ما إن أعلن عريف الحفل فوز فيلم «ضربة البداية» بجائزة أفضل فيلم روائي في
الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي حتى انهمرت دموع الممثل شوان عطوف
فرحا. لقد شعر ان الدور الرئيسي الذي لعبه وصل الى الناس وثمن من قبل حكام
المهرجان. كانت فرحته غامرة ففرحة النجاح حلوة ورائعة في كل المناسبات. بعد
ساعات طويلة تلقى خلالها التهاني من الضيوف والجمهور، اتفقت معه على موعد
لقاء .
اتفقنا على ان يكون اللقاء في اليوم التالي، وفي بهو فندق المهرجان. بدأ
حوارنا عن مشاريع شوان الشخصية والحركة السينمائية في كردستان، وفوجئت بخبر
نقله إلي يفيد بوجود مشروع جديد هو تأسيس قناة تلفزيونية كردية مختصة
بالسينما. عن هذا المشروع قال انه يهدف الى فتح قناة فضائية تُعنى
بالسينما، تقدم الأفلام الجادة من كل العالم ومترجمة باللغة الكردية.
مهمتها في الدرجة الأولى تشجيع السينما جماهيريا والاهتمام بالسينمائيين
الأكراد من خلال عرض نتاجاتهم. فمعظم الأفلام الكردية تعرض الآن في
المهرجانات والناس لا يستطيعون مشاهدتها في صالات العرض المحلية. هذه
الفضائية توفر الفرصة الجيدة للجمهور والمعنيين للتفاعل مع المنتج
السينمائي الكردي .
وعن ملامح هذه السينما يمضي شوان: السينما الكردية بدأت نهضتها تقريبا بعد
السقوط وهي ذات خطاب جمالي وفكري جميل وتدعو الى التسامح ولهذا فأنا متفائل
بالمستقبل مع الحاجة الى التركيز على عمل الشباب الذين بدأوا في الظهور في
كردستان ويعملون في مجالات متعددة، من التمثيل حتى العمل على التقنيات
الحديثة .
قادنا المشروع الى الحديث عن مشكلات السينما في كردستان والتي يرى شوان
انها لم تؤسس على منهجية. بمعنى انها تفتقر الى المعارف الأكاديمية والتي
نعوضها الآن بتأسيس تجمعات سينمائية تشبه نوادي سينماتيك بين مجموعة من
الأصدقاء، وتوصلنا مؤخرا الى فكرة تأسيس جمعية للسينمائيين مهمتها وضع
استراتيجية بعيدة المدى تهدف الى استصدار قانون في كردستان ينظم عمل
السينما ويؤمن دعما ماليا حقيقيا لها. ومن الأفكار الأخرى اقامة مهرجان
كبير «يستفز» الجهات الرسمية ويجعلها تحس بأهمية السينما. فالاهتمام بها،
خصوصاً في وزارة الثقافة ما زال ضعيفا في عموم العراق ومع غياب تقاليد
المشاهدة وقلة الخبرة لا بد من وجود تخطيط لبناء دور سينما جديدة .
وكي
لا نذهب بعيدا في هموم السينما عدت وسألته عن تجربته في فيلم «ضربة
البداية» فأجاب: الحديث عن «ضربة البداية» له علاقة بالملاحظة التي شددت
عليها قبل قليل، أعني الحاجة الى تشجيع ثقافة المشاهدة. ومع انه شارك في
مهرجانات عديدة وفاز بالعديد من جوائزها، الا ان الجمهور المحلي لم يشاهده
بالشكل المطلوب. أما عن تجربتي في الفيلم، فكما تعرفون عندي تجربة سينمائية
سابقة وأتمتع بعلاقات جيدة مع عدد كبير من السينمائيين العراقيين، ولي
تجربة مهمة وأحبها مع صديقي حسن بلاسم في «جرح السينما»، ولهذا أشدد على
أهمية التركيز على تطوير السينما في داخل العراق وتأسيس بنية تحتية جيدة
لها. وعودة الى «ضربة البداية» فقد تعرفت على شوكت أمين خلال عملنا في فيلم
«رائحة التفاح» للمخرج الكردي رافين عساف، على أثرها اختارني شوكت للقيام
بدور البطولة في فيلمه الجديد. وللحق فقد أحببت طريقة عمل شوكت قبل هذا
الفيلم خصوصاً «عبور الغبار»، ولهذا قبلت عرضه، لكن الصعوبة التي واجهتني
في هذا العمل تمثلت في الفرق الكبير بين النص المكتوب والاحساس بالمكان.
فعندما ذهبنا الى مكان التصوير، وهو ملعب لكرة القدم سكنته عائلات عديدة،
شعرت بأن مطلب شوكت أن أنسى التمثيل وأتحرك كما لو كنت أعيش حقيقة بين
هؤلاء كان صحيحا. وحينها أحسست بأن الفيلم سيكون استثنائيا. فقد كان علي
العيش في الملعب والتعود عليه قبل الوقوف أمام الكاميرا. كان علي عيش
التجربة وليس تمثيلها. وهذا صعب جدا. أي انك تمثل وفي الوقت نفسه لا تمثل.
وللحق كانت تجربة قاسية، هكذا يصف شوان التمارين اليومية التي كان يقوم بها
للتعرف على المكان تحت شمس تموز الحارقة. ويضيف: المهم ان هذا التمرين وفر
لي فرصة معايشة حقيقة مع سكان الملعب. لقد شعرت بأن المشهد كان يأتي الي
كاملا؛ من بيوت وأطفال وعائلات، لقد صرت جزءاً منهم، وكانت الروح التي
تسودها حية، وساد المرح أجواء العلاقة، بما يشبه الى حد كبير روح معالجة
الفيلم للصراع الدائر بين فرق كرة القدم التي كانت تمثل القوميات الثلاث:
العربية الكردية والتركمانية. وبعد أسبوع واحد، تجاوزت كل العوائق ومنها
الحر الذي كان يفرض علي أكل الطماطم مع الملح باستمرار لتعويض الأملاح التي
كنت أفقدها والتي كثيرا ما سببت لي انخفاضا في الضغط، وفوق هذا كله كان
الوضع الأمني في كركوك مثار قلق للجميع، فقد وصلتنا تهديدات وانذارات
تدعونا الى الكف عن العمل في هذا المشروع، لكن بفضل حب الناس وقناعتهم
بانسانية الفكرة استطعنا المضي في التجربة. وأضاف شوان لها عنصرا شخصيا لعب
دورا ايجابيا تمثل في حب الناس له بعدما شاهدوه ممثلا في مسلسل تلفزيوني
عرض قبل شهرين من العمل في الفيلم. يقول: كان الناس يدعوننا الى بيوتهم
ويستضيفوننا الى موائدهم البسيطة وكأننا جزء من أسرهم.. لقد ساعدنا الناس
كثيرا ولولاهم لما انتهينا من الشريط في الوقت القياسي الذي سجل، وأصدقك
القول انه عندما انتهى التصوير بكيت بصمت طيلة طريق عودتي من كركوك الى
السليمانية .
أما لماذا وقع الاختيار على مدينة كركوك كي تكون مكانا لأحداث الفيلم فيقول
شوان: لأن موضوعه عن الصراع القومي هناك، وأيضا لأن ما أردنا ايصاله من
نظرة الى المشكلة كان مهما. أردنا القول، ومن خلال القصص المثيرة التي ضمها
تحت حكايته الرئيسية ومحورها مباراة لكرة القدم بين فرق شعبية من القوميات
المكونة للمجتمع الكركوكلي حبكتها، أردنا القول للجميع: أتركوا السياسة
جانبا وأنتبهوا الى الحياة نفسها. تعالوا نتعايش ونتقاسم الأرض وخيراتها
معاً .
وحول بعض الآراء التي وصفت الفيلم بأنه منحاز الى الاكراد، وأنه مرر رسائل
عنصرية فكان واضحا: على العكس، الفيلم فيه نقد للحكومة الكردية والعراقية
التي تسمح للعوائل الكردية للعيش في ملعب لكرة القدم. هذا الى جانب مشهد
يظهر فيه رجل أعمال ويطلب من الأكراد ترك المكان باعتبارهم متجاوزين على
القانون. في هذه اللحظة تصل عائلة عربية وتطلب السكن في الملعب مجبورة على
أمرها. كما أن بطل الفيلم «أسو» كان طوال الوقت يطالب اللاعبين بأن يخففوا
حدتهم لأن ما يلعبونه ليس بطولة عالمية بل مباراة ودية يراد من تنظيمها بعث
البهجة في قلوب الشباب لا أكثر. ما كان يهمه هو عيش الحياة والاستمتاع بها.
كان خطابه خطابا تسامحيا، لم يقبل به المتزمتون ولهذا قتلوه .
وحول تركيز السينما الكردية على الخطاب السياسي قال شوان: السؤال هو: هل
نبقى أسرى الماضي وعذاباته أم ننفتح على مشكلاتنا اليومية؟ أظن ان التركيز
على الماضي يمثل خداعا سينمائيا يراد منه السكوت على واقعنا الذي هو بحاجة
الى معالجات سينمائية تعتمد على الجماليات وتحمل ضمنا معاني وأفكارا تنشد
تغيير الكثير مما هو جدير بالتغيير كموضوعات المرأة والطفل والصراع
الاجتماعي والرؤية المحبة للحياة. هناك حاجة الى ملامسة الواقع من منظور
انساني واسع والسينما قادرة على لعب هذا الدور .
الأسبوعية العراقية في
23/05/2010
مراجعة تقييمية للسينما الكردية
قيس
قاسم
مهرجان أربيل للأفلام القصيرة
40 فيلماً قصيراً ووثائقياً شاركت يوم الأحد، 2 أيار (مايو) الجاري في
مهرجان أربيل للأفلام القصيرة الذي استضافته قاعة «ميديا» لأربعة أيام.
شارك في المهرجان 15 فيلما قصيراً و5 أفلام وثائقية انتجتها دائرة السينما
في عاصمة الاقليم، الى جانب أفلام من هولندا، النرويج، بريطانيا، وكردستان
ايران وكردستان تركيا.
يأتي تنظيم الدورة الثالثة لمهرجان الأفلام القصيرة في أربيل متناسقا مع
نهوض الحركة السينمائية في إقليم كردستان، التي اتسمت بإنتاج كمي ونوعي
ملحوظ، خلال السنوات الأخيرة، ومن دلالاته فوز الفيلم الكردي «ضربة
البداية» مؤخرا بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجاني بوسان الكوري
ومهرجان الخليج السينمائي في دبي، ويؤشر تولي مخرجه شوكت أمين كوركي لرئاسة
لجنة تحكيم الدورة الحالية على جدية التوجه الى صنع تقاليد سينمائية صحيحة،
وهذا ما عبر عنه مدير دائرة السينما في أربيل شاخوان إدريس عندما أعلن
لوسائل الإعلام: «ان إقامة المهرجانات السينمائية شيء عادي لكن عدم اقامتها
يعد شيئا غير عادي، ولدينا من الفنانين ما يكفي للعمل في هذا المجال».
ومثل كل فعالية، فالمهرجان الفتي، يحتاج الى مزيد من التقييم ولهذا توجهت «الاسبوعية»
الى انتشال التميمي بوصفه منسقا ومنظما للعديد من المهرجانات العربية
والدولية، وسألته رأيه في تنظيمه والملاحظات التي من شأنها اغناؤه وتعزيز
توجهاته. قال: أولا علينا أن نحيي كل شكل من أشكال النشاطات التي تنظم في
العراق لدعم الحركة السينمائية، باعتبار انها تحتاج الى مزيد من الدفع في
ظل غياب المساعدة الرسمية المطلوبة، وان أي مهرجان ينعقد خارج العاصمة يشكل
علامة مميزة وخروجا عن هيمنة المركز، فسيطرة العواصم على معظم النشاط
الثقافي من دون بقية المدن يعد قصورا ملحوظا في توزيع الجهد الثقافي في
عالمنا العربي، ولهذا فإن النشاط الذي تشهده كردستان ايجابي، كونها المنطقة
الوحيدة في العراق التي تولي السينما اهتماما حقيقيا وتدعمها على المستويين
المعنوي والمادي. هذا جانب مهم، لكن، وإجابة عن سؤالكم أود القول، وبعد ما
وصلت اليه السينما العراقية من مستوى جيد عموما والكردية خصوصا، أنه لم يعد
من المقبول القيام بفعاليات قليلة النوعية. فالخبرات العراقية تراكمت،
وتوافرت لدينا دراية جيدة في تنظيم المهرجانات، وصار عندنا مبرمجون ومنسقو
مهرجانات، يعيش قسم منهم في كردستان والآخر خارج العراق.
أضاف التميمي: لقد حان الوقت لرفع مستوى عملنا من طابع الهواية الى المستوى
الاحترافي. وكما تعلمون فان المهرجان ليس نشاطا محصورا بعرض الأفلام، وإلا
لسمي ببرنامج لعرض الأفلام. مفهوم المهرجان أوسع ونشاطه يمتد من استضافة
المخرجين وأفلامهم وإتاحته فرصة لقاء السينمائيين بجمهورهم مباشرة إلى حشد
الإعلاميين ودعوة النقاد اليه. وبالتالي فإن على كل مهرجان أن يضع خططا
تصاعدية الى جانب التحضير المبكر له وتأمين ميزانية خاصة تؤهله لوضع برنامج
عروض حقيقي.
أما في ما يخص المهرجان فرأى انتشال التميمي في هذا التوجه نوعا من
الانسجام وقال: إن تجميع السينما الكردية، من كل شتاتها، في مهرجان محدد
الهوية أمر مهم، لأن أغلبية هذه الأفلام تنتمي الى خلفية ثقافية متقاربة
ولها خصوصية معروفة وهذا ايجابي، ولكن هذا الجهد يحتاج الى استقطاب أغلب
النتاج الجديد والجيد، وربما كان مهرجان السينما الكردية في لندن مثالاً
يحتذى، فالمهرجان يمتاز بمستوى جيد وتمثل عروضه معظم نتاج السينما الكردية
خلال عام، ولهذا أدعو الى الافادة منه الى جانب كسب التجربة من خلال العمل
المنظم.
الأفلام
نعود الى الافلام. الفيلم الأول الذي تم عرضه في المهرجان كان للمخرج جدكار
أربان وهو بعنوان «شاعر المنظر»، وهو وثائقي يتناول المخرج الكردي المعروف
يلماز غوناي (1937- 1984)، ومن أهم أفلامه «يول - الطريق»، وهو فيلم باللغة
التركية يتحدث عن معاناة أكراد تركيا. الفيلم الذي تلاه كان بعنوان «الآخر»
للمخرج الهولندي بيري شلماشي، وهو يحمي قصة لاجئين أكراد في هولندا. بعده
عرض «الجوز» للمخرج سوران ابراهيم سليمان، و«الأصوات» للمخرج الكردية
فيلزايشك بولت، فـ«الطائرة السوداء والبيضاء» للمخرج سلام كوبي، «الشهادة»
لنجاة علي ميكا'يل، «بابا جاوش» لأسو حاجي، «لنغيرها» للمخرج الكردي أوات
عثمان من بريطانيا... وتوالت الأشرطة واتضح أن المقصود التقاء السينمائيين
الاكراد على عرض أفلامهم وأفكارهم وتقييمها، ومراجعة التجربة السينمائية
الكردية ككل.
وكانت أول دورة لمهرجان أربيل للأفلام القصيرة قد انطلقت في العام 2006 الى
جانب مهرجانات أخرى منها مهرجان «نوار» ومهرجان السليمانية للأفلام
الطويلة، ومهرجان دهوك للأفلام القصيرة.
الأسبوعية العراقية في
16/05/2010 |