أكد المخرج السوري نجدت أنزور
أنه ليست هناك دوافع شخصية لدى الداعية السوري رمضان البوطي دفعته للهجوم
على مسلسل 'ما
ملكت أيمانكم' الذي أخرجه أنزور ويُعرض على عدة فضائيات عربية من بينها
السورية، وأن ما حدث هو أن بعض المتضررين من المسلسل، ممن يفتقرون
للمصداقية لدى
المشاهدين أعطوا البوطي معلومات مغلوطة فوقع في فخ نواياه الحسنة، وأن
البوطي سرعان
ما تراجع عما نسب إليه بمجرد أن عرف الحقيقة.
وقال أنزور في تصريح لـ'القدس
العربي' انه لا يحمل للشيخ البوطي الا كل احترام ولم يُخفِ توقعاته بردود
فعل مقبلة
مختلفة من قبل من يكشف المسلسل أدوارهم السلبية في المجتمع، ويعري
ممارساتهم
المنفصمة حسب تعبيره، المخرج السوري شدد على أن 'الجهات المسؤولة داخل
سورية
وخارجها،' لم تتأثر بما طرح من تهويلات بشأن المسلسل، بل واظبت على عرض
المسلسل،
كما ازدادت نسبة متابعته لتحقق ارقاماً قياسية،'ورأى أن الحملة التي يتعرض
لها
المسلسل عززت مكانته لدى المشاهدين 'لأن الضربة التي لا تكسر الظهر تقويه'،
لكنه
لفت إلى أن ما جرى كان سابقة خطيرة، لو نجحت، لضيّقت على المبدعين
والإبداع.
وكشف أنزور أنه عرض نص المسلسل كاملاً على عدة رجال دين قبل تصويره،
وأجازوه، مبيناً أنه تمنى عليهم السماح له بوضع أسمائهم على المسلسل
كمستشارين
فاعتذروا عن ذلك، لأنهم لا يحبون الظهور في وسائل الإعلام 'حسب تبرير
أنزور.
ورداً على سؤال حول ضغوط مورست من قبل وزارة الإعلام السورية والهيئة
العامة للاذاعة والتلفزيون لوقف عرض المسلسل قال: 'نعم كانت هناك ضغوط من
قبل بعض'
المتضررين من المسلسل، وخاصة من يعري العمل ممارساتهم المنحرفة، ودورهم
السلبي في
المجتمع، لكن أصحاب القرار لم يخضعوا للابتزاز'، وجزم أنه لم يضع أية آية'
قرآنية
أو أي حديث نبوي في غير سياقه في المسلسل 'فأنا لست مجنوناً كي أقدم على
أمر
كهذا'.
وحول ما تردد حول وجود رابط ما بين مسلسل من نمط 'ما ملكت أيمانكم'
وسعي
السلطات السورية لتخفيف المد الديني المتنامي في سورية لا سيما
منع المنقبات من
دخول الحرم الجامعي، أكد أنزور أن'لا علاقة
لمسلسله بما جرى في الجامعة وأوضح: 'عملنا
ليس ضد المنقبات، إنه يتحدث عن الحرية الشخصية' ضمن إطار لا يمسح ثوابت
المجتمع'، وإذ رأى أنزور أن ردود فعل المتضررين من عمله الإبداعي تثبت أنه
يسير في
الطريق الصحيح، أكد أنه أكثر إصراراً على أعمال تتناول جراح المجتمع
العربي، ولاحظ
أنزور أن الضجة التي أثيرت حول المسلسل والهجوم الذي تعرض له ستنعكس
إيجاباً لجهة
تسويقه.
وكانت أزمة شديدة نشبت بين أنزور والبوطي على خلفية انتقادات عنيفة
وجهها الأخير للمخرج أنزور وصف فيها عمله الدرامي بأنه نذير غضبة إلهية
وطالب بوقف
عرضه على الفضائيات.
القدس العربي في
23/08/2010
التلفزيون المصري في رمضان
'الجماعة'
هديّة للنظام بالوقت المناسب.. و'مضغ' لشعارات
المعارضة
محمد سعيد
المواظبون مثلي على متابعة أخبار الاعتصامات
والوقفات الاحتجاجية في مصر ساءهم انشغال الناس بشهر رمضان..
فالنهار الذي كان قبل
أقل من أسبوعين موعداً ثابتاً للهتاف ضد الحكومة والنظام، صار الآن وقتاً
للاسترخاء، تراجع الحديث فيه عن البرادعي ومطالبه السبعة، وبات الجميع
مشغولاً
بمقاومة العطش والتندر بحرارة الطقس.. لكن التلفزيون المصري
بقنواته الرسمية
والخاصة لم يحرمنا فرصة مواصلة الاندماج في هذه الأجواء الاحتجاجية الشيقة،
فمن لاذ
ببيته وغاب عن رصيف مجلس الشعب ـ الذي نزل بضيافته معظم المعتصمين خلال
الأشهر
الفائتة ـ عليه فقط أن يجلس أمام شاشة التلفزيون في رمضان،
ويضغط على أزرار الريموت
كونترول واحداً بعد الآخر، لينعش سخطه على الحكومة، ويجدد غضبه على النظام،
ويراجع
ما ذاكره في بيانات التغيير.. حتى إذا انتهى الشهر الفضيل، عاد إلى
مظاهراته
وهتافاته حاضر الذهن وكأن شيئاً لم يكن! كل ذلك على التلفزيون
المصري؟ نعم.. أليس
تابعاً للحكومة وخاضعاً لإشرافها؟ بكل تأكيد..! وما مصلحته إذن في نشر
(ثقافة
الاحتجاج) التي تستهدف النظام وتضر باستقراره وديمومته؟ آه.. هذا هو
السؤال.. الآن
استرخ كما تفعل كل نهار، واترك لي مهمة البحث في هذه الظاهرة
الفريدة في عالم
الدعاية (الجوبلزية)، إن جاز التعبير.
حوار صريح جداً
إذا لم تكن من
الحريصين على أداء صلاة 'التراويح' الرمضانية في جماعة، فإنك حتماً ستتورط
في
مشاهدة نجوم السياسة والفن على التلفزيون، وهم يصطنعون الحيرة والتردد أمام
المذيعة
منى الحسيني في برنامجها الذي يوصف بالجريء (حوار صريح جداً).. وهو من
البرامج التي
أراد بها التلفزيون المصري في نهاية التسعينات أن يضارع
القنوات الفضائية العربية
في التظاهر بالحرية المطلقة وتجاوز الخطوط الحمراء، لكن إدارة التلفزيون
عادت إلى
رشدها بعد بضع سنوات، وأوقفت البرنامج فجأة على نحو أغضب منى الحسيني..
فشدت رحالها
إلى قناة (المحور) المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، ومنها إلى قناة (دريم)
المملوكة
لرجل الأعمال أحمد بهجت.. ورغم أن القطبيْن البارزين مقربان من السلطة، إلا
أن
الحسيني تمتعت في ظلهما بحرية ملحوظة في اختيار وتناول
قضاياها، ولقيت في المقابل
استحساناً من الجمهور المتعطش للنقد، وإن ظلت دائماً من رواد مدرسة
الانحياز لطرف
دون آخر، وإبداء رأيها الشخصي على الشاشة، بحجة أنها ـ أي المذيعة ـ (تتحدث
بلسان
الناس) على حد قولها لإحدى الصحف! فإذا أضفت إلى ذلك صوتها
العالي وأداءها العدواني
في أغلب الأحيان، ستتخيل ـ رغماً عنك ـ في لحظة ما أنك تراقب بتأفف خناقة
في الشارع
وليس (حواراً صريحاً جداً) كما يدعون! يعود البرنامج إلى التلفزيون المصري
هذا
العام، مقابل أجر خيالي للمذيعة، ونسخة مجانية لقناة دريم،
وسقف أعلى لحرية محسوبة
بالورقة والقلم.. فماذا يقدم لمشاهديه؟
دعت منى الحسيني النائب البرلماني المثير
للجدل رجب هلال حميدة إلى البرنامج قبل أيام.. وهو من رجال
السياسة الذين دسوا
أصابعهم في كافة أطباق المعارضة المتوفرة في بوفيه السياسة المصرية
المفتوح، ابتداء
بالجماعات الدينية المتشددة ـ بل والإرهابية بحسب اعترافه ـ إلى حزب
الأحرار،
ومروراً بالتردد على عدة أحزاب أخرى عملت على استقطابه،
وانتهاء بـ'حزب الغد' الذي
دخله نصيراً لزعيمه أيمن نور، لكنه سرعان ما اشتبك معه في حرب على زعامة
الحزب..
وبما أن نور ـ الذي كان يوماً ما من
المقربين للرئيس مبارك ـ صار من ألد خصوم
النظام بعد خوضه انتخابات الرئاسة الماضية، فإن معركة حميدة
ضده حظيت بتشجيع وتصفيق
من الإعلام الرسمي.. غير أن منى الحسيني نالت الضوء الأخضر كي تخرج عن الصف
وتشذ عن
هذا الالتزام، فإذا بها تقول لضيفها على بلاطة: أنت من المعارضة
المستأنسة!! وأكاد
أجزم أن هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها التلفزيون الرسمي
بوجود مثل هذه
المعارضة أصلاً.. بل ويأتي هذا الاعتراف ـ على لسان المذيعة المدللة ـ في
إطار
استجوابها للنائب بشأن علاجه على نفقة الدولة رغم ثرائه.. تساءل حميدة بثقة
وفخر:
كيف أرفض عرضاً كريماً كهذا من الرئيس مبارك شخصياً بعد أن دعاني لزيارته
في قصره
وقضيت معه ساعة ونصف الساعة؟ ألا يكون ذلك عيباً وقلة ذوق؟ فتلاحقه الحسيني
باستنكار: أم هي (تورتة)، كل واحد عاوز ياخد نصيبه منها؟
لا تأتي منى الحسيني
بجديد، فهي تعيد ما دأب الإعلام الخاص والمعارض والمطالبون بالتغيير وفضح
الفساد
على ترديده حتى الأيام الأخيرة قبل شهر رمضان، حيث كانت قضية العلاج على
نفقة
الدولة هي المادة الخام لكثير من المظاهرات والاعتصامات، بعد
الكشف عن تواطؤ
مسؤولين حكوميين ونواب برلمانيين في إهدار نحو 350 مليون جنيه مصري (أكثر
من 60
مليون دولار) من ميزانية العلاج على نفقة الدولة، استفاد منها في المقام
الأول
وزراء ورجال أعمال مقتدرون..
ظن المغفلون أن الحكومة عينها انكسرت، وأنها ستداري
على الفضيحة، لكن الحقيقة أن الحكومة عينها جريئة، بل وأجرأ مما كانت عليه
في أي
عهد.. وأن سياسة الإعلام المصري الرسمي تتجه الآن إلى (استهلاك المعارضة)،
ومضغ
شعاراتها كالعلكة! مثل هذا الموقف البطولي للتنديد بالفساد،
الذي يفاخر المعارضون
بتبنيه حصرياً، سيتقاسمه معهم الإعلام الرسمي، بل ويكرره على الأسماع ليل
نهار، إلى
أن يتحول إلى مسلسل ممل ومعاد، فيعرض عنه المتفرجون، ويبحثون عن مسلسل
غيره..
السائرون نياماً
يذيع التلفزيون المصري في رمضان مسلسلاً
مأخوذاً عن رواية المبدع سعد مكاوي، يحمل عنواناً يصف حال
الشعوب العربية في
استسلامها غير المشروط للفساد والاستبداد.. (السائرون نياماً) رواية بديعة
ترجمها
بمهارة إلى اللغة التلفزيونية السيناريست مصطفى محرم، وحقق لها المخرج محمد
فاضل
معادلاً بصرياً ثرياً ومدهشاً.. وأحداثها تدور خلال الثلاثين عاماً الأخيرة
من حكم
المماليك، فهل هي صدفة أن تبث على الشاشة مع نهاية العام
الثلاثين من حكم النظام
الحالي في مصر؟ ستفكر مثلي في هذه المفارقة إذا تأملت في تفاصيل العمل
وعينك على ما
يجري في الشارع المصري.. فالفنانة المخضرمة فردوس عبد الحميد (البطلة
المفضلة لدى
زوجها محمد فاضل) تجسد شخصية (زليخة) زعيمة (البهاليل)، وهم
المتدينون الزاهدون
الذين يلعنون القصر في حلقات الذكر والتسابيح، ويؤلفون خلية للمقاومة
الشعبية ضد
الحاكم (أي أنهم يخلطون الدين بالسياسة)، لكن الجارية جولشان تعترف: الناس
بتحبهم
وبتسمع كلامهم... (ألا يذكرك ذلك بالإخوان؟).. وفيما تقول
زليخة لأحد مريديها: لازم
ناخد حقنا بإيدينا، بس لازم يكون فيه عدل...! وتضيف: الوقت المناسب اللي
بنحضرله
ونستناه لسه مجاش! يرد الفتى بلسان حال شباب اليوم المتعجل للتغيير: ويا
ترى حنشوف
الوقت المناسب ده، ولا ولادنا اللي حيشوفوه؟ لا تنتهي إسقاطات
المسلسل على الوضع
الراهن عند هذا الحد.. فهناك أزمة قمح، تماماً كالتي ضربت مصر قبل أسابيع،
والفساد
الذي تغلغل في أرجاء السلطنة، والفقر الذي يشجع الناس على الهجرة، ومنهم
هذا الفلاح
الذي خدم لدى الإقطاعيين (رجال الأعمال) أربعين عاماً، لكن زوجته تتمنى لو
أنهم
(هاجروا
زي 'وداد').. فيعلق الزوج متأملاً: ومين قالك إنها مبسوطة؟ لكن الزوجة
البائسة تتنهد وترد بيأس: أهو كنا تُهنا في الزحمة وعرفنا نربي أولادنا.
سعد
مكاوي نشر هذه الرواية في منتصف الستينات، وعندما انتبهت لقيمتها الأوساط
الأدبية،
فسرتها على أنها إسقاط على فترة ما قبل هزيمة عام 1967 والعوامل التي مهدت
لها،
وعلى رأسها التناحر بين مراكز القوى داخل مؤسسة الحكم
الواحدة.. الآن تعود إلينا
الرواية بإسقاط جديد، يطوعه في قالب عصري الكاتب المعروف بثوريته مصطفى
محرم في ضوء
التململ الشعبي والحراك السياسي في مصر، ويلخصه الشاعر جمال بخيت في تيتر
النهاية
بأغنية نارية، يتقاسم غناءها علي الحجار وفردوس عبد الحميد،
تقول كلماتها: حسك
عينك.. تكتم حسك تقفل عينك.. قوم يا أخينا وسدد دينك.. حرر نفسك بحر وبر!
هل صبأ
التلفزيون المصري؟ هل ارتد عن 'حكوميته'؟ هل تراجع عن ملكيته؟ بالقطع لا..
بل ما
زال يعمل جاهداً على سد الطريق أمام قوافل المعارضة الجامحة، وتعبيده في
نفس الوقت
أمام استقرار وديمومة النظام الحالي، ولكن الركض وراء المعارضة
وحركات التغيير أصبح
موضة قديمة.. جيل الحكام الجدد في مصر صار أصغر سناً، ومستشاروه الإعلاميون
لديهم
صفحات على الفيس بوك.. وحيلتهم في التصدي لخطاب المعارضين لم تعد الهجوم
ولا حتى
المناقشة وتداول الأفكار والمطالب، بل ترديد نفس الخطاب بشكل
هزلي إلى أن يبلى
ويفقد قيمته.. ويعتقد الناس أن من حقهم انتقاد النظام في ظل النظام، وأن
رفع الصوت
بالمعارضة لا يعني إنكار الولاء..
الجماعة
فرحت في الإخوان عندما
شاهدت مسلسل (الجماعة)، فقد تلكأوا سنوات في إنتاج عمل درامي يروي سيرة
إمامهم حسن
البنا.. ظلوا يعيدون ويزيدون في أخبار التحضير لمثل هذا العمل حتى سبقهم
وحيد حامد
بقلمه الساحر وفكره المنحاز، وقدم هديته للنظام الحاكم في موعدها، مع بدء
حملة
واسعة وقوية لحشد التأييد الشعبي لجمال مبارك رئيساً للبلاد،
وإعلان الإخوان دعمهم
للدكتور محمد البرادعي الذي يعارض هذا الترشيح في ظل الدستور الحالي..
لكنني فرحت
أكثر لأننا دخلنا بهذا المسلسل عصراً سبقنا الغرب إليه، يعبر فيه كل تيار
عن وجهة
نظره في التاريخ بالأداة التي يتقنها ويقدر على تكاليفها.. لن
تجد عملاً درامياً
تاريخياً معصوماً من التحيز.. لكن هذا هو عصر الدراما.. وليحتكم الجمهور
إلى
وعيه...
'
كاتب من مصر
القدس العربي في
23/08/2010
هل تصنع الميزانيات الضخمة الدراما أم العكس؟
حاتم علي مخرج يغرد خارج السرب في 'أبواب
الغيم'
دمشق 'القدس العربي'من يارا بدر
يحتار المشاهد ما سيُتابع من
مائدة رمضان الدرامية كُلّ عام، وهناك الأصناف المصرية
والخليجية والسورية بالتأكد.
ومن جهتهم، يتفاءل صناع هذه الدراما والعاملون فيها كلما زاد العدد وتنوّعت
الطروحات، خاصة في سورية التي وعلى عادتها، امتلكت الكثير من المواهب
والطاقات من
جهة الكتاب والمخرجين والممثلين، إلى جانب طاقمها الضخم من ذوي
الخبرات الفنية،
لكنها وعلى عادتها أيضاً لم تمتلك منهجاً لدعم طموحاتهم وبناء صناعة مستقلة
بالدراما السورية تكون ذات خطة واضحة، تحميها وتدفعها للإمام. فانطلقت
الدراما
السورية قبل زمن بدعمٍ من التمويل الخليجي، واستمر الحال في
تصاعدٍ كمّي ونوعي حتى
وقع شبه خلاف سياسي بين السوريين والخليجيين وامتدَ موجهُ ليُبللّ الساحة
الدرامية،
فاستيقظ السوريون على واقع أزماتهم الدرامية المتتالية، وبدأ العمل في
محاولة جادة
للخروج منها.
اليوم في رمضان 2010 تقدّم الدراما السورية أكثر من ثلاثين عملاً
درامياً، قليل منها لصالح مديرية الإنتاج الدرامي السورية، وأغلبها لصالح
المحطات
والفضائيات الخليجية، وهذا البعض الثاني هو الذي يتميّز بضخامة الإنتاج
وجودة
التوزيع على محطات العرض. فنتساءل مجدداً عمّا أنجزناه في
فورتنا الماضية التي كشفت
لنا سوء وضع الدراما السورية، من حيث أنّها مهددة دوماً بسطوة المنتج
والموزّع
الخليجي.
غربة الفنانين السوريين ليست بالجديدة، بل هي ساحة تنافسية بين من فاز
بأكثر من مشاركة في الدراما المصرية، ومن نجح بعملٍ في الدراما الخليجية،
ودافعهم
الدائم لهجرانهم الدراما السورية، يكمن في الأجر المالي المُذهل الذي
يتلقونه في
دول الخليج وتحديداً قطر ودبي، بينما كانوا يفتقدونه في سورية.
حتى أنّ مخرجاً
حقق اسماً باهراً في صناعة الدراما السورية من طراز المخرج حاتم علي يغيب
لأكثر من
عام عن الدراما السورية. باستثناء مسلسله البدوي 'صراع على الرمال' الذي
تابعناه
العام المنصرم، وانتظرنا إلى اليوم لنتابع عمله البدوي الجديد
'أبواب الغيم'. أمّا
ما بينهما فقد تفرّغ علي لتحقيق المشروع الفني الأضخم بالنسبة لأيّ مخرج،
ألاّ وهو
السينما، فاشتغل فيلمين روائيين طويلين، هما 'سيلينا' و'الليل الطويل'.
علماً بأنّ
الفيلم الثاني لم يُعرض حتى الآن في سورية، وذلك لأسباب رقابية
تقص وتلغي كل ما
يتحدث عن مُعتقلي الرأي.
في مقابل هذا التهميش الفني للأسباب الرقابية، يجد علي
وكل من معه في 'أبواب الغيم' دعماً مالياً يصل حدود بناء قرية كاملة صممت
خصيصاً
للعمل في منطقة 'دير علي' قرب العاصمة دمشق، ويؤمن له ما يريده
من المجاميع البشرية
الضخمة المستعدة للعمل المتواصل طوال اثنتي عشرة ساعة، إلى جانب الخيول
المُدرّبة
ومُستلزمات مشاهد الحرب والإكسسوارات والملابس وسواها، بل وينقل بكل سهولة
ويسر كل
من يرى المخرج ضرورة حضوره إلى مختلف مواقع التصوير التي امتدت
من دبي إلى المغرب
وصولاً إلى دمشق.
لكن ما هو مسلسل 'أبواب الغيم' ذو الإنتاج الضخم، الذي لم
يُصرّح عن ميزانيته بشكل نهائي حتى الآن؟ كتب سيناريو وحوار المسلسل
المأخوذ من
أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الكاتب عدنان العودة،
وتنتجه شركة 'صورة' للمخرج
حاتم علي بالتعاون مع مدينة دبي الإعلامية، على أنه يُعرض حصرياً على قناة
'دبي'.
أمّا للجهة الفكرية فيقدّم العمل ما يريده
المنتجون، ألا وهو صورة ملحمية عن حياة
الإنسان البدوي، كما عاشها في شبه الجزيرة العربية، هذه الحياة
التي تشكّل ماضي
وتاريخ مواطني الخليج قبل اكتشاف البترول واللؤلؤ في دبي، وسواها من دول
وإمارات
الخليج العربي.
حيث يعرض المسلسل مقوّمات الحياة الأساسية اليومية والاجتماعية
والاقتصادية التي حكمت تلك المنطقة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى القرن
العشرين،
أي على مساحة زمنية تمتدُّ قرابة السبعين عاماً، في خط درامي
لا يمكن للمسلسلات
البدوية أن تعرف سواه، ألا وهو الصراع العاطفي والانتقام وتعقيدات الحياة
بين
القبائل المتعايشة على ذات الرقعة الجغرافية، إلى جانب تأثّرها - في هذا
العمل
تحديداً- بالقوى الجديدة في المنطقة من الأتراك والإنكليز.
فهناك الجميلة 'صبحة
الحفيانة'- قامت بالدور الممثلة سلافة معمار- التي يتصارع على حُبها كل من
عبد
المحسن النمر بدور 'مجول' وقصي خولي بدور 'غازي'، وتطوّر حياتهم عبر سبعة
عقود
تضمُّ ثلاثة أجيال كاملة، ضمنت مشاركة أسماء عدّة من نجوم
الدراما السورية من غسان
مسعود بدور كبير القبيلة إلى أندريه سكاف ونادرة عمران ووائل نجم وسواهم..
بالنظر إلى كافة هذه العناصر الغنية من الإخراج الذي يقوده أحد أهم
مخرجي
الدراما إلى الإنتاج الضخم والممثلين المتميزين، وصولاً إلى العناية بمواقع
التصوير
المبنية خصيصاً للعمل، وليس انتهاء بالسيناريو الملحمي والأشعار التي لا
غنى عنها
في الحديث عن البيئة البدوية... بالنظر إلى كل هذا لا يمكننا
سوى توقع الأفضل، لكنه
الأفضل بالنسبة للدراما البدوية تحديدا، التي ابتعدت عنها المسلسلات
السورية منذ
عقود، لابتعاد الحياة العامة عن ذلك النمط المجتمعي، ولمحدودية الخيارت
الدرامية
التي يمكن البحث فيها. لكن الأهم من ذلك كله وربما بسبب ذلكً
لا نستطيع القول عن 'أبواب
الغيم' بأنه عمل سوري، بل إنه دراما خليجية حيث أنّ إنتاجه خليجي وموضوعه
كذلك.
مع ذلك نشك في متابعة الجمهور السوري وحتى العرب غير الخليجيين لأعمال
بدوية كهذه، بالقياس إلى مسلسل متواضع الإنتاج، سوري بأكمله، وهو المسلسل
الكوميدي 'ضيعة ضايعة' من إنتاج شركة 'ساما' السورية
وبتوقيع الليث حجو مخرجا، عن سيناريو
الكاتب محمود حمادة، الذي يعتبره البعض (فخر الصناعة الوطنية).
وبالطبع نحن لا
نقصد المقارنة في طرحنا هذا، وندرك عبثيّة المقارنة بين الدراما البدوية
والكوميديا
الاجتماعية الساخرة، لكننا قصدنا السؤال حول ماهيّة الدراما التلفزيونية
بشكلٍ عام.
وماهية صناع هذه الدراما؟ ودور الإنتاج
الضخم بكل مُغرياته، وميّزاته في استيلاد
الدراما من رحم الصحراء القاحلة؟ لأن الحياة البدوية شئنا أم
أبينا تبقى فقيرة
بمعطياتها وتكويناتها، ونحن ندرك أيضا أن حاتم علي مخرج ماهر وفنان بارع،
قدم صورة
متميزة وملحمة غنية بصراعات الإنسان مع شرطه الصحراوي ومع نظيره الذي
ينافسه على
المياه والكلأ والنساء أيضا. لكنها صراعات أصبحت خارج الزمان
والمكان، وخارج حياتنا
الأغنى والأجمل، وهذا كله يدفعنا للقول اننا خسرنا حاتم علي باعتباره أهم
مخرجي
الدراما السورية.
القدس العربي في
23/08/2010 |