بعد أسابيع من التشويق، تنفس النقاد وأهل السينما الجادون في هوليوود،
وربما في غيرها أيضاً، الصعداء، أوائل هذا الأسبوع. فما كانوا يخشونه لم
يحصل: لم يكتسح «آفاتار» جيمس كاميرون جوائز الأكاديمية كما كان كثر
يتوقعون، ولم يحقق كاميرون ما كان حققه قبل عقد ونيف حين ضرب الرقم القياسي
التاريخي، تقريباً، في عدد الجوائز التي تمنح له خلال دورة أوسكار واحدة،
كان ذلك حين حصل على 11 اوسكاراً، عن فيلمه «تايتانيك». يومها وعلى رغم
اعتراضات كثيرة، دخل اسم جيمس كاميرون سجل الخالدين في تاريخ السينما
الأميركية، وصار في امكانه ان يقول انه، كما حال ستيفن سبيلبرغ وجورج لوكاس
وربما أيضاً فرانسيس فورد كوبولا - في أفلامه السابقة فقط - صار واحداً من
كبار هوليوود الذين يجمعون المجد من اطرافه الثلاثة: التجاري والأوسكاري...
والنقدي. والحقيقة أن مؤشرات عدة كانت تؤكد انه هذه المرة سيفعلها أيضاً،
خصوصاً ان منافسته الرئيسة امرأة. وهوليوود لا تعطي عادة، أي اعتبار، للجنس
اللطيف، إلا حين يكون جنساً لطيفاً. وأبداً لم تنظر هوليوود بعين الجدية
الى النساء اللواتي يتنطحن الى التسلل الى عالم الرجال. والإخراج في
هوليوود رجالي بامتياز. في تاريخ هوليوود كلها لم يزد عدد المخرجات
الأميركيات المعترف بهن، عن عدد المخرجات الفلسطينيات العاملات حالياً.
وأقل منهن طبعاً المخرجات اللواتي يهتممن حقاً بالقضية النسائية في
أفلامهن. واليوم إذ تفوز كاترين بيغلو، التي تعتبر الأشهر، ومنذ زمن بعيد،
بين المخرجات الهوليوديات، بأوسكار أفضل فيلم وأفضل اخراج، وثلاثة أوسكارات
أخرى، يصح التساؤل: هل معنى هذا إن أهل هوليوود، حين رشحوا بيغلو ثم
«أسكروها»، هل كسروا الحظر الذكوري على الفن السينمائي النسائي؟ الجواب هو،
بكل بساطة، نعم، إنما جزئياً فقط.
ذلك لأن من الصعب القول انه إذا كانت كاترين بيغلو امرأة، فإن أفلامها
أفلام
نسوية... بل على العكس من هذا تماماً: هي، في نهاية الأمر، أفلام ذكورية...
في أغلب
الأحيان. وما فيلمها الأخير «خزانة الألم» سوى الدليل الساطع على هذا...
فبالكاد
ثمة، في هذا الفيلم نساء... وهذا أمر طبيعي بالنسبة الى شريط
يدور من حول رجال في
البحرية الأميركية مهمتهم نزع الألغام في الأرض العراقية أيام الحرب
القاسية التي
شنها الأميركيون هناك بدءاً من مسعاهم لإطاحة صدام حسين. مثل هذا الموضوع
لا يعطي
أي دور لامرأة... لكن هذا ليس جديداً على كاترين بيلغو التي
كانت، أصلاً، عرفت على
نطاق واسع، هوليودياً وعالمياً، بواحد من أفلامها الأكثر نجاحاً «ك - 19،
صانعة
الأرامل»، الذي حققته بعد عشرين سنة من جهود سينمائية دؤوبة متفاوتة
الجودة،
متفاوتة النجاح - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -.
ضد العنصرية
مهما يكن من أمر، فإن اختيار هوليوود لامرأة - حتى وإن كانت من نوع
يسمى في
اللغة العربية «أخت الرجال» - يحسب هذا العام لهوليوود، إذ وكما بات
معروفاً الآن،
صاحبة «خزانة الألم» هي أول امرأة تفوز بأحسن فيلم وأحسن اخراج في تاريخ
جوائز
الأكاديمية... وهي المرة الرابعة التي ترشح فيها امرأة
للجائزة. ما يضعنا مباشرة
أمام هذا الوجه الجديد لعاصمة السينما العالمية، وجه بدأ يُظهر ما كان من
غير
الممكن ظهوره لسنوات قليلة: الاهتمام المتجدد لهوليوود بكل ما كان يعتبر،
في الماضي
من الأقليات. فاليوم لم يعد استثنائياً أن يفوز فيلم هندي (وليس هندياً
أحمر)، مثل
«المليونير
الصعلوك»، أو أفلام مناهضة كلياً للعنصرية، أو أفلام حربية تسير عكس
التيار الوطني المعتاد. ولم يعد غريباً فوز ممثل أسود أو ممثلة ملونة أخرى
بأسمى
الجوائز. بل إن أوسكارات هوليوود، صارت كمن يعرف طريقه الى
الأفلام الصعبة والمغرقة
في إنسانيتها خلال السنوات الأخيرة، من دون لف أو دوران. ومن هنا يأتي هذا
العام
تتويج «خزانة الألم» خطوة على طريق أنسنة هوليوود... وهي، في الأحوال كافة
أنسنة
متجددة، لا جديدة... إذ خلال ثلاثة أرباع القرن وأكثر، ومنذ
بدأ أهل هوليوود يوزعون
جوائز أكاديميتهم السنوية، لم يفت هذه الجوائز أن تدهش وتفاجئ... ولا سيما
أولئك
الذين يقتاتون على شتيمة هوليوود، معتبرينها، مجرد وجه من وجوه المؤسسة
والحلم
الأميركيين. والحقيقة أنه، إذ التصقت هذه الصورة المزدوجة
بهوليوود لزمن طويل، عرفت
هذه الأخيرة، كيف تنسفها بين الحين والآخر. فحين تعطي هوليود أوسكاراتها
الى مخرجين
مثل وودي آلن وكلينت ايستوود (ولا سيما عن أكثر أفلامه انسانية مثل «طفلة
المليون
دولار» و «لا
يسامح») ومارتن سكورسيزي (عن «المرحّلون») وستيفن سبيلبرغ، وآنغ لي،
وميلوش فورمان (خصوصاً عن «أماديوس») وأوليفر ستون (أكثر من
مرة واحدة) ولأفلام مثل
«رجل
لكل العصور» و «مارتي» و «المريض
الإنكليزي» بعد «آخر امبراطور» و «لورانس
العرب»... يصح أن نتساءل أين هذا من أولئك الذين يجدون، كل سنة، في توزيع
جوائز
الأوسكار مناسبة لشتيمة أصحابها، ثم يصمتون بعد أن توزع
الجوائز؟
طبعاً يحدث لهوليوود في مرات كثيرة أن تخضع لمنطق تجاري ما، ويحدث لها
في مرات
عدة أن تبدو امتثالية ورجعية في اختياراتها السياسية، ولكن الذي يمكن قوله
اليوم،
والفائز فيلم عن حرب العراق - حتى وإن كان، في نهاية الأمر، ملتبس الشكل
والمضمون
يهمه جنود البحرية الأميركية أكثر مما يهمه الشعب العراقي -،
والفائزة مخرجة امرأة،
هو ان هوليوود تواصل منذ نحو عقد ونصف العقد تكريم أفلام أقل ما يمكن أن
يقال فيها
انها لاهوليوودية. ولنتأمل اللائحة منذ العام 1999 على الأقل: «جمال أميركي»
للإنكليزي سام مندس، «تهريب» لستيفن سودربرغ، «دماغ جميل» لرون هوارد،
«عازف
البيانو» لرومان بولانسكي (المغضوب عليه أميركياً على أية حال) و «عودة
الملك» (من
سلسلة سيد الخواتم») و «جبل بروكباك (لأنغ لي، والذي ربما يكون الفيلم الأكثر جرأة
في تاريخ السينا الهوليوودية)، ثم «المرحلون» لسكورسيزي، كما أشرنا، فـ «لا
وطن
للعجائز» للأخوين جويل وإيتان كون... وصولاً الى الفيلم «الهندي» للإنكليزي
داني
بويل («المليونير الصعلوك») ثم الى حرب العراق من طريق كاترين
بيغلو...
الصورة المتكاملة
الحال أن متأملاً لهذه الأفلام وأصحابها يجد أن هذا السرد يقول
الكثير... غير أن
هذا لا يكفي لرسم الصورة المتكاملة، إذ علينا أيضاً أن نتبحر في أسماء
الأفلام
المنافسة: فحين يفوز «خزانة الألم» على «آفاتار»، قد يكون في الأمر انتصار
لفيلم
جدي «مستقل» «متقشف» على طاحونة مال وتكنولوجيا كبيرة، ولكن
ماذا حين تكون
المنافسة، أحياناً محصورة، بين خمسة أفلام من النوع الفني أو السياسي
الثقيل؟ ماذا
حين تكون المعركة، مثلاً بين «لا وطن للعجائز» و «ستكون
هناك دماء» و «مايكل
كليتون»، و «جونو» و «رداء
الغطس والفراشة» للأميركي - الفرنسي جوليان شنابل؟ ان
هذه الأفلام التي تنافست عام 2007، كلها أفلام يمكنها أن تدخل
تاريخ السينما الفنية
من الباب العريض... فماذا يبقى ازاء هذا من التاريخ المثير للشتائم
لهوليوود
الهوليوودية؟ وكي لا يعتقد البعض ان ذلك العام (2007) كان استثنائياً، نذكر
بأن
العام الذي سبقه شهد منافسة حامية بين سكورسيزي وكل من ايستوود
(«رسائل من
ايوجيما») وستيفن فريرز («الملكة») والخاندرو غونزاليس ايناريتو («بابل»)
وبول
غرينغراس («يونايتد 93»)... وهذه كلها أفلام يفخر أي ناد نخبوي للسينما
ببرمجتها...
ويمكن لهذا السرد أن يطول، طبعاً، سنة وراء سنة لنكتشف كيف ان العدد الأكبر
من
الأفلام التي تنافست منذ أكثر من عقد، على الأقل، هي أفلام كبيرة...
ومعظمها يشاكس
حتى على الإيديولوجيا والتاريخ الأميركيين.
إذاً، هذه السنة أيضاً، لم تخيّب هوليوود الأوسكارية الآمال، وإن
خيّبت
التوقعات... ناهيك بأمر لا بد من التوقف عنده هنا، وهو ان الأوسكاريين
اختاروا هذه
السنة أيضاً كي يعطوا جائزتهم، لأفضل ممثلة ثانوية، الى النجمة السوداء
موتيك التي،
إذ جعلها هذا الفوز، خامس امرأة أميركية من أصل أفريقي تؤسكر على مدى 82
سنة، لم
يفتها ان تشير، في عبارات تحية وإكبار الى الأولى بينهن، هاتي
ماكدانييل، التي كانت
في العام 1939، أول سوداء تؤسكر، في تاريخ هوليوود، عن دورها كوصيفة في
«ذهب مع
الريح»... وهذه في حد ذاتها علامة، خاصة إذ أشارت مونيك في كلمتها «أود أن
أشكر
الآنسة هاتي ماكدانييل لأنها عانت حتى لا أعاني أنا»... وواضح
أن مونيك انما كانت
تشير بهذا، الى سهولة أن يحصل الملون أو ابن الأقلية أو الأجنبي... اليوم
على حظه
في هوليوود، التي كانت أيام هاتي ماكدانييل، تحدث معجزة حين تعطي جائزة
لمثل هذه
الأخيرة.
الحياة اللندنية في
12/03/2010
كاترين بيغلو: ليست هناك سياسة داخل خنادق
الموت
«انها فعلاً محطة لا تتكرر في حياة أي شخص. انها أهم لحظة في
حياتي(...) أود أن أهدي هذه الجائزة الى النساء والرجال العاملين في الجيش،
الذين يخاطرون بحياتهم يومياً في العراق وأفغانستان وعبر العالم، وأتمنى
عودتهم سالمين الى ديارهم...». بهذه العبارات استقبلت كاترين بيغلو إعلان
فوزها بجائزة أحسن مخرج في حفلة الأوسكار الأخيرة قبل أيام... وعلى وجهها
آيات سعادة غريبة. والحقيقة أن هذه المخرجة الشابة الحسناء التي تقترب من
انهاء عامها الستين بخطوات حثيثة كانت على حق في ابداء سعادتها. إذ ها هي
تسجل سابقة تاريخية كأول امرأة تفوز بأرفع جائزة هوليوودية، وها هي من
ناحية تالية تقدم - إعلامياً - على أنها أول فنانة يكون فوزها الرئيس على
زوجها السابق في المباراة نفسها، مع العلم ان زوجها السابق هذا (جيمس
كاميرون) ليس «حبتين» في هوليوود، وفيلمه المنافس، والذي حقق البلايين حتى
اليوم، يعتبر أكبر آلة لحصد المال في تاريخ الفن السابع، ناهيك بأن كثراً
من النقاد قد أثنوا عليه أيضاً، ما جعله المرجح الجدي، الوحيد تقريباً،
لحصد الأوسكارات. وفي حفلة التوزيع، كان يلوح لكثر، وكأنه واثق من الفوز،
ومن «سحق» زوجته السابقة حتى وان كان أمضى السهرة يتبادل معها عبارات الود.
فهما، بعد كل شيء، صديقان، ولا سيما منذ طلاقهما عام 1991، بعد زواج دام
أقل من ثلاث سنوات. وفي الأيام التالية للفوز ستقول كاترين ان حدة الصراع
بينها وبين جيمس، كانت من اختراع الصحافة. فهي تحترمه وتحترم عمله
بالتأكيد... وتحب أن تفكر بأن فوز فيلمها على فيلمه كان نتيجة مباراة
رياضية.
جوائز من الخارج
مهما يكن من أمر، اسهبنا في مكان آخر من هذه الصفحة في تناول هذا
الموضوع وقد
يجدر بنا هنا أن نلتفت بعض الشيء الى المخرجة نفسها، هي التي ما كان في
امكانها
لفترة قليلة ماضية من الزمن، أن تحلم بتبوؤ عرش هوليوود. صحيح انها فازت
بجوائز عدة
قبل الآن عن غير فيلم لها، لكن معظم جوائزها أتت من الخارج... بالكاد
التفتت اليها
هوليوود، حتى وان كانت قد خُصت دائماً بمكانة طيبة... ولكن في
هذا العام، لم يعد في
امكان الجوائز الكبيرة غض النظر عنها.... وهكذا، رأيناها خلال أسابيع قليلة
تفوز بـ «غولدن غلوب» لأفضل فيلم درامي، وبـ «البافتا»
الإنكليزية لأفضل اخراج... الى
آخره... وكان عليها أن تفوز بعد ذلك بالأوسكار كي تعزز مكانتها
وتعتبر انها دخلت
سرايا الكبار في هوليوود... وهو ما تم لها بالفعل.
كاترين بيغلو، المولودة عام 1951 في شمال كاليفورنيا لأب صاحب تجارة
دهان، وام
مكتبية، لم تكن، منذ بارحت موطنها الى نيويورك، تتوقع أن تصبح سينمائية...
في الأصل
كانت تريد أن تصبح رسامة أو كاتبة... وهكذا درست النقد ونظريات الأدب فيما
كانت
تمارس الرسم (وطلي الشقق أحياناً وتركيب ورق الجدران في أحيان
أخرى...)، لكنها
سرعان ما وجدت نفسها بين أهل السينما، بعد أن مرت بالتلمذة على يدي سوزان
سونتاغ في
ما يطاول نظرية الفن والصورة. وفي عام 1978، بما يشبه الصدفة وجدت نفسها
تحقق
فيلماً قصيراً عنوانه «الترتيب»، لم تكن تريد منه ان يكون
مدخلاً الى عمل سينمائي
بمقدار ما أرادته تعبيراً، في عشرين دقيقة عن تفكيك العنف المستشري
ودراسته. ولكن
يبدو ان التجربة راقتها، إذ نجدها بعد ذلك بثلاث سنوات تنهمك في تحقيق فيلم
روائي
طويل، سيكون الأول في سلسلة. والحقيقة أنه لم يكن مقصوداً
منها، في فيلمها الطويل
الأول هذا «اللامحبوب» (1982)، أن تخوض السينما التقليدية، وسينما النجوم
تحديداً... لكن الفرصة واتتها للعمل مع ويليام دافو، في الدور الأول في
الفيلم،
فأمن لها هذا التعاون فرصة للخروج من أي غيتو كان يمكن أن تضع
نفسها فيه... وهكذا،
إذا كانت حققت بعد هذا الفيلم، سبعة أعمال سينمائية على مدى يقرب من ربع
قرن. فإن
هذه الأفلام (وهي على التوالي «قرب العتمة» - 1987، «بلوستيل» - 1989، «بوينت
بريك»
- 1991،
«أيام
غريبة» - 1995، «ثقل الماء» - 2000، «ك - 19، صانعة الأرامل» - 2002،
وصولاً الى فيلمها الأخير «خزانة الألم» 2009)، أتت ضمن السياق التقليدي
للإنتاج
الهوليوودي، حتى وان كان كثر من النقاد قد أحبوا ان يروا في هذه الأفلام
انتماءً
ما، الى السينما المستقلة، بيد أن هذا غير صحيح الى حد كبير...
إذ، لئن كانت أفلام
كاترين بيغلو، تحاول أن تقول أموراً جدية في لغة بسيطة متقشفة، فإنها في
الوقت نفسه
قالت هذه الأشياء، من دون ادعاءات زائدة... بل، لعل سوء التفاهم الأكبر
بالنسبة الى
التعاطي مع سينما كاترين بيغلو يكمن في حسبان هذه السينما، سينما نسوية.
صحيح أن
هذه المخرجة حاولت أحياناً أن تدنو من الموضوع النسوي، ولا
سيما في «بلوستيل» جاعلة
الدور الأول لامرأة (قامت بالدور يومها جامي لي كورتيس)، لكن المنتجين
رفضوا خوض
المغامرة. وحده يومها أوليفر ستون أقدم عليها، في وقت استنكف فيه، حتى،
جيمس
كاميرون، الذي كان اعتاد أن ينتج للآخرين. ويومها كانت زوجته.
ولعل خلافهما بصدد
انتاج هذا الفيلم هو الذي فجّر العلاقة الزوجية بينهما منذ البداية! مهما
يكن فإن
الفيلم لم يحقق ما كان متوقعاً له من نجاح. وكاترين نفسها ستقول حين تُسأل
عما إذا
كان فشل هذا الفيلم هو الذي أبعدها لاحقاً عن السينما النسوية
الخالصة: «أنا أبداً
طوال مساري الدراسي والمهني لم أفكر بأي فنان أو تيار سينمائي انطلاقاً من
المسألة
الجنسوية» بالنسبة اليها، ثمة بالفعل قضية يتعين الاشتغال عليها، لكنها فقط
قضية
الوصول الى المساواة بين الرجل والمرأة... وهي قضية طويلة الأمد. أما كيف
تصل هي
اليها. فقط من طريق ممارسة الفن في شكل صحيح، بصرف النظر عن
محموله الجنسوي. وازاء
هذه المواقف لم يستغرب أحد أن عدداً لا بأس به من أفلام كاترين، كان
أفلاماً عن
رجال... ولكن، في أحيان كثيرة: عن رجال تضعهم المخرجة في مأزق وتحاول أن
تشرّح
تصرفاتهم وكياناتهم. فإذا كان سيحلو للبعض ان يرى انه سعي لفرض
رؤية نسوية على حال
الرجال... فليكن.
«بعيداً» من السياسة
فيلم كاترين بيغلو الأخير «خزانة الألم» هو هذا، الى حد ما... وهو في
هذا البعد،
يبدو قريباً جداً من فيلمها السابق «ك - 19، صانعة الأرامل»، الذي يتحدث عن
غواصة
في داخلها احتمال لانفجار نووي مدمر، يتعين على مجموعة من رجال البحرية
الغواصين ان
يفككوه في غرفة خاصة، سيعرضهم دخولها الى خطر الموت بالتأكيد. وشيء مثل هذا
يحدث في «خزانة الألم»، حيث تصور المخرجة، مجموعات
من مفككي الألغام، في بغداد وغيرها، وهم
يشتغلون على تفكيك ألوف الألغام، ما يعرض كل واحد منهم الى خطر
الموت المؤكد.
إذاً، من حول هذا الموضوع، الذي يعني رجال البحرية الأميركيين، الذين
يقومون
بمهمتهم وكل واحد منهم يأمل أن يبقى حياً، ليعود الى بيته وينسى العراق
وحربها، من
حول هذا الموضوع، لا من حول حرب العراق في حد ذاتها بنت بيغلو هذا الفيلم
المتقشف،
والملتبس كما أشرنا، وفازت به، بعشرات الجوائز الكبيرة حتى
الآن. وهي نفسها حين
سئلت عن الفيلم وعما إذا كانت توافق على اعتباره فيلماً عن حرب العراق،
قالت: «أجل
إذا شئتم... لكنني في الأساس شئته فيلماً مناهضاً لكل حرب بوصفها مكاناً
للقتل،
سواء كان ذلك في المعارك أم خارج المعارك... ثم عن الإنسان
محاطاً بالخطر
الشديد...». وهنا، إذ قيل لها، قبل فوز الفيلم بجوائزه الكبرى، إن كثراً من
النقاد
نظروا اليه، من هذا المنظور، على اعتبار انه فيلم ملتبس قالت بكل بساطة:
«انني في
الحقيقة أحب الأفلام الملتبسة، فإن كان فيلمي هذا فيلماً ملتبساً، سيشعرني
هذا بفرح
طاغ، أنا التي لن تثير اهتمامي على أية حال، أية موضعة لفيلمي على أية
خريطة
سياسية. ولعل في هذا طريقة مختزلة بعض الشيء لفهم السينما
فهماً حقيقياً. بالنسبة
إليّ يقوم الأمر قبل أي شيء كان، في انني وددت أن أقدم حكاية شخصية جداً.
حكاية
انسانية جداً. فأنا لا أرى ان ثمة أية سياسة داخل الخنادق».
الحياة اللندنية في
12/03/2010 |