أسدل الستار مؤخرا على حفل توزيع جوائز الاكاديمية الامريكية للعلوم
والفنون السينمائية، الأوسكار، أشهر الجوائز السينمائية العالمية، وكالعادة
كانت منصة التتويج خالية من أي انتصار عربي، سواء كان المتوج بالأوسكار
مخرجا أو منتجا أو ممثلا أو حتى مساعد ماكيير؛ وإذا سئل عن السبب فإن العذر
الدائم عند العرب هو أنها مؤامرة تعمّدت إقصاء الأفلام العربية من هذه
الجائزة التي تموّلها جهات يهودية، ولكن فوز "خزانة الألم" بأوسكار أفضل
فيلم سلّط الضوء على نقطة "شبه مضيئة" في تاريخ العرب والأوسكار وهي أن
الآثار العربية الصامتة وقضايا الأمة العربية وحروبها تفوقت على العنصر
البشري.
لقد كان الفوز هذه السنة من نصيب فيلم "خزانة الألم"، الذي دخل
التاريخ بكونه الفيلم الأقل تكلفة وكون مخرجته كاثرين بيجلو هي أول امرأة
تفوز بأوسكار أفضل إخراج، إلى جانب فوزه بخمس جوائز أخرى؛ إلا أن المثير أن
هذا الفيلم يحمل بين طياته "دماء عربية"، فإلى جانب الموضوع الذي يدور حول
فرقة نزع الألغام في العراق، فإن نسبة كبيرة من مشاهده صوّرت في الأردن،
وأيضا عمل نحو سبعين أردنيا ضمن طاقمه بالإضافة إلى ما يقارب 150 "كومبارس"
أردنيا، كما أن مديرة الإنتاج هي التونسية كريمة العجيمي. ومع ذلك لا نعرف
لماذا يتعسّر على السينما العربية السير على السجاد الأحمر نحو مسرح
الأوسكار؟ والأهم من ذلك لماذا نعيب الآخر دائما فيما منبع الداء فينا؟
وإلى متى ستكتفي المشاركة العربية في أشهر جائزة سينمائية عالمية على أن
تكون مجرّد ديكور ومسرحا لأفلام أمريكية هي التي تفوز بالجائزة في الأخير؟
والملفت أن فيلم "خزانة الألم" لم يكن بريئا، إذ نقل الصورة الرسمية
الأمريكية عن مهمة فرقة خاصة بنزع الألغام وصور عناصرها على أنهم أبطال
يجاهدون و"يستشهدون" من أجل هدف "إنساني"، ومثلما دمرت القوات الأمريكية
العراق وأعادته إلى العصور الحجرية، هاهي السينما الأمريكية تدخل على الخط
لتسرق قضية هذا البلد المنكوب وتستثمرها نجاحا وتألقا وإشعاعا في هوليوود.
منذ أن بدأت أول مسابقة للأوسكار سنة 1929، وعلى مدى هذا التاريخ
الطويل لم يصعد أي فيلم عربي إلى منصة التتويج النهائية واقتصرت المشاركات
على الترشيحات فقط، ولكن كعادتنا في كل "نكسة" نرحّب بلعب دور الضحية،
ونسارع إلى الهجوم المضاد ونتهم الآخر بأنه عنصري ويكره العرب دون أن تكون
هناك محاولة دفاعية واحدة فعلا لا قولا، محاولة ملموسة تكون قادرة على
تحقيق ما يبدو مستحيلا، رغم أن الباب فتح على مصراعيه أمام السينما العربية
منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حيث أصبحت كلمة "العرب" أكثر كلمة تكتب في
خانة محرك البحث غوغل، كما تغيّرت الصورة التي تعاطت بها هولوود من قبل مع
العرب، ولم تعد الأفلام الغربية تقنع المشاهدين بصدق وصفها للعرب، ولم تعد
صورة "الأعرابي" تضحكهم ولا صورة "الشرير سفاك الدماء" تخيفهم.. تغيرات
حتّمت على صنّاع السينما العالمية إعادة صياغة أوصافها للمنطقة العربية بعد
أن دخلت السياسة على الخط؛ وهي صورة تفطّن إليها السينمائيون في هوليوود
فيما لا تزال مفقودة بين ثنايا سينما عربية، سينما مصرية، "عميدة"، أفقدتها
هيبتها الأفلام التجارية، وأخرى مغاربية، رغم نجاحها، لا تزال سينما
مهرجانات ومحصورة في المواضيع المحلية تعتمد أكثر على التمويل الأوروبي،
وسينما خليجية لا تزال تمشي الهوينى في هذا الطريق.
ومن الأمور المؤسفة أنه في ظل وجود متميز لبعض الأعمال السينمائية
العربية خصوصا في المغرب وتونس ولبنان، تقف مصر صاحبة أهم وأقدم تجربة
سينمائية عربية متعثرة غارقة في "وهم" الريادة.. فمجرد ترشيح فيلم مصري
للأوسكار بات أشبه بالحلم، مع أن مدوّنة السينما العربية تدين للسينما
المصرية بأنها فتحت لها الطريق نحو هذه الجائزة العالمية الاشهر، فأولى
المشاركات العربية في جوائز الأكاديمية الأمريكية للسينما كانت مشاركات
مصرية، منذ أن اختير فيلم "دعاء الكروان" ضمن أحسن خمسة أفلام في أوسكار
1961.
ثم اشترك العرب بفيلم "اللص والكلاب" سنة 1964 وسنة 1970 كان الفيلم
الرائع "الأرض" خير سفير للسينما العربية، فـ"الخوف" سنة 1972.. ومنذ ذلك
التاريخ لم تغب صورة العرب عن مسابقة الأوسكار، وإن لم تظهر من خلال فيلم
عربي الجنسية فمن خلال فيلم أمريكي أو أوروبي يتحدّث عن العرب، مثلما هو
الحال مع "خزانة الألم".
وإذا تركنا نظرية المؤامرة جانبا، فإن الفوز بجائزة الأوسكار في حد
ذاتها ليس هو المهم، بل أن يصل فيلم عربي إلى الترشيحات ويشاهده الجمهور
والنقاد ذلك هو الأهم، مثلما حدث مع فيلم الفلسطيني الهولندي "الجنة الآن"
أوسكار 2007، الذي كان أول فيلم عربي رُشّح للأوسكار بعد غياب 13 سنة على
أول فيلم عربي رُشّح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي وهو "غبار الحياة"
لرشيد بوشارب 1995، فقد أثار هذا الفيلم جدلا كبيرا وإن لم يتوّج بأوسكار
أحسن فيلم فقد توّجه الجمهور الذي شاهده واعتبره الأحق بالجائزة.
الفوز بالجائزة المادية لا قيمة له مقابل الفوز "النفسي" وذلك بتقديم
الصورة الحقيقية للعرب برؤية عربية الهوية والإنتاج؛ والسينما اليوم هي
أفضل وسيلة للقيام بهذه المهمة، وهو ما تفطّنت إليه إسرائيل منذ سنوات
فجعلت من السينما منبرها الذي تؤثر من خلاله على العالم وتلمّع به صورتها،
فالسينما لغة عالمية أصبحت، مع تطور تقنياتها، من العوامل الأكثر تأثيرا في
المجتمعات. في الماضي نجحت الجهات الصهيونية في ذلك لأن العالم لم يكن
متّصلا مثل الآن، أما اليوم وفي ظل تطوّر وسائل الاتصال الحديثة، فلم تعد
هناك صورة يمكن أن تزيّف، فما تلمّعه اسرائيل كذبا تفضحه جهات أخرى، هي في
الأغلب غير عربية.
الأمر الذي دعا هذه الجهات الصهيونية إلى رفع مستوى القتال عبر هذه
الجبهة، حيث تسعى إسرائيل إلى تدعيم استغلالها للفنون في حربها العالمية ضد
العرب، فلم تكتف بسيطرة اللوبي الصهيوني على هوليوود الأمريكية العالمية،
بل خطّطت سنة 2004 لإنشاء "هوليوود" خاصة بها، هي مدينة "هوليهود"
السينمائية الإسرائيلية في صحراء النقب.
ورغم أن ملامح هذا المشروع لم تظهر بعد إلا أن مجرّد التفكير فيه يبرز
أهمية هذا السلاح الصامت الذي تغزو به إسرائيل العالم، ويكشف مدى خطورة
الوضع لو تحققت مطامح هذه المدينة السينمائية، التي لن تقدّم فقط أفلاما
تعكس الزيف الإسرائيلي فحسب بل إنها ستكون منافسا مدمّرا للسينما العربية،
وإن لم يكن على مستوى الإنتاج والانتشار، فإن المزاحمة ستكون على مستوى
"التفوق السينمائي" للبلاد العربية كديكور للأفلام الغربية..
إسرائيل لن تكتفي ببناء مدينة سينمائية تنتج من خلالها أفلامها
وأعمالها الفنية فحسب، بل تخطط لأن تسحب البساط من تحت المدن العربية التي
تعتبر قبلة أشهر السينمائيين العالميين يصورون بها أفلامهم، كما هو الحال
مع الأردن وفيلم "خزانة الألم"؛ ومن قبل الفيلم الشهير "حرب النجوم" الذي
صور بالجنوب التونسي وأيضا عديد الأفلام التي صوّرت ولاتزال تصور في مدينة
ورزازات المغربية..
وقد سُئل المخرج الصهيوني "مناحيم جولان" ذات حوار عن الخدمة التي
يمكن أن يقدّمها لـ"إسرائيل"، أجاب أن "إسرائيل استفادت معنويا من أفلامه"،
وهذا خير دليل على أهمية السينما والفنون عموما كسلاح خطير في خدمة المصالح
السياسية قبل الفنية.
العرب أنلاين في
17/03/2010 |