يوم الجمعة ودعت الاوساط الثقافية والفنية المصرية والعربية الكاتب المبدع
اسامة انور عكاشة الذي رحل عن هذه الدنيا بعد رحلة ابداع, هذا المبدع احد
اعمدة الدراما المصرية والعربية واحد نجومها الذي تفوق لينافس النجوم الذين
جسدوا شخصياتها التي كتبها على الشاشة. لقد امتاز عكاشة بخياله الواسع الذي
جمع ما بين التاريخ الحقيقي والدرامي الافتراضي وتجلى هذا في معظم اعماله
فاذا كان نجيب محفوظ قد ارّخ لفترات من تاريخ مصر من خلال قصصه خاصة
الثلاثية. فان اسامة انور عكاشة كان اكثر استرسالا وتفصيلا لهذه المراحل
التاريخية من خلال المسلسلات التي كتبها خاصة ليالي الحلمية.. والشهد
والدموع والراية البيضاء »والمصراوية« وغيرها فنقل التحولات السياسية
والاجتماعية والاقتصادية من خلال شخصياته وابطال اعماله.. فجعلنا نتفاعل مع
بساطة العمدة سليمان غانم وارستقراطية سليمان البدري ونحقد على نازك
السلحدار في »ليالي الحلمية« وكان يتحول ايضا في مواقفه السياسية من خلال
هذه الاعمال فمرة تراه وفديا وفجأة يتحول الى ناصري اشتراكي بعد ذلك ناقدا
للثورة التي امن بها عندما اخطأت حسب رأيه في بعض التصرفات.
لقد كان اسامة انور عكاشة مؤرخا عاطفيا تطغى العاطفة على العقل في بعض
طروحاته الا انه رغم ذلك كان مبدعا يتعاطف مع الفقراء ويجعلك تحقد على
الاغنياء في العديد من الاحيان ثم تجد نفسك بعد ذلك متعاطفا معهم في مواقع
اخرى.
ولكن اهم ما يميزه انه كان صاحب مبادئ ثابتة ونفس طويل لديه القدرة على
الفوز بسباق مارثون المسلسلات الطويلة فهو الذي قدم لنا خمسة اجزاء مترابطة
من ليالي الحلمية دون كلل او ملل رغم تغير الابطال والممثلين مؤكدا ان
العمل المتكامل لن يتأثر بغياب نجم او ممثل وهذا سر الصنعة الذي امتاز به
اسامة انور عكاشة واذا ما اردنا ان نحلل ما قدمه فاننا نحتاج الى مجلدات
ورسائل دكتوراه عديدة ولن نوفيه حقه.
ربما اختلفنا مع بعض اطروحاته المصرية الفرعونية الاقليمية في بعض الاوقات
الا انه كان ناصريا قوميا ديمقراطيا رافضا للاحتلال والاستعمار وللشرذمة في
معظم مواقفه وقبل كل ذلك رفض رفضا باتا للتطبيع وللديكتاتورية ولحكم الفرد
وهذا ما اكده في معظم اعماله وان تجسد هذا بشكل واضح في »الراية البيضاء«
وامرأة من زمن الحب«. وغير ذلك من الاعمال.. لقد كان اسامة انور عكاشة
كاتبا لتاريخ مصر بطريقته الخاصة وباسلوبه المميز لدرجة جعلتنا لا نشعر
بالتكرار وهو يعيد تقديم نفس الفترات التاريخية في عدة اعمال, لكن قدرته
الخارقة على التصوير والدخول الى اسرار النفس البشرية الى التركيبة
الاجتماعية جعلتنا في كل مرة نستمتع ونتابع.
لقد رحل عكاشة ولكن اعماله ستبقى خالدة وشخصياته لن تنسى ابدا.
saleh_assad@hotmail.com
العرب اليوم في
31/05/2010
اسامة انور عكاشة رحل بعد ان حاول اعادة قرأة
التاريخ العربي والمصري المعاصر
القاهرة - (ا ف ب): لا شك في ان الكاتب والمفكر اسامة اسامة انور عكاشة،
الذي رحل امس الاول عن عالمنا، كان له تاثير كبير على اجيال مصرية وعربية
عاشت وتابعت الدراما التي اثرى بها التلفزيون المصري والعربي لسنوات طويلة.
يبرز اسم عكاشة كواحد من اهم المؤلفين وكتاب السيناريو مقدما اعادة قراءة
للتاريخ المصري المعاصر في مسلسلاته التي صنعت العصر الذهبي للدراما
المصرية قبل انتشار القنوات الفضائية وما تبعها من زيادة في الانتاج ادت
الى ركاكة وهشاشة العديد من المسلسلات.
فمن اهم ما يميزه عن غيره من كتاب الدراما انه صاحب موقف في اعادة قراءة
التاريخ المصري بعيدا عن رؤية المؤسسة الرسمية ليقدم جيلا عاش على الهامش
وحمل احلاما كبيرة وعاني ايضا من هزائم كبيرة طبعت شخصيته بمزيج من الفرح
والمرارة لكنها لم تفقده الرغبة في السعي الى تحسين ظروفه.
يتجلى ذلك في شخصياته الدرامية مثل شخصية "علي البدري" (قدمها على الشاشة
ممدوح عبد العليم) في مسلسل "ليالي الحلمية" الشهير حيث تشاهد الاحلام
الكبيرة والهزائم القاسية وضياع بوصلة جيل النكسة بين الحلم والهزيمة.
ومن خلال شخصياته المختلفة في هذا المسلسل مثل نازك السلحدار (صفية العمري)
وسليم البدري (يحي الفخراني) والعمدة سليمان غانم (صلاح السعدني) يقدم
برؤية جديدة تاريخ مصر منذ الملكية وموقف كل طبقة من الطبقات والشرائح
الاجتماعية بكل تناقضاتها بطريقة تنصف هذا الماضي الملكي وتقدمه كمرحلة
تطور اجتماعي وسياسي.
فهذا المسلسل، الذي قدم على مدار خمس سنوات في شهر رمضان وشكل معلما من
معالم الاسرة العربية التي كانت تحدد زياراتها ونشطاتها تبعا لمواعيد عرضه،
قدم الانتقالات السياسية منذ الحرب العربية الاسرائيلية الاولى قبل عام
1948 وما اعقبها من اعلان قيام الدولة اليهودية واثرها على تطور المجتمع
المصري مرورا بحرب اكتوبر وصعود التيار الديني وسياسة الانفتاح الاقتصادي
الذين غيروا نهائيا وجه المجتمع المصري لتفقد اللحظة دفئها وانسانيتها في
اطار الجماعة وليصبح الفرد هو المركز حسب الرؤية التي قدمها عكاشة في هذا
العمل.
وعكاشة الذي ولد عام 1941 في مدينة طنطا وسط الدلتا لم يكن يحلم ان ياتي
يوما يكون فيه من اشهر كتاب الدراما العربية وان يكون من اكثر المؤلفين
قدرة على فهم طبيعة الشخصية المصرية كما ظهر في نماذج اعماله.
ومن هذه النماذج شخصية حسن النعماني في مسلسل "ارابيسك" التي قدمها الفنان
صلاح السعدني وما حملته ايضا من احلام مذبوحة وهزائم متكررة وكذلك شخصية
بشر في "زيزينيا" التي قدمها الفنان يحي الفخراني والتي تطرق من خلالها الى
الوضع السياسي والاجتماعي والتعددية الحضارية التي ميزت مجتمع مدينة
الاسكندرية في ظل الصراع بين الوطني وبين الاجانب الذين مثل بعضهم بعدا
استعماريا فيما اندمج اخرون منهم ولا سيما اليونانيون في المجتمع المصري
ليصبحوا جزءا لا يتجزأ منه.
ولم يكتف عكاشة بذلك بل حاول ان يخلق الشخصية الايجابية التي تحارب الشخصية
السلبية التي سادت بعد سياسة الانفتاح الساداتية مثل شخصية الفنانة فاتن
حمامة في "ضمير ابلة حكمت" ومحاربتها كل مظاهر الفساد التي تبعت سياسة
الانفتاح.
ومن اهم اعماله التي لم تكتمل للاسف اعادة كتابة تاريخ مصر في مسلسل
"المصراوية" انطلاقا من الريف والصراع بين الحركة الوطنية المصرية مع
الاتراك ومع الاستعمار الاجنبي والاندفاع اتجاه استقلال مصر.
وقد بقي الراحل الذي شيعت جنازته ظهر امس الجمعة وفيا لموقفه السياسي
المطالب بقيام مصر بدورها على الاساس الاقليمي العربي والعودة الى موقعها
الريادي في قيادة المنطقة بعد تراجع دورها الاقليمي بشدة.
فهو لم يهادن اصحاب الفكر الديني الذين يسعون الى ردة تعود بالبلاد الى
الوراء مهاجما بلا هوادة اصحاب الفكر الوهابي المستورد من السعودية.
يشار الى ان اسامة انور عكاشة بدأ حياته ككاتب قصص قصيرة بعد تخرجه من
جامعة عين شمس عام 1962 وعمله في مناطق مختلفة من الريف الى المدينة كما
كتب الرواية والمسرحية والمقال.
ترك عكاشة حوالي اربعين مسلسلا اهمها "ليالي الحملة" "زيزينيا" و"ارابيسك"
اضافة الى "الشهد والدموع" و"المشربية" و"الراية البيضا" و"عصفور النار"
و"مازال النيل يجري" و"كناريا وشركاه" و"الحب واشياء اخرى" و"رحلة السيد
ابو العلا البشري".
اضافة الى سهرات درامية تجاوز عددها ال15 وعدد من الافلام من بينها "كتيبة
الاعدام" و"الهجامة" و"تحت الصفر" و"دماء على الاسفلت" و"الطعم والسنارة"
و"الاسكندراني".
كذلك كتب عكاشة عددا من المسرحيات اهمها "القانون وسيادته" و"الناس اللي في
الثالث" و"البحر بيضحك ليه".
وفي القصة القصيرة كتب عكاشة "خارج الدنيا" و"مقاطع من اغنية قديمة" الى
جانب روايات "احلام في برج بابل" و"منخفض الهند الموسمي" و"وهج الصيف" و"اوراق
مسافر" و"همس البحر" و"تباريح خريفية".
أسامة أنور عكاشة
شيع المصريون أمس الأول (الجمعة) الكاتب المصري الكبير أسامة أنور عكاشة،
الذي توفي في العاصمة المصرية القاهرة عن عمر ناهز الـ69 عاماًً، متأثراً
بأزمة صحية ألمت به طيلة الشهرين الماضيين وانتهت به في مستشفى وادي النيل
للحالات الحرجة بالقاهرة.
وكان عكاشة يتلقى العلاج في المستشفى إثر إصابته بضيق في التنفس بسبب
معاناته من مياه على الرئة.
- من مواليد 27 يوليو/ تموز العام 1941، في مدينة طنطا بمحافظة الغربية.
- حصل على ليسانس الآداب قسم دراسات علم نفس والاجتماع، كلية الآداب، العام
1962.
- يعد عكاشة أحد أهم مؤلفي وكتاب الدراما العرب وكان أول من كتب دراما
الأجزاء في «ليالي الحلمية» أحد أشهر الأعمال الدرامية في تاريخ التليفزيون
العربي.
- من أعماله المهمة: وقال البحر، ريش علي مفيش، لما التعلب فات، عصفور
النار، رحلة أبو العلا البشري، وما زال النيل يجري، ضمير أبلة حكمت، الشهد
والدموع، أرابيسك، زيزينيا، امرأة من زمن الحب، أميرة في عابدين، كناريا
وشركاه، عفاريت السيالة، أحلام في البوابة، الراية البيضا، و«ليالي الحلمية»
التي تعد من أطول المسلسلات العربية وهي نحو 150 حلقة في خمسة أجزاء.
- من أبرز الكتاب الذين أعادوا الاعتبار إلى مؤلف الدراما المصرية
بمسلسلاته التلفزيونية التي ارتبطت بممثلين بارزين منهم فاتن حمامة في
«ضمير أبلة حكمت» ومحمود مرسي في «لما التعلب فات» ومحمود المليجي في «وقال
البحر» ويحيى الفخراني في أكثر من عمل.
- كان آخر أعماله «المصراوية» التي أنتج منها الجزءان الأول والثاني في
العامين الماضيين.
- ألف عدة أفلام سينمائية لكنها لم تحقق شعبية مثل مسلسلاته منها «كتيبة
الإعدام» و»الهجامة» و»دماء على الأسفلت». وله روايات منها «منخفض الهند
الموسمي».
- اشتهرت أعماله دائماً بوجود لمحة عن مدينة الإسكندرية لحبه الشديد لها
حيث كان يقضي معظم أشهر العام فيها متفرغاً للكتابة بعد تخليه عن وظيفته
الحكومية في وقت مبكر من حياته للتفرغ للكتابة.
- نال عدة أوسمة وجوائز أبرزها جائزة الدولة التقديرية.
- عُرف عنه أنه ناصري التوجه، إضافة إلى تصديه في أعماله بشكل واضح للسلفية
والتكفيريين ورفضه هيمنة رأس المال الخليجي على الدراما المصرية مما تسبب
له في صدامات عدة مع قنوات خليجية كبرى كانت ترفض التعاقد على أعماله.
- كتب عكاشة المقال الصحافي لسنوات طويلة في صحيفتي «الأهرام» و«الوفد»
المصريتين وطالب في مقال شهير له بحل جامعة الدول العربية وإنشاء «منظومة
كومنولث للدول الناطقة بالعربية» مبني على أساس التعاون الاقتصادي.
الوسط البحرينية في
30/05/2010 |