شهدت المسابقة أمس الأول، عرض أعظم فيلم فى المهرجان هذا العام. فرغم أنه
عرض فى سابع أيام المهرجان الإثنى عشر، أى لاتزال هناك خمسة أيام ستعرض
فيها أفلام كثيرة أخرى داخل وخارج المسابقة، فإن المستوى الرفيع الذى جاء
عليه الفيلم الفرنسى «عن الآلهة والبشر» إخراج زافير بيفوا من الصعب أن تصل
إليه إلا أفلام معدودة فى سنوات، وليس فى سنة واحدة، فما بالك بمسابقة
مهرجان واحد!
هذا عمل دخل تاريخ السينما بعد عرضه الأول مباشرة، ولن يخرج منه أبداً،
وأصبح من الكلاسيكيات المعبرة عن مدى تطور الفن السينمائى ومدى تعبيره عن
عصرنا.
وقد جاء الفيلم «مفاجأة» حقيقية من زافير بيفوا الذى بدأ حياته الفنية
ممثلاً عام ١٩٩١، ومخرجاً عام ١٩٩٢، ولايزال يمثل ويخرج الأفلام فى الوقت
نفسه.. والفيلم الجديد هو فيلمه الروائى الطويل الخامس كمخرج. صحيح أن
أفلامه الأربعة السابقة لقيت التقدير داخل وخارج فرنسا، وعرض منها اثنان فى
مسابقة مهرجان فينسيا، ولكن أول فيلم له فى مسابقة «كان ٢٠١٠» يمثل درجة
عالية من النضج لم يصل إليها من قبل.
مذبحة الرهبان السبعة
يعبر الفيلم عن مذبحة الرهبان الفرنسيين السبعة، الذين تم خطفهم فى ٢٦ مارس
١٩٩٦ بواسطة الجماعة الإسلامية فى الجزائر التى أعلنت مسؤوليتها عن الخطف
فى ١٨ أبريل، وطالبت بالإفراج عن بعض معتقليها فى فرنسا، وبعد مفاوضات
فاشلة بين الحكومتين الجزائرية والفرنسية، أعلنت قتلهم فى ٢١ مايو، وتم
العثور على رؤوس الضحايا مقطوعة فى ٣٠ مايو. وفى ٢٠ نوفمبر الماضى، ظهرت
وثائق تشير إلى أن الرهبان قتلوا خطأ بواسطة الجيش الجزائرى، فبدأت المحاكم
الفرنسية تنظر القضية، ولاتزال تنظرها حتى الآن.
الرهبان الذين عاشوا فى دير بإحدى القرى فى جبال الأطلس من ١٩٩٣ وقتلوا فى
١٩٩٦ هم: كرستيان (لامبرت ويلسون) وسيليستين (فيليب لاودينباخ) وبرونو
(أوليفر بيرير) وبول (جان-مارى فرين) وميشيل (زافير مالى)، وكريستوف أصغرهم
سناً (٤٥ سنة) وقام بدوره أوليفر رابوردين، ولوك (٨٢ سنة)، وقام بدوره
الممثل الفرنسى الكبير ميشيل لوندالى. وعند الهجوم على الدير اختبأ راهبان
هما إميديه (جاك هيرلين) الذى يبدو فى المائة من عمره، وتوفى العام الماضى،
وجان بير (ليو بيشون) الذى لايزال على قيد الحياة.
الفيلم إذن عن واقعة حقيقية لا خلاف على حدوثها، وكان من الممكن، بالتالى
أن يكون وسيلة لها مصداقية فى التعبير عن الفكرة الرائجة منذ هجوم
المتطرفين الإسلاميين ضد أمريكا فى سبتمبر ٢٠٠١ وقيامهم بذبح رهائنهم
كالخراف والماشية، وهى أن الإسلام دين يحض على العنف واحتقار الحياة.
ولم يكن من الممكن أن يتهم أحد صناع الفيلم بالانحياز إذا شاهدنا ذبح
الرهبان، أو رؤوسهم المقطوعة عند العثور عليها. كما كان من الممكن أن يكون
الفيلم سياسياً عن القضية المثارة الآن، والشكوك فى مسؤولية الجيش
الجزائرى.. ولكن «عن الآلهة والبشر» لا يصور المذبحة، ولا العثور على
الرؤوس المقطوعة، ولا يشير إلى القضية التى تنظرها المحاكم الفرنسية.
دفاع عن الإنسانية والإسلام
اختار زافير بيفوا وإيتين كومار، التى اشتركت معه فى كتابة السيناريو، أن
يدافعا عن الإنسانية، وأن يدافعا عن الإسلام، وأن يكونا بحق أحفاد المفكرين
والفنانين الفرنسيين الإنسانيين العظام الذين ينيرون تاريخ فرنسا والعالم،
وليسا أحفاد الجنرالات وأقطاب المال والأعمال. وعبرا فى الوقت نفسه عن
الفكر الدينى المسيحى الحقيقى بقدر تعبيرهم عن الفكر الإسلامى الحقيقى.
جاء هذا التعبير من خلال استبعاد تصوير المذبحة والرؤوس المقطوعة والقضية
المثارة فى المحاكم، ومن خلال التركيز على العلاقات الحميمة التى تربط بين
رهبان الدير المسيحيين وسكان القرية المسلمين.
وفى أحد مشاهد التعبير عن هذه العلاقة فى حفل من حفلات السكان، يقرأ أحدهم
من القرآن الكريم باللغة العربية الآيات التى تنص على عدم التفرقة بين
أنبياء الله، ومع الأسف لم تتم ترجمة هذه الآيات على الأقل فى عرض المهرجان
أمس الأول. وفى أول هجوم على الدير لطلب الراهب الطبيب لعلاج مصاب، يواجه
رئيس الدير قائد المجموعة المسلحة، ويسأله: هل قرأت القرآن، وهل تعرف أنه
يوصى بالنصارى وأن منهم رهباناً يعرفون الله، وهم الأقرب إلى المسلمين
المؤمنين؟!
أما الدفاع عن الفكر المسيحى الحقيقى فيبدو فى رفض الرهبان حماية قوات
الحكومة لهم، حيث يقول رئيس الدير: وكيف نقبل الحماية من حكومة فاسدة،
ويتجلى فى رفضهم العودة إلى فرنسا بعد مناقشات مطولة وعميقة، فكيف يتركون
سكان القرية المهددين بالقتل مثلهم، وألم يوصِ المسيح عليه السلام بالدفاع
عن الحملان ضد الذئاب، وألم يفتدِ بدمه الإنسانية؟
وينتهى الفيلم بمشهد من أعظم المشاهد فى تاريخ السينما هو مشهد العشاء
الأخير للرهبان، الذى لا يقارن إلا بلوحة دافنشى ولوحات وتماثيل عظماء
الرسم والنحت. ففى هذا المشهد يتوقف الحوار، ونستمع فقط إلى الموسيقى،
ويعبر الممثلون الأفذاذ الذين قاموا بأدوار الرهبان، خاصة رئيسهم ويلسون
وكبيرهم لوندالى فى لقطات مكبرة عن استسلامهم لإرادة الله، وعن خشيتهم
ووجلهم من المصير الذى كُتب عليهم فى الوقت نفسه.
وتبدو مقدرة بيفوا الكبيرة فى عدم استخدام الموسيقى واللقطات المكبرة طوال
الفيلم إلا فى هذا المشهد، ولهذا أصبح تأثيره هائلاً. والمشاهد الثلاثة
الأخيرة هى للرهبان حيث يحتجزون كرهائن، ثم لمدخل الدير والراهبين اللذين
نجيا يتعانقان صامتين فى أسى، ومقابر الدير فى الحديقة، التى توحى بأنهم
دفنوا فيها، ولكننا فى المشهد الثالث والأخير نراهم أحياء بصحبة جلاديهم
يتجهون إلى عمق إحدى الغابات. إنهم أحياء عند ربهم يرزقون.
وبقدر ما يعتبر بيفوا فى هذا الفيلم من أحفاد المفكرين الذين دافعوا عن
الإنسانية، بقدر ما تعتبر كارولين شامبيتير، التى صورت الفيلم بالألوان
للشاشة العريضة، من أحفاد الرسامين الذين عبروا عن جمال الطبيعة وجمال
الإنسان وجمال الحياة. وتتكامل العناصر الفنية فى فيلم «عن الآلهة والبشر»
ويبرز مونتاج مارى-جولى مالى حيث جاء فى ساعتين بالضبط من دون دقيقة واحدة
زائدة، ومن دون افتقاد دقيقة واحدة يشعر المتفرج بأنه فى حاجة إلى وجودها.
كل ما أنفقه العرب والمسلمون ودولهم للدفاع عن الإسلام منذ أحداث سبتمبر
٢٠٠١ ربما لا يعادل هذا الفيلم، ويجب عليهم تكريم صاحبه أرفع درجات
التكريم، وعرض فيلمه فى كل بلادهم.
فيلمان عن الإرهاب والإسلام
فى الصفحة الأولى من النشرة اليومية لـ«فارايتى» التى تصدر أثناء المهرجان
نشرت الجريدة الأمريكية الدولية خبرين على نحو متساو يمين ويسار الصفحة مع
صورتين للمخرج المصرى مروان حامد والمخرج المغربى نبيل عيوش عن المشروعين
الجديدين لكل منهما. أعلن مروان حامد أن الفيلم عنوانه «Assassins»
وتعنى «قتلة وحشاشين» فى الوقت نفسه، عن حسن الصباح (١٠٣٨-١١٢٤) مؤسس جماعة
الحشاشين، وسيد قطب (١٩٠٦-١٩٦٦) المثقف الذى وضع إنجيل الجهاديين
المتطرفين، وشُنق بواسطة الدولة المصرية، ومحمد عطا قائد عملية ١١ سبتمبر
ضد الولايات المتحدة.
وقال مروان حامد: «لقد أحدث الرجال الثلاثة تدميراً هائلاً، وهى شخصيات
تصنع دراما عن كيف ولماذا يتحول أناس إلى إرهابيين»، وأن الفيلم سوف يكتبه
وحيد حامد وتنتجه شركة «جود نيوز سينما» ويتكلف نحو ١٣ مليون دولار أمريكى،
ومن المقرر أن يعرض فى أبريل ٢٠١٢.
وأعلن نبيل عيوش أن مشروعه «نجوم سيدى مؤمن» عن رواية ماهى بينبينى عن
التفجيرات الانتحارية فى كازابلانكا عام ٢٠٠٣، ويتكلف نحو ٤ ملايين دولار
أمريكى. وقال إن الفيلم بورتريه للشباب الصغار الذين يذهبون ضحايا
للأصوليين الدينيين، كما أنه عن وضع المغرب فى الجغرافيا السياسية، وتأثير
١١ سبتمبر ووفاة الملك الحسن الثانى.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليوم في
20/05/2010 |