والسبات وان كان يتعثر احيانا بصناعة افلام دون
المستوى
المطلوب .
الاهتمام بالادوار الجادة
·
لكن لانراك تشترك في افلام
الشباب مثلما يفعل مثلا الفنان حسن
حسني الذي اصبح ظاهرة في اغلب االافلام المصرية الشابة؟ ترى ماهي الميزات
التي
تجعله متجددا دائما؟
_
لدي مشاركات ولكنها قليلة فانا مرهون بالتزامات في اعمال
درامية
وتاريخية وذات طابع جدي وفيها مواقف من القضايا الكثيرة التي يعاني منها
مجتمعنا
العربي والاسلامي اما الفنان حسن حسني فلديه طريقه الخاص وهو فنان يمتلك
طاقات
جبارة في الاداء وفهم التمثيل بامكانيات واعية وانا اكن له
احترام وتقدير كبيرين
وهو ايضا يحاول ان يصنع له دخلا من جهده وتجربته التي يرى المخرجون
والفنيون انها
متميزة فهو شخص يمتلك روحا قادرة ان تتقمص الشخصيات الجادة او الكوميدية
ولذلك ارى
ان من الطبيعي ان يستثمر طاقاته ويقمدمها بطريقة ذكية ومبدعة.
·
تحدثت عن الموقف فهل ينبغي على
الفنان الممثل تحديدا ان يستثمر
فنه للتعبير عن مواقف سياسية او فكرية تشغله؟
_
انا ارى انه كل فنان وكل مثقف لابد ان يكون له موقف حازم من
القضايا التي تهم شعبه او بلده او امته او عقيدته وبصرف النظر عن متطلبات
السوق
وذائقة المشاهد العادي لكن لابد ان يعبر عن موقفه من اجل
التاريخ، تريخه هو وتاريخ
الفن واهميته في المجتمعات بوصفه اداة تثقيف وتغيير نحو حياة افضل، لكن هذا
لاينفي
ان هناك فنانين ربما لايعنيهم اظهار موقف ما يؤمنون به ويدافعون عنه وانما
يبقى
حالهم مجرد ممثلين خاضعين لشروط النص وذائقة المنتج او المؤسسة
الانتاجية
والمشاهد.
ثروات العراق هي السبب
·
وماهو موقفك مما حدث في العراق
وكيف تقرأ مستقبله وارجو ايضا ن
تعرج على تصورك عن الفن العراقي؟
-
سابدأ معك من الشطر الثاني من سؤالك وهو انني اكن احتراما خاصا
للابداع المسرحي العراقي ودون ذكر اسماء او اعمال لكن ما تحتويه ذاكرتي هو
ان
المسرح العراقي مسرح اصيل وانا شاهدت عددا من العروض وتعرفت
علـــــــى عدد من
الفنانين ولي منهم ذكر طيب لاينسى اما بصدد الوضع في العراق فانا ارى ان
شعبه شعب
عظـــــــــيم وشعب ليس طارئا على الثقافة والفكر والفن والابداع وفي كل
الميادين
وهو صاحب تاريخ عريق ولديه ثروات زاخرة ولذلك ارى انـــــــه
سيخرج من كل ازماته
وسيفلح في استقلاله والخروج من محنة الاحتلال، انا ادرك ان اهمية العراق من
كل
النواحي هي التي جعلته في دائرة الاطماع والـــــــتدخلات الخارجية ولكني
ادرك ايضا
انه سيعافى ويعود الى حاضنه العربي والعالمي باجلى صـورة وأكثر
قوة وياخذ مكانته
التي يستحقها.
الصباح العراقية في
28/08/2010
الفنانون عرضة للانقراض
!!
بغداد - حيدر
العبودي
لم يكن صوتها مصدرا لجذب الانتباه فحسب بل كان محطة تهدأ عندها
آهات المحبين والراغبين في الاستماع الى الطرب .ام كلثوم تلك الظاهرة التي
ما فتئت
تتجدد بمجرد سماع صوتها
.
احتضنتها القاهرة وقلوب عشاقها في كل مكان واستمرت على هذا الحال
طيلة فترة مشوارها الغنائي الذي انتهى جديده بوفاتها في عام 1975 . لكنها
بقيت حية
بفنها الذي تربع في ذاكرة الشرق .
ولتجسيد فعاليات تلك الذاكرة كي تبقى حية سعى المصريون الى
تخليدها باقامة متحف خاص بها ضم كل مقتنياتها بما فيها الملابس والجوائز
التي حصلت
عليها وكذلك ارشيفها الغنائي كاملا .ليكون ملاذا للباحثين عن
الرصانة والرقي في
الاغنية العربية.
ففي القاهرة لايقتصر الامر على الاحتفاظ ببقايا ام كلثوم بل كان
الاهتمام ايضا ببقايا الراحلين ممن تركوا اثرا فنيا لافتا دونما اي تفريط
بارث
اولئك باعتباره ظلا لمرحلة اسهمت برسم صورة المنجز الثقافي
والفني .هذه الصورة التي
طالما بحثنا عنها هنا في العراق او عن بعض من ملامحها الخاصة بالفنانين
الكبار وما
يمكن ان يوجد في خزانة الذاكرة البغدادية الحية عن بقايا الاثر للمبدعين من
مطربين
او ممثلين او رسامين او غيرهم ....باستثناء بعض النصب
التذكارية في عدد من شوارع
بغداد او بعض المحافظات للشعراء فقط لاغير ....فهذا الفراغ لم يسجل حضورا
في نفس
الاجيال اللاحقة لحقبة الراحلين بل سجل حضورا ايضا في ذاكرة الجدران لمختلف
الاماكن
بعد ان خلت مخيلة تلك الاماكن من احتضان اي صوت او لمسة لفنان
راحل . كما في
البلدان الاخرى وبالتالي غياب اية محاولة لتعزيز الايحاء الروحي الذي قد
يصدر من
حيز يشير الى ذكرى احد المبدعين .
رائحة الضياع
بهذه الكلمات ابتدأ المطرب عبد فلك حديثه عن هذا الموضوع حيث
قال:رائحة الضياع هي السمة الاساس لطقس العمل الابداعي هنا في العراق
للاحياء منهم
وحتى من غادرنا الى العالم الاخر ذلك اننا لم نصل بعد الى مستوى الدراية
الكاملة
بمراحل اتمام المنجز الابداعي وبحجم الاثر الذي سيتركه في
المجتمع .
لذا لايمكننا الحديث عن موضوعة الاحتفاظ بارث الفنانين والمبدعين
على مختلف الصعد مالم نتمكن من تحقيق ذلك .فخلو الساحة من اي اثر لداخل حسن
وحضيري
ابو عزيز وناظم الغزالي والقبنجي خير دليل على ماقلت .
وبالتسليم بان العقود
المظلمة عززت من مفهوم التغييب الفعلي لاي اثر ثقافي او فني فان الامل لم
يزل قائما
في ان تاتي قادم الايام بحصيلة لاباس بها من الاهتمام بهذة الحالة على
الاقل كجزء
من الوفاء لما قدمه مبدعو العراق
.
منجم المبدعين
اذا اهمل المبدع نفسه يوما فكان ينبغي على المؤسسات المعنية عدم
المساهمة في تعميق ذلك الاهمال باعتبار الثروة الابداعية جزءاً من الثروة
الوطنية
هذا ما قدمه الشاعر كاظم غيلان لملحق فنون من رأي بشأن هذا
الموضوع .
فالعراق كما يقول منجم للابداع والمبدعين لكننا نرى نهاية المشوار
مبكرة لهم في حركة ربما يساهم فيها المبدع نفسه او ربما نحن نساهم فيها من
خلال عدم
الاحتواء لارشيف ذلك الشاعر او المطرب او الفنان .وامام صورة
كهذه لم تتوان منظمات
المجتمع المدني في انضاج الاستذكارات السنوية للكثير من المبدعين رغم
الاعتراف
بفقرها وبعدم القدرة على اتخاذها ملاذا للباحثين عن الامساك بالمبدع
العراقي في اي
وقت وفي اي مكان . لتبقى هذه المهمة مهمة مشتركة تتشابك
لانجازها يد المبدع مع
المسؤول مع الباحثين عن رقي واستمرار الثقافة العراقية
.
جهل مهني
الفنان عزيز كريم تحدث ايضا عن هذا الموضوع قائلا : حالة النشاط
وفي اي ميدان هي من المفروض حالة متجددة ولتحقيق ذلك المفروض يجدر بالساعي
لذلك
توفير عناصر معينة اهمها الاهتمام بما ستعطيه تلك الحالة من
معطيات فالمبدع العراقي
بحاجة الى الاهتمام كي يقدم اكثر وبالتالي يهيئ مناخاته الخاصة للاحتفاظ
بارثة .لكننا في العراق وللاسف الشديد عادة ما
نحيط المبدع بمسببات الحد من نشاطه او
اضعافه حتى وفي النهاية اندثار مانرغب في بقائه حيا . المبدع
العراقي ورغم ما مر به
العراق من ظروف استثنائية تجده يقدم الاروع وهو بذلك يخالف كل القواعد التي
من
الممكن ان يستند اليها المبدعون وهذا سر خلود الفن العراقي والشعر العراقي
والحرف
العراقي
.
نحن بحاجة الى صرخة مدوية تدخل عنوة الى مسامع المسؤولين كي
ينهضوا بالحالة الابداعية العراقية لانها مستمرة رغم ماتعانيه من هموم
.
استخفاف واضح
تحت هاتين الكلمتين توقفت الفنانة فريال كريم وهي تعلق على هذا
الموضوع لتشرع بعدها بالقول :المؤسسات الرسمية هي سبب ضياع الارث الابداعي
العراقي
كونها غير مهتمة اساسا بحراك المبدعين ونتاجاتهم وهذا ماافقد العراق القدرة
على
احتضان الفنانين والشعراء والكتاب لتراهم يكرمون على نتاجاتهم
خارج البلاد للاسف
الشديد كنا نعاني ولم نزل من عقدة المحسوبية والمنسوبية في اختيار
المسؤولين في تلك
المؤسسات وبالتالي استمرار سياسة وضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب
.على
الطرف الاخر نجد اثر المبدعين مستمرا رغم ذلك ونجدهم يجسدون
بقاءهم، متاحف متحركة
تعطي الكثير ولاتأخذ في نهاية المطاف سوى النسيان وربما الاستخفاف من قبل
الجهات
المعنية .
الاهتمام بالأموات
اما الكاتب والاعلامي صباح زنكنة فتحدث هو ايضا عن هذا الموضوع
قائلا:
بقاء الحال على هذه الشاكلة ورزوحه تحت هموم اثقلت المجتمع
العراقي ربما افقد الكثيرين الرغبة في التعرف على اهمية المبدع او حتى
الرغبة في
ابقاء الصروح الثقافية ومدها بعمر اضافي عبر تخليدها . ليقتصر الامر على
ذكر
المبدعين لكن بعد وفاتهم . وكأننا نحتفي بالاموات لا بما اتى
او سيأتي به الاحياء
من طروحات او نتاجات او ابداعات .
فحياة الجواهري الزاخرة بالقصائد والمواقف المترجمة لعنفوان
التفاعيل مع ارهاصات ظرف قائم انذاك على سبيل المثال لم تحصل على فرصة كي
تطرح
نفسها كمسلة للشعر الحي الرافض . لكنها طرحت على شكل حروف
تداخلت مع بعضها لتكون
قصيدة او مقالة في صحيفة يومية او حتى اسبوعية حركها شرف الاهتمام بالظواهر
. فلم
يعد غريبا ان يغيب الفنان عنا وهو حاضر . ويستحضر عندنا وهو غائب . صورة
كهذه ربما
لم نجدها في كل دول العالم ففي المتحف الرئيس في انكلترا مثلا يتم الاحتفاظ
ببيت
بتهوفن وبكل مقتنياته الشخصية وهذا يسجل ايضا في الكثير من دول
العالم فيما يتعلق
باحتفاظها بالارث الابداعي ...... وبتحرك زاوية النظر الزاما لما مضى سنجد
ان
المهملين خلال عقود الظلام قد اشاعوا مسببات الخلط للاوراق وتطميس روح
الاهتمام بما
يعزز النهوض الفني والثقافي فترك الفنانون عرضة للانقراض بعد ان اجهضت
مشاريع
الاهتما بهم..
ولان الفن والفنان يسجلان وعلى الدوام انعكاسا لحضارة اية دولة
وكذلك تاريخها فربما يشكل تأطير النتاجات الحية رغم رحيل اصحابها بأطر
مكانية
تستحضر تاريخ الفنانين المحتفظ بعطائهم من جهة . واحاطتهم
بالاهتمام وهم على قيد
الحياة من جهة اخرى . منطلقا لترميم ما اسقطه الدهر من اجزاء تلك الصورة
الجميلة
للعراق في هذا الجانب.
الصباح العراقية في
28/08/2010 |