جاء فوز
فيلم "تيزا" للمخرج الإثيوبي هايلي جريما وحصوله على الذهبية في مهرجان
قرطاج السينمائي الشهر الماضي ليثير سؤالا هاما حول تجاهل إبداعات القارة
السوداء.. رغم كونها على هذا القدر من الجودة التي تمكنها من المنافسة في
مهرجانات دولية وحصد الجوائز!!
الإجابة
لم تتأخر طويلا؛ حيث خصص مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الحالية
برنامجا احتفائيا بالسينما الإفريقية تحت عنوان "السينما الإفريقية.. لفك
العزلة"، والتي تضمنت -مع عرض خمسة أفلام إفريقية من خلال أقسام المهرجان
المختلفة- ندوة حول السينما الإفريقية تحدث فيها عدد من صناع السينما في
دول إفريقية مختلفة للتعرف على الوجه الآخر لإفريقيا السمراء.
كشف
يقول
النيجيري تيكو بينسون والذي عمل في السينما منذ أكثر من 15 عاما ووزع
للعالم تجاريا 48 فيلما روائيا ممهورا بإمضاء مبدعين نيجيريين: "لسنا
شغوفين بالسينما فقط، ولكننا نريد أن نكشف للعالم عن وجه جديد لنيجيريا،
وأن نعبر عن أنفسنا بطريقة يفهمها الجميع".
وربما كان
هذا هو السبب في تأخر ظهور السينما في الصحراء الإفريقية 60 عاما كاملة،
حسب ما يقوله الباحث أحمد شوقي عبد الفتاح صاحب كتاب "سينما اللؤلؤة
السوداء" الذي يتحدث فيه عن تاريخ السينما الإفريقية، ويعزو أسباب عزلتها
إلى الاستعمار؛ حيث "شعرت الأوساط الاستعمارية بالقلق من أن يرى الأفارقة
ما يحدث في بلدانها على حقيقته وبالتالي قد يتعرضون بسبب هذا لمشاكل هم في
غنى عنها".
ومن هنا
فقد ظلت الأفلام في إفريقيا من إنتاج الدول الاستعمارية وتعبر بشكل مباشر
عن بطولات الدول الأوروبية في غزو إفريقيا، ومن هذا الأفلام: )الفوز بقارة)
1916، و(رمز التضحية) 1918.
غير أن
الجيل الثاني أفاق -حسب رؤية الباحث في كتابه الصادر عن مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي- وأرادوا تقديم سينما تعبر عنهم، لكنهم يجدون العديد من
الصعوبات التي تقف في وجه تقديم سينما تعبر عنهم بصدق.
تحدث ضيوف
الندوة عنها بالكثير من التفصيل؛ إذ ترى مديرة مهرجان "إكرانس نويرس"
بالكاميرون باتريشا مون أن اللغة تعد الحاجز الأساسي أمام السينما
الإفريقية في وصولها للجمهور الإفريقي.. فتضرب مثالا لوسط إفريقيا حيث تقع
الكاميرون بوجود أكثر من 360 لهجة محلية، ولا توجد من بينها واحدة سائدة
يمكن اعتمادها كلغة قومية تنتج بها الأفلام.. ولهذا نقدم أفلامنا باللغة
الفرنسية والتي تعبر عن انفصال الفيلم عن جمهوره؛ إذ كيف نتحدث عن أنفسنا
بلغة المستعمر.. مضيفة أن هذه حالة شيزوفرينيا نعيش معها، وتعوقنا عن
التعبير عن أنفسنا بطريقة سهلة.
لجوء
تلفزيوني
فيما عبر
الناقد الفرنسي الذي قام بدراسة تاريخ السينما في إفريقيا أوليفير بارليه
عن أن هذه الشيزوفرينيا تتضح بشكل كبير فيما تقدمه الأفلام التي يتم
إنتاجها في مدغشقر على سبيل المثال؛ إذ تلتزم بموضوعات السينما الأمريكية
من قصص حب أو أكشن، فيما لا يظهر الزي القومي في أي من مشاهد الفيلم، مضيفا
أن المنتجين يلجئون لتقديم أفلام تلفزيونية حيث يسهل بيعها للقنوات
المتخصصة أو على أقراص مدمجة
DVD.
وعبرت
ناكي ساي سافانو من ساحل العاج عما مرت به السينما هناك لتثبت أقدامها خاصة
مع معارضة السلطة الدينية لها؛ إذ لجأ رجال الدين لتحويل القاعات التي
أنشئت في نهايات القرن الماضي لعرض الأفلام إلى دور عبادة، حتى إن أصوات
الصلوات كانت تطغى على صوت الفيلم.
وحتى الآن
تحكي ناكي أنه لا يوجد سينمائيون أو صناعة سينما في بلدها، حتى إن من يفكر
في إنتاج فيلم يضيع منه الكثير من الوقت في إيجاد تمويل وممثلين وغيرهم من
السينمائيين.
غير أن
الفرنسي سيرجي توبيان والذي يعمل مديرا لمشروع سينماتك في فرنسا، وهي عبارة
عن مكتبة أرشيفية للسينما الفرنسية يرى أن الصورة أكثر إشراقا من ذلك؛ إذ
يحكي عن تظاهرة نظمتها المكتبة تم من خلالها عرض 80 فيلما مقدمة من عشرين
دولة جنوب الصحراء وهو دليل قاطع على وجود سينما مهمة وحاضرة في إفريقيا.
لكن
الدليل الذي جاء ليقلب الحقيقة القائلة بأنه لا توجد سينما جنوب الصحراء هو
الخبرة التي قدمها السينمائيون النيجيريون حول ما أطلقوا عليه "نوليوود"؛
إذ أحدثت التكنولوجيا الرقمية وما أنتجته من إمكانية تنفيذ فيلم رقمي لا
يحتاج للكثير من التكاليف ثورة في نيجيريا أسفرت عن إنتاج 60 فيلما في
الشهر.. تحدث البعض عن جودتها وتكرار موضوعاتها، لكن أحدا لم يجرؤ على
التقليل من أهميتها؛ إذ تبدو مثل فيضان فيلمي في إفريقيا التي كانت تغلق
دور العرض.
البديل
الرقمي
يتحدث
تيكو بينسون عن أنه يلاقي صعوبة في عرض هذه الأفلام في نيجيريا، لكنه نجح
خلال فترة عمله في توزيع ما يزيد عن 48 فيلما تجاريا في جميع أنحاء العالم،
كما شارك في العديد من المهرجانات.
ويضيف
قائلا: نحاول من خلال أفلامنا أن نعكس وجه نيجيريا، ونتحدث عن قضايانا،
وننقد أوضاع الديمقراطية وكذلك الحكومات.. ونجحنا خلال الفترة الماضية في
صناعة جمهور مهتم بالسينما المحلية بديلا عن السينما الغربية.
وأثار
موضوع التمويل الغربي -وخاصة الفرنسي لإنتاج أفلام في دول إفريقيا
المختلفة- الرفض من قبل صناع السينما؛ إذ بررت باتريسيا رفضها لأنه إغراق
في الغربية وضياع للهوية الوطنية، ولهذا فهي تفضل أن تبحث عن مصادر تمويل
أخرى عامة أو خاصة حفاظا على نقاء المنتج الفني، خاصة مع وجود بديل الفيلم
الرقمي منخفض التكاليف فالفيلم المتوسط يتكلف حوالي 50 ألف دولار فيما يمكن
أن يحقق أرباحا كبيرة تصل إلى 150 ألف دولار وهو ما سيدعم صناعة السينما
ويدفع بعجلتها في البلدان الإفريقية التي لديها النية الحقيقية في إنتاج
سينمائي إفريقي خالص.
ومن هنا
كانت المطالبات المتعددة بدور مصر كرائدة للفن السينمائي في إفريقيا للقيام
بدور في دعم الفيلم الإفريقي في جنوب الصحراء، ومطالبات لرئيس المهرجان
الدكتور عزت أبو عوف الذي حضر الندوة بتبني الفيلم الإفريقي في المهرجان؛
وهو الأمر الذي وعد بترك توصية به لمن يخلفه في رئاسة المهرجان حتى يكون
ضمن أهداف المهرجان الأساسية.
ويعرض في
المهرجان خمسة أفلام من جنوب الصحراء هي: "سوف تمطر فوق كوناكري" من غينيا
كوناكري، و"مواسم الحياة" من مالاوي، و"أرض السائرين نياما" من موزامبيق،
و"وجوه متغيرة" من نيجيريا، و"زيمبابوي" من جنوب إفريقيا.
صحفية مصرية
إسلام أنلاين في 23
نوفمبر 2008
ليلة
أمريكية في افتتاح القاهرة السينمائي
هدى فايق
جاء
افتتاح الدورة الثانية والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي مساء الثلاثاء
18 نوفمبر الجاري عاديا برغم جهد منظميه لإخراجه مبهرا قدر الإمكان.. بداية
من استقطاب رجال أعمال كبار كرعاة، نهاية بالسجادة الحمراء التي امتدت على
طول أرض دار الأوبرا المصرية.. مرورا بدعوة عدد لا بأس به من نجوم هوليوود.
في دورة
تحمل عنوان عريض حول "حقوق الإنسان" في السينما وتحتفي بإسبانيا كضيف شرف
في برنامج خاص تحت اسم "تحيا إسبانيا" وتحاول رصد الإسلام من وجهة نظر
الغرب في فعالية خاصة بعنوان "الإسلام بعيون غربية".. في حين تحاول فتح باب
النقاش حول "عزلة السينما الإفريقية".. لتمثل حالة مهرجانية في الاحتفاء
بكل شيء.
يشارك في
الدورة الحالية 59 دولة من بينها 9 دول عربية تقدم 150 فيلما موزعة على
أقسام المهرجان المختلفة التي تضم ثلاث مسابقات رسمية، وهي المسابقة
الدولية للأفلام الروائية الطويلة، والمسابقة العربية، ومسابقة أفلام
الديجتال للأفلام الروائية الطويلة.. هذا بالإضافة للقسم الرسمي خارج
المسابقة، ومهرجان المهرجانات، وقسم التكريمات، وقسم الأفلام الإفريقية.
مارتين
ورمضان
عبّر فيلم
الافتتاح –العودة إلى حنصلة- عن ملامح الدورة المتعددة الأوجه فهو فيلم
إسباني (ضيف الشرف) يتحدث عن بطل إسباني يذهب إلى المغرب لأول مرة (الإسلام
بعيون غربية)، ويناقش قضية الهجرة غير الشرعية (حقوق الإنسان).. ربما ذلك
هو المبرر الوحيد لاختيار فيلم متوسط للمخرج الإسباني شوس بوتيريز.
الفيلم
الذي يحكي عن شباب قرية بسيطة بدائية بالمغرب يحلم شبابها صبية وفتيات
بالهجرة إلى إسبانيا برهان الوصول إلى الشاطئ الآخر أحياء وليسوا جثثا..
تبقى في الثلاجة لحين تسوق الصدفة وحدها أحدهم ليعيدهم مرة أخرى إلى وطنهم
الفارين منه.. يواريهم ترابه.
يبدأ
الفيلم بصاحب دار الجنازات الإسباني ويدعى مارتين والذي يواجه مشاكل مالية
وعائلية تضطره إلى محاولة الكسب من وراء إعادة جثث الشباب المغربي إلى
أهلهم فيلتقي ليلى التي دفعت بأخيها الأصغر ليلحق بها على إسبانيا، لكنه لا
يتمكن من النجاة فتعود به جثة هامدة إلى أهله.
وخلال
الرحلة يتعرف مارتين على المغرب والإسلام الذي لم يعبر عنه سوى بجملة واحدة
على مدى الفيلم "نحن في رمضان" تقولها ليلى عندما يدعوها للشرب معه أو شرطي
الحدود عندما تتعطل أوراقه في الجمارك؛ لأنه قد حان أذان المغرب أو العاملة
في الفندق حينما يطلب طعاما فلا يجد سوى شُرْبة.. أو حينما يحتاج لفنجان
قهوة بعد أن قضى ليلة في الصحراء لحظتها يقول لن آتي المغرب في رمضان مرة
أخرى.. وفيما عدا ذلك تبقى بقية الصورة التي رسمت لسكان القرية / المسلمين
نابعة من خصائصهم كسكان لمنطقة جبلية تحكمها أعراف القبيلة وليس الإسلام
ولهذا يبدو وجود قطاع الطريق عاديا.. كما أن تكاتفهم مع أسرة الفقيد لدفع
مقابل نقل الجثة من إسبانيا إلى حنصلة موقفا نابعا من عادة قبلية.
لتظهر
صورة الإسلام باهتة في الفيلم ومعادلة لصورة الشعوب النامية، الفقيرة، غير
المتحضرة التي ما زالت تركب الحمير وتعيش على المياه الجوفية.. لتصبح نهاية
الفيلم إنسانية جدا مع تقبل مارتين للآخر المتمثل في ليلى وقريتها حتى أنه
يقرر أن يساعدهم في نقل جثث مواتهم بتكاليف أقل.. بعد محاولته إثناء الشباب
عن المغامرة بالذهاب لإسبانيا عن طريق البحر.
الفيلم لم
يستسلم للأفكار المسبقة حول الهجرة غير الشرعية بل سرد الحكاية بتفاصيلها
دون أن ينحاز مع أو ضد ليصل بنا في النهاية إلى أن الهجرة أمر واقع لا
محالة، وكل ما علينا هو أن ننظر للأمر بعين إنسانية.. ربما لهذا السبب لم
تبدو مشاهد أهالي المفقودين صارخة الحزن.. جاءت متوسطة ومتوازنة.. وينتهي
الفيلم بأمل الوصول إلى الضفة الأخرى مع نجاح سعيد في ذلك.
من كواليس
الحفل
يشكل
تكريم هذا العام حالة غير مسبوقة في تجميع أكبر قدر ممكن من أسماء هوليود
المعروفة جماهيريا في حفل الافتتاح لتغدو الليلة أمريكية عن جدارة وهم:
الممثلة الأمريكية جولدى هون، والممثلة الأمريكية سوزان سارندون، والممثل
الأمريكي كيرت راسل، والممثلة الإنجليزية جوليا آرموند.
كما حضر
كل من الممثلتين الأمريكتين برسيلا بريسلي وإليشيا سلفرستون كضيوف
للمهرجان... ولم يستطع المهرجان تجاوز الهوس العربي ببطلي المسلسل التركي
"نور" فأتى بنور ومهند للمشاركة في حفل الافتتاح في محاولة لمغازلة
الجمهور.
فيما نال
التكريم من المصريين كلا من: الفنان محمود ياسين، والفنانة بوسي، ومهندس
الديكور نهاد بهجت، ومدير التصوير طارق التلمساني، والفنانة سميرة أحمد.
تأتي هذه
الدورة محملة بعبء مهرجانات الخليج التي أثارت الكثير من الجدل حول
إمكاناتها وقدرتها على تنظيم مهرجانات تأتي على قدم المساواة مع المهرجانات
العالمية.. برغم أنها لا تقدم سينما أو تحمل تاريخا كما مهرجان القاهرة.
هذا فضلا
عن تحفز الصحفيين المستثارين منذ الدورة الماضية والتي شهدت وقفة احتجاجية
منهم على معاملة المهرجان للإعلاميين، وربما الخوف من تكرار ذلك هو ما دفع
الدكتور عزت أبو عوف رئيس المهرجان إلى دعوة الصحفيين في مؤتمر عقده قبل
المهرجان بيومين دعاهم فيه إلى الحد من الانتقادات الموجهة للمهرجان
ومنظميه وراعيه على وجه التحديد.
لكن ذلك
لن يشفع له ما حدث من لبس في التنظيم لحفل الافتتاح الذي جاء كما لو أنه
ارتجالي لحد كبير.. مناسبا تماما لما قاله عمر الشريف الرئيس الشرفي
للمهرجان في كلمته الافتتاحية.. أجمل ما في مصر هم الفقراء البسطاء
الضاحكون دوما لأنهم مؤمنون بأن الله سوف يكافئهم إن لم يكن في الدنيا ففي
الآخرة.
ظهر ذلك
واضحا في الارتباك لحركة لجنة التحكيم على المسرح وكذلك الفنانين المصريين
الذين قدموا ضيوف المهرجان المكرمين.. وكانت أكثر وضوحا في حالة تقديم
الفنانين الأجانب للمكرمين المصريين فبدا الوضع أشبه بالمسرحية خصوصا مع
محاولة الجميع إبداء خفة ظله.
وكان شديد
الوضوح في خروج الجمهور من المسرح بمجرد انتهاء فقرة التكريم ليلقي وزير
الثقافة الإسباني كلمته وسط الضجيج والحركة على المسرح وفي الصالة.. ويضطر
الوزير المصري فاروق حسني بعدها إلى دعوة الفنانين الإسبان إلى المسرح
لتكريمهم.. بعد أن فات على المنظمين ذلك.
صحفية مصرية
إسلام أنلاين في 23
نوفمبر 2008
|