تبقى الثورة التحريرية الجزائرية، أو كما يسميها الفرنسيون ''حرب
الجزائر''، إحدى الإشكاليات التي تناولتها الكاميرا بقوة، تختفي وتعود إلى
الساحة الفنية والسينمائية في كل مرة، مع جيل جديد يحمل رؤى مغايرة لمن
سبقوه، أو إضافة قد تفتح النقاش من جديد على مصراعيه في نقاط مظلمة، أو
غامضة من تاريخ الجزائر، وتثير هذه الجهة أو الأخرى، قد ترفض أو تقبل وتهلل
لأطروحات السينما، التي تظل إحدى الأبواب الرئيسية لطرح كل القضايا
للمناقشة دون تحفظ أو خطوط حمراء.
من بين هذه الأعمال الجديدة، فيلم رشيد بوشارب ''الخارجون عن القانون''،
الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي، التي تجري
فعالياته بمدينة كان الفرنسية، حيث يعرض اليوم الفيلم بالجزائر، بمبادرة من
وزارة الثقافة، حتى يتمكن النقاد، الإعلاميون الجزائريون، من معرفة تفاصيله
التقنية والفنية ورؤيته التاريخية والدرامية للأحداث، خاصة بعد الضجة
الإعلامية والسياسية التي أحدثها وردود الفعل القوية التي أثارها، بعد أن
كشفت التقارير عن معالجته لقضية أحداث 08 ماي 45 والمجازر الفرنسية في
الجزائر، ومطالبة اليمين المتطرف بسحبه من المهرجان والتظاهر يوم عرضه أمام
قصر المهرجان. ويعتبر فيلم ''الخارجون عن القانون''، في واقع الأمر تتمّة
لسلسلة من الأفلام الجزائرية والفرنسية، التي عالجت على مدار أكثر من
أربعين سنة، الثورة التحريرية أو مآسي الاستعمار الفرنسي بطرق مختلفة، حيث
عرفت المهرجانات الدولية، مشاركة جزائرية قوية بأفلام ثورية، فتحت النقاش
مبكرا حول الاستعمار الفرنسي ومجازره واستعرضت بكثير من الدراما، الحالة
الجزائرية إبان الفترة الاستعمارية، وكانت خنجرا في قلب فرنسا ''الحرية
والعدالة والأخوة'' وصوتا للجزائر وثورتها. ولا يختلف ''الخارجون عن
القانون''، من حيث مستوى وموضوع النقاش، الذي طرحه وفتحه عن باقي الأفلام،
التي شاركت في مهرجان ''كان'' وكان موضوعها الرئيسي الجزائر، أو علاقة
الجزائر بفرنسا بشكل أو بآخر. وبالرغم من أن هذا الأخير طرح إشكالا مغايرا
ونقل النقاش من مستوى الشعبوي أو الدعائي والجزائري البحت، إلى المستوى
النخبوي والسياسي والفني، ومن داخل الجزائر إلى قلب فرنسا، باعتبار المخرج
والممثلين الرئيسيين من أبناء الجيل الثاني الحاملين للجنسية الفرنسية
والمولودين بفرنسا، فإن أول فيلم عرض في كان سنة 1967 بعد 5 سنوات من
الاستقلال، كان الفيلم الكلاسيكي ''ريح الأوراس'' لمحمد لخضر حامينا، الذي
تحصل على جائزة العمل الأول، وهو يروي مأساة أم تبحث عن ابنها، الذي جنّد
إجباريا في الجيش الفرنسي، كان الفيلم قويا من الناحية الدرامية، لكنه لم
يرق إلى مستوى العالمي من حيث التقنية والمؤثرات. لكن الجزائر لم تتوقف
عنده، لتكون سنة ,65 سنة السينما الثورية الجزائرية، دون منازع، بولادة أحد
الأعمال الخالدة والمخلدة لهذه الثورة المعنون بـ''معركة الجزائر '' للمخرج
الإيطالي جيلو بونتيكورفو، حيث تطرق الفيلم إلى قضية التعذيب والأحكام
التعسفية والقمع، الذي كان يتعرض له المدنيون الجزائريون، كما عرض لأول مرة
قضية اغتيال العربي بن مهيدي في زنزانته والأساليب اللاإنسانية والإجرامية،
التي استعملها الجنرال ''ماسو'' للقضاء على الثورة في الجزائر العاصمة،
واعتبرته فرنسا فيلم دعاية للثورة ومنعته من العرض في فرنسا، بينما منحه
مهرجان '' البندقية'' بإيطاليا، جائزة الأسد الذهبي سنة 1966، لتعاد برمجته
في فرنسا سنة 1970، لكن سرعان ما يسحب من دور العرض، لكن الفيلم اعتبر من
الأعمال السينمائية الرائدة وأصبح مدرسة في ما يعرف بحرب المدن. ليسجل
مهرجان كان سنة 1975 بالذهب، اسم الفيلم الجزائري ''وقائع سنين الجمر''
للمخرج لخضر حامينا، الذي تحصل على السعفة الذهبية ونال إعجاب النقاد، حيث
انتقد فيه مخرجه الاستعمار الفرنسي وصوّر الحالة المزرية، التي عاشها الشعب
الجزائري قبل الثورة التحريرية، وقد عرف أيضا احتجاجات بسبب عرضه في كان
ومظاهرة مناهضه له. كما لا ننسى بعض الأفلام: ''عشرون سنة في الأوراس''،
''دورية نحو الشرق''، ''الأفيون والعصا''، ''الحرب بدون اسم''. لكن هناك
السينما الموازية كذلك، التي خاض معركتها مخرجون فرنسيون وقدّموا حرب
الجزائر وما خلّفته من آثار على الفرنسيين، كفيلم ''لو بو تي سولدا'' أو
''الجندي الصغير'' سنة 1963، ويتحدث عن قضية هروب الجنود الفرنسيين من
الجيش ورفضهم للتعذيب اللاإنساني للجزائريين، لكنه تعرض للمقص، ثم ''شرف
رائد''، لتتوقف حمى الأفلام الثورية سنوات التسعينات، وتعود مطلع الألفية
الثالثة، مع جيل جديد من الجزائريين والفرنسيين كذلك، مثل فيلم ''العدو
الحميم'' سنة 2007 لفلورون ايميليو سيري، و أخيرا فيلم (الأهالي) انديجان
للفرونكو جزائري رشيد بوشارب والمتوّج بجائزة السعفة الذهبية عن العمل
الجماعي .2006 وقد أعاد الاعتبار للمجندين المغاربة في الحرب العالمية
الثانية والذين دافعوا عن فرنسا ضد النازية، لكنهم همشوا وأبعدوا بعد تحرّر
هذه الأخيرة وأخيرا يعود رشيد بوشارب إلى الثورة للحديث عن جبهة التحرير
الوطني بدءا بأحداث 08 ماي 45 إلى الاستقلال، عبر قصة ثلاث أخوة ومسار
حياتهم بين الجزائر وفرنسا.
الخبر الجزائرية في
21/05/2010
استغربت انتقاده قبل عرضه في مهرجان "كان"، خليدة تومي
للفرنسيين:
“الخارجون عن القانون” فيلم روائي وليس فيلما
وثائقيا، ولا يحتاج لكل هذه الضجة
ح.س/وكالات
قالت وزيرة الثقافة، خليدة تومي، إنه ما من ضرورة لتضخيم قصة الفيلم
الجزائري “الخارجون عن القانون”، للمخرج رشيد بوشارب، والذي أثار جدلا بين
باريس والجزائر أخيرا، بسبب تناوله فترة الإستعمار الفرنسي وأضافت تومي، في
تصريح خاص لـ”سي أن أن عربية”، قائلة: “لا أرى أي داع للتضخيم لقصة الفيلم
أو جعله بؤرة للخلاف، طالما أنه يحكي قصة معاناة الشعب الجزائري إبان
الإحتلال الفرنسي، ويروي قصة شباب في فترة الإستعمار”، مؤكدة أنّ هناك
أمورا يجب أن نحددها في الفيلم، وهي أنه رواية رأى مخرج الفيلم أنها تناسب
وضع فيلم روائي راح خلاله إلى تصور أحداث، ووضعها في قالب “حرب عصابات”،
تشكلت من ثلاثة شبان، وعليه يمكنني القول إنه فيلم روائي وليس فيلما
وثائقيا، ولا يحتاج لكل البلبلة والضجة التي أحيطت من حوله.
كما أعلنت الوزيرة عن استغرابها لموقف السلطات الرسمية الفرنسية من هذا
الفيلم، وأكدت أن من أشد الأمور التي تعجبت لها أن يحكم على عمل فني
سينمائي قبل مشاهدته، خاصة إذا تعلق الأمر بما أبداه أحد أعضاء الحكومة
الفرنسية. وذكرت في هذا السياق باسم أمين عام وزارة الدفاع الفرنسي، هوبير
فالكو، متسائلة عن مبدأ حرية التفكير والديمقراطية الذي تتحدث به دوما
فرنسا. وفي سياق متصل، أعلنت وزيرة الثقافة، خليدة تومي، عن عرض فيلم
“الخارجون عن القانون” بالعاصمة، وبالتحديد بقاعة الموڤار، في ذات التوقيت
الذي سيعرض به الفيلم في فعاليات مهرجان “كان السينمائي الدولي”، لمختلف
وسائل الإعلام المحلية. وبذلك فهي توجه تحديا لكل الذين انتقدوا الفيلم
أياما قبل عرضه. وتأتي هذه الخطوة، كما قالت الوزيرة، في إطار تمكين
الإعلاميين الجزائريين من مشاهدة هذا الفيلم في نفس يوم عرضه بمهرجان “كان”
السينمائي ضمن المنافسة الرسمية على الصحافة الأجنبية التي تنقلت بكثافة
لتغطية هذا الحدث السينمائي العالمي.
الخبر الجزائرية في
19/05/2010 |