بولانسكي يختفي خلف نص غير شخصي و"لص" هايزنبرغ
يسرق القلب
واكاماتسو يأتي برؤية غير رومنطيقية للحروب و"عواء" يؤكد أن
الشعر لا
يُحاكَم
دورة أخرى تحمل رقماً مميزاً (60) من مهرجان برلين
السينمائي افتتحت قبل أيام قليلة. هذا هو الحدث الثقافي الكبير الذي وحّد
الألمان
حول مسلّمات زمن حديث وقيمه. يكاد يعتقد من يزور المدينة ويمشي
في شوارعها، أن هذا
الزمن لا يمت الى الزمن السابق بصلة. مدينة تاريخية عظيمة الشأن هي برلين،
تحوي كل
الغرائبيات غير الموجودة في مدن أكثر كلاسيكية منها، وأهمها الثقافة
البديلة. من كل
الأشياء التي تميز العاصمة الألمانية، فإن المهرجان هو الموعد
السنوي الأكثر رمزية
لهذا الاختلاف المنشود، ذلك أن السينما تمثل الانفتاح على العالم الذي لا
تتيحه
مجالات أخرى.
كانت ساحة بوتزدامر لسنوات خلت خط التماس الذي فصل المانيا
الشرقية عن الغربية. اليوم، وبعد عقود من العزلة، تحول هذا المكان نموذجاً
للهندسة
الطليعية. عمود رفيع يحمل على ذراعيه النحيلتين مبنى بأكلمه. صورة استعارية
جميلة
تقول الكثير عن أحوال هذا المهرجان الذي يأتي بنا الى هنا في
عز الشتاء والثلوج
والبرد القارص، للمشاهدة والرصد والمتابعة. من البديهي في برلين أكثر من
غيرها من
الأماكن، أن يكون للسياسة حضور على الاقل من خلال الافلام التي تأتي على
ذكر حقبات
ماضية مذلة للألمان. هؤلاء اقفلوا صفحة الماضي منذ سنوات بعيدة، لكن مشهداً
من هنا
ولقطة من هناك، ويكتمل بازل الحروب الدامية والتقاتل من جديد.
بعد دورة لم تخلّف
ذكريات كبيرة، ها هي الطبعة الستون تقترح برنامجاً شائقاً، اقله في ظاهره
وخطوطه
العريضة، وفي الانطباعات الأولى التي تركتها متابعة الأفلام المتنافسة على
"الدب
الذهب" في الايام الاولى. فقائمة المسابقة تمنح الاحساس بأنها
اختيرت بعناية ودقة
من جانب ديتر كوسليك، الذي كان موضع انتقاد شديد في الدورات الماضية.
قائمة، حتى
أضعف الافلام فيها، الى الآن، يمتلك مستوى معيناً، والاكتشافات الكبيرة
تعود الى من
لا يزالون في مقتبل تجربتهم الابداعية والسينمائية.
من الأفلام المهمة التي
افتتحت عروضها العالمية الاولى هنا في برلين، هناك "الكاتب
الشبح" لرومان بولانسكي
الذي لم يغادر منتجع غشتاد السويسري للمشاركة في هذه الدورة.
فالمخرج لا يزال في
اقامة جبرية، لكنه تابع من مقره الموقت زملاءه وفريق عمل فيلمه وهم يسيرون
على
السجادة الحمراء لعرض هذا الشريط المشارك في المسابقة.
الحكاية عن رئيس وزراء
بريطاني سابق يريد كتابة مذكراته. مطاردات، دسائس ومؤامرات. هذا هو فيلم
بولانسكي
الجديد، في غياب تام لتيماته التي بنى عليها امجاده. حتى اننا لا نكاد
نصدّق ما
نراه: هل يعقل ان مخرجه هو ذاته الذي أغنى "المعبد" السينمائي
العالمي، بأعمال مثل
"طفل روزماري" (1968) و"تشاينا تاون" (1974) و"تيس" (1979) و"قمر
الضغينة" (1992)؟
أيعقل ان يختفي المخرج الى هذا الحد خلف كتاب او نص او
سيناريو، عندما يكون اسمه
محفوراً في ذاكرة الصورة المخرّبة والشرسة وفي المخزون الثقافي الاوروبي؟
كي يقبل
بولانسكي ان يطل أقل من حجمه في فيلم لا يعكس آراءه في العالم والانسان الا
قليلاً،
يجب ان يكون متمسكاً بمبررات صلبة. ان يبني عالماً كاملاً من
دون ان تجول فيها
كاميراته بحركات بانورامية ضخمة، فهذا امر نادر في سينماه. هكذا هو
بولانسكي: واضح
وغامض في الحين نفسه. واضح لأنه يعمل بإحساس عال جداً، ويصوّر كما يتنفّس.
غامض
لأنه يصوّر علاقته بالحياة، ويفعل ذلك على نحو مبطن، تاركاً
خلفه علامات استفهام
كثيرة.
"بلاد جميلة"، شريط انتجته شركات نروجية واميركية، بلغت موازنته
6
ملايين دولار، صوِّر في مساحات اميركا الشاسعة وفيتنام، وساهم في تأليفه
تيرينس
ماليك ("الخيط الاحمر الرفيع")، وظهر اسم نيك نولتي في اعلى الملصق
الاعلاني، وعُرض
في مهرجان برلين السينمائي في اطار المسابقة الرسمية عام 2004. بعد انقضاء
6 سنوات
على هذا الفيلم البديع (اخرج فيلماً آخر عام 2006 لم تتسنَّ لنا مشاهدته)،
يعود
مخرجه هانس بيتر مولاند في واحد من أجمل ما عُرض حتى الآن في
المسابقة: النروجي "الجنتلمان"
(مسابقة). رجل (ستيلان سكارسغارد في واحد من أهم أدواره) يخرج من السجن
في صباحات أحد الايام، بعد أن يكون قد دفع ثمن قتله رجلاً كان على علاقة
غرامية
بزوجته الخائنة. لا شك ان حياة سجين سابق قاسية وخصوصاً عندما
ينبغي له أن يثبت
للآخرين دائماً وأبداً بأنه جدير بالثقة. يرتكز الفيلم على تكرار مشهدي
للأشياء
التي ستصنع حياة هذا الرجل في الايام الاولى بعد الافراج عنه: الكاراج حيث
يعمل،
القبو الذي يسكن فيه، والمقهى الذي يحتسي فيه مشروبه. نحن امام
رجل قاس لكن سيتغير
شيئاً فشيئاً. مولاند يختار المعالجة الساخرة لمعاناته،ويضع بطله أمام
خيارين لا
ثالث لهما: إما أن يعود الى الطرق الملتوية وإما يجد ما يستحق العيش من
أجله. بيد
أن واحدة من المشكلات لا يستطيع صاحبنا أن يتجاوزها، هي رفض
ابنه المتكرر له.
من
الافلام التي كانت متابعتها متعة خالصة، الأميركي "عواء" للمخرجين روب
ابشتاين
وجيفري فريدمان (مسابقة). محور الفيلم قصيدة للشاعر آلان غينسبرغ "تحاكَم"
اثر
اتهامها بالاباحية. هناك من يدافع عن هذه القصيدة ومن يقف أمام محامي
الدفاع في
الجهة المدعية ليقول له عندما يطالبه بشرح احد الأبيات: "سيدي
لا تستطيع تفسير
الشعر بالكلمات. لهذا السبب هناك ما يسمّى قصيدة".
غينسبرغ كان مثلياً. جزء من
الفيلم يتبع منطقه في الدفاع عن الحرية الفردية ابان سنوات جيل
الـ"بيت". ايقونة
أخرى من تلك الحقبة تعبر الفيلم: جاك كرواك، صديق غينسبرغ. تركيبة الفيلم
ذكية
جداً، اذ يجابه مسألة اعادة احياء لحظات مندثرة من خلال محاور عدة. حيناً
نرى
غينسبرغ يلقي قصيدته أمام جمع من المستمعين، وحيناً نراه يتحدث
عن نفسه في لقاء
صحافي. بيد أن الفكرة الأهم في الفيلم، هي الكيفية التي تتجسد من خلالها
القصيدة،
أي باللجوء الى غرافيزم يخرّب المساحة الشعرية الهادئة للفيلم، محدثاً
خللاً في
منظومته، وهذا ما يريده المخرجان. فنحن في نهاية الامر أمام
سيرة شاعر اسقط كل
القيم الطهرانية التي بنيت عليها حقبة كاملة من التاريخ الاميركي، ولا يمكن
تناولها
بلغة خشبية باهتة.
فيلم آخر قاتم جداً وقع علينا كالصاعقة: "كاتربيلار" (مسابقة)
للمخرج الياباني كوجي واكاماتسو. لحظات قاسية يُفتتح بها الفيلم. نرى في
البداية جندياً يابانياً يغتصب فتاة خلال الحرب الثانية بين
الصين واليابان. المشهد
التالي يرينا امرأة مفجوعة لا تريد أن تصدّق أن الرجل المبتور الذراعين
والقدمين هو
زوجها. شيئاً فشيئاً يكتشف المشاهد أن الجندي المغتصب هو الزوج العائد. لؤم
الفيلم
في كونه يجعل الحدود بين الدال والمدلول غير واضحة. ما يبدو انه تأييد من
المخرج
للشعور بالوطنية، يتبين انه سخرية هدامة ومؤلمة. لا يحتاج
الفيلم الى أكثر من جدران
اربعة وباحة أمام المنزل ليرتّب احداثه. لكن هذا يكفيه ليعالج موضوعه.
تتأزم
العلاقة تدريجاً بين الجندي وزوجته. فالزوج يمضي وقته في المطالبة بشيئين:
جنس
وطعام. هاتان هما الوسيلتان الوحيدتان تجعلانه يشعر بأنه لا
يزال حياً. لكن الزوجة
لن تقبل بهذا المصير وخصوصاً ان بينهما حسابات قديمة. مذذاك يدخلنا الفيلم
في متاهة
مؤلمة وسادية ولا يترك أمام شخصياته أي مخرج محتمل. الصراع المفتوح بين
الزوجين
يسقط كل القيم البالية التي تستند اليها السلطة اليابانية
لتبرير الحروب العبثية
المتتالية. هذا فيلم قاس ايضاً لا يخرج المرء منه سليماً، يطلب واكاماتسو
من خلاله
اعادة كتابة التاريخ الصحيح بعيداً عن الرؤية الرومنطيقية له.
فضلاً عن توماس
فينتربرغ الذي اتحفنا بجديده "سابمارينو" (لنا عودة قريبة اليه)، كان
لمهرجان برلين
في مطلع الاسبوع لقاء مع فيلم "اللصّ" لبنيامين هايزنبرغ، وهو من بين اروع
ما عُرض
حتى الآن. يوهان له هاجسان في الحياة: الركض السريع وسرقة المصارف. هاجسان
متناقضان
يجعلانه بطلا شعبيا وعدوا للأمة في آن واحد. من هذا التناقض المدهش يولد
فيلم
هايزنبرغ المنقول من قصة حقيقية. أمر آخر لافت: لا يجري الكلام
بتاتاً عن المال
والهدف من سرقته. انه هاجس وحسب بالنسبة الى يوهان. يقترح الفيلم تنويعة
بصرية
عالية المستوى. سواء من خلال نوعية الاخراج أم التمثيل أم تحريك الكاميرا،
فنحن
أمام سينما أوروبية خالصة ذات موازنة مرتفعة الى حدّ ما،
وتستحق أن يرتَّب لها مكان
في قائمة الجوائز التي يبدو انه ستجعل مهمة فيرنير هيرتزوغ صعبة ولياليه
طويلة بسبب
الارق.
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
النهار اللبنانية في
18/02/2010
حوار
الأخوان النوري يتحدثان عن فيلمهما "الرجل الذي باع
العالم":
لم نكن في حاجة الى تصوير بيت جميل مع حديقة
برلين - من
هوفيك حبشيان
عُرض ضمن برنامج "بانوراما" مساء الاثنين الفائت في
مهرجان برلين ثاني أفلام الثنائي المغربي سهيل وعماد النوري. الفيلم الذي
يحمل اسم
احدى أغنيات ديفيد بووي، "الرجل الذي باع العالم"، يسلك دروباً
سينمائية غير مطروقة
بغية التأمل في ماهية السعادة. في ما يأتي، المزيد من الغوص في عمل الاخوين
السينيفيليين اللذين يتوقع منهما الكثير في السنوات المقبلة.
·
اذاً، هذا
الفيلم هو اقتباس حرّ لقصة قصيرة لدوستويفسكي؟
سهيل النوري: نعم، واسمها "قلب
ضعيف"، صدرت عام 1848 عندما كان دوستويفسكي يبلغ من العمر 27
عاماً. انها واحدة من
أولى رواياته. رواية قصيرة جداً. الفكرة كانت أن نبقى أوفياء للأصل الأدبي
مع منح
أنفسنا حيزاً من الحرية ولا سيما في ما يخص الجانب البصري.
لذا نقلنا السياق من سان
بطرسبورغ الى نوع من أرض محايدة، والى مدينة تعيش أجواء حرب وكأننا في
مستقبل قريب.
لم يكن مهماً بالنسبة الينا أن نشيّد نصنا
على معلومات، بل أن نركز على التأمل
والسعادة لمرافقة الشخصية التي نصورها الى حيث يأخذها جنونها. هذه الرحلة
وجدناها
مثيرة للاهتمام. عندما قرأنا الرواية لاحظنا الى أي مدى هذه القصة لا تزال
فيها
عناصر من واقعنا الآني على رغم أنها كُتبت قبل قرنين. السياق
في ذاته لم يكن مهماً
بقدر ما كان يهمنا التأمل في تيمة السعادة والاستنتاجات التي توصل اليها
الكاتب،
وهذا كله كان صمد أمام عتق الزمن. غالباً ما نميل الى تفضيل "الخوف من
السعادة" على "السعادة"
نفسها.
·
تعملان كثنائي منذ بدايتكما. لكن
نريد أن نعرف مَن يتولى
ماذا؟
عماد النوري: أخي سهيل هو الذي يتولى الكتابة، ما عدا ذلك ننجزه معاً.
سواء أكان الاخراج أم المونتاج.
·
هل تكونان دائماً على الموجة
نفسها من
التفاهم، وهل نظرة الواحد منكما الى الامور قريبة من نظرة الأخر؟
سهيل النوري:
الى حدّ ما. نتكلم كثيراً قبل مباشرة العمل. هناك مرحلة بحث كبيرة تسبق
عملية
التقاط المشاهد. في هذه المرحلة تحديداً نتبادل أفكارنا. لدينا أشياء
مشتركة مثل
تأثيراتنا الدفينة وثقافتنا البصرية بالاضافة الى ما نحب وما
لا نحب.
·
ماذا
تفعلان عندما تختلفان على مسألة شائكة؟
عماد النوري: طبعاً هناك لحظات لا نتفق
فيها. طبيعي أن يكون هناك مثل هذه اللحظات، لأنه ببساطة هناك
لحظات لا نتفق مع
أنفسنا. في هذه الحالة نناقش المسألة، وكل منا يطرح ما لديه من دوافع،
ونختار ما هو
أفضل لملصحة الفيلم. ليس هناك أي فرض في علاقتنا، بل نحن بعيدان كل البعد
عن سلوك
كهذا.
·
والدكما، حكيم النوري، هو أيضاً
ممثل ومخرج. لكن عملكما لا يشبه البتة
ما ينجزه.
سهيل النوري: لا على الاطلاق. لم يكن هذا الشيء مقصوداً. نحن من جيل
ووالدنا من جيل آخر. هو مغربي أما نحن فوالدنا مغربي ووالدتنا اسبانية.
ولدنا في
الدار البيضاء وعشنا في فرنسا وبانكوك ومدريد، فهذا الشيء صاغ
هويتنا وجعلنا اكثر
كوزموبوليتية مما هو والدنا. نظرتنا الى الاشياء أكثر عالمية مما هي محلية.
وهذه
سمة جيلنا. اذ نرى الكثير من السينمائيين من بلدان كثيرة يصنعون اليوم
سينما تغرف
من ينبوع العالمية أكثر من كونها تستند الى واقع محلي ضيق. من خلال
الانترنت نرى
ونختبر كل شيء. من هنا أسأل: ان نقتبس دوستويفسكي فهذا يبدو
غريباً. لكن لمَ لا في
نهاية الأمر؟ هذا شيء جاء الينا تلقائياً، علماً أن تأثراتنا الاولى جاءتنا
من "سينما
الوالد". ترعرعنا ونحن نشاهد السينما التي كان يحبها والدي. لكن بعد ذلك
على
كل واحد منا الذهاب في طريقه. طبعاً هناك الدراسات التي نقوم بها والاصدقاء
التي
نجمعهم من حولنا والتجارب التي نعيشها، وهذا كله قادر على صوغ
شخصيتنا، وهي شخصية
حاضرة في السينما التي ننجزها.
عماد النوري: اياً يكن، فليس من المحبذ فكرة
الشعلة التي تنتقل من الاب الى أولاده. انظر الى صوفيا كوبولا
فهي لا تعيد تكرار ما
صنعه والدها، ولو فعلت ذلك لكان ذلك مؤسفاً.
·
في بعض الاحيان، تجاوزت صوفيا
أباها، وهذه هي حالتكما ايضاً. وأنا لا أجاملكما هنا.
عماد النوري: شكراً
جزيلاً، واعتقد ان هذا الشيء يسعد والدنا ايضاً لأنه المعجب الاول بعملنا
ويعترف
بنوعية الشغل الذي نقوم به، ولا يوجد بيننا أي نوع من منافسة.
·
منذ متى
تشاهدان الأفلام. أم انكما لستما سينيفيليين؟
عماد النوري: بلى، نحن سينيفيليان
الى حد بعيد. بدأنا في عمر مبكر نرى أفلام الستينات
والسبعينات، من الوسترن
الاميركي الى غودار.
سهيل النوري: كان والداي يملكان متجراً لتأجير كاسيتات
الفيديو في الدار البيضاء. وكانت طريقة التعامل معنا تجري آنذاك على هذا
النحو: اذا
حصلنا على علامة جيدة في مادة دراسية ما، كان يحق لنا أن نشاهد فيلمين.
واذا ما
نلنا مثلاً 20 على 20 كان يحق لنا مشاهدة أربعة أفلام. أما
القصاص فكان منعنا من
مشاهدة أي فيلم. كل شيء كان يفاوض انطلاقاً من هذا المبدأ. كنا نمضي نهايات
اسبوع "ماراثونية"
في مشاهدة سبعة أو ثمانية أفلام، واحد تلو الآخر.
·
نلمس في "الرجل
الذي باع العالم" ميلاً الى السينما الاوروبية، تلك السائدة في الستينات
مثلاً.
سهيل النوري: من الصعب عزل أنفسنا عن التأثيرات التي ألقت بظلالها
علينا
طوال فترة التأهيل السينيفيلي. شاهدنا مراراً وتكراراً أفلام سينمائيين مثل
سيرجيو
ليوني وغودار وتروفو وماليك، الخ. هذا يدخل في شبكة العين ويبقى فيها لمدة
طويلة،
الى درجة انك خلال التصوير لا تفكر في غودار، اذ يكون قد دخل
في لاوعيك. في المقالة
التي نشرت في مجلة "فرايتي" عن الفيلم، ذكر اسم غودار، وهذا مسلٍّ بالنسبة
الينا
لأننا لم نفكر فيه قط خلال التصوير، الا ربما بعد انتهائنا من انجازه.
·
هناك في
الفيلم ايضاً صعوبة عيش وفراغ تعاني منها الشخصيات اذ لا تعرف
ماذا تفعل بعزلتها
ووحدتها. هل هذا المناخ استُمد من الرواية؟
عماد النوري: نعم كان هذا موجوداً،
لكننا عملنا على تعظيم هذا الجانب كي يكون المشاهد في الوضعية
نفسها التي جُعلت
فيها الشخصيات. هناك مناخ ضاغط طوال الفيلم يفرضه المكان الغارق في ظلمته
وألوانه
الغريبة الميالة الى الاخضرار والازرقاق. انه مناخ عدائي اذا صح التعبير،
تعززه
حدية التقطيع والمونتاج المتوتر. وضعنا كل العناصر التي تتيحها
لنا السينما كي نعزز
هذا المناخ. كنا نريد التركيز على "جمال القبح". لم نكن في حاجة الى تصوير
بيت جميل
مع حديقة، كي نري شيئاً جميلاً...
·
سعيد باي قدّم اداء متقناً. هل
جرى التفكير
فيه منذ مرحلة التأليف؟
سهيل النوري: لم نفكر فيه منذ مرحلة الكتابة، لأن هذا
المشروع كان يجب أن يتحقق في نيويورك، مع ممثلين آخرين. وكان سيكون فيلماً
أميركياً. ثم اضرب كتّاب السيناريو عن العمل، لذا قررنا المجيء
الى المغرب لتصويره.
منذ تلك اللحظة فكرنا في سعيد الذي عمل في عدد من أفلام والدي حيث كنا، أخي
وأنا،
مساعدين للمخرج. العمل معه كان رائعاً، لأنه سريع الاستيعاب وتقني من
الدرجة
الاولى. إذا هتف قلبك الى ممثل من هذا النوع، فيجب عدم البحث
عن شخص آخر.
عماد
النوري: في المغرب، النمط التلفزيوني والمسرحي شوّه اداء الممثل السينمائي.
ليست
هذه حال المسلسلات الأميركية مثلاً حيث الاداء سينمائي الى حدّ ما. لدينا
في المغرب
ثقافة التضخيم والمبالغة التي تنتقل أحياناً الى الشاشة الكبيرة. كل احساس
يدخل
منطقة الميلودراما.
سهيل النوري: نحن نميل الى الكونتراست. اذا كان المشهد
مأسوياً مثلاً، نفضل استخدام موسيقى مضحكة. والعكس صحيح. وأحياناً نفضل
لحظة
صمت.
النهار اللبنانية في
18/02/2010 |