بعد ثماني سنوات منذ آخر تجاربه السينمائية «مواطن ومخبر وحرامي» يعود
داود عبد السيد بـ«رسائل البحر».. رسائل كان من المفترض أن ينقلها أحمد زكي
لكن الأجل كان أسرع، فاستقرت في الأدراج تقاوم رفض المنتجين راغبي المكسب
السريع إلى أن جاء الفرج وقرأها الناس في وجوه آسر ياسين وبسمة.
داود واحد من أهم أعضاء جيل الثمانينات في السينما.. شكّل مع خيري
بشارة وعاطف الطيب ومحمد خان وغيرهم أبجديات جديدة أعادت رونق الواقعية
الجديدة بأبجدية تختلف عن تلك التي حفرها صلاح أبو سيف منذ الستينات وإن
استدعت عبقها.. يكتب داود أغلب أعماله بنفسه فتخرج كجدارية تشع فلسفة ورؤية
ولا تخلو من المتعة.. هو صاحب «الكيت كات» و«البحث عن سيد مرزوق» و«أرض
الخوف».. التقته «الشرق الأوسط» في القاهرة لتعرف مكنون ما بين السطور في
رسائله عبر البحر:
·
أليست ثماني سنوات مدة طويلة
للتجهيز لفيلم «رسائل البحر»؟
- التأخير لم يكن بسبب الكتابة، فقد انتهيت من السيناريو منذ فترة
زمنية طويلة واخترت فريق العمل وأماكن التصوير، التي ربما أخذت وقتا ولكنها
لم تكن السبب الحقيقي، فمحاولة العثور على شركة إنتاج مناسبة لإنتاج الفيلم
هو ما أخذ وقتا طويلا.. فالشركات تنتج الأفلام الخفيفة، إضافة إلى الأفلام
الرومانسية والكوميدية، وهذا ظهر جليا في الفترة من بداية الألفية الثانية
وحتى عام 2007، فلو أمعنا النظر فيها لوجدنا أفلامها تحمل مضمونا خفيفا بعض
الشيء.
·
هل ترى أن هذه الأزمة الإنتاجية
ستستمر طويلا؟
- أنا متفائل دائما وصبور لأقصى درجة، وأعتقد أن الأمور بدأت تختلف
باختلاف الجمهور الذي زاد وعيه بشكل ملحوظ، وأصبح يبحث عن الأفلام المهمة،
كما أن الشباب بات ناقدا ولا يكتفي بالمشاهدة فقط.. والدليل أن «رسائل
البحر» عندما بدأ عرضه فوجئت بقاعات العرض ممتلئة بالجمهور بأعمار متفاوتة
رغم صعوبة التوقيت.
·
وهل أنت راض على استقبال الجمهور
للعمل؟
- أنا متابع لجميع دور العرض، وأنا أفرق بينها، فكل دار لها جمهورها،
ووجدت في بعض الدور جمهورا يبكي بعد مشاهدته للفيلم، وصفق آخرون في أماكن
أخرى. وعلى المستوى الشخصي لم أكن أتوقع تلك الردود، وهذا ما طمأنني أن
الجمهور ما زال بخير ويستطيع الحكم على الأفلام الجيدة وتذوقها.
·
ولماذا رُفعت على الأفيش لافتة
«للكبار فقط»؟
- هذا لم يكن اختياري، لكن الرقابة رأت ذلك، وأنا أختلف مع تلك الرؤية
لأن العمل يناقش قضية مهمة جدا وهي قضية تهم المراهقين بداية من سن الـ11،
ويتحدث الفيلم عن فكرة شرعية الزواج، فالزواج ليس مجرد عقد، والعقد ركن من
أركان الزواج، وليس من شروط صحته، فتوجد معايير كثيرة للزواج، فعلى سبيل
المثال الفتاة التي تتزوج برجل مسنّ على الرغم من شرعية الزواج فإنه يفقد
ركنا من أركانه، فهذا الزواج زواج مصلحة، وهي قضية هامة يجب أن يشاهدها
الصغار قبل الكبار كي نوضح لهم ماهية الزواج.. كما أنني أرفض أن أقارن
بالأفلام الأخرى التي صاحبتها هذه الجملة، فـ«رسائل البحر» قدمت فيه مشاهد
جريئة موظفة دراميا بعيدة عن الابتذال.
·
هل قابلت شخصيات «رسائل البحر»
من قبل؟
- «رسائل البحر» مزيج من الواقع والدراما، وشخصياته موجودة بالفعل،
ولكني وضعت لمسات درامية عليها.. وأنا قمت بتجميع خيال مع واقع مع إحساس
للوصول إلى هذه الخلطة التي ظهرت بها الشخصيات، المليئة بلغة العقل والمنطق
والإحساس.
·
هل وجدت صعوبة في اختيارك لفريق
العمل؟
- بالطبع تجهيز فريق العمل يحتاج إلى تركيز شديد، وأنا أعتبره من أصعب
المراحل ابتداء من الموسيقى التصويرية والمونتاج والممثلين.. واجهت صعوبة
في اختيار ممثلة تؤدي دور نورا التي جسدتها بسمة.. وبعد استقراري عليها
اكتشفت أنها الوحيدة التي تصلح لهذا الدور، وأيضا شخصية يحيى التي قدمها
آسر ياسين، وكذلك باقي فريق العمل، فجميعهم تم اختيارهم بعناية شديدة
وكانوا موفقين جدا، وأنا سعيد بالتعامل معهم.
·
ولكن قبل ذلك كان الراحل أحمد
زكي مرشحا لدور يحيى؟
- لا توجد أي مقارنة، والفروق بينهما كبيرة جدا لكن آسر ياسين ممثل
بارع وله مستقبل جيد جدا، وشخصية يحيى كانت مكتوبة لشخص في مثل سنه، ولو
كان أحمد زكي على قيد الحياة كنت سأعدل الشخصية لتتناسب معه.
·
ليس في تاريخ بسمة الفني ما
يتشابه مع دورها في «رسائل البحر».. لما وقع اختيارك عليه؟
- مع احترامي لكل أعمال بسمة التي قدمتها من قبل، لم يتم اكتشاف تلك
المساحات التمثيلية لديها، وهي فنانة موهوبة، والمخرج يجب عليه أن يكتشف في
الفنان تلك المناطق التي لا يشاهدها المشاهد العادي.
·
العمل يضم مشهدا جريئا يرصد
واقعة سحاق. ما مبرره الدرامي؟
- الشذوذ الجنسي يلجأ إليه الأشخاص كنوع من الهروب، وهذا ما كان واضحا
في الحوار بين الفتاتين في الفيلم، فرغم حب إحداهما لرجل حقيقي فإنها لجأت
إلى إقامة علاقة مع بنت للهروب من واقعها، وتم تقديم المشهد بغير ابتذال.
·
وما الحكمة في إصابة يحيى
بالتلعثم؟
- التلعثم كان مقصودا لزيادة التشويق للجمهور ولفت الانتباه ومحاولة
استحضار تركيز المشاهدين طوال الفيلم واستجلاب تعاطف الجمهور مع يحيى، لأن
التلعثم حالة نفسية وليست مَرضية، ولا أنكر أن آسر ياسين بذل مجهودا كبيرا
للوصول إلى تلك الدرجة من تقمص الدور، وبهرنا جميعا في أثناء تصوير العمل.
·
ولماذا اخترت مهنة الطب ليحيى؟
- كنت أريد أن يملك مهنة إنسانية ثرية بالأحاسيس، كما أن شخصيته
مركبة، فهو ابن لعائلة أرستقراطية درس الطب وهرب إلى مهنة الصيد كي يبتعد
عن سخرية الناس منه، فالصيد يغرق الشخص في الوحدة، حيث يجلس لساعات طويلة
بمفرده وهو ما يقربه من نفسه ومحاولة فهم الذات.
·
اختيارك لاسم قابيل، هل له علاقة
بأي مأثور ديني؟
- الاختيار له عمق إنساني، واسم قابيل يذكرنا بقصة قابيل وهابيل ولكن
مع الاختلاف أن قابيل في الفيلم قتل شخصا خطأ في حادثة، ولم يكن يعد لذلك،
وحاولت إظهار الجانب المتناقض داخل النفس البشرية، فتحول من شخصية سلبية
إلى شخصية إيجابية عبر موقف واحد فقط.
·
المشاهد الخارجية كثيرة جدا في
الفيلم. ما سر ذلك؟
- اختيار أماكن التصوير أخذ وقت طويلا.. فالمشهد المصور في البحر كان
يتطلب منا الوقوف كثيرا لاختيار اللحظة المناسبة ومن أي زاوية مناسبة وكيف
يكون شكل البحر والأمواج، وكذلك عند اختيار بناية قديمة، فلا يصح أن يكون
الاختيار عشوائيا، بل هناك اعتبارات كثيرة.. وأنا أحاول التركيز على إحساسي
بالمشهد وتكويناته.. وهذا كان سبّب لي إرهاقا شديدا وصعوبات ومشكلات كثيرة
استطعنا التغلب عليها.
·
نهاية الفيلم كانت نهاية
مفتوحة.. فما المقصود بها؟
- لو كانت النهاية تقليدية يتزوج فيها يحيى ونور فسوف تتسم بالسخافة،
وأنا أرفض تلك النهايات.. والنهاية لم تكن مفتوحة ولكن مشهد ركوبهم للمركب
في البحر يحمل معنى واحدا، أنها تركت كل شيء وذهبت معه، وأنه اكتفى بها عن
الوجود، وكانت نهاية مُرضية جدا وتناسب الفيلم.
·
ما الرسائل التي خرج بها المخرج
والكاتب داود عبد السيد؟
- هناك أمور كثيرة تعلمتها من الفيلم وأضافت لي شخصيا، وأنا استفدت من
جميع الشخصيات الموجودة فيه، فشخصية يحيى أخذت منها رفض العنف، وتعلمت من
شخصية نورا أيضا ومن شخصية قابيل، والرسالة الأساسية هي عدم الهروب
والتفكير جيدا في المشكلات ومحاولة حلها والتغلب على إحساس الغربة، وأنا
عشت التناقض في الشخصيات في أثناء كتابتها ومن خلال تأدية الأبطال لهذا
العمل.
·
أين جيلك الآن من المخرجين؟
- موجودون بالطبع، ولكنهم يحتاجون إلى بذل جهد أكبر للوصول إلى
الجمهور بمشروعات جديدة، وأتمنى منهم المحاولة أكثر من مرة للتواصل مع
المتلقي، فهذا الجيل من المخرجين لا يعوض، إضافة إلى أن نجاح «رسائل البحر»
جماهيريا سوف ينعشهم، وسيقبل المنتجون عليهم، فنحن مدرسة واحدة. وأنا أحزن
بشدة على مخرج بقيمة خيري بشارة يكتفي بمسلسل واحد خلال العام.. يجب أن
يعود إلى السينما.
·
لماذا لا تخوض تجربة العمل
الدرامي؟
- أنا لا أحب الدراما التلفزيونية، وأنا لست من أنصارها، فأنا أعشق
السينما ولا أتخيل نفسي أخرج مسلسلا.
·
هل لا تزال مصر رائدة سينمائيا
في رأيك؟
- تاريخيا مصر هي صاحبة الريادة، لكن هناك مشكلات كثيرة الآن، منها
الاتجاه إلى نوعية الأفلام التجارية.. فنحن لدينا أكبر صناعة في السينما،
لكن اختيارنا لنوعية رديئة من الأفلام جعلنا نتعامل بالكم لا بالكيف.
·
من ستصوت له في انتخابات نقابة
السينمائيين القادمة؟
- علي بدرخان.. فهو الأنسب والأصلح والأحق بمنصب النقيب، وهو صاحب
خبرة كبيرة، وأعتقد أنه إضافة لهذا المنصب.. وفي الانتخابات الماضية كان من
المفترض أن يفوز هو بها، ولكن ممدوح الليثي استطاع أن يفوز بفارق بسيط جدا
- عن طريق الدولة - فجاءت أتوبيسات من الإسكندرية والإسماعيلية ليصوتوا له
في الانتخابات.
الشرق الأوسط في
16/04/2010 |