تتواصل فعاليات
الدورة الثالثة من مهرجان الخليج السينمائي
الذي تضيء شاشاته في هذه الأيام في دبي
وسط إقبال ونجاح كبيرين وصلا إلى درجة الامتلاء الكامل لإحدى الصالات
الكبيرة
بالمتفرجين قبل وقت لا بأس من العرض؛ مما اضطر المنظمين إلى السماح بوجود
متفرجين
واقفين ومقتعدي الأرض في الممرين الواقعين على طرفي الصالة، فيما وقف غيرهم
خارج
الصالة في طابور متلهف منتظرين أن ينسحب أحد الجالسين أو المقتعدين أو
الواقفين في
اللحظة الأخيرة ليحل الأول في الطابور القَلِق بمن في ذلك شخصيات إعلامية
وثقافية
محله، ولكن ذلك لم يحدث لحسن الحظ وسوئه معاً. وقد عقد الأستاذ عبدالحميد
جمعه رئيس
المهرجان مؤتمراً صحفياً حضره عدد وفير الكتَّاب والصحفيين العرب والأجانب
المشاركين في التغطية الإعلامية للمهرجان وذلك في قاعة المؤتمرات بفندق
الانتركونتينانتال ، حيث شرح في البداية أهداف المهرجان، وطموحاته، والصعاب
التي
يواجهها، وأهمية استمراره للسينمائيين في الخليج. وأكد رئيس المهرجان أن
دبي تسعى
لاحتلال مكانتها باعتبارها وجهة سينمائية مستقبلاً، وذلك دعماً منها
للثقافية في
الخليج؛ لذلك فإن مبادرتها هذه واحدة من مبادرات عدة مثل مهرجان دبي
السينمائي
الدولي، ومدينة دبي للأستوديوهات، وغيرها.
بعدها أتاح الأستاذ جمعة الفرصة
للحضور للإدلاء بآرائهم وأسئلتهم ومقترحاتهم، حيث قال ان ما ينتهجه
المهرجان سنوياً
من تكريم للشخصيات الرائدة التي خدمت الفن السينمائي يفيد في إيجاد ترابط
حميم بين
الأجيال المختلفة ويجعلها قريبة من بعضها البعض في دول الخليج المختلفة.
كما تحدث
عن عدم ضرورة الخلط بين مهرجان الخليج السينمائي ومهرجان دبي السينمائي
الدولي
وكلاهما ينبع من نفس الجهة المنظمة ألا وهي هيئة دبي للثقافة والفنون،
موضحاً ان
الأهداف المنوطة بهما مختلفة؛ إذ ان مهرجان الخليج السينمائي يأتي تأسيساً
ودعماً
لصناعة سينمائية خليجية، بينما يتجه مهرجان دبي السينمائي الدولي لتأكيد
الحضور
العربي والعالمي وإيجاد تواصل بين دبي بوصفها مركزاً سينمائياً عالمياً
وبقية أنحاء
العالم. ثم انتقل للحديث عن ان المهرجان فضلاً عن مسابقة الأفلام المتعددة
الفروع
يقيم أيضاً مسابقة خاصة بكتَّاب السيناريو في الإمارات، ويتواصل مع
الكتَّاب بصورة
عامة حيث يعيد إليهم نصوصهم مع ملاحظات المشرفين عليها ومع تصحيحها من قبل
الكتَّاب، ثم يقوم لاحقاً بتتبع تلك النصوص حتى يتم إنجازها في شكل أفلام
سينمائية
وثائقية وروائية قصيرة وطويلة. وأضاف انه لا رقابة يفرضها المهرجان على
السينمائيين
إلا في ما خرج عما ينشده المهرجان من تحقيق الأهداف النبيلة التي وضعت من
أجله.
وضرب مثال فيلم "حنين" البحريني الذي عرض في المهرجان قائلاً ان الفيلم
صريح في
معالجة الإشكالية الطائفية البغيضة في المجتمعات الخليجية، ولذلك فقد رحبنا
به، حيث
ان اختلاف التوجه نحو إزكاء تلك المشكلة وتعميقها يتجه لرفضه.
ثم أضاف الأستاذ
جمعه ان المهرجان بصدد إضافة فعالية مهمة
هي تبني نشر إبداعات الكتَّاب الخليجيين
النقدية كالدراسات والبحوث التي تؤرخ وتتابع الحركة السينمائية الصاعدة في
الخليج،
وكذلك الدراسات والترجمات التي قام بها النقاد السينمائيون الخليجيون دعماً
لنشر
الثقافة السينمائية في الخليج. وأجاب عن سؤال حول مدى إمكانية ضم التجربة
السينمائية الإيرانية إلى المهرجان قائلاً ان في ذلك عدم مساواة واضح جداً؛
حيث ان
التجربة الإيرانية من العمق والتطور اللذين يجعلانها تتخذ مركزها اللائق في
مصاف
السينما العالمية، ولذلك فإنه تم تعزيز العلاقات معها عبر مهرجان دبي
السينمائي
الدولي. وذهب الأستاذ جمعه إلى ان إدارة المهرجان تتابع تقييمات كل دورة
على حده،
وانها تتبع الأسلوب العلمي في تقييم كل دورة سعياً لتطوير هذا المهرجان
ودفع
التجربة السينمائية في الخليج إلى الأمام. وأخيراً أكد رئيس المهرجان
تفاؤله حول
انتشار الثقافة السينمائية في الخليج، مدللاً على ذلك ارتفاع عدد المشاركات
السينمائية عاماً بعد عام واتجاهها نحو التميز النوعي ما يجعل انتشارها
العربي
والعالمي في خطى التحقق عاماً بعد عام. ومن بين الفعاليات الثقافية
المصاحبة
للمهرجان عقدت اللجنة المنظمة الندوة النقاشية الرابعة التي استمرت من
منتصف الليل
حتى الثانية صباحاً حول تجربة السينما الخليجيية من عام 2000 إلى عام 2010.
أدار
الندوة وداخَلَ فيها عبدالله حبيب، وشارك فيها خالد البدور من الإمارات،
وأمين صالح
من البحرين، وعبدالله آل عياف من السعودية،
وحضرها في مناخ ودي سادته رغبة الجميع
في الارتقاء بالسينما في المنطقة عدد كبير من الفنانين والكتَّاب المشاركين
في
المهرجان. وقد تحدث عبدالله حبيب عن التحولات الجذرية التي يشهدها مفهوم
"السينما"
بحيث اننا قد نتحدث غداً عن "الفن الثامن" بسبب التغيرات الهائلة في الأداة
والشكل
السينمائيين مذكراً بنبوءة المخرج الفرنسي غودار التي أطلقها
في ثمانينيات القرن
الماضي قائلاً انه سيأتي يوم يستطيع فيه أي
شخص عمل فيلمه الخاص، مضيفاً ان فيلم
غودار الأخير "موسيقانا" يحتوي على مشاهد صورت بآلة تصوير 8 ملم، و16 ملم،
و35 ملم،
وبكرات النشرات الإخبارية السينمائية ما قبل التلفزيونية، والكاميرا
الرقمية،
والكولاج. ثم تحدث عن إشكالية مفهوم "السينما الخليجية" متذكراً حواراً
أجراه مع
المفكر السينمائي جون داوننغ ذهب فيه إلى ان مفهوم "السينما العربية" ملتبس
بنيوياً
وأسلوبياً على عكس الحال حين يتعلق الأمر بالسينما الأمريكية
مثلاً، مضيفاً انه
وفقاً لذلك فإن مفهوم "السينما الخليجية"
عبارة عن حقل ألغام سياسي وثقافي وإبداعي،
وانه ينبغي التأمل في مفاهيم مثل "أفلام من الخليج"، أو السينما العربية في
الخليج"، أو "السينما في الخليج العربي"، أو "السينما في الدول الخليجية"،
وغيرها.
ثم تحدث عن أهمية ان يقدم السينمائيون الخليجيون لغة سينمائية
نابعة من ثقافتهم
عوضاً عن تقليد السينما العالمية، ضارباً
في ذلك أمثلة طليعية من سينما العالم
الثالث كالسنغالي جبريل ديوب مامبيتي التي
ذهب إلى انه يتجرأ على القول انها أكثر
أهمية من تجربة عثمان صمبين ذائعة الصيت،
وان مامبيتي لولا الصعلكة والإدمان على
الكحول والموت المبكر لكان قد أعطى سينما
العالم الثالث الكثير. ثم تحدث ضمن أشياء
أخرى عن انه يراهن كثيراً على أفلام الطلبة الخليجيين ولذلك فإنه يسعى
للالتقاء بهم
والتحدث إليهم في كل دورة، وانه معجب بحماسهم ومواهبهم، لكنه يذهل لجهلهم
بأساسيات
النقد السينمائي التي لا تدرس لهم في المعاهد التي يتعلمون بها وهذا لن
يكون في
صالحهم على المدى البعيد، وان هذا داء يستشري تاريخياً منذ بداية تأسيس
المعاهد
السينمائية العربية خلال الحقبة الناصريَّة، وصارح الحاضرين بأنه أصيب
بالإحباط في
الندوة النقاشية الأولى لهذه الدورة من المهرجان حين طالب أهل الشأن
السينمائي في
الخليج أنفسهم بضرورة إنشاء استوديوهات ومعاهد لتدريس التصوير والإخراج
والمونتاج
والمونتاج وكتابة السيناريو وكافة جوانب الإنتاج السينمائي، ولكن أياً منهم
لم
يقترح ضرورة تدريس مساقات في النقد السينمائي. ثم تحدث عن تصوره للمراحل
التي
قطعتها السينما في المنطقة خلال العقد الفائت من الزمن، وما شهدته من تطور
كمي
ونوعي يجعلها جديرة بالتأمل والدراسة والمتابعة. بعدها قدم عبدالله الكاتب
البحريني
المعروف أمين صالح، مؤكداً على دوره التأسيسي المهم في إيجاد ثقافة
سينمائية نوعية.
وقد تحدث أمين صالح عن عدم تحبيذه بدوره لمصطلح "السينما
الخليجية"، قائلاً ان ذلك
مفهوم سياسي يركز على الإنعزالية والهوية الضيقة. وقال انه مدحوض ما يردده
بعض
السينمائيون والنقاد العرب حول عدم وجود سينما في المنطقة، وان السينما
العربية
موطنها عواصم الشرق المعروفة كالقاهرة ودمشق، وان الخليج خارج النقاش عندما
يتم
الحديث السينما. وفي هذا السياق رد أمين صالح على الناقد السينمائي المعروف
إبراهيم
العريس مذكراً إياه بأن الأخوان لوميير
مبتدعا السينما لم يأتيا بتاريخ سينمائي
جاهز معهما، وان الحاضر سيتحول بعد قليل إلى ماضٍ، فضلاً عن انه لا عواصم
ثابتة
للفن أبداً؛ فالفن ينشأ ويتطور بشكل تلقائي مع تطور الإنسان نفسه، ولا يخضع
لمنطق "المراكز". وأضاف ان ما يحدد مستقبل السينما عوامل أخرى غير التي أراد
العريس
تحديدها، فالتكنولوجيا على سبيل المثال عامل أساسي في تطور
السينمائي كالعدسات
والصوت والإضاءة وآلات التصوير وغيرها.
وأكد أمين صالح على ما كان قد طرحه عبدالله
حبيب حول نبوءة غودار التاريخية انه سيأتي يوم يكون في مقدور
كل شخص أن ينجز فيلمه
الخاص به، وفي هذا دافع المتحدث عن توجه
السينمائيين الخليجيين الشباب إلى آلات
التصوير الرقمية عوضاً عن آلات التصوير
السينمائية الرسمية، قائلاً ان ما يحدد
رداءة الفيلم من جودته إنما هو الفيلم نفسه
وليس آلات تصويره؛ فالفيلم كما هو في
الشعر يكون سيئاً أو جيداً، ومثلما هو في الصور الفوتوغرافية سيئة أو جيدة
بغض
النظر عن آلة التصوير، وان منافذ الإبداع الإنساني يجب أن تكون مفتوحة دون
قيود أو
شروط. بعدها تحدث الشاعر والسينمائي الإماراتي المعروف خالد البدور عن
ضرورة تكريس
الطاقات الإبداعية للإنتاج السينمائي في الخليج، قائلاً ان ذلك هو الرد
الوحيد على
ما تكرسه الصحافة العربية من عدم وجود إبداع فني وثقافي في هذه الرقعة
الحيوية من
العالم. ثم تحدث عن عدم وجود إرث لصناعة السينما في الخليج كافتقار الساحة
للشركات
الإنتاجية، معترفاً ان الأمر حتى الآن لا يزال في طور الهواية ولم ينتقل
بعد إلى
الطابع الاحترافي مما ينجم عنه وجود إشكالات في السرد وأخرى في الأداء، وان
الكتابة
السينمائية حتى الآن لا تزال تتم بالشكل التلفزيوني. وعليه فقد طالب البدور
بإعادة
النظر في النصوص المكتوبة والمقدمة لإنجاز أفلام بناء عليها. ولذلك فإنه لا
بد من
حضور قوي ومؤثر لجهات أكاديمية وخبراء وورش عمل لكتابة ومراجعة والنصوص
السينمائية
في المنطقة. ثم اختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة تكامل العناصر الفنية
للفيلم
الخليجي وضرورة اكتساب خبرات تمتد من التصور الأساس للفيلم وحتى عرضه على
الشاشة.
ثم تحدث المخرج السينمائي السعودي الشاب والواعد قائلاً ان ما يقدمه هو
وزملاؤه في
المملكة لا يتجاوز المحاولات الفردية بإمكانات بسيطة جداً، وما هذا إلا
مثال حول
معوقات السينما في الخليج بمعنى افتقارها للدعم الحكومي والخاص. لكنه أضاف
انه على
الرغم من ذلك فإن محاولات وتجارب الشباب السعوديين مستمرة بلا توقف في
التطور
والتجريب. فتح بعد ذلك باب الحوار الذي مس كافة أوجه التجربة والمستقبل
السينمائيين
في المنطقة، وكان من أبرز محاوره اقتراحات إنشاء صتدوق لدعم السينما، وعقد
ورش عمل
لكتابة السيناريو. أما الناقد السينمائي المصري محمود قاسم فقد نحدث عن
ضرورة وجود
إنتاج سينمائي مشترك بين دول الخليج والدول العربية الأخرى ما يخدم تطور
السينما
العربية وتلاحمها وارتباطها.
عمان العمانية في
14/04/2010 |