شهدت مدينة دبي في الفترة الواقعة بين 8 ـ 14
نيسان / ابريل الجاري الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي الذي أصبح
تقليدا سنويا يحتفي بالمواهب السينمائية في منطقة الخليج العربي، بما في
ذلك العراق واليمن، ويمنح المهرجان جوائز مالية تصل قيمتها الإجمالية في
مسابقات المهرجان المختلفة إلى 485 ألف درهم إماراتي.يقام المهرجان، دائما،
وسط سؤال يتكرر على ألسنة النقاد:
ما الجدوى من إقامة مهرجان سينمائي في بلد لا يملك صناعة سينمائية؟ هو سؤال
مشروع للوهلة الاولى، لكن هذه الشرعية تتلاشى لدى معرفة أن نحو 200 فيلم قد
شارك في دورة المهرجان الأخيرة، جرى اختيارها من بين نحو 600 فيلم تقدم بها
اصحابها للمشاركة في هذا النشاط السينمائي، كما أكد مدير المهرجان مسعود
أمر الله الذي أعرب عن استهجانه من طرح هذه الأسئلة معتبرا ان "السينما
ليست حكرا على أحد". هذه الأرقام تشير الى أن ثمة حركة سينمائية لافتة في
منطقة الخليج العربي، ومن الطبيعي أن تكون هذه المحاولات السينمائية
متفاوتة المستوى، فبعض الافلام انطوت على لغة سينمائية لافتة مقرونة
بمواضيع طموحة وجرئية، وبعضها بدت متواضعة المستوى، ومثل هذا التباين أمر
طبيعي ضمن مشهد سينمائي حديث الولادة، يحاول النهوض وسط عراقيل وصعوبات
كثيرة.
الصعوبة الأولى تتمثل في التمويل، ذلك أن دول الخليج العربي، رغم غناها
قياسا إلى دول عربية أخرى، بخيلة في الاستثمار السينمائي، فيصعب أن تجد
أصحاب رؤوس أموال من الخليج العربي يوظفون أموالهم في مغامرة سينمائية غير
مضمونة النتائج، فصاحب رأس المال يميل الى الاستثمار في حقول أخرى ليس
بينها السينما بأي حال، وهذه النظرة النمطية حول غنى منطقة الخليج حالت دون
إقدام جهات أخرى، معروفة بدعمها للسينما، في دعم السينما الخليجية عبر
انتاجات مشتركة كما يحصل في السينما المغاربية مثلا، التي تعتمد بشكل كبير
على منظمات وهيئات أوربية وخصوصا فرنسية، والتي تتذرع بان سينمائيي الخليج
العربي لا يحتاجون إلى دعمهم طالما أن ثمة أموالا وفيرة في تلك المنطقة،
فتخسر سينما الخليج، عندئذ، الانتاج المشترك، وكذلك التمويل المحلي.
والحال ان هذه النظرة انعكست سلبا على السينما الخليجية التي لا زالت تبحث
عن شرعية وجودها، وخصوصا في بعض البلدان كالسعودية مثلا، وهنا نصل الى
إشكالية أخرى تتمثل في أن السينما، ورغم المحاولات الواعدة، لم تتحول بعد
الى أداة تعبير أساسية، ذلك أن الثقافة السائدة تنظر إلى السينما بحذر،
وريبة، وترى فيها فنا متمردا مشاكسا، يناقض الأعراف والتقاليد وقيم المجتمع
المتجذرة، والواقع ان السينمائيين، وبدلا من تخفيف نظرة العداء تجاه
السينما، راحوا يعززون تلك الشكوك عبر كسر المحظور واقتحام مواقع حساسة
تثير حفيظة المؤسسة الدينية والرسمية معا، وتبدى ذلك في بعض الأفلام التي
عرضت في الدورة الأخيرة، وربما يكمن الحل، هنا، في التحايل على الرقابات
المختلفة وتقديم سينما جادة ورصينة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية وثقافة
مجتمع تنظر إلى السينما حتى اللحظة بعين الشك والريبة.
إزاء هذه الصورة القاتمة قليلا، يمكن القول بان مهرجان الخليج السينمائي،
وكذلك مهرجان دبي السينمائي، ومهرجان الشرق الاوسط في أبو ظبي...كلها تشكل
محطات سينمائية تطمح الى الانتصار لفن بات يستحوذ على اهتمام شريحة واسعة
من سكان منطقة الخليج، وتمهد الأرضية لبناء صناعة سينمائية حقيقية، فهذه
المهرجانات تتيح فرصا للحوار والنقاش بين سينمائيي الخليج وبين أقرانهم من
دول أخرى حققت نجاحات واسعة في مجال السينما، وتسهم في تنشيط الطقس
السينمائي، فرغم كثرة صالات العرض السينمائية في مدينة مثل دبي، مثلا، غير
أن هذه الصالات لا تعرض سوى الافلام التي تنطبق عليها مقولة "الجمهور عاوز
كدة"، مع الإشارة الى استثناءات هنا وهناك، أما المهرجانات السينمائية
فتسعى الى تحظيم هذه الصورة عبر عرض أفلام مختلفة؛ مشغولة بالهم السينمائي
أولا، ومنجزة بجماليات السينما بعيدا عن الجوانب التجارية، والأهم من ذلك
هو أن هذه المهرجات تسعى الى تضييق الهوة بين السينما وبين الجمهور عبر نشر
ثقافة سينمائية من خلال الأنشطة المختلفة التي تنظمها هذه المهرجانات،
ولاشك أن كل ذلك يراكم التجارب والخبرات والمحاولات في سبيل الوصول إلى
تكريس حالة سينمائية تتصالح فيها ثقافة المجتمع مع السينما بوصفها فنا
ساميا يوثق تفاصيل الحياة بأكثر الطرق جاذبية، وسحرا.
حضور عراقي لافت:
وكان الحضور العراقي واضحا في هذه الدورة، ولعل ذلك تجلى في الجوائز، إذ
حصدت السينما العراقية 9 جوائز من أصل 13 جائزة تمنحها لجنة التحكيم التي
ترأسها المخرج المغربي المعروف جيلالي فرحاتي، ومن بين هذه الجوائز نال
فيلم "ضربة البداية" للمخرج الكوردي العراقي شوكت أمين كوركي الجائزة
الكبرى ضمن فئة الافلام الروائية الطويلة، ويتناول كوركي في فيلمه قضية
التعايش في مدينة كركوك عبر أسلوب سينمائي متقن يدين الإرهاب، ويظهر قدرة
السينما على التصدي لمسائل معقدة من خلال لغة بصرية بالغة الثراء، بينما
ذهبت الجائزة الثانية، كذلك، ضمن هذه الفئة الى الفيلم العراقي "المحنة"
للمخرج الشاب حيدر عرفان رشيد، في حين حاز الفيلم الإماراتي "دار الحي"
للمخرج علي مصطفى على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
وفي المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية، قطف فيلم "نسيج الإيمان" لسونيا
كيربلاني، الهندية المقيمة في الإمارات، الجائزة الأولى، بينما نال فيلم
"باستيل" للعراقي لؤي فاضل الجائزة الثانية، في حين حصل فيلم (80 ـ 82)
للعراقي حميد حداد على الجائزة الثالثة، ومنحت، ضمن هذه الفئة، شهادة
تقدير لريتشارد لاثام لجودة التصوير في الفيلم الإماراتي "إطلاق الحلم".
أما في المسابقة الرسمية لفئة الافلام القصيرة، فقد حاز السعودي عبد الله
بن عياف على الجائزة الأولى عن فيلمه "عايش"، وحصلت المخرجة السعودية عهد
كامل على الجائزة الثانية عن فيلم "القندرجي"، بينما ذهبت الجائزة الثالثة
الى العراقي جاسم محمد جاسم عن فيلم "ثم ماذا"، ومنحت ثلاث شهادات تقدير
ضمن هذه الفئة إلى ثلاثة أفلام إماراتية هي "صولو" لعلي لجابري، و"حارس
الليل" لفاضل المهيري، و"غيمة شروق" لأحمد زين، اما جائزة لجنة التحكيم
الخاصة ضمن هذه الفئة فكانت من نصيب العراقية سحر الصواف عن فيلمها "أم عبد
الله".
واللافت أن مهرجان الخليج يخصص جوائز للسيناريو، وهذه المسابقة خاصة
بالمشاركين من دولة الإمارات فحسب، وقد ضمت لجنة تحكيم مسابقة السيناريو
الكاتبة القطرية وداد الكواري؛ والكاتبة السعودية بدرية عبدالله البشر؛
والكاتبة الإماراتية أمينة أبو شهاب، ومنحت اللجنة الجائزة الأولى للكاتبة
نايلة الخاجة عن سيناريو بعنوان "ملل"، بينما نال سيناريو "سبيل" لمحمد حسن
أحمد الجائزة الثانية، وكانت الجائزة الثالثة من نصيب محسن سليمان حسن عن
سيناريو بعنوان "فيلم هندي".
ويهدف المهرجان إلى الاهتمام بالمواهب السينمائية في منطقة الخليج العربي،
وتشجيع الطلبة الدارسين في المعاهد السينمائية عبر إتاحة المجال أمامهم
للمشاركة بأفلامهم في مسابقة تحمل عنوان المسابقة الرسمية لأفلام الطلبة
التي تشجع دارسي السينما على تقديم رؤى ومقترحات بصرية سينمائية جادة تسهم
في تطوير مهاراتهم السينمائية، وتحفز الشباب على اقتحام مواقع جريئة عبر
مغامرات سينمائية متباينة المستوى، لكنها تصب في النهاية في خدمة هذا الفن
الذي راح ينهض بقوة في دول الخليج العربي.
وكرم المهرجان، لدى افتتاحه، كلاً من الكاتب والممثل العراقي الكبير خليل
شوقي؛ والممثلة الإماراتية القديرة رزيقة الطارش؛ والممثلة الكويتية
القديرة حياة الفهد، بجوائز تكريم إنجازات الفنانين، وشكلت جلسات ليالي
الخليج التي كانت تقام، كل ليلة، على هامش ايام المهرجان، فرصة للقاء
السينمائيين والنقاد والصحفيين الذين كانوا يتناقشون، وعلى نحو ودي هادئ،
في مشاغل السينما وهمومها وآفاقها، وقد طرحت في هذه الجلسات عدة محاور منها
ما يتعلق بالسينما الخليجية والمهرجانات التي تشهدها، ومنها ما يتعلق
بالسينما العراقية، وخصصت جلسة للحديث عن النقد السينمائي وأساليبه،
والتجاوزات التي يرتكبها نقاد مبتدئون، ومحاولة التكريس لنقد سينمائي
موضوعي يناقش جماليات الفيلم وهفواته بمعزل عن أي اعتبار آخر قد يعيق نزاهة
القلم السينمائي النقدي.
الإتحاد العراقية في
18/04/2010
مهرجان الخليج السينمائي
رامي عبد الرازق
لم أتوقع هذا الكم من التجارب الخليجية التي شاهدتها ضمن فعاليات
الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي..دعكم من أنه من أصل 142 فيلمًا
مشاركة في المهرجان هناك 112 تجربة خليجية ما بين روائي طويل وقصير وتسجيلي
طويل وقصير وأفلام طلبة.. الكم الذي أقصده ليس كمًا عدديًا ولكن الكم
الفعلي أو الكم الكيفي للتجارب..قبل ذهابي إلي المهرجان بأيام كنت ضيفا علي
أحد البرامج التليفزيونية وسألتني المذيعة عن معني إقامة مهرجان للسينما في
بلاد لا تنتج سينما؟، وقلت لها إن هناك مدنًا كثيرة تقيم مهرجانات وهي غير
منتجة للسينما ولكن بالنسبة للخليج فإن مهرجاناته هي في رأيي نوع من تمهيد
الأرض لبداية أو انطلاق الإنتاج السينمائي..كانت إجابة دبلوماسية خاصة أنني
كنت قد شاهدت عددًا لا بأس به من التجارب الخليجية في السينما القصيرة
وأستطيع أن أقول إن لديهم سينما قصيرة لا تقل بأي حال من الأحوال عن
السينما القصيرة المصرية سواء التي تنتجها الجهات الرسمية كمعهد السينما
والمركز القومي أو التي ينتجها تيار السينما المستقلة.. خاصة مع وجود
صعوبات جمة في التمويل السينمائي في الخليج..تصوروا! أن صورة الخليجي
الخالد الذي يصرف بالآلاف والتي رسختها لدينا السينما المصرية منذ
الثمانينيات وحتي فيلم «كباريه» أو التي قدمتها السينما الأمريكية في شكل
دعاية مضادة في بعض الأحيان أو مداعبة سياسية في أحيان أخري هذه الصورة لا
نجدها في واقع الحال السينمائي الخليجي! بل إننا أثناء ندوات ليالي الخليج
وهي أحد أهم أنشطة المهرجان بالنسبة لي حيث يجتمع النقاد والصحفيون وصناع
الأفلام المشاركين كل مساء للحديث عن موضوعات تخص المهرجان والسينما
الخليجية كان الهم الأكبر لدي أغلب صناع الأفلام وهم من الشباب الخليجي
الطموح والواعد جدا هو التمويل! سواء كان هذا التمويل ماديا أو لوجستيا
بلهجة السياسة..أن أغلب الشباب السعودي والإماراتي والبحريني والكويتي
والقطري وهي الدول الغنية والتي يصرف بعض أفرادها فقط ملايين الدولارات في
أنحاء العالم كل شهر لا يستطيعون تمويل أفلامهم الديجتال القصيرة! فما
بالكم بإمكانية إنتاج أو تقديم تجربة طويلة.. صحيح أن مهرجان دبي يقوم بعمل
ورشة للسيناريو يتم من خلالها قبول وتطوير أفكار للسيناريو والتي كان
نتاجها مثلا فيلم «دار الحي» الإماراتي الذي عرض في الافتتاح، وفيلم «ابن
بابل» العراقي لمحمد الدراجي إلا أنه لا تزال هناك مسافة طويلة بين تطوير
الأفكار وكتابة السيناريوهات وبين تمويل الأفلام.. شعرت وأنا في تلك
الليالي أن حال السينما القصيرة والمستقلة في مصر ربما كان أفضل ماديا
وتمويليا من السينما الخليجية الوليدة خاصة أن الانطباع المأخوذ عند الجميع
هو الانطباع نفسه الذي كان لدي صديقتي المذيعة الجميلة عندما قالت لي: هو
فيه سينما في الخليج أساسا! وها أنا عائد من المهرجان لأقول للجميع نعم
هناك سينما خليجية ظهرت وسوف تستمر.
الدستور المصرية في
19/04/2010
عصام زكريا يكتب:
pop corn
على هامش مهرجان الخليج السينمائي
علي هامش مهرجان الخليج السينمائي في دبي، أقيمت جلسة مسائية حول
النقد في العالم العربي ذكرتني بما كنت أكتب عنه منذ عدة أسابيع في هذا
المكان عن العداء بين السينمائيين والنقاد ومواصفات الناقد «الحقيقي»
والفرق بينه وبين الصحفي الفني أو كاتب المراجعات النقدية.
خلال الجلسة التي حضرتها مع نقاد من مصر ودول الخليج وسوريا والعراق
ولبنان انتبهت إلي شيء فاتني أن أكتب عنه من قبل وهو أن النقاد هم ألد
أعداء أنفسهم، مثل العرب بشكل عام. ذلك أن الجلسة التي كان يفترض أن تكون
حوارا بين السينمائيين والنقاد، تحولت إلي معركة كلامية بين «النقاد»، وكل
واحد راح يسفه آراء الآخرين. وهذا العداء ليس ناتجا عن اختلاف في الرؤي أو
وجهات النظر أو التفاوت في العمر وصراع الأجيال، ولكن من تحت لتحت، وكما
اعتدنا تشعر أن المحرك لهذا العداء هو القبلية والإقليمية الضيقة. المصريون
يشعرون أنهم الأكبر والأكثر علما، مع أن العلم غادر ديارنا منذ زمن،
واللبنانيون لديهم تعال غير مبرر مع أنهم لا يقلون جهلا، إن لم يزدادوا،
والسوريون لا يستطيعون الكلام عن سلبيات بلادهم فيتحدثون عما يجري في
مصر... إلي آخر هذا العبث المتكرر الذي أراه في كل مهرجان أو تجمع عربي
أحضره... كما أن هذه الجلسة إذا أقيمت في مصر بين نقاد مصريين فسوف يتكرر
السيناريو بين المصريين أنفسهم، وكل واحد سيميل علي الذي يجلس بجواره ويسخر
من الآخرين، ولو تبدلت المقاعد وجلس مع شخص آخر فسوف يسخر من الشخص الذي
كان يجلس بجواره منذ قليل...هذه عادتنا ولن نشتريها... وسوف يضيع الوقت
والسنوات والعمر والزمن كله في سب واغتياب بعضنا البعض ولن نجد وقتا للكلام
في المهنة نفسها ولا في تبادل الآراء والمعرفة الحقيقية أو في القراءة
والكتابة أو حتي مشاهدة الأفلام... وأقول لنفسي لو أن كل واحد منا ينفق ربع
الوقت الذي يقضيه في اغتياب زملائه في تحصيل المعرفة والمهارات اللازمة
لمهنته لأصبحنا أفضل بكثير... وأشعر أنني بدأت أعظ بدلا من أن أؤدي عملي
وواجبي تجاه القارئ الذي يتمني أن يقرأ شيئا مفيدا بدلا من هذا اللغو...
ولذلك سأنتقل إلي موضوع آخر، وإن كان لا يبعد كثيرا، وهو الصورة التي أصبحت
عليها مصر والمصريون في السنوات الأخيرة، ففي مشهد متكرر أيضا مال علي أحد
الزملاء العرب ليهمس في أذني بأنه كان يحب مصر ويؤمن بأنها أم العرب وأهم
بلد عربي، ولكنه حزين لأنها فقدت مكانتها وأصبحت مكروهة من العرب جميعا
خاصة بعد كذا أو كذا... وكذا هذه كانت تصريحات أشرف زكي ضد الفنانين العرب
مرة، وموقف الحكومة من الفلسطينيين مرة، وما فعله الإعلام أيام مباراة
الجزائر وما تلاها مرة...وفي كل مرة أسكت ولا أجد ردا... مع أن الردود
كثيرة.
الدستور المصرية في
18/04/2010 |