شاهدت 7 أفلام من تلك الأفلام العشرة المرشحة لجائزة أحسن فيلم في
مسابقة الأوسكار. هذه الأفلام هي "بريشيس"
Precious
و"التعليم"
Education و"أفاتار"
Avatar و"خزانة الألم"
Hurt Locker و"رجل جاد"
A Serious Man و" "أوغاد مجهولون"
Inglourious Basterds و"إلى أعلى"
Up ولم أشاهد ثلاثة أفلام بعد وهي "عاليا في الهواء"
Up in the Air
و"الجانب المظلم"
The Blind Side
و"مقاطعة 9"
District 9
ولا اعرف ما اذا كانت الترجمات الثلاث الأخيرة صحيحة أم لا فهي مجرد
اجتهادات إلى أن اشاهد هذه الأفلام.
ويمكنني القول إنني أرى بشكل عام أن قائمة الأفلام المرشحة للحصول على
جائزة أحسن فيلم، وخمسة منها مرشحة لجائزة أحسن إخراج، أنها قائمة ضعيفة
كثيرا قياسا بقوائم السنوات العشر الماضية.
إن هناك أفلاما ضمن هذه القائمة أرى أنها لم تكن تستحق أصلا أن ترشح
على الاطلاق لهاتين الجائزتين مثل "بريشيس" الذي اراه فيلما مسرحيا أو
اذاعيا مملا بل ومنفرا أيضا، ولا يثير الاهتمام فيه أي شيء من الناحية
الفنية البحت، وافهم أنه أثار تعاطف المرشحين في الأكاديمية الأمريكية
لفنون السينما بسبب موضوعه.
ومن الأفلام العادية التي لا تثير أي اهتمام ايضا فيلم الاخوين كوين
"رجل جاد" الذي لم أدهش أنه استبعد من كل مسابقات المهرجانات الكبيرة في
العالم كونه فيلما يصلح وصفه بأنه من أفلام الطائفة، والمقصود بالطائفة هنا
الطائفة اليهودية في أمريكا تحديدا، ويحتاج من يشاهده إلى قراءة مكثفة في
المفاهيم والأفكار اليهودية ومعنى الكلمات واصولها التاريخية في المجتمعات
اليهودية المغلقة في أوروبا الشرقية، والاحتفالات اليهودية..إلخ
أما فيلم "التعليم" البريطاني فأراه فيلما تقليديا كلاسيكيا من أفلام
الرسالة، يسير بالحرف على "الكتاب" أي كتاب الإخراج الكلاسيكي الذي يعتمد
على وحدة الحدث والزمان والمكان، ويروي في شكل أدبي يعتمد على التمثيل
والحوار، قصة فتاة تعثر تمر بتجربة التمرد على حياتها الأسرية وتعليمها
المدرسي في زمن التمرد (بداية الستينيات) إلى أن تنضج على نيران التجربة
فتعود على الطريق القويم (من وجهة النظر الاجتماعية التقليدية المحافظة).
ولعل أفضل ما في هذا الفيلم أداء الممثلة الشابة كاري موليجان وهي احدى
الممثلا المرشحات لجائزة أحسن ممثلة وقد حصلت على جائزة مشابهة في مسابقة
بافتا البريطانية أخيرا.
فيلم "أوغاد مجهولون" (الذي حير الجميع في ترجمة إسمه على نحو يستحق
التأمل!) سبق أن كتبت رأيي فيه تفصيلا في مشاهدته في مهرجان كان. وارى
بموضوعية أنه رغم كل تحفظاتي الفنية عليه، إلا أنه قد يكون أفضل هذه
الأفلام العشرة المرشحة لجائزة أحسن فيلم، فقط لأنني أرى أنه يمثل سينما
2010 بينما معظم الأفلام الأخرى تنتمي إلى السينما التقليدية العتيقة..
سينما القصة التي يحاول المخرج أن يجعلها قصة جذابة، بما في ذلك فيلم "أفاتار"
الذي يستخدم أحدث تكنولوجيا الصورة، لكنه لا يقدم نموذجا لسينما المستقبل
كما يقول لنا كثيرون من الذين ينبهرون بالإمكانيات الكبيرة التقنية التي
توفرت لهذا الفيلم. وقد سبق أيضا ان كتبت مقالا تفصيليا عنه. وربما يميل
ذوقي الشخصي إلى تفضيل فيلم "إلى أعلى"
Up عليه، فهو فيلم أكثر إنسانية واكثر براءة
وجمالا ورقة ومتعة أيضا في رواية قصة تصلح للكبار والصغار. وهو كذلك من
نوعية أفلام الأبعاد الثلاثة.
يظل هناك الفيلم اللغز "خزانة الألم". وقد شاهدت هذا الفيلم في مهرجان
فينيسيا السينمائي (سبتمبر 2008). وكان عرضه في المسابقة الرسمية هو عرضه
الأول على الصعيد العالمي. وكانت مسابقة المهرجان العريق في تلك السنة
تعاني من الضعف الشديد، وكانت لجنة التحكيم الدولية تبحث عن فيلم واحد في
المسابقة تتفق على كونه العمل الأهم والأبرز لكي تمنحه جائزة الأسد الذهبي.
وكان النقاد يضربون كفا بكف ويسيرون حائرين على شاطيء الليدو وهم يتساءلون
عما حدث للسينما، واين اختفت الأفلام البارزة فنيا. وقد مر عرض "خزانة
الألم" مرور الكرام.
حقا لفت الفيلم أنظارنا إلى الزاوية الإنسانية الجديدة التي يتناول
منها الوضع في العراق، من زاوية التركيز على خبير نزع ألغام وقنابل في
الجيش الأمريكي يساهم في تجنيب المدنيين والعسكريين الكثير من المصائب
والويلات، ويدفع حياته ثمنا لقيامه بتلك المهمة.
ولكني أود أن اضيف أيضا أن الكثير من النقاد رأوا في هذا الفيلم انه
ينحرف عن الموضوع الرئيسي لكي يجعلنا نتعاطف مع جندي أمريكي، وجوده في
العراق نفسه، محل تساؤل بعد كل ما جرى ولايزال يجري. وكان ما يميز الفيلم
التقنية العالية المستخدمة في اخراجه لكنه لا يصل ابدا في رأيي، على مستوى
الخيال والرؤية والتجسيد السينمائي لفيلم يسبقه بسنوات عديدة عرض في
فينيسيا أيضا عام 1995 للمخرجة نفسها، كاثرين بيجلو، وهو فيلم "الأيام
الغريبة"
Strange Days
ولم يحصل فيلم "خزانة الألم" على أي جائزة من أي نوع في مهرجان
فينيسيا في تلك السنة، ولم يشكو أحد بسبب خروجه من المهرجان بدون جوائز، في
حين تشبثت لجنة التحكيم بآخر فيلم عرض في المسابقة وهو فيلم "المصارع"
The Wrestler فمنحته جائزة الأسد الذهبي.
وقد لفت نظري بالطبع عودة الاهتمام بفيلم "خزانة الألم" أخيرا، وتلك
الرغبة العارمة في لفت الأنظار إليه، والترويج له بشتى الطرق، وإبرازه في
كل المجالات (الفيلم حصل على 6 جوائز في مسابقة بافتا ومرشح لتسع من جوائز
الأوسكار وهو أمر مدهش بكل المقاييس، ويعكس في تصوري، غياب الأفلام العظيمة
عن السينما الأمريكية في 2010. ولاشك لدي أيضا في أن هذا الفيلم سيخرج
بنصيب الاسد من الجوائز بالتقاسم مع فيلم "أفاتار" لجيمس كاميرون الزوج
السابق لمخرجة "خزانة الألم".. وكأن السينما الأمريكية انقسمت بين الزوجين!
عن مدونة الناقد
"حياة في السينما"
24/02/2010 |