في بداية القرن ال18، وفي لندن بالتحديد، ظهرت إلى الدنيا مهنة جديدة
في حياة الإنسان اسمها «الصحافة»، ولم يتخيَّل أهلها فيما بعد، الذين صار
كل واحد منهم يُسمَّى «الصَّحافي»، أنهم سيُصبحون مثل غيرهم من الشخصيات،
لُعبةً في يد كتاب الدراما السينمائية ومن بعدها التلفزيونية، فالصَّحافي
شخصٌ مليء بالأسرار التي تجعل منه مادة ثرية يقتات عليها الدراميون، فهو
مُفجِّر قضايا المجتمع ومعالجٌ لسلبياته، مع الحكومات وضدها في آنٍ، باحث
عن المتاعب والمغامرات والحقائق المثيرة، منقب عن الجرائم ومرتكبيها؛ لذا
صار هذا الزخم المحيط به مملكة نحل يطير وراءها رجل الدراما من أجل ملعقة
عسل شهية لجمهور دراما متعطش للإثارة. إنها صاحبة الجلالة وأبناؤها الذين
عانوا كثيرا من تناول الدراما، فمرة يظهرون على أنهم أصحاب مبادئ ومدافعون
عن الحرية والعدل الاجتماعي، ومرات تجدهم متسلقين ونصابين وتدور حولهم
شبهات الفساد..
صحافي الأبيض والأسود كان مترهلا، ذا نظارة سوداء سميكة، ومرتديا
لملابس غير متناسقة، فترسَّخت صورته تلك في خيال المشاهدين، إلا أننا نتذكر
شخصية مهمة أداها الفنان عبدالمنعم إبراهيم في فيلم «القاهرة 30» لصحافي
شاب لا يهتم بأي شيء؛ لأنه غير راض عن وضعه الاجتماعي، يؤمن بأنه لن يستطيع
التأثير في المجتمع ويغيره إلا بحصوله على المال، كذلك شخصية الصحافي الفني
في فيلم «ثرثرة فوق النيل» الذي يجامل صاحبه على حساب المعايير الفنية،
كذلك في رائعة نجيب محفوظ «اللص والكلاب» تم تقديم الصحافي باعتباره لا
ينتمي إلى شيء سوى مصلحته كما جسده الفنان كمال الشناوي في شخصية «رؤوف
علوان» الذي كان صديقا ل«سعيد مهران» قبل دخوله السجن، وحين صار صحافيا
مرموقا تبدلت شعاراته، فوصف الفيلم فئة من الصحافيين بالفساد والإفساد، ف«رؤوف»
الذي كان اشتراكيا حين كان فقيرا حض الفقير الساذج سعيد على سرقة الأغنياء،
بل حللها له، وحين تحالف مع السلطة بعد شهرته وثرائه، تخلى عن اللص الذي
تحول في نظر الجميع إلى سفاح، ويلعب الصحافي دور المخلّص للمجتمع من شرور
هذا اللص، فيكون أول من يقدمه إلى مصيره المحتوم وهو الموت برصاص الشرطة.
كذلك نرى الصحافي فضوليا يفرض نفسه على الجميع ويتداخل في أدق تفاصيل
الحياة، ففي فيلم «لعبة الست» لنجيب الريحاني نرى الفنان حسن البارودي يسأل
الفنانة تحية كاريوكا السؤال المعتاد في الصحافة الفنية آنذاك.. أين ترعرعت
سيدتي؟.. ولا يملك أحد أمام الصحافي الفضولي إلا الانصياع إلى أسئلته
والإجابة عنها، وإلا زاد تدخل الصحافي الذي تعامل مع مصادره تعامل المخبرين
مع المجرمين. أما النموذج الكوميدي للصحافي ضعيف الشخصية، عصفور، الذي قدمه
الفنان عبدالمنعم إبراهيم من خلال أحداث فيلم سر طاقية الإخفاء، فهو يحقق
الشهرة والنفوذ من خلال تمكنه من الوصول إلى حوار مع ملك الشيكولاتة،
مستغلا اختفاءه الفانتازي بارتداء الطاقية. لكننا نتابع الدراما الحديثة
وقد غيرت الصورة التي كان عليها الصحافي في الأذهان، وبدلا من تحسين الصورة
ساءت، فتم تقديمه على أنه انتهازي ونصاب، ولا يعلم الكثير عن أصول مهنته
ولا يعنيه شيء إلا الصعود ولو حتى على أكتاف الآخرين.
بانوراما... في جولتنا البانورامية مع الأعمال التي تناولت شخصية
الصحافي نلتقي الفنانة يسرا في مسلسل «في أيد أمينة»؛ حيث قدمت نموذج
صحافية تكافح الاتجار في الأطفال، بينما قدَّم الفنان هشام سليم في المسلسل
نفسه نموذجا لصحافي انتهازي فاسد يحاول النيل من زملاء المهنة، كذلك جسدت
الفنانة رانيا فريد شوقي دور صحافية تتعرض لمشاكل متعددة مع أفراد أسرتها
نتيجة فضحها إحدى قضايا الفساد؛ حيث تعرّضت للقتل على يد عصابة دولية
منظمة، بينما قدَّم الفنان أحمد عزمي دور صحافي مغرور في مسلسل وكالة عطية
يصعد على أكتاف الآخرين حتى يصل إلى منصب كبير لا يستحقه، كما جاء دور
الصحافي اليساري أدهم الذي جسده الفنان عمرو يوسف من خلال أحداث مسلسل
الدالي، والذي يتحول إلى عالم المال والأعمال والصفقات المشبوهة مستغلا
زواجه من ابنة الدالي، ويستكمل الجزء الثالث هذا العام؛ حيث يظهر بشكل
انتهازي في بعض الأحداث، فيقوم ببيع مذكرات حميه، على الرغم من المكاسب
الكبيرة التي حققها..
كذلك قام الفنان خالد صالح بدور الصحافي الصاعد الذي يتعرض لضغوط
واتهامات بالاعتدال وتحقيق المصداقية في كتاباته في أحداث مسلسل بعد
الفراق، أما الفنان الراحل أحمد زكي فارتدى ثوب الصحافي الدنجوان بفضل
نجاحه في عمله من خلال أحداث فيلم امرأة واحدة لا تكفي، ونصل إلى شخصية
صلاح التي جسدها الفنان خالد النبوي في مسلسل رجل طموح، والتي يتحير
المشاهد ما بين التعاطف معه والغيظ من مواقفه وتركيبته النفسية المعقدة،
لكن العجيب أن الدراما تعاملت مع مهنة الصحافي عن بعد في بعض الأحيان،
فقدمت صورة غير حقيقية مخالفة للواقع، فشخصية رئيس التحرير التي تظهره في
معظم الأعمال الدرامية كمقيم دائم في الصحيفة تشير إلى عدم دراية كافية من
الكاتب بصورة الصحافي داخل حيز مهنته.
دراما صاحبة الجلالة
وتستمر الدراما هذا العام في لعق القليل من شهد صاحبة الجلالة في عدد
غير قليل من المسلسلات؛ حيث يمكن تسمية دراما هذا العام بدراما صاحبة
الجلالة، فنجد الفنانة هيدي كرم في دور صحافية في المسلسل الاجتماعي
البوليسي حضرة الضابط أخي، فتقوم بمساعدة الفنان محمد رياض، الذي يقوم بدور
ضابط، في حل ألغاز الجرائم التي تواجهه، وتتضمن كل حلقتين في المسلسل حل
لغز قضية جديدة تحتوي على العديد من المطاردات والمواقف المثيرة..
كما يتم حاليا تصوير مسلسل أبواب الخوف الذي يدور في معظم أحداثه حول
مهنة الصحافة ودور الصحافي في كشف الفساد؛ حيث يعتبر أول مسلسل رعب في
تاريخ الدراما العربية يجسد فيه النجم عمرو واكد دور صحافي مترجم يهتم
بالقضايا المثيرة للرعب التي تتضمن تفاصيل مخيفة، ويسعى في كل حلقة لفك
شفرة قضية جديدة وجريمة مختلفة من خلال عمله، وذلك في إطار تغيير صورة
الصحافي النمطية التي تمثلت في نقل الأحداث، فيطرح القضايا مشاركا في حلها
وليس للتغطية فقط.
ويعتبر العام 2009 من أكثر الأعوام التي شهدت تجسيد شخصية الصحافي في
الدراما العربية؛ حيث ظهر في عدد هائل من المسلسلات يتراوح ما بين 10 و15
مسلسلاً، أبرزها مسلسل هدوء نسبي الذي دارت أحداثه حول ما واجهه الصحافيون
العرب والأجانب في العراق أثناء الحرب الأخيرة، ومخاوفهم من الاعتقال
والاختطاف؛ حيث استطاع المخرج شوقي الماجري ترجمة ما كتبه خالد خليفة في
الواقع الذي عاشه الإعلاميون المحاصرون في أحد فنادق بغداد، بعد أن وقعوا
بين القصف العشوائي للقوات الأمريكية ومخلفات الدولة العراقية.
وكيف مرت الساعات على الصحافيين بعد أن وقع بعضهم في قبضة الاحتلال
الأمريكي، وقاسى بعضهم الجوع والعطش والحنين إلى الوطن، فقد جسد الصحافيون
ثنائية الموت والحياة في سبيل العمل الصحافي ونقل الحدث والحقيقة. بينما
جسدت الفنانة منة شلبي دور صحافية مبتدئة في مسلسل حرب الجواسيس، فأشعلت
حربا بين النقاد نظرا إلى الأخطاء المتعددة التي ألحقتها بمهنة الصحافة
وكواليس العمل داخل المؤسسات الصحافية والصحف المستقلة، فكان الاستسهال
واضحا بالوقوع في الأخطاء.
البيان الإماراتية في
09/07/2010
فنانوها يشكون واقعهم الفني المؤلم
الدراما العراقية تعاني أنيميا في رمضان
بغداد- الحواس الخمس
تلجأ الفضائيات والجهات المنتجة للأعمال الفنية إلى الأشهر القريبة من
شهر رمضان، لإتمام الأعمال الفنية، وتحديدا الدرامية، ما يخلق حرجاً
للفنان، وخصوصا الذي يشترك في أكثر من عمل في وقت واحد، إضافة إلى احتمالية
ضعف المشاهدة بسبب كثرة الأعمال.
ويقول الفنان علي داخل إن ظاهرة اعتبار رمضان موسماً للإبداع الفني،
ظاهرة خاطئة، حيث عودتنا الجهات المنتجة العراقية على زج الفنان لإتمام
الأعمال الدرامية قبل أن يحل علينا شهر رمضان بشهرين أو ثلاثة، وهذه حالة
خاطئة، فتلك الجهات تعتبر رمضان موسما للإبداع وهذه مشكلة، لان الفن رسالة
مستمرة، تسهم في النهوض الفكري وتجميل الواقع، فيما يكون تزاحم الأعمال في
رمضان بمثابة «محرقة للأعمال الفنية».
وعن هذا المحور تحدثت الفنانة ميلاد سرّي قائلة: واقعنا الفني مؤلم
فقد يجبر الفنان، ونتيجة لعدم توفر الأعمال الفنية في الداخل، إلى اختيار
الجلوس في المنزل لفترة تصل أحيانا إلى سنة كاملة، وهذا الواقع يضطر معه
الفنان إلى قبول أي عمل يقدم له. أنا الآن عندي ثلاثة أعمال من إنتاج
«العراقية» وهي مختلفة ومتنوعة، وقد قبلت بهذه الأعمال لأنني لم اعمل منذ
فترة طويلة، لكن هذا لا يعني أنني غير راضية عن دوري فيها، بل العكس، راضية
تماما ومقتنعة بما سأقدمه إلى الجمهور.
ويقول الفنان كاظم القريشي: لقد أصبح شهر رمضان بورصة للأعمال الفنية
بغض النظر عن كونها جيدة أم لا، بالنسبة لي لا اقبل الانخراط إلا في عمل
واحد، أو عملين لا أكثر، لأنني لا أريد التشتت، وهذا من باب احترامي لنفسي
وللعمل الذي اختاره، فعمل واحد أفضل من ملايين تدخل إلى جيبي، لذا اعتبر
الفنان العراقي مسؤولا عن تشظي العمل ووصوله إلى حالة غير مقبولة عندما
يقرر قبول أداء أكثر من دور في وقت واحد، وبالتالي فانا اعتقد أن ما نسبته
25% من تلك الأعمال سيكون ناجحا، أما المتبقي منها فهو لغرض الاستهلاك فقط.
وهذا ما يؤكده أيضا الفنان حافظ لعيبي، قائلا: العمل الدرامي هو جزء
من ثقافة المجتمع، لذلك يجب أن يخطط لإنتاجه بشكل سليم بعيد عن السرعة،
حفاظا على النص وعلى الممثل وجهده، فليس من المعقول أن يبدأ الصراع
والتنافس بين الفضائيات لإنتاج الكثير من المسلسلات خلال فترة تسبق رمضان
بشهرين، وما الذي سيعطى في النهاية. المؤكد عمل ضعيف واختيار للمثل غير
الصحيح في المكان الصحيح، لان الفنان عندما يرتبط بعمل معين ولا يستطيع
الارتباط بغيره ستتجه حينها جهة الدعوة إلى ممثل آخر قد لا يحمل مواصفات من
اختير أولا، واعتقد أن الجهات المنتجة هي من يتحمل مسؤولية ذلك، وعليها
وعلى المسؤولين عن هذا الميدان الحيوي إنقاذ الدراما العراقية مما هي فيه.
أما مدير الدراما في قناة «العراقية» نوفل عبد دهش فيقول: جرت العادة
على أن يشهد رمضان تنافسا واضحا في طرح الأعمال الفنية المتنوعة، وأنا
اعتبر ذلك حالة صحية، إذا كانت هذه الأعمال رصينة. وحسب الفنان المخرج عزام
صالح فان: أي عمل درامي يحتاج إلى تأسيس بالإنتاج والفكر معاً، لأنه يسهم
في أرشفة التاريخ، ومن هنا فهو عمل غاية في الأهمية.. ما عندنا الآن هو
فتات الدراما، ليس إلا، والاهم إن لا يحمّل المخرج أو الفنان المسؤولية
بمقدار ما تحمل الجهات المنتجة أولا، وربما الجهات المسؤولة في الدولة،
لأنها لا تقدم دعما لهذه العملية، والدليل أن الدراما العراقية سحبت إلى
دول الإقليم التي بدأت تتاجر بها وتبيعها علينا كي نشاهدها.
أما الناقد ضياء سالم فيقول: للأسف، اغلب المحطات التلفزيونية تتسابق
على طرح الأعمال الفنية وإنتاجها في شهر رمضان المبارك، وهي بذلك ترجح الكم
على النوع، والملاحظ هنا كثرة المسلسلات وشح الإنتاج، وهذا خلل كبير، ويبقى
الأهم انه إذا ما أريد معالجة المشاكل المحيطة بهذا المحور فيجب أن يكون
التحرك باتجاه الاحتضان الحقيقي لعملية الإنتاج املا في مواكبة ما دأبت
الدول الأخرى على طرحه عبر شاشاتها.
البيان الإماراتية في
09/07/2010 |