منذ فترة
طويلة، كانت قضية سينما المرأة تثير الحساسية وردود الأفعال، وتدخل أحيانا
في نطاق ما هو محظور، بل إن البعض كان يتعمد الوصول بها إلى تساؤل، من هو
أكثر قدرة على التعبير عن ـ سينماها ـ الرجل أو المرأة؟.
وفي
فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان دبي السينمائي، التي تنطلق غداً، وتستمر
حتى الثامن عشر من الشهر الجاري، العديد من الأفلام التي يتناولها الرجل عن
المرأة أو تقدمها المرأة عن نفسها، من خلال قصص بطولة ونضال ومعان رومانسية
في أعمال تجسد المشاعر في أجمل صورة. ولعل القيمة الفنية التي تحملها هذه
السينما، المترافقة مع عمق الرؤية.
وجرأة
الإخراج، كلها بلا شك عوامل تؤكد خصوصيتها، وأن هاجس إخراج سينما المرأة،
للواقع أصبح بالفعل قويا لوجودها. وسيتاح لجمهور المهرجان مشاهدة عدد من
الأفلام المتميّزة، التي تروي قصص نُخبة متنوِّعة من النساء المقدامات
اللاتي ناضلن ضد التمييز، وضد الصراع بين الجنسين، وما تراكم عبر التاريخ
في هذا الإطار.
وتقدّم
هذه السينما الخلاَّقة نماذج ملهمة من الشخصيات النسائية. فيلم «نعم،
سيداتي سادتي» للمخرجة ميغان دونمان يروي حكاية أول امرأة تنخرط في سلك
الشرطة في الهند، وهي الرائدة الشجاعة «كيران بيدي»، التي خاضت تجارب مريرة
وأبدت إصراراً رائعاً على تخطي العوائق، بعد ثلاثة عقود من النضال الطويل
ضد الإذعان لقيود المجتمع، والفساد، والتمييز ضد المرأة، والجريمة، حيث
فتحت من خلالها أفقاً واسعاً، لدخول المرأة الهندية إلى جميع المجالات
المهنية.
ويعرض
فيلمان وثائقيان من العراق والمغرب عذابات النساء، وما تعرّضن إليه إبان
الحروب. المخرجة العراقية ميسون باجه جي توّثق يوميات مجموعة من النساء
العراقيات اللاتي واجهن تمزُّقاً تاماً، طال حياتهنَّ في «عدسات مفتوحة في
العراق» (102 دقيقة)، وذلك عندما يتم توفير آلات تصوير رقمية لتسجيل يوميات
حياتهنَّ خلال ورشة للتصوير الفوتوغرافي.
ويتناول
الفيلم ما تعرّضت إليه مديرة المشروع، الكاتبة إرادة زيدان، من صعوبات
كثيرة، وعرضت حياتها للخطر أحياناً، وهي تجول في أرجاء العراق بحثاً عن
مُشاركات في الورشة. وروت زيدان مشكلات العراق بسبب الانقطاع المستمر
للكهرباء، وقطع الطرق، وإغلاق الحدود، والتهديدات بالموت، والتفجيرات
والقصف. كل هذا أسهم في تقديم وتجسيد تجربة مثيرة لشخصية ذات رؤية
وشَجاعَة.
وثمة
فيلمان يستندان إلى وقائع حقيقية، يُصوران نسوة ناضلن من أجل الحب
والكرامة، ضدَّ أشكال الزيف والتمييز والمحاباة الغريبة، التي يرفضها
المنطق والعقل. ففي فيلم «بشرة» (156 دقيقة) للمخرج أنتوني فابيان، نتابع
قصة الطفلة «ساندرا» التي كبرت متخطيةً طفولة جريحة مُعذّبة ومؤلمة.
امتلكت
خلالها قدراً كبيراً من الثقة بالنفس والنضج، بعد أن أذاقتها قوانين
التمييز العنصري في جنوب أفريقيا عذاباتها، حين صنّفتها طفلة سوداء مولودة
لزوجين من ذوي البشرة البيضاء. واصل والداها الوقوف ضدَّ التعسف الحكومي
والظلم، يعرض الفيلم تشابكات قصة «ساندرا» وما آلت إليه علاقاتها بمجتمعها
وبوالديها بسبب لون بشرتها.
وفي فيلم
«مثل مارلون وبراندو» (92 دقيقة) للمخرج التركي حسين كارابي، تؤدي الممثلة
التركية عائشة داماغسي دورها الحقيقي نفسه. قصة واقعية لا تخلو من مفردات
البطولة تُجسِّد حبِّ «عائشة» العميق للممثل العراقي الكردي حمة علي. فبعد
لقائهما أثناء تصوير فيلم قبيل غزو العراق في العام 2003.
عاد كلٌّ
منهما إلى موطنه، عائشة إلى إسطنبول، وحمة علي إلى السليمانية، إحدى مدن
كردستان العراق. وفيما كانت عائشة تُتابع التقارير الإخبارية الواردة من
العراق، قررت الذَّهاب للقاء حمة علي، مُنطلقة في رحلة عبر مناطق، يحيقُ
الموتُ بكلِّ من يعبرها، ويُهدِّد حياته.
من جهة
أخرى، فإنَّ مقدرة الفتيات وعزيمتهنَّ، ومرونتهنَّ أيضاً، مُجسَّدةٌ على
نحو واضح في فيلم المخرجة أنجي واصف الوثائقي «مارينا الزبالين» (75 دقيقة)
الذي يقدم عزيمة «مارينا»، إبنة الأحد عشر ربيعاً على مواجهة وضعها، حيث
تعيش مع أسرتها وسط قذارة قرية الزَّبالين التي تصلها ما يزيد على ألفي طن
من القمامة كلَّ يوم لكي تُخزَّن، أو يُعاد تدويرها، أو التخلص منها.
يتفوَّق خيال «مارينا» الجامح وفضولها على الواقع، ويطرح وجهة نظر بشأن
حياة العمال وعائلاتهم.
ويقدم
المهرجان مجموعة كبيرة واستثنائية من الأفلام الرومانسية التي تعكس قوة
الحب الصادق والعميق، وقدرته على التغلب على الصعاب، التي تقف في وجهه،
وتتضمن هذه الأفلام رائعة المخرج الاسترالي «باز لورمان» «أستراليا»، وهو
الفيلم الذي استغرق إعداده وتصويره سنوات طويلة وتؤدي بطولته نيكول كيدمان
إلى جانب هيو جاكمان.
يروي
الفيلم قصة حب عاصفة تجري وقائعها في أستراليا أثناء الحرب العالمية
الثانية بين سيدة بريطانية «ليدي سارة آشلي» وراعي مزرعة المواشي الخاصة
بها في رحلتهما، التي ستستغرق مئات الأميال عبر البراري الأسترالية القاسية
هرباً من خطر المستوطنين الإنجليز.
ومن
فلسطين، وبعد شهور من التصوير المحفوف بالمخاطر في مواقع حساسة في الأراضي
المحتلة، يأتي فيلم «المر والرمّان» (95 دقيقة) للمخرجة نجوى نجّار. يروي
الفيلم حكاية شابة تهوى الرقص تدعى «قمر»، تجد نفسها وحيدة بعد أن يعتقل
الجيش الإسرائيلي زوجها في رام الله.
«قمر»،
التي كانت هجرت الرقص بعد زواجها بوقت قصير، تعود إليه لأنه الشيء الوحيد
الذي يسليها. وخلال التدريبات تلتقي ب«قيس» وتقوم بينهما علاقة. الفيلم
بطولة ياسمين المصري التي شاركت في فيلم «سكر بنات» للبنانية نادين لبكي،
وكل من الممثلة الفلسطينية هيام عبّاس وعلي سلمان اللذين شاركا في فيلم
«الجنة الآن» للمخرج هاني أبو أسعد.
في فيلم «تولبان»
(155 دقيقة)، نجد «آسا» المسكين الذي يعيش في كوخ صغير في منطقة السهول
الكازاخستانية، يمضي نهاره ليتعلم كيف يصبح راعياً، لكن دون جدوى، فباله
مشغول بالتفكير بأميرة أحلامه «تولبان» وبكيفية الفوز بقلبها.
تارة يروي
لوالديها قصة طويلة يسطّر فيها بطولاته العظيمة في البحرية، وتارة يدخل مع
«تولبان» في جدال طويل ليقنعها بأن أذنيه ليستا كبيرتين بقدر ما تتصوّر.
خلاصة الأمر، يدرك «آسا» بأن حياته لن تكتمل إلا بالحصول على فتاته.
وحين تهب
رياح التغيير على براري كازاخستان المفتوحة ورمالها الصحراوية، يضطر «آسا»
إلى مواجهة المستقبل. فهل يبقى في هذه الأرض الجرداء القاسية، أم يرحل
ليجرّب حظه في المدينة؟ وكيف سيؤثر ذلك على قصة حبّه مع «تولبان»؟.
البيان
الإماراتية في 9
ديسمبر 2008
|