لا تنتظر مني أن أقدم تقييماً كاملاً لمسلسل «العار» الذي نشاهده
الآن في رمضان، لأن ذلك لن يكون ممكناً إلا بعد انتهاء حلقاته تماماً، هذا
إذا صمدت
أمام المتابعة المسلسلاتية التي تحتاج إلي طاقة من الصبر لم تعد موجودة،
لكني أريد
هنا أن أسجل هذه التجربة التي أظن أنها جديدة في استلهام عالم فيلم سينمائي
كتب
مباشرة للسينما (وليس عن أصل روائي أو مسرحي مثلاً) ليكون مسلسلاً
تليفزيونياً كتبه «أحمد
محمود أبو زيد» - ابن مؤلف الفيلم، واخرجته «شيرين عادل». الصعوبة ليست فقط
في تقديم الجديد لكن في مواجهة النجاح الجماهيري والفني الضخم الذي حققه
فيلم «العار»
منذ عرضه الأول في دور العرض في أكتوبر 1982 وحتي اليوم حيث أصبح من
الأفلام التي يتكرر عرضها في معظم الفضائيات العامة أو المتخصصة في عرض
الأفلام
والمشكلة الأكبر في أن مستوي الأداء التمثيلي في الفيلم وصل إلي درجة رفيعة
لا تنسي
مما سيجعل المقارنة صعبة.
كما أن الفيلم هو أفضل وأنضج ما كتب مؤلفه «محمود
أبو زيد»، ومن أفضل أعمال مخرجه «علي عبد
الخالق»، والاثنان لم يصلا إلي مستوي
عملهما في فيلم «العار» في أفلام مشتركة
تالية مثل «جري الوحوش» و«الكيف» و«البيضة
والحجر».
هي مغامرة بالتأكيد لأن المقارنات ستبدأ ولن تتوقف، والحقيقة أن
المسلسلات التليفزيونية اعتمدت من قبل علي روايات تحولت أولاً لأفلام
سينمائية كما
حدث مع مسلسلات «اللص والكلاب» و«رد قلبي» و«الباطنية»، لكني لا أتذكر
استلهام
مسلسل من فيلم كتب مباشرة للشاشة الكبيرة، علي الجانب الآخر اعتمدت السينما
العالمية دومًا علي تحويل المسلسلات الناجحة إلي أفلام مثل سلسلة «مهمة
مستحيلة»
التي كانت أصلاً مسلسلاً ناجحًا كنا نشاهده في أثناء الطفولة في
السبعينيات،
والقائمة طويلة في هذا المجال كما في «ملائكة تشارلي» و«الملف X»
وهما أصلا مسلسلات
تليفزيونية ناجحة، إنني أتذكر أن التليفزيون كان يعتمد علي
مسلسلات إذاعية سبق
نجاحها ليقدمها كمسلسلات تليفزيونية كما في أحلام الفتي الطائر
الذي كان أصلاً
مسلسلاً إذاعيا كنت أتابعه يوميا ويحمل اسم
«بلد المحبوب»، ولعب «توفيق الدقن» في
هذا العمل دور «إبراهيم الطائر» الذي لعبه في التليفزيون «عادل إمام».
أما
نقل المسلسلات الإذاعية إلي السينما فهو أمر قديم ومألوف ربما منذ النجاح
المدوي
لمسلسل «سمارة» في الخمسينيات الذي لعبت بطولته «سميحة أيوب»، فلما نقل إلي
السينما
اختار مخرجه «حسن الصيفي» النجمة «تحية كاريوكا» لتقوم ببطولته، وفي
السبعينيات،
كانت السينما تحول مسلسلات الراحل «سمير عبدالعظيم» الناجحة إلي أفلام من
«أفواه
وأرانب» إلي «علي باب الوزير»، ومن «الشك يا حبيبي» إلي «لست شيطانا ولا
ملاكا»،
واعتقد أن آخر ما تم تحويله من أعماله مسلسل «الصبر في الملاحات» الذي أصبح
فيلمًا
يحمل نفس الاسم بطولة «نبيلة عبيد».
كما نقلت السينما مسلسلات ناجحة قدمها
«وحيد حامد» في الإذاعة مثل فيلم «بنات إبليس» بطولة «مديحة
كامل» و«فريد شوقي»
الذي كان أصلا مسلسلا إذاعيا تخلو فيه الشوارع في الخامسة
والربع يوميا بعنوان
«الفتي الذي عاد» استوحاه «وحيد حامد» من مسرحية «مهاجر بربمان»
التي كتبها
الفرنسي- اللبناني الأصل «جورج شحادة»، كما
تحول مسلسل «قانون ساكسونيا» الإذاعي
إلي فيلم «الغول» من بطولة «عادل إمام» و«نيللي» وإخراج «سمير سيف»، وتحول
مسلسل «الدنيا
علي جناح يمامة» الإذاعي إلي فيلم بنفس الاسم بطولة «محمود عبدالعزيز، مع
تغيير بطلة المسلسل الأصلية «نجلاء فتحي» إلي «ميرفت أمين».
لكن فيلم «العار»
تحديدا يتجاوز عندي كونه فيلماً جيد الصنع في معظم عناصره (علي سبيل المثال
موسيقي حسن أبوالسعود وتصوير الكبير سعيد شيمي)، لأنني أعتبره جزءًا من
دائرة أوسع
يمكن أن تعتبرها عنوانها أفلام رصد التغيرات التي طرأت علي الشخصية المصرية
منذ
النصف الثاني من السبعينيات.. بدأت هذه الأعمال بفيلم «انتبهوا أيها
السادة» الذي
عُرض في العام 1980 الذي ينجح فيه زبال ثري فجأة في انتزاع خطيبة أستاذ
جامعي كان
قد رفض أن يزوجه أخته.
ثم عُرض فيلم «أهل القمة» للمخرج علي بدرخان
وسيناريو وحوار «مصطفي محرم» عن قصة «نجيب
محفوظ» عام 1981، وفي هذا الفيلم ينجح لص
سابق أصبح من البهوات في انتزاع شقيقة ضابط شريف، وجاء دور «العار» عام
1982 الذي
يعرض لأول مرة استقالة وكيل نيابة وتفرغ طبيب يعالج الإدمان للمشاركة في
عملية
استلام وتخزين شحنة مخدرات من أجل المال، وخوفًا من الفقر الذي أصبح عارًا
دونه
الموت بعد أن كانت أفلام الأبيض والأسود تعتبره شيئًا عاديا
تمامًا.
واستُكملت الرباعية بأهم وأفضل أفلام «عاطف الطيب» حيث عُرضت في عام 1983
رائعته «سواق الأتوبيس» عن قصة «محمد خان» و«بشير الديك» وفيه يقف الأبناء
باستثناء الولد الوحيد حسن - وهم يشاهدون انهيار والدهم بسبب الحجز علي
ورشته، بل
إنهم يقومون بتقسيم الميراث في حياته.
أحمد عبدالوهاب مؤلف «انتبهوا أيها
السادة» الذي أخرجه «محمد عبدالعزيز» و«مصطفي محرم» كاتب
سيناريو «أهل القمة»
و«محمود أبو زيد» مؤلف فيلم «العار» و«بشير الديك» كاتب
سيناريو «سواق الأتوبيس»
اجتمعوا - من غير اتفاق مُسبق علي الإشارة إلي أن هناك أشياء
خطأ، وأن الناس تغيرت
بعد أن أصبحت المادة هي كل شيء، ومن
المفارقات «الغريبة» في «العار» و«سواق
الأتوبيس» مثلاً أن الأب في الفيلم الأول
تاجر مخدرات يتستر وراء تجارة العطارة،
والأب في الفيلم الثاني شبه عاجز بعد الحجز
علي ورشته، وانهيار صورة الأب في
الفيلمين هي نذير انهيار كل شيء، وتتفق
الأفلام الأربعة في أنها تبدأ والصورة
العامة للأسرة عادية ومتماسكة بل وبراقة
أيضا، ثم تنتهي بالانهيار الشامل الذي يشبه
سقوط صخرة ضخمة من علٍ، والأفلام الأربعة تتميز بجودة أداء ممثليها بصفة
عامة، كما
تتميز بالنهايات القوية التي لا تغلق أقواسا، بل إننا نشك إنها نهايات لأن
الأسئلة
تبدأ فور حدوثها وكأننا لا نغلق الملف بل نفتحه من جديد، لكني أعتقد أن
فيلم «العار»
كان أكثرها وصولا إلي الجمهور بروحه الشعبية العذبة، وبحواره اللاذع الذي
يمكن أن تحفظه، وبدخوله لعالم المخدرات بكل هذه التفصيلات الغريبة وكأنه
دراسة عن
عالم الممنوعات ومصطلحاتها.
روز اليوسف اليومية في
15/08/2010
أضواء
الدراما في رمضان كثير من العنف قليل من الحب
القاهرة: دار الإعلام العربية
فيما تتوجه أعين المشاهدين إلى شاشات الفضائيات لمتابعة الأعمال الدرامية
خلال شهر رمضان، ينتقد المختصون سيطرة لغة القتل والدماء والعنف على أحداث
هذه الأعمال، وقالوا إن دراما العنف قد تحولت لبضاعة رائجة لعب حولها
المنتجون للاستحواذ على أكبر كم من المشاهدين®. تفاصيل أكثر تضمها السطور
التالية.
تحت شعار »الدراما جزء لا ينفصل عن الواقع«، تحولت لغة الحوار في المسلسلات
الدرامية من الحوار التقليدي إلي حوار بالسيوف والمسدسات، كما زادت مشاهد
العنف والبلطجة التي لم ير المشاهد لها مثيلاً من قبل في الأعمال الدرامية،
ومن بين هذه الأعمال التي تنتصر للغة العنف مسلسل »بالشمع الأحمر« الذي
تلعب بطولته الفنانة يسرا حيث يشهد جرائم وصراعات وأحداث عنف مختلفة، وهو
الأمر الذي فسرته يسرا بأن عملها كطبيبة شرعية في المسلسل يقودها إلى
استعراض جرائم كثيرة والعمل على فك شفرات تلك الجرائم بحثا عن الحقائق
حولها ومن هو القاتل الحقيقي.
عنف مجتمعي وعلى مدار 03 حلقة في مسلسل القطة العمياء تحاول الفنانة حنان
ترك فك شفرة مقتل أحد رجال الأعمال من خلال تجسيدها لدور محامية تبحث عن
الحقيقة لكنها تتعرض للعديد من المشاكل التي تضعها في أكثر من مأزق، وعلى
الرغم من أن المسلسل من النوع الكوميدي إلا أنه يجري في جو من الإثارة
والتشويق.ومن القطة العمياء إلى شاهد إثبات حيث تلعب السورية جومانا مراد
دور رانيا المحامية المخلصة لمهنتها، وتتركز الأحداث حول اتهام شقيقها في
قضية قتل فتتولى مهمة الدفاع عنه.
بينما يتولى مطلقها مهمة الادعاء لكونه وكيل نيابة، وفي سياق تلك القصة يتم
تداول مواضيع جريئة في إطار تشويقي وإن كانت الظاهرة المسيطرة على جميع
الأحداث هي العنف المجتمعي.
قتل وخيانة
ويندرج لقائمة أعمال العنف والإثارة في رمضان مسلسل بفعل فاعل، حيث تكتشف
تيسير فهمي التي تلعب دور محامية خيانة زوجها لبلده مصر وعندما تقرر
الإبلاغ عنه تجد نفسها مطالبة بتقديم إثبات لتورط زوجها في الخيانة
الفعلية، بينما تسقط الفنانة إلهام شاهين في ورطة عندما يتم اتهامها بقتل
زوجها، وذلك في أحداث المسلسل الدرامي امرأة في ورطة وتظهر براءتها في
النهاية بعد أن تكون الأحداث قد وصلت لذروتها ويكاد أن تلتصق بها التهمة.
أيضا تتكرر فكرة الجريمة والثأر في صعيد مصر من خلال مسلسل موعد مع الوحوش
والذي تدور قصته حول رجل أعمال له نفوذ لكن ابن زوجته يحاول التخلص منه
لأنه يعرف أنه قتل أباه كي يتزوج بأمه، ومن خلال هذه القصة تدور الكثير من
المطاردات في المسلسل.
التشويق والإثارة في دراما رمضان لم ينتهيا بعد، فمازالت هناك غادة عادل
التي تبحث عن قاتل زوجها في مسلسل »فرح العمدة« بينما يتم اتهام مي عز
الدين في قضية قتل ضمن أحداث مسلسل قضية صفية، التي تجسد خلالها حياة فتاة
ريفية بسيطة لكن الصدفة تضعها في دائرة الاتهام.
وينضم لهما مسلسل اغتيال شمس الذي يتناول بشكل موسع قضايا الثأر في الصعيد،
من خلال قصة أحد الباحثين الذي يعود لبلده في الصعيد قادما من إحدى الدول
الغربية ليجد نفسه مطلوباً للثأر. وأيضا هناك مسلسل »العار« الذي يركز بشكل
رئيسي على قضايا الميراث وأخذ الأبناء للحصول على نصيبهم بالقوة.
استعراض عضلات
وفى تفسيره لهذا الإطار الدرامي الجديد الذي يسيطر على الدراما، يرى المؤلف
أحمد أبو زيد مؤلف مسلسل »العار« أن سيطرة العنف على عدد كبير من مسلسلات
رمضان هذا العام يعود إلى أنه أصبح لغة سائدة في المجتمعات العربية، لافتا
أن فريقا من الجمهور يحب تلك النوعية من الدراما ويتابعها ويرى فيها متعة
كبيرة وتشويق يصل به إلى انتظار الحلقات القادمة، لكن كما يتواجد جمهور
لدراما العنف فهناك جمهور يكرهها تماماً ويرغب في مشاهدة الأعمال الدرامية
الخفيفة مثل الدراما الاجتماعية أو الكوميدية.
وأشار أبوزيد أن هناك نوعيات أخرى من دراما العنف تكون أحداثها هادئة
ومثيرة وتجعل المشاهد متشوقاً لها على غرار ما جاء في مسلسل العار لمصطفى
شعبان والذي تحول من قصة تقسيم ميراث إلى حروب عائلية داخل الأسرة الواحدة.
مؤكدا أن الدراما في النهاية مهما كثر بها مشاهد العنف فإنها تسعى لإرشاد
وتوجيه من يقومون بهذه الجرائم وذلك في إطار تشويقي يجذب المشاهد وفي الوقت
نفسه يكافح العنف.
الصورة والمضمون
أما أحمد عبد الحميد مخرج مسلسل موعد مع الوحوش فاعترف بأنه قصد اختيار
العنف والحركة في مسلسله ليشكل إطارا جديدا لدراما رمضان بعد أن حقق هذا
الإطار نجاحاً منقطع النظير سينمائياً.
واستبعد عبدالحميد نفور المشاهد من مثل تلك النوعية من الأعمال باعتبار أن
مؤثرات العنف في الدراما لا تحمل القدر نفسه من سفك الدماء في السينما، كما
أن العمل الدرامي لابد أن يكون متنوعاً ما بين حركة وجريمة وغناء ورومانسية
ورقص لخلق إيقاع درامي سريع، لافتا أن هناك اتهامات جاهزة من قبل النقاد
للهجوم على مثل هذه الأعمال لوأدها مبكرا لصالح نوعيات أخرى من الأعمال.
البيان الإماراتية في
15/08/2010 |