من منا يختلف على موهبة الفنان العبقري يحيى الفخراني الذي اتهمه
الكثيرون بتكرار نفسه في تقديم الشخصية الصعيدية, والتي سبق أن قدمها من
خلال «رحيم المنشاوي» في مسلسل «الليل وآخره» إلا أنه بالفعل أثبت أن
الموهبة والخبرة عليهما عامل كبير حتى يستطيع أن يقدم الفنان الشخصية, ولكن
بمنظور آخر جديد ومختلف يجعلك تنسى معه أنه يحيى الفخراني, ولا ترى أمامك
على الشاشة هذا العام إلا «شيخ العرب همام» فهي شخصية متصالحة مع الحياة
إلى درجة كبيرة متمردة وغاضبة تنبش في الممنوع السياسي والمحظور الاجتماعي,
فهمام شخصية لا يقدر عليها إلا فنان كيحيى الفخراني, فهو يملك موهبة جسورة
تنير له شعلة الإبداع في معركة الفن, غامر كثيرا, وبداخلة قناعة بالمكتوب,
التقينا به وكان لـ «العرب» معه هذا الحوار:
·
في البداية, علمت من المخرج أنك
أصررت على كتابة جملة مستوحاة من حكاية «شيخ العرب همام» هل ذلك هروب من
محاولات أحفاد شيخ العرب لوقف عرض المسلسل؟
- لا, ولكن هو حق المؤلف, لأننا بالفعل لا نقدم السيرة الذاتية لهمام,
فما كتب عنه هو مجرد سطرين كتبهما الجبرتي عن الشخصية, بينما جاءت باقي
الأحداث من خيال المؤلف, وكان حقه أن ينسب العمل إليه.
·
لماذا إذن لم يطلق عليه أي اسم
آخر غير شيخ العرب همام؟
- لو فعلنا سنكون ارتكبنا شيئا من الزيف, لأن الأعمدة الأساسية للعمل
هي شخصية شيخ العرب همام, التي استوحى من خلالها المؤلف العمل بشكله
النهائي, بعيدا عن كونه مجرد سر تاريخي لهذه الشخصية.
·
وماذا كان رد فعل أحفاد الشيخ
بعد عرض العمل على الشاشة, هل ما زالوا يطالبون بوقف عرضه؟
- لا أدري, فنحن ما زلنا نصور حتى الآن, ونأتي إلى الاستوديو بعد
الإفطار لا نخرج إلا صباح اليوم التالي فأكون في منتهى الإجهاد, ولا أريد
شيئا سوى الراحة حتى أستطيع استكمال التصوير, فأحيانا يصل عدد ساعات
التصوير إلى 16 ساعة.
·
صرحت أنك متيم بهذه الشخصية؟
- حقا, فهذا الرجل يجب أن يكون قدوة ومثلا أعلى لكثير من شبابنا, فقد
استطاع بذكاء شديد تكوين جمهورية يحكمها هو بمفرده, تبدأ حدودها من المنيا
شمالا وحتى أسوان جنوبا, وجاء حكمه بفرمان رسمي من الأستانة طوال أربع
سنوات استطاع أن يوحد خلالها قبائل الهوارة, وتوليه حكم هذه المنطقة لم يكن
بفرمان رسمي إلا بعد انتخاب شعبي, فسيرته توضح أنه كان محبوبا من الجميع
وعطاياه وكرمه على الفقراء والمساكين كانا من قبل توليه رئاسة هذه المنطقة.
·
هذا العام هو العام الأول الذي
يغيب فيه الفنان يحيى الفخراني عن جمهور شاشة التلفزيون المصري؟
- بالفعل, ولن أنكر أن هذا الأمر كان يحزنني بشدة, وحاولت كثيرا تقريب
وجهات النظر بين الجهات المنتجة للمسلسل والمهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد
الإذاعة والتلفزيون حتى لا أغيب عن شاشة التلفزيون المصري هذا العام إلا أن
كل المحاولات باءت بالفشل, لكن بعد عرض المسلسل حصريا على قناة الحياة, وهي
قناة أيضا مصرية ومفتوحة للجميع, وجدت تجاوب الكثير من الجمهور المصري
والعربي مع المسلسل, والحرص على متابعته, ونجحنا في استقطاب أكبر نسبة
مشاهدة عمل درامي خلال شهر رمضان هذا العام, وشعرت بالارتياح, وأن الله لا
يضيع أجر من أحسن عملا.
·
هاجمك الكثيرون عندما قرأنا
تقديمك لشخصية صعيدية, واتهمك البعض بأنك تكرر نفسك, خاصة أنك سبق أن
قدمتها من خلال شخصية «رحيم المنشاوي» في مسلسل «الليل وآخره»
يمكن أن تندهشي عندما أقول لك إنني كنت أشعر بقلق شديد جدا أن أقع في
هذا «الفخ» رغم اقتناعي التام عندما قرأت العمل أن الشخصيتين بينهما اختلاف
شديد, لكنني كنت متخوفا أن لا يصل هذا الوجه من الاختلاف للمشاهد رغم أن
«رحيم» كان خيالا دراميا، أما «همام» فهو شخصية تاريخية معروفة منذ القرن
الثامن عشر، والصدفة الوحيدة التي تجمعهما أن كليهما صعيدي، وما أدهشني في
الحكاية أنني لم أسمع عن هذا الرجل في حياتي رغم ثراء الشخصية المكتوبة في
السيناريو الذي انتهيت من قراءته في 4 أيام تقريبا. فالشيخ همام هو رجل
صعيدي ثري من «فرشوط» بمحافظة قنا، امتلك أراضي من محافظة المنيا إلى
أسوان، وحكم المنطقة كلها بالمجالس العرفية، وكان هذا في أواخر العصر
العثماني، فـ «همام» كانت له دولة خاصة داخل الدولة في أقاصي الصعيد.
·
وما الذي منعكم من تصوير أحداث
المسلسل في «فرشوط»؟
- لأننا عندما قمنا بزيارتها أنا والمخرج والمؤلف وجدناها لم تعد على
حالها, فقد أصبحت أكثر مدنية؛ لذلك قررنا التصوير في «دهشور» وبعض المناطق
التي ما زالت محتفظة بأصالتها في نجع حمادي وأسوان والأقصر.
·
هل الوحدة التي يطالب بها همام
أبناء هوارة هي إسقاط سياسي لأبناء العرب مطالبا بالوحدة العربية التي
حلمنا بها كثيرا؟
- لا بد لكل عمل فني أن تكون له رسالة وهدف, وإلا لماذا نقدمه, وتلك
القضية هي أهم القضايا التي يطرحها المسلسل, فنحن في أشد ما يكون, خاصة في
ذلك الوقت لأن نتحد, وأن يكون اتحادنا اتحاد العقل والمصالح المشتركة حتى
ينجح هذا الاتحاد كما نجحت فكرة الاتحاد الأوربي التي اعتمدت على المصالح
المشتركة بعيدا عن الشعارات الزائفة.
·
هل ترى أن الإقبال الجماهيري
الذي قوبل به العمل هو ثقة من المشاهد في اختيارات يحيى الفخراني؟
- أختلف معك في الرأي, ربما يشاهد الجمهور الحلقة الأولى لمعرفة ما
الذي يقدمه نجمه المفضل, لكن الاستمرار في متابعة العمل يرجع إلى عوامل
أخرى عديدة كأهمية الموضوع الذي يطرحه المسلسل, وشكل الصورة, ومصداقية فريق
العمل.
·
ما الذي تقصده بشكل الصورة؟
- أقصد الإنتاج, هل أنفق جيدا على العمل ولم يبخل المنتج حتى يظهر
العمل بشكل مقنع, والحقيقة المنتج وضع ميزانية مفتوحة للمخرج ولبى كل
طلباته حتى يخرج العمل بشكله المتميز هذا, فمصمم المعارك خبير إنجليزي يدعى
بول وستن, والإنفاق على الملابس جاء مناسبا تماما لأحداث العمل. من دون
تحيز الصورة جاءت صادقة ومعبرة عن الأحداث مما ساعد الفنان على الأداء بشكل
جيد أدى بالجميع إلى هذا النجاح الذي نلمسه جميعا.
·
تردد أن الفنان نور الشريف رفض
عرض الجزء الثالث من مسلسل «الدالي» خلال شهر رمضان بعدما شاهد برومو «شيخ
العرب» قائلا إنه سيدخل في منافسة خاسرة. هل سمعت بهذا, وما رأيك؟
- الحقيقة أنا أسمع الكثير من الشائعات تتردد, والفنان نور الشريف
زميل عزيز وكان أول من هنأني بنجاح العمل بعد عرضه, وله جمهور كبير, ومسألة
عدم عرض مسلسل «الدالي» بسبب «شيخ العرب همام» لا أعتقد أنها صحيحة, ربما
كانت هناك ظروف أخرى هي التي أدت إلى تأجيل عرض «الدالي 3» فالعمل الجيد
يفرض نفسه دائما, وإن عرض بين 100 عمل, وكل أعمال نور الشريف لا يختلف
عليها اثنان, فهو من الفنانين الذين يهتمون جدا بتقديم أعمال جيدة وعلى
مستوى عال, والعام الماضي قدم «الرحايا» وكان لي أنا أيضا مسلسل «ابن
الأرندلي».
·
بمناسبة ذكر «الرحايا» فمؤلف
ومخرج «شيخ العرب» هما مؤلف ومخرج مسلسل «الرحايا» الذي قدمه نور الشريف
العام الماضي؟
- هذا صحيح, ولكن لا يوجد أي تشابة بين «الرحايا» و «همام» وأنا شاهدت
الرحايا وأعجبت به بشدة, لكن همام ليس عملا عن الصعيد, وإلا كنت رفضته
لأنني أخاف ألا أقدم عملا يرتقى إلى مستوى «الليل وآخره» والصعيد له قضاياه
المعروفة؛ لذلك لم يكن يكفي لجذبي لتقديم «شيخ العرب» أن يكون مجرد عمل عن
الصعيد, فهذا العمل من أكثر الأعمال التي أرهقتني في حياتي, وهذا ما يميزه,
على الأقل بالنسبة لي.
·
يحيي الفخراني داخل أسرته, هل
يشبه «همام» في صرامته أم «رحيم» في حنانه؟
- الحقيقة, كنت حريصا ألا يكون أولادي مدللين, ولكن هناك مساحة من
الدفء الأسري الذي يشعر الأبناء فيه بطمأنينة, وأرى أن هذا ليس تدليلا,
لكنه شيء من الحب والشدة والتفاهم, ولغة الحوار هي اللغة السائدة بيننا حتى
بعد أن أصبحوا رجالا ولهم حياتهم المستقلة.
·
هل يزعجك ألا تعرض أعمالك على
الشاشة الرمضانية؟
- في البداية كنت أنزعج, ولكنني أنظر الآن إلى الشاشة الرمضانية على
أنها «برومو» للعمل, فما يلفت النظر يتابعه الجمهور عند عرضه بعد شهر رمضان
بتأن أكثر, وأذكر دائما الناقد علي أبوشادي عندما كان يقول لي دائما:
السينما أهم, وأنا أقول له: لا التلفزيون أهم. فطوال العام لا تخلو قناة
فضائية من أحد أعمالي, الوضع اختلف الآن وأذكر أيام «ليالي الحلمية» عندما
كنت أرى بعض الناس في الشارع كنت أقول لماذا لا يشاهدون العمل, ولكن الآن
الأعمال تذاع, والناس تملأ الشوارع, فالعرض مستمر على أكثر من قناة وفي
أكثر من توقيت, فالزمن تغير ويجب أن نواكب الزمن, والفنان الذي لا يطور من
نفسه مع الزمن ينتهي, فموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أكبر قدوة في ذلك
عندما أدخل موسيقى وآلات غربية وإيقاعات حديثة على موسيقانا الشرقية.
·
وهل يحمل يحيى الفخراني بطاقة
انتخابية؟
- كانت لي عندما كنت في ميت غمر موطني الأصلي (محل الميلاد) وحاولت
هذا العام أن أقوم باستخراج واحدة هنا ولم يوافقوا وقالوا لي لا بد أن تغير
مكان الإقامة ولم يكن هناك وقت خلال الانتخابات الماضية, وأتذكر أنني ذهبت
إلى قسم الوايلي وأصابني إحساس بالضيق والإحباط لعدم استطاعتي ممارسة حقي
الانتخابي, وشعرت بضرورة أن تكون لدي بطاقة انتخابية, وهذا ما أسعى إليه
هذه المرة بشكل أكثر جدية.
·
لو أن القدر منحك فرصة ترشيح
نفسك لرئاسة الجمهورية فهل ستفعل؟
- ذات مرة قالوا لي أنت مرشح لرئاسة المسرح القومي فرفضت, وقلت لا,
ولا وزير ثقافة, أو حتى إعلام, وأقسمت بذلك, ولو رشحت حتى لرئاسة الجمهورية
لرفضت, لأنه يكذب عليك من يقول إنه يحب الآخرين أكثر من نفسه, وأنا أرى في
هذه التكليفات مهمة شاقة للغاية, فأنا أستمتع بمهنتي وهوايتي, ولنفترض أنني
أصبحت رئيسا للجمهورية, هل سأكون سعيدا في حياتي؟ لا أعتقد, خاصة أن لحظات
السعادة الحقيقية في حياتي تكون وأنا أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح,
وأمامنا «همام» أكبر مثال على شقاء رئيس الجمهورية وخيانة من وثق بهم.
·
معنى ذلك أنك لا تحب السياسة
كإنسان؟
- عملي كفنان يوجب عليَّ أن أحب السياسة رغما عني, فأي فنان كمثقف يجب
أن يحب السياسة, ولكن لا يجب أن يحترفها, فلا يجوز أن أكون عضوا في حزب على
الإطلاق لأنني سأجد ما يعجبني وما لا يعجبني, والإنسان الحزبي يجب أن يكون
ملتزما بكل نقاط أهداف الحزب, وأمتع شيء في حياتي كفنان وإنسان أن أكون حرا
في تفكيري وأن أكون في منتهى الوضوح والصراحة, وأقول ما يعجبني وما لا
يعجبني.
·
من في رأيك أهم رجال السياسة؟
- أنور السادات, ومحمد علي باشا, وإسماعيل باشا, فهؤلاء الثلاثة
محترفو سياسة, ويشهد لهم التاريخ بذلك, لكن عبدالناصر كان زعيما سياسيا,
وهذا شيء آخر.
العرب القطرية في
25/08/2010
ثورة الصعايدة والمؤرخين على «شيخ العرب همام»
محمد عبد الرحمن
حتى الساعة، لم يهدأ الهجوم الذي شنّه أبناء مدينة فرشوط المصرية على
مسلسل يحيى الفخراني. وتتمحور أغلب هذه الانتقادات حول الصورة التي قدّم
فيها العمل الشيخ الشهير الذي وحّد القبائل ضدّ المماليك
صحيح أن مسلسل يحيى الفخراني الجديد يروي سيرة شخصية حقيقية. وصحيح
أيضاً أن انتقادات عدة واجهت «شيخ العرب همّام». ولكن هذه المرة لم يكن
الورثة هم مصدر هذه الانتقادات كما جرت العادة مع كل المسلسلات التي تناولت
سير نجوم القرن العشرين. بل إن أهل الصعيد هم من اعترض اعتراضاً رئيسياً
على محتوى العمل، وخصوصاً أبناء مدينة فرشوط التابعة لمحافظة قنا (جنوب
مصر) الذين ينحدرون من سلالة الشيخ الشهير.
وكان لافتاً أن أبناء الصعيد بدأوا بمهاجمة العمل حتى قبل عرضه،
ورفعوا دعاوى قضائية عدة مع انطلاق الحلقات الأولى. ويؤكّد هؤلاء أن العمل
يُعدّ إهانة لهم وتجريحاً في سيرة جدهم الأكبر، مؤسس أول جمهورية مستقلة في
الصعيد. إذ بقيت هذه الجمهورية بعيدة عن سيطرة المماليك طيلة أربع سنوات في
النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
المسلسل الذي كتبه عبد الرحيم كمال وأخرجه حسني صالح يتميّز، رغم
الانتقادات، بالعديد من نقاط القوة: هو أولاً من بطولة نجم له جمهور عريض.
كما يتميز بالسخاء الإنتاجي في الديكورات والملابس، وإن كان بعضهم انتقد
الأزياء، مؤكّداً أنّها لا تشبه زيّ أهالي الصعيد قبل 300 سنة. كما صُوّر
معظم الحلقات في الأماكن الحقيقية لحدوثها وباستخدام عدد وافر من الخيول
والرجال. إضافة إلى أن الحقبة التاريخية التي تدور فيها الأحداث لم تقدَّم
في الدراما المصرية منذ سنوات بعيدة. وما أسهم في نجاح العمل هو إجادة عدد
كبير من الممثلين أدوارهم مثل صابرين، وعبد العزيز مخيون، وعزت أبو عوف،
فلم يتّكل المسلسل فقط على براعة يحيى الفخراني.
مع ذلك، فإن نقاط ضعف عدة يمكن رصدها في «شيخ العرب همام» وأبرزها
التركيز على العلاقة المتوتِّرة بين زوجتي شيخ العرب في الأحداث وهما
صابرين، وريهام عبد الغفور، كأنهما تتعاركان على قلب حمادة عزو الشخصية
الشهيرة التي قدمها الفخراني قبل ثلاث سنوات. وكان هذا الصراع العاطفي أحد
العوامل الأساسية لغضب أهالي الصعيد على المسلسل قبل عرضه. يومها لاحظ
أحفاد شيخ العرب همام بن يوسف أن هناك تركيزاً في العمل، على رغبة جدهم في
الجمع بين زوجتين بحجّة الإنجاب. ثم جاء ظهور الزوجة الثانية بملابس المنزل
في الحلقة الثانية من المسلسل ليزيد الطين بلة. إذ اعتبر الصعايدة هذا
المشهد إهانةً لنسائهم اللواتي لا يجلسن في البيوت بهذا الشكل. كما أن
تجسيد شخصية والد همّام بصورة سيئة، تصويره كأنه يكره النظافة أدى إلى
ارتفاع وتيرة الانتقادات. وقال أهالي الصعيد إنّ المسلسل سيسبّب القلائل
بين قبائل الصعيد بسبب الإهانة الموجهة للجد المؤسس لقبيلة «هوارة»، وهي
أبرز قبائل المنطقة.
يمهد المسلسل لحدوث انشقاق بين القبائل في الصعيد
هكذا، يتبيّن أن الغضب لم يوجّه ضدّ الأحداث التاريخية التي يستعرضها
العمل، بل ضدّ بعض الصفات الشخصية لشيخ العرب. من جهتهم، اكتفى صنّاع
المسلسل بالردّ بأنّ استمرار عرض الحلقات كفيل بزوال انزعاج أحفاد الشيخ
همام. وبينما ساند الباحثون والاختصاصيون في الشأن الصعيدي الأحفاد، أكّد
الباحث محمود الدسوقي لـ«الأخبار» أن المسلسل لم يوفّق في عدد من النقاط،
إن كان من خلال اختيار يحيى الفخراني لأداء العمل «لأنه لا يشبه الوصف الذي
توارثه الأحفاد لجدهم من الناحية الجسمانية... كما أن شيخ العرب توفي وعمره
60 عاماً بينما يعرف الجميع أن الفخراني تعدى هذه السن بالفعل». كذلك يظهر
شيخ العرب وهو يرغب بالزواج مرة ثانية من ورد اليمن بهدف الإنجاب «بينما
الثابت تاريخياً أنه أنجب أولاده الثلاثة من زوجته الأولى صابحة» يقول
الدسوقي.
مغالطة إضافية وقع فيها العمل وفق الدسوقي وهي أنّه قدّم شيخ العرب
على اعتباره منتمياً إلى قبيلة «هوارة» بينما المعروف أنّ هذه القبيلة لم
تكن سوى إحدى القبائل التي وحّدها الشيخ وقاد بها ثورته على المماليك.
ويرجع الدسوقي هذه المغالطة إلى أن مؤلف المسلسل ينتمي هو نفسه إلى قبيلة «هوارة»،
وهو الأمر «الذي يمهد لحدوث انشقاق بين القبائل في الصعيد إذا استمر
التأثير السلبي للمسلسل».
واعتبر الدسوقي أن المسلسل يعيد تقديم شخصية الرجل الصعيدي كما
اعتادها الجمهور في السنوات الأخيرة في مسلسلات عدة مثل «حدائق الشيطان»
على اعتباره مجرد زعيم قاسي القلب يفكر في الرخاء والنعيم لنفسه ولعائلته
أولاً. بينما شيخ العرب همام تحوّل كما يقول الدسوقي من «ملتزم يجمع
الضرائب للمماليك إلى صاحب أوّل محاولة لإنشاء جمهورية مستقلة في الجنوب
ونجح في التمرد على قادة المماليك وفي مقدمتهم على بك الكبير». ويضيف
الباحث المصري أنهّ «لولا الخيانة، لاستمرت دولته ولتغيّر تاريخ مصر في هذه
المرحلة التي سبقت وصول الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت».
غياب للمرة الأولى
للمرة الأولى، يغيب يحيى الفخراني (الصورة) في رمضان عن شاشة
«التلفزيون المصري» رغم أنه اشترط على الشركة المنتجة «استديوهات الجابري»
ضرورة عرض العمل على المحطات الرسمية الأرضية. غير أن خلافاً حول البنود
المادية في العقد أدّى إلى عدم عرضه على «التلفزيون المصري»، فانفردت قناة
«الحياة» بالعرض الحصري داخل مصر. وتردد أنّ المحطة دفعت حوالى ستة ملايين
دولار لتمنع وصول المسلسل إلى التلفزيون الرسمي الذي رفض المضاربة، وفضّل
الانتظار لعرضه بعد رمضان بأسعار أقل. بينما استسلم الفخراني للأمر الواقع،
مكتفياً بالحملة الدعائية الضخمة للمسلسل وعرضه بعد أذان المغرب مباشرة على
المحطة التي تتمتع بشعبية كبيرة بين المصريين.
الأخبار اللبنانية في
25/08/2010
«باب الحارة» يحيي الموتى ويستغبي المشاهدين
خليل صويلح
هل يعود أبو عصام ليظهر في الجزء الخامس من المسلسل الشامي الشهير؟
سؤال يطرحه المشاهدون بعدما تبيّن أن الرجل لم يمت وعودته قد تمثّل مفاجأة
الجزء الأخير. ليس هناك شيء مستحيل في حارة «الضبع»!
يستعير مسلسل «باب الحارة» (يومياً على
mbc 22:00 وmtv
23:00) في جزئه الخامس والأخير، عناصر أفلام الرسوم المتحركة لجهة الحبكة
الخيالية المفتوحة على كل الاحتمالات، كأن تطير الضفدعة، أو أن يعزف القط
على الكمان معزوفة شهيرة لباخ. في هذه الحارة التي تحمل اسم «الضبع»، لا
مكان للمستحيل، إذ ينتفي شرط الواقع لمصلحة أحداث خرقاء، لا تكتفي بإعادة
إنتاج التخلف في مجمل أطروحات هذا المسلسل الذي يبيض ذهباً لصنّاعه، بل
الضحك على الذقون أيضاً.
في حلقة العاشر من رمضان التي عرضت الأسبوع الماضي، وكنوع من الأقدار
الإلهية، تصل رسالة من أبو عصام (عباس النوري) إلى ابنه، عبر سجين فار أكد
بحزم أنّ من شاهدنا جنازته المهيبة في الجزء الثالث، لا يزال حيّاً يرزق،
وهو موجود في أحد السجون السريّة! كان للخبر وقع الصدمة (كنا للتو قد
غادرنا جنازة أحد أزواج زهرة في مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة»). حلّاق «باب
الحارة» لم يمت إذاً، وهذه إحدى معجزات «الآغا» بسام الملّا ـــ الذي يشرف
على العمل إلى جانب شقيقه مؤمن الذي يتولى عملية إخراج هذا الجزء ــــ إثر
صلحه التاريخي مع عباس النوري بمبادرة من «النمس» (مصطفى الخاني)!
نص مشتت بفعل سطوة المعلن وغياب الرؤية الإخراجية
ورغم أننا شاهدنا أبو عصام قبل قليل يرتدي عمامة في أحد المسلسلات
التاريخية، ويشرب المتة، أمام عتبة بيته في مسلسل آخر، إلا أن الحادثة
أصابتنا في مقتل، أكثر مما أصابت عائلته التي تلقت الخبر ببرود. إذ إن أم
عصام أدت المشهد كنوع من الواجب الثقيل، ريثما تمرّ العاصفة، وتعود إلى
يومياتها الاعتيادية، وخصوصاً أنها قد صبغت شعرها بلون أحمر، وتجاوزت
المحنة منذ أمد طويل. عودة أبو عصام إلى الجزء الخامس، قد تحدث فعلاً، وهذا
ليس أمراً مستحيلاً، فالحارة التي تمكّنت من استعادة أم جوزيف (جان دارك
الحارة) من حكم الإعدام، بعملية سريّة أشرف عليها وخطط لها بحكمة، قهوجي
الحارة أبو حاتم، لن يستعصي عليها استعادة بطل يقبع في سجون الأعداء. صحيح
أن هذه العملية ستؤجل خطط أبو حاتم في كشف مؤامرات مأمون بك، ولكن التضحية
من أجل بطل من هذا النوع، تتجاوز ما عداها من تضحيات.
ربما ستكون المفاجأة التي وعدنا بها فريق العمل خلال فترة التصوير، هي
عودة عباس النوري إلى الحارة، وهو ما سبق أن توقّعه كثيرون. وإذا حصلت
المفاجأة فعلاً، فإن ذلك سيكون تعبيراً صريحاً عن أعلى درجات الاستهزاء
بالمشاهد، والاستخفاف بعقله في فبركة درامية إضافية، عمّا جرى في الأجزاء
السابقة. وهي الأجزاء التي قدمت شهادة مزوّرة عن البيئة الدمشقية، وجرى
تعميمها عربياً، بوصفها صورة عن التفكير السوري. بالطبع، لن نلتفت إلى ثبات
الزمن في هذا العمل، فالشخصيات لم يطرأ عليها أي تغيّر فيزيولوجي، بفضل الـ«بوتوكس»
والماكياج والأزياء، وغياب الرؤية الإخراجية عن نص مشتت، يجتر أوهاماً
درامية، تستدعيها ساعات البث الضرورية والطويلة في رمضان، وسطوة المعلن،
وقبل ذلك شهوات «الضباع».
الأخبار اللبنانية في
25/08/2010 |