«أنا ملك العالم» يقول جاك في «تيتانك»، ولعل قوله ذلك يمسي عبارة
تصف حال المخرج الكندي جيمس كاميرون هذه الأيام التي بدأ فيها عرض فيلمه
المرتقب
Avatar «أفاتار» وكل العيون شاخصة نحوه، بعد أن كان فيلم اختتام الدورة
السادسة
لمهرجان دبي السينمائي، وها هو الآن معروض في جميع دور العرض
المحلية.
الاستعداد لاستقبال الفيلم معد سلفاً ومسبوق بالكثير، كونه يشكل
عودة لكاميرون يحقق من خلالها حلماً راوده أكثر من 10 سنوات، هو المسكون في
الخيال
العلمي، الذي أمضى جل أوقاته في صباه غارقاً في رواياته
وعوالمه، ولعل ميزانية
الفيلم الضخمة كانت تقف حجر عثرة أمام إنجازه، إضافة إلى بحثه عن تقنيين
يجسدون
جنوح خياله هو، المهووس بعالم ثلاثي الأبعاد.
كل ذلك تم تذليله، وها هو
«أفاتار»
يطفو على سطح الشاشة، وقد كلّف أكثر من 300 مليون دولار، بعد أن أعلن عنه
كاميرون عام 2005.
حرص كاميرون في هذا الفيلم على ألا تكون الشخصيات وليدة
الكمبيوتر فقط، وأن يجري شيء من المزج بين أداء الممثل وأشكالها المبتكرة،
وبناء
شكل من التعاطف بين الشخصيات والمشاهدين، وسرد قصة تحتمل
الكثير.
أحداث
الفيلم تجري عام ،2154 والآية معكوسة هنا، إنهم البشر من يغزون عالماً
فضائياً
جديداً يطلق عليه «باندورا»، حيث يكون هذا الكوكب أو النجم غنياً بمادة
معدنية
تحتاج إليها الكرة الأرضية بقوة، بينما يكون هذا النجم مسكوناً
بكائنات عملاقة
زرقاء، تتكلم لغة جعلها كاميرون مزيجاً بين ثلاث لغات، من بينها لغة الهنود
الحمر،
ولتتمتع هذه الكائنات بصفات البشر الفسيولوجية نفسها، تأكل وتشرب وتنام
وتحب وتكره،
وللوصول إليها يتم خلق كائنات مماثلة لتلك الكائنات الفضائية اسمها «أفاتار»،
تكون
جسداً فقط يسكن في داخله بشري يمضي كامل وقته في صندوق محكم لا
يخرجه إلا عند نوم
ذاك الكائن أي الـ«أفاتار».
هنا يحضر جاك سولي (سام وريثنغتون) الذي يحل محل
أخيه المتوفى، ويمسي المسير للكائن الأزرق الذي يعيش مع شعوب ذلك النجم
للتعرف
إليهم عن كثب، وإقناعهم بمغادرة أراضيهم التي تكون مملوءة
بالمواد المعدنية التي
يبحث عنها البشر، لكنه سرعان ما يقع بحب نيتري (زو سالندانا)، وينقلب على
البشر
ووحشيتهم في اقتلاع تلك الكائنات من أراضيها.
المدهش في فيلم «أفاتار» سيأتي
من جهة المقترح الجمالي الذي يقدمه، من العالم الكامل الذي
يخلقه أمام المشاهد، وهو
يتعرف إلى كون آخر، له نباتاته وحيواناته وكائناته، هنا سيكون المنجز
الإبداعي
الأكبر، فما أن يمضي جاك في حياته داخل أدغال الكوكب وقد صار «أفاتار»، حتى
تتفتح
أمامنا عوالم لا تنتهي، ومعها حياة الشعب الأصلي هناك وعلاقته
بالطبيعة حوله، والتي
تمشي على شيء من محاكاة كائنات أرضية لكنها حاملة لمساحات أسطورية، تجعل من
طيور
عملاقة طائرات يتم ترويضها، ومن الجبال كتلاً طافية في الهواء، وغير ذلك
مما يأخذ
بالأبصار وهي تتعقب اكتشافات لا حدود لها، يحتشد بها منتصف الفيلم الذي
يمتد لأكثر
من 162 دقيقة. يمكن تحميل الفيلم مقولات وإسقاطات كثيرة تطال حضارة الرجل
الأبيض،
الذي لم تستوقفه شعوب القارات التي اكتشفها إلا بوصفها مادة للمجازر
والتصفية
العرقية، ولينقل كاميرون ذلك إلى خارج الكون حيث لن يتوقف
أيضاً القائمون على نهب
ثروات «باندورا» عند إبادة جميع سكانه، وهذا ما سيحصل حين يتم تدمير شجرة
هائلة
يعيش تحتها ذلك الشعب، لا لشيء إلا للحصول على المادة المعدنية المطلوبة.
هذا سيأتي
بعد أن يكون المشاهد قد بنى علاقة سحرية مع ذلك الشعب المسالم
الملتصق بالطبيعة،
الذي يؤمن بالآلهة التي سرعان ما تنصره، ولتكون أيضاً على تشابه كبير مع
الهنود
الحمر الذين أقيمت على أجسادهم ودمائهم أميركا الحالية، أو العالم الجديد
الذي لم
يرحم السكان الأصليين، لا بل إن المسؤول العسكري عن العملية
سيعتبر أي فعل تقدم
عليه الشعوب في مواجهته «إرهاباً»، وسيقول «لا يمكن مجابهة الإرهاب إلا
بالإرهاب»،
وليكون الأمر بكامله مجرد حفلة إبادة لهم، وباستخدم أعتى وأعنف الأسلحة
التي لا
تعرف تلك الشعوب عنها شيئاً.
لكم أن تشاهدوا أو تقرأوا ذلك، وأن تستعيدوا ما
تشاؤون من تاريخ الاستعمار الغربي، وفتوحاته التي كانت تحدث
على إيقاع العنصرية
والشعوبية، وليأتي تمكن ذلك الشعب الفضائي بمساعدة جاك على الانتصار، رسالة
استثنائية يقدمها كاميرون لها أن تقول، إنها البدائية والفطرية ما عليها أن
تسود
مقابل الجشع والوحشية التي تحيط التحضر والحضارة بهالة لا تفارقهما، إنها
الطيور
الأسطورية مقابل الطائرات الهائلة المتوحشة، إن الأسهم مقابل
البنادق والرجال
الآليين وما إلى هنالك، وصولاً إلى إجبار البشر على الانسحاب من النجم
والعودة إلى
أرضهم.
سيكون لافتا كثيرا ما تقدم، وله أن يأتي مع الجماليات البصرية
السحرية على تناغم يمارس ضبطاً لما له أن يفهم بوصفه ترفيهاً بصرياً لا
أكثر ولا
أقل، لكن كل ما في الفيلم يقول لنا عكس ذلك، إنه فتح بصري
وسينمائي متسلح بمقولات
تعزز من لذة أن يقترح فيلم سينمائي كون آخر له كائناته التي سرعان ما نقع
في حبها
والتعاطف معها.
الإمارات اليوم في
20/12/2009 |