العواصف تحيط بمهرجان “كان” في دورته الثالثة والستين هذا العام .
الذي واجه احتمالات وصول او عدم وصول المتوجّهين عليه، تبعاً لانتشار أو
عدم انتشار رماد البركان الآيسلندي فوق شمالي وغرب أوروبا، كما ان لديه
مشاكل أخرى تجعل دورته هذا العام محطّة لن نستشف نوعها الا بعد أيام من
بدايته .
من ناحية أولى، فإن الخلافات نشبت بين مدير المهرجان السابق، جيل
جاكوب، ومديره الحالي تييري فرميو بسبب احتمال أن يكون الثاني أخلّ بتقليد
صارم من تقاليد المهرجان، عندما وافق على ادخال مسلسل تلفزيوني صنعت منه
الشركة المنتجة (قنال بلوس) نسخة للسينما بعنوان “كارلوس” ويدور عن المعتقل
الشهير كارلوس، الى العروض الرسمية . وجهة نظر جيل جاكوب هي أن لا تبرير
لقبول دخول فيلم تلفزيوني الى أي من العروض الرسمية للمهرجان لأنه يُقام
احياء للسينما وتكريماً لها وليس لأي صناعة أخرى . وجهة نظر فرميو تستند
فقط الى أن الفيلم المذكور يستحق الدخول بسبب تقنيّته وجودته العالية . لكن
الحقيقة هي أن المدير الفني تعرّض لضغط كبير من الشركة المنتجة التي هي
واحدة من أهم الشركات الداعمة للمهرجان . وتقول الصحف الفرنسية حول هذا
الموضوع إن عملية لَيّ ذراع مارستها الشركة في هذا الصدد نتج عنها اصرار
فرميو على انتهاك قرار مجلس ادارة المهرجان وعرض الفيلم مهما كان الثمن .
هناك لَي ذراع آخر قامت به المحطّة التلفزيونية قبل أيام ليست بعيدة
عندما قررت استخدام بند في الاتفاق ينص على أن تتولّى تغطية كل نشاطات
المهرجان . سابقاً كان هذا الأمر عملية ذات اتجاهين . المحطّة كانت تكتفي
بالتغطية المنفردة لحفلتي الافتتاح والختام إلى جانب الأولوية في شؤون
ومقابلات خاصّة الى آخر منظومة التغطية المهنية المفترضة، لكنها كانت، بقصد
او من دونه، تترك الباب موارباً لمؤسسات تلفزيونية أخرى تلتقط المناسبة
وتبثّها بالموازاة . هذه المرّة قررت “قنال بلوس” أن تستخدم كل حقّها في
هذا الشأن وتطلب من المهرجان منع المحطّات الأخرى من التغطية المشاركة .
المسألة ليست بهذه السهولة: المحطّات الأخرى احتجّت وهددت بالمقاطعة
ونحن هنا بانتظار نتائج المفاوضات لأن “كان” أول من يعلم بأهمية الاعلام
والانتشار اليومي في الوسائط جميعها، وبنى عالمه كله على هذا الأساس .
الفيلم الذي اختاره مهرجان “كان” للافتتاح يحكي قصّة الشخصية
الأسطورية روبين هود، الذي حسب ما اشتهر به، كان يسرق من الأثرياء ليعطي
الفقراء . وهو أحدث ما أخرجه البريطاني ريدلي سكوت، الذي يعيش ويعمل في
الولايات المتحدة منذ أن انتقل اليها في منتصف السبعينات في القرن الماضي
مع شقيقه توني سكوت شريكه في “سكوت فري”، المؤسسة الانتاجية النشطة .
الجديد هنا هو أننا لن نشاهد روبن هود يقوم بمثل هذه السرقات
(باستثناء مشهد واحد) وذلك لأن المخرج وكاتبه برايان هيلغلاند اختارا البحث
في الفترة التي سبقت أعماله الانتقامية وتوصّلا الى سيناريو جديد وجيّد
يبدأ بالحديث عن مذبحة الصليبيين ضد المسلمين، ولو ذكراً، وينتهي بتصوير
مذابح الفرنسيين في البريطانيين .
بالنسبة لريدلي سكوت فان “روبن هود” ليس اعادة لأي من الأعمال السابقة
التي دارت حول هذا الثائر وجماعته، بل اختار سيناريو جديداً يبتعد عن
الكليشيهات المعهودة ويبحث عن قيمة جديدة ومبرر جيّد لتقديم الحكاية من
جديد . وهذا وحده سيكون تحدّياً تجارياً كون جمهور اليوم عادة ما يبحث عن
أبطال من ألعاب الفيديو وليس أناساً من التاريخ .
وهذه ليست المرّة الأولى التي يختار فيها سكوت حكاية تاريخية وربما
على كثرة زياراته لتواريخ متعددة، وأماكن أحداث مختلفة، يعكس حبّاً للنوع
الذي كان فيما سبق يُسمّى ب الملاحم التاريخية والآن يعتبرونه .
Period Drama
أو دراما زمنية
المرّة الأولى التي لجأ فيها سكوت الى التاريخ كانت عبر فيلمه
“المتبارزان” الذي عرضه سنة 1977 في المهرجان الفرنسي ذاته وكان من بطولة
كيث كارادين وهارفي كايتل مع ألبرت فيني وادوارد فوكس .
وفيلمه الثاني في هذا الاتجاه هو “أسطورة” الذي قام ببطولته سنة 1985
توم كروز وميا سارا . انه ليس تاريخياً فحسب، بل هو مغامرات فانتازية
موضوعه في العصر الوسيط حيث كان للخرافات والأساطير مكانها المحسوب في
الثقافة الشعبية .
وسنة 1992 وبعد فيلمين بوليسيين هما “أحد لحراستي” و”مطر أسود” ودراما
تشويقية عنوانها “ثلما ولويز”، أنجز فيلمه الثالث في هذا الاطار وهو “قهر
الفردوس” الذي أنجزه بمناسبة الاحتفال بمرور 500 سنة على اكتشاف كريستوفر
كولمبس القارة الأمريكية، ولو أن كلمة اكتشاف مشكوك فيها الا اذا اعتبرنا
أنه أول اكتشاف أوروبي .
من بعد هذا الفيلم أمضى ريدلي سكوت نحو ثماني سنوات حقق فيها فيلمين
فقط هما “صرخة بيضاء” و”جي . آي . جين” . وكلاهما حقق نجاحاً محدوداً .
لكنه في 2000 أنجز واحداً من أكبر نجاحاته الى اليوم وذلك في الفيلم
التاريخي “المصارع” مع راسل كراو، ذات الممثل الذي يؤدي هنا شخصية روبن
هود، في دور الثائر الروماني الذي ينتفض على معتقليه ويحرر نفسه من
العبودية لينتقم من قتلة زوجته.
كل واحد من هذه الأفلام كان لا بد له أن يأتي كبير الحجم، فهذه صفة من
صفات الفيلم التاريخي، لكن “المصارع” كان أكبرها حجماً وأكثرها ملحمية على
خطى الأفلام التي انتجها العالم من هذا النوع من أيام السينما الصامتة .
السينما الأمريكية لم تكن شاهدت فيلماً من نوعه منذ زمن بعيد لكن مغامرة
سكوت الانتاجية حققت هدفها، بل كانت السبب الذي من أجله شاهدنا أوليفر ستون
يستعجل الخطى لتحقيق فيلمه المعروف “الاسكندر” ليتبعه زاك سنايدر بفيلم
“300” ولو أن هذا الفيلم شكلياً تاريخي، حيث إن معظمه تم تنفيذه على
الكمبيوتر .
5 أفلام آسيوية تنافس على السعفة الذهبية
تتمتع السينما الآسيوية بحضور قوي في كان هذا العام بعد النجاحات التي
حققتها في دولها، وتشكل ثلث الترشيحات الرسمية للجوائز .
فمن أصل 19 فيلماً تتنافس على السعفة الذهبية للمهرجان، جاءت خمسة من
آسيا وعلى رأسها “شونغكينغ بلوز” للصيني وانغ تشاوشواي الذي عرض أمس .
وكانت الأفلام المنتجة في الشرق الأقصى حققت نجاحاً كبيراً في أكبر
مهرجان سينمائي في العالم العام الماضي .
وحصل المخرج الفلبيني بريانت ميندوزا على جائزة أفضل إخراج على فيلمه
“كيناتاي” الذي يروي قصة عملية اغتيال ارتكبها شرطيون . كما تميزت الصين
وكوريا الجنوبية، الأولى بجائزة أفضل سيناريو على فيلم “سبرينغ فيفر” (حمى
الربيع)، والثانية بجائزة لجنة التحكيم التي منحت لفليم “ثيرست” (عطش)
لبارك شان ووك .
وهذه السنة، تعود كوريا الجنوبية بفيلم “ذي هاوسميد” (الخادمة) لايم
سامسون، و”بويتري” (شعر) للي شانغ دونغ، بينما يقدم الياباني تاكيشي كيتاني
فيلم “اوتريج” (غضب) .
باناهي الغائب الحاضر
وضع اعتقال السينمائي الإيراني جعفر باناهي الذي طلبت فرنسا، أمس
الأول، إطلاق سراحه، حرية الإبداع في قلب الدورة الثالثة والستين للمهرجان
منذ افتتاحه .
وخلال حفل الافتتاح، أبقى أعضاء لجنة تحكيم المهرجان هذه السنة على
مقعد فارغ رمزياً مخصص للمخرج الإيراني الذي دعي للمشاركة في اللجنة .
وقالت الممثلة البريطانية كريستين سكوت توماس التي ترأست حفلاً ضم
حوالي ألفي ضيف في صالة لوي لوميير في قصر المهرجانات في “كان”، إن “المقعد
الفارغ هو مقعد السينمائي الإيراني جعفر باناهي المحتجز في بلده رغماً عنه”
.
وكان السينمائي الأمريكي تيم بورتن الذي يترأس لجنة التحكيم طلب أمام
الصحافيين إطلاق سراح باناهي .
وجعفر باناهي (49 عاماً) حصل على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان
البندقية في العام 2000 على فيلمه “الدائرة”، وجائزة الدب الفضي لمهرجان
برلين في 2006 لفيلمه “خارج اللعبة” . واتهمت وزارة الثقافة الإيرانية
باناهي بأنه “أعد فيلماً حول الحوادث التي تلت الانتخابات” التي جرت في
يونيو/ حزيران 2009 .
الخليج الإماراتية في
14/05/2010 |