مقاربة مختلفة لأسطورة زعيم الخوارج الذي سرق الأغنياء ليطعم الفقراء. حروب
أميركا الاستعماريّة وأزماتها المالية مرّت من هنا
ربّما كان «روبن هود» من أكثر الشخصيات التي أحبّتها الشاشة، وتعاملت معها
حتّى الاستنفاد! تاريخ السينما مليء بالأفلام التي أعيد إنتاجها مراراً
وتكراراً، عن شخصيّة معيّنة، على مراحل وحقبات مختلفة... لكنّ البطل الذي
أعاد ريدلي سكوت إحياءه أخيراً، يحتلّ بلا شكّ مكانة على حدة بين أساطير
الفنّ السابع. منذ عام ١٩٢٦، هناك ٩٩ فيلماً أو مسلسلاً عن ذلك النبيل
الخارج على القانون، والمختبئ في غاباته دفاعاً عن العدالة، سارقاً من
الأغنياء ليعطي الفقراء.
وإذا كانت معظم تلك الأعمال متشابهة في تصويرها لـ«روبن هود»، فإن
السينمائي البريطاني يقدّم هنا مقاربة مختلفةً كلياً للحكاية... إلى درجة
يصبح عنوان الفيلم «روبن هود» غير دقيق. لعله كان من الأنسب تسميته «روبن
(قبل) هود». أي حين كان اسمه روبن لونغسترايد، قبل أن يعلن العصيان على
النظام الجائر الذي يرمز إليه الملك جان، وريث ريتشارد قلب الأسد على عرش
إنكلترا، وقبل أن يصطفي الغابات جمهوريّة فاضلة مع رجاله الظرفاء ومحبوبته
ليدي ماريان.
روبن هود في نسخته الجديدة ليس سوى جندي في جيش الملك الصليبي ريتشارد قلب
الأسد، يحارب معه ويعود مدحوراً من فلسطين، ليبدأ بشن حروب على فرنسا
وملكها فيليب. لكن ما إن يُقتل ريتشارد (داني هستون) في إحدى المعارك، حتى
يتسلّم أخوه جان الحكم، وتبدأ أسطورة روبن هود. روبن قبل هود، يؤديه
الأوسترالي راسل كرو بجدية نفّرت النقاد والمشاهدين الذين اعتادوا صورة
البطل المرح، الذي يرافقه رجال شجعان... لكن ظرفاء.
لكنّ ذلك زمن مضى. ونحن الآن في عصر جورج بوش وحروبه المستمرة. مع أنّه هو
الآخر مضى، وصارت مهمة هوليوود إطلاق الرسائل الأخلاقية عن بشاعة الحروب
والظلم وعلاقة الدولة بالمواطن. هكذا يبدأ الفيلم بإخبارنا أنّ إنكلترا في
مطلع القرن الثالث عشر كانت تعاني من الظلم والطغيان، وأنّ تلك الظروف
هيّأت التربة لبروز رجال من نوع روبن هود.
إنكلترا في ظل غياب ملكها المحبوب ريتشارد، وقعت فريسة نزوات جان. وما إن
اعتمر التاج، حتى أحكم قبضته على السلطة، وبدأ بممارساته التعسفية، ناهباً
الناس باسم الضرائب المستحقة للخزينة. يخدع الملك جان شعبه، ويعده بإجراء
الإصلاحات المطلوبة، مقابل أن يحارب إلى جانبه ضدّ الغزو الفرنسي لإنكلترا.
لكن ما إن ينتصر الجيش الإنكليزي على ملك فرنسا...
أسلوب تصوير المعارك يليق بأحدث أفلام الحركة
بفضل «روبن» طبعاً في الفيلم، حتى يعود الملك عن وعوده، مختبئاً خلف «الحق
الإلهي» ليتفرّد بالسلطة، ثم يعلن روبن مجرماً ويطارده لإعدامه. هكذا،
يتوارى بطلنا عن الأنظار في الغابات، ويتوقّف الفيلم عند بداية هذه المرحلة
الجديدة من حياته. مرحلة روبن هود التي يعرفها الجميع.
كالعادة مع صاحب «مملكة السماء»، الفيلم ممتاز تقنياً. يستخدم سكوت أسلوباً
في تصوير المعارك، يليق بأحدث أفلام الحركة. لكنّه يختار أيضاً أفكاراً
حديثة في مقاربة الحرب، ويسقطها على الحروب الأميركية الحالية. وهذا هو
مزاج السينما الأميركية اليوم: انتقاد الحروب والحكومة، ودعوة إلى إعادة
النظر في توزيع الثروة، في ظل أزمة مالية خانقة، والحدّ من بذخ الطبقة
الحاكمة. لكن هل ينجح الشعب الأميركي في خلق روبن هود جديد؟
أما المشاهد العربي، فيشعر بأنّ الفيلم ـــــ بما فيه من خونة وعملاء
وجواسيس ووصوليّين ــــ صنع من أجله فقط! مشهد الملك جان الذي يتفاوض مع
أعيان شعبه، واعداً إيّاهم بأن يحكم بالعدل، فيما السفن الفرنسية تقترب من
شواطئ إنكلترا، يحيلنا على الراهن العربي مع فارق بسيط: أن الحكام العرب،
غالباً، يتوطأون مع الغزاة على شعوبهم، فتسلم أنظمتهم وعروشهم.
الأخبار اللبنانية في
07/06/2010
محمد صالح هارون... أحزان أفريقيا
سعيد خطيبي
لطالما اقترنت صورة القارة السمراء بجملة مسلمات وأفكار جاهزة، تتمثل
خصوصاً في الفقر، والمجاعة، والحروب الأهلية... وهي تمثّل محاور سيناريو
«رجل يصرخ» للسينمائي التشادي محمد صالح هارون. الشريط عُرض أخيراً ضمن
المسابقة الرسمية في «مهرجان كان»، وفاز بـ«جائزة لجنة التحكيم»، مؤكداً
عودة السينما الأفريقية إلى المهرجان العريق بعد طول غياب.
تعود أحداث الفيلم نفسه إلى تداعيات الحرب الأهلية في تشاد التي دارت قبل
أربع سنوات بين القوات الحكومية والمتمردين، وأدت إلى مئات الضحايا. وقد
اتّخذ المخرج محوراً لفيلمه هذه المرحلة التي عايشها. لقد أوضح هارون في
حديثه للصحافة: «عشت الحرب الأهلية في بلدي، ثلاث مرات: حين أصابتني رصاصة
طائشة عام 1980، وحين هاجرت مرغماً إلى الكاميرون المجاورة، على متن عربة
يجرها والدي، ثم في عام 2006، على هامش تصوير فيلم «دارات»».
ربيع 2006، كان هارون يصوّر في العاصمة نجامينا مشاهد من فيلمه «دارات»
(جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان البندقية»)، حين وصلت قوات المتمردين إلى
أبواب المدينة، وفُرض قانون منع التجول ليلاً، فاضطر إلى توقيف التصوير.
وشرع هارون يومذاك في تدوين ملاحظاته التي مثّلت لاحقاً مادة «رجل يصرخ».
يسرد الفيلم مشاهد من يوميات عائلة تشادية بسيطة، تتألّف من الوالدين أدام
(يوسف جاورو) ومريم (فاطيمي نجوا) والابن عبدل (ديوك كوما) الذين تفرّق
بينهم عبثية الحرب. يضطر الابن (20 سنة) إلى الالتحاق بالجيش الحكومي لأنّ
العائلة فقيرة لا تستطيع دفع المستحقات المالية المفروضة عليها. لكنّه
يتعرض بعد وقت قصير لإصابة خطيرة، يموت على أثرها، تاركاً وراءه حبيبته
المغنية الشابة الحامل بطفله. وقد أراد المخرج من خلال ذلك، إيصال رسالة
مفادها أن الحياة تستمرّ رغم الحرب والموت والدمار التي تشهدها بلداننا في
مختلف البقع «الملعونة» من العالم.
«رجل يصرخ» في جحيم الحرب الأهليّة
يتذكر محمد صالح هارون المواجهات العنيفة، قبل أربع سنوات، بين الجيش
والمتمردين: «بعد بضع دقائق من المواجهات، سقط ما لا يقل عن 300 قتيل».
معاناة بلغت ذروة من البشاعة واللاإنسانية، جاءت استعادتها على الشاشة،
لتؤكّد اللحمة التي تربط بين المخرج ووطنه الأم. السينمائي الذي خصّته لجنة
التحكيم الدوليّة بجائزتها الخاصة، اختار أن يدخل «مهرجان كان» تحت راية
تشاد، مع العلم بأنّه أخرج، خلال السنوات الماضية، عدداً من الأعمال، التي
نالت جوائز دولية، لكن بالتعاون مع منتجين أوروبيين، على غرار فيلمي «باي
باي أفريكا» (1999ــــ جائزة أفضل باكورة سينمائية في «مهرجان البندقية»)
و«أبونا» (2002ــــ جائزة السينما الأفريقية في واغادوغو).
الأخبار اللبنانية في
07/06/2010 |