انهالت المقالات المعترضة على فوز فيلم خزانة الألم بجائزة أحسن فيلم
،أحسن إخراج ، أحسن مونتاج وثلاثة جوائز أخرى متفوقاً على فيلم أفاتار الذى
حصل على ثلاثة جوائز هى أفضل إخراج فنى، أفضل تصوير سينمائى وأفضل مؤثرات
بصرية، ودارت هذه الاعتراضات بالأساس حول ضرورة وجود مؤامرة تم تنفيذها
سواء من قبل المخابرات المركزية الأمريكية أو الجيش الأمريكى أو غير ذلك
للدفع بفيلم خزانة الألم للفوز بجوائز الأوسكار على حساب فيلم أفاتار،
وفجأة انحصرت فكرة فوز الفيلمين ما بين أن أفاتار مؤيد للعراق ومناصر لشعبه
ضد المحتل الأمريكى الذى جاء لفرض حضارته وثقافته المختلفة، وبين خزانة
الألم المؤيد للحرب بالعراق والداعم للجنود الأمريكيين الموجودين به.
وللتذكير فحسب فإن افاتار فيلم خيال علمى يدور حول بنى البشر الذين
يحاولون استعمار كوكب آخر تعيش عليه كائنات مختلفة عنهم ولها حضارتها
الخاصة وفى محاولة احتلالهم لهذا الكوكب يبدأون فى تدمير حضارته، لكن هذه
الحضارة الفطرية والأصيلة تنتصر فى النهاية وتطرد المحتل.
هذه الفكرة العامة تنطبق بالتأكيد على كل مستعمر يحاول احتلال وطن آخر
وليس العراق بالتحديد فدائما ما يأتى المحتل بذريعة انتشال هذا البلد أو
ذاك من التخلف والصعود به فى سلم الارتقاء إلى الحضارةالحقيقية، وهذا البعد
الفلسفى فى الفيلم يحسب له لكننا لا نستطيع القول أن صانعى الفيلم أثناء
التحضير له قد أخذوا على عاتقهم مهمة تحرير العراق من الوجود الأمريكى.
أما الفيلم الثانى خزانة الألم فهو فيلم حربى يدور بالفعل فى العراق
حول وحدة من الجيش الأمريكى تقوم بتفكيك المتفجرات هناك، وبالرغم من تمحور
الفيلم بالأساس حول مشاعر الرعب والقلق والخوف الدائم الذى يحياه الجنود
الأمريكيين يومياً فى العراق وخاصة تلك الوحدة التى تقوم بتفكيك المتفجرات
وهى لحظات إنسانية نجحت المخرجة ببراعة فى تجسيدها، وبغض النظر عن رفضك
لهؤلاء الجنود أو وجودهم بالعراق، إلا إن الفيلم لم يغفل ما تسبب فيه وجود
الأمريكان من فوضى وقتل وخراب ووجود شركات أمن ترتع فى البلاد بلا ضابط
مضيفة لهذه الفوضى المزيد والمزيد، حتى مشاهد تعاطف بطل الفيلم مع الطفل
العراقى والتى كانت ساذجة من وجهة نظرى فى محاولة لإظهار بقية الجوانب
الإنسانية لأبطال الفيلم وهى الجوانب التى قام الفيلم عليها بالأساس، انتهت
بمقتل الطفل فى ظل هذه الفوضى وصراخ والدة الطفل فى وجه البطل وطردها له من
منزلها، وصب لعناتها على الأمريكان.
أهم ما فى فيلم خزانة الألم كانت جملته الافتتاحية، تلك التى بدا بها
وتقول "لأن الحرب كالمخدرات فإن الاندفاع للحرب هو إدمان قاتل" ولا أعتقد
أن مثل هذه الجملة تدل على تأييد للحرب فى العراق أو لوجود الجنود
الأمريكيين به، خاصة عندما يتساءل أحد الممثلين فى الفيلم عن سبب وجودهم
بالعراق.
والآن وبعيدا عن الأيديولوجيا والبعد السياسى فى كلا الفيلمين فقد
انبهرت بشدة بفيلم افاتار وتقنياته البصرية والسينمائية العالية لكننى لم
أنبهر بأى شىء آخر داخل الفيلم، وهذه التقنيات والإبهار الشديد هو ما استحق
عليه الفيلم من جوائز فلا عجب إذن من حصول الفيلم على الجوائز فى هذه
المساحة من الإبداع ( مؤثرات بصرية، إخراج فنى وتصوير).
فيما حصل فيلم خزانة الألم على ما استحقه بالفعل كأفضل فيلم وأفضل
إخراج وأفضل مونتاج وغير ذلك من الجوائز لفيلم محكم الصنعة وعالى المستوى،
كل هذا بتقنيات بسيطة وميزانية محدودة جدا إذا ما قورنت بميزانيات هوليوود
أو حتى افاتار وبإبداع تغلب على كل العقبات المادية التى قابلته، لا عجب
أيضاً أن يحصل الفيلم على كل هذه الجوائز وهو الذى حصل من قبل على ستة
جوائز فى "مسابقة الأكاديمية البريطانية للأفلام والتليفزيون بافتا".
فوز فيلم خزانة الألم المنخفض التكاليف يعطى أملاً لصناع السينما
الحقيقية بأن الإبداع يفرض نفسه فى النهاية حتى لو تنافس مع فيلم حقق أعلى
إيرادات فى تاريخ السينما.
*إعلامية مصرية
اليوم السابع المصرية في
20/03/2010 |