فوجئتُ أن جوليت بينوشي- الفائزة بجائزة أفضل ممثلة في
مهرجان كان الأخير عن دورها في فيلم "نسخة مصدقة" للمخرج عباس كياروستامي-
أكثر
جمالاً في الواقع مما في الأفلام. بينما تتخذ مقعداً في مطعم "ماندالا بيش"
في (كان)
مباشرة أمام
البحر الأبيض المتوسط تخطو بخفة وثبات وبحيوية عذبة.تعدل ثوبها الحريري
القرمزي مع
شرائط سود منتشرة على الجوانب. تتطلع بذكاء وبرشاقة وترد
بتفكير تأملي على كل سؤال
حول فيلم "نسخة مصدقة" لكياروستامي الذي تمثل فيه. لم اعتد مثل هذا النوع
من الحضور
الذهني من أي ممثلة.
·
قلت لها:"
ماذا تعني لك النسخة؟"
أجابت حالاً بلغة إنكليزية واثقة:" النسخة تكون أصلية
أيضاَ. مثلاً الفيلم نسخة من الحياة لكني سأقول إنها إعادة
تنشيط للحياة. إنك تختار
ما تضعه داخل الفضاء. قوة النتيجة يمكن أن تكون أكبر مما ندعوه الحياة".
وأضافت ببلاغة:" صدق اللحظة هو المهم. وسواء أكان حقيقياً أم لا فهو يشبه
الحلم. لا
تستطيع أن تقول أنه ليس حقيقياً. والشيء نفسه ينطبق على ذاكرتك. ما تتذكره
يبدو
حقيقياً. الواقع بالحرف الكبير هو دائماً شيء آخر في مكان آخر.
نحن نخلق العوالم.
وهذا هو المكان الذي تكون للناس فيه حقائق مختلفة. إنه شأن الاختراع
الإنساني. تصور
الفضاء الفارغ قبل أن يحدث الانفجار العظيم وقبل أن تنشأ الإنسانية وقبل
تجربة
الزمن".
أشرتُ إلى أنها بدت مرتبطة تماماً وبصورة حدسية مع مخرجها. وليست هذه
دائماَ هي القضية: إذ أخبرتني كاترين دينوف مرة رداً على كيف
أنها تجد بونويل كمخرج
بأنه يروق لها لأنه بدأ يطلق النار على الزمن".
·
هل جولييت حرباء قادرة على
الدخول
في هذه النسخة الكونية مع كياروستامي بعد أن صنعت أفلاماً مع كيسلوفسكي عن
العقيدة
والرب؟"
"لا
أراهما ضدين. كسلوفسكي مليء بالشكوك. وذلك هو الشيء الذي أحبه فيه.
كما أنه يسائل الأشياء. كان يحب التفاصيل. وبالنسبة له يبدو الصغير كبيراً.
في فيلم
كسلوفسكي "أزرق" تكون تجربة الشخصية مختلفة عنها في فيلم "نسخة مصدقة". فهي
لا تعرف
ماذا تحب ومن هي؛ إنها لحظة فارغة محاولة إن تضع نفسها داخل الحقيقة غير
عارفة أن
تمسك بها وأن ترجع الماضي".
"
مع هذا الفيلم شعرتُ تماماً بإني داخل الشخصية: في
قلقها الداخلي من الحب، أن تُحب والرغبة في ان يراها الناس.
وخلال التصوير وبينما
تمشي على ذلك الحصى غير المريح جداً فهي غير متأكدة بأنها ستُرى. كاميرات
كياروستامي سخية. فهو لا يحاول أن يحرر ويأخذ شيئاً ما مني.
وسمحت لي الرؤية
والشركة بيننا بأن تكون هناك مكاشفة بيننا. من النادر أن تجد مخرجا يضع
الكاميرا
بمنتهى السخاء هذا أمام امرأة".
وأشارت قائلة:" تجربة التمثيل بصورة عامة هي
أن تكون قريباً ما أمكن من الكاميرا. الكاميرا هي مرآة. حقيقة أنك تُرى
يعني بأن
هناك شيئاً ما داخليا يُرى- المناظر في الداخل. وتستطيع أن تدخل فقط أذا
كنت ترغب
في القفز داخل المجهول".
توقفتْ كي تناقش الصداقة مع كياروستامي. من الواضح
أنهما التقيا منذ عقد وصنعا صداقة راسخة – وقد انتظر كل هذه السنين كي يكتب
الفيلم
المناسب لها. ومن الطبيعي أنهما كانت لديهما " علاقة صداقة" لأنه يحب الشعر
كما
تحبه هي. وهي ترسم كما يرسم هو.
قالت:" هناك الكثير من الشراكة. بدأ الأمر
حين دعاها إلى طهران وفي إحدى الليالي بدأ يتحدث عن قصة حدثت له في إيطاليا
حول
امرأة أخذت صدارها ولم أعلم إلى أين ذهبت. في النهاية قال: هل تصدقيني .حسن
إن
الأمر غير حقيقي".
·
على أكثر من مستوى واقعي هل هناك
الكثير من التركيز على
موضوع العلاقات بين النساء والرجال؟
"
عباس متشائم حول إمكانية العلاقة بين
الرجال والنساء. الحقيقة أن تلك النساء يتورطن بصورة كبيرة في العواطف أكثر
من
الرجال. نحن نكشف أنفسنا أكثر من الرجال، ربما السبب لأننا نلد. بطبيعة
الحال لا
أحب التعميمات: شخصيتي أيضاً ذكورية ونشطة جداً.وقال عباس بأن
فيه شيء من شخصية
المرأة: فقد ربى أطفاله بنفسه وكان يؤدي دور المرأة. وكرجل إيراني فهو جدّ
كريم مع
النساء".
استمرت بالحديث عن الجنوسة (الجندر) ربما كمفتاح لهذا الفيلم الذي
ينتهي وشخصية البطلة تسفح الدموع بسبب الإحباط وهي تتمدد على
الفراش. تقول:" ما
يقوله عباس بأن الرجال يميلون إلى أن يضعوا مسافة فكرية بين عواطفهم
والعالم من أجل
الوظيفة وهذا أمر لا يمكن فهمه لأنه إذا ما أقدم كل شخص على التعبير عن
العاطفة
فسوف يكون العالم عاليه أسفله. اعتقد أننا ندفع الرجال كثيراً
في محاولة الاتصال كي
نحصل على المزيد من الحميمية".
وبالنسبة للنساء اللاتي التقت بهن في طهران
كانت متحمسة جداً لهن قائلة:" إنهن في غاية الحيوية. يعرفن الكتب
والموسيقى. وهن
مثقفات جداً و أوربيات بهذه الطريقة. حقاً هناك قوانين. لكن في النهاية ما
زلن
حيويات مثل النساء الإيطاليات".
المدى العراقية في
02/06/2010 |