يتعرض
مهرجان القاهرة السينمائي منذ فترة طويلة، لانتقادات واسعة النطاق في
الصحافة والإعلام بشكل عام، داخل وخارج مصر. وكاتب هذا المقال من ضمن الذين
كتبوا مرارا عن سلبيات هذا المهرجان، وأشار إلى الكثير من نقاط ضعفه.
فلماذا كل هذه الانتقادات والكتابات؟
هل الذين
ينتقدون مهرجان القاهرة يرغبون مثلا في رؤيته قد اختفى من على وجه الأرض؟
أم هل يرغبون في إهالة التراب على "منجز" وطني مصري الأمر الذي قد يعتبره
البعض أقرب إلى "الخيانة" الوطنية، أو خدمة أهداف الأعداء المتربصين ليلا
ونهارا لمصر المسكينة المستهدفة في الداخل والخارج؟!
أم تراهم
يرغبون في صرف القائمين على أمر هذا المهرجان لكي يتولوا هم مسؤولياته
وتصريف أموره وكأن المسألة أساسا صراع على "الرزق" أو الوجاهة وحب الظهور!
الحقيقة
أن "مشكلة" مهرجان القاهرة السينمائي قائمة منذ سنوات طويلة. ليس لأن هناك
مؤامرة أو رغبة في الإساءة لصورة مصر، ولا رغبة في الحصول على مناصب أو
تكليفات من أي نوع، على الأقل بالنسبة لكاتب هذه السطور الذي ترك البلد بما
فيها منذ زمن "لأصحابها" بعد أن تيقن أن لا طائل من وراء العمل في إطار
نظام يعجز المرء من خلاله عن تحقيق طموحاته وآماله وأحلامه التي يرغب
ويتمنى أن يراها لبلده، فالمثقف المصري، مهما اغترب وطالت غربته، يظل يحلم
بالعودة إلى محيطه الطبيعي، ليعطي مما اكتسبه من معارف وخبرات إلى أهله
وناسه وشعبه.
ولكن ماذا
نفعل وأمامنا مشكلة تتضخم عاما بعد عام، وخطيئة ترتكب ويتم التستر عليها
بانتظام باسم مصر، على نحو يذكرنا بما اعتاد عليه الرئيس الراحل أنور
السادات الذي كان دائما ما يربط بين الانتقادات التي كانت توجه إلى
سياساته، وبين اسم مصر (كان رحمه الله، لا يفتأ يردد أن "مصر هي مصر" دون
أن يفهم أحد ماذا كان يقصد، فالمؤكد أن مصر ليست أمريكا بالطبع، وكان كثيرا
ما يذكرنا أيضا بأن "مصر لها أنياب وأظافر")!
أما مشكلة
مهرجان القاهرة السينمائي فتنبع من الأساس الواهي الذي يقوم عليه، إلا هو
مؤسسة حكومية تخضع بالكامل للدولة ممثلة في وزارة الثقافة، ولا هو مؤسسة من
مؤسسات المجتمع المدني تقدم خدمة عامة بدعم من الوزارة.
ويترتب
على ذلك أن هذا المهرجان كان ولايزال، يدار بطريقة الهواة والتجريبيين،
تسند رئاسته عادة إلى من لا علاقة لهم ليس بالإدارة عموما، بل ولا دراية
لهم أيضا بكل جوانب العمل في المهرجانات الدولية الكبيرة أو التي ترغب في
أن تكون كبيرة، ويعتمد على العمل الموسمي مثل عمال التراحيل والباحثين عما
يعرف بـ"السبوبة" السريعة دون أي جهد حقيقي أو ولاء أو حتى معرفة، بل يعتمد
الأمر على شللية خاصة، وعلى الولاء الشخصي، وتغليب مبدأ "كل واصمت"!
وحتى لا
يكون كلامنا عموميا، وحتى لا نتهم بأننا نكتفي بالانتقاد وبث الأحقاد (ضد
مصر ومهرجان مصر الذي يخوفنا به البعض) نحدد النقاط التالية التي نراها
ضرورية لإعادة النظر في سياسة المهرجان ودوره وتنظيمه وآلية عمله:
1- يجب
أولا وقبل كل شئ، وضع لائحة جديدة لهذا المهرجان بحيث تستبعد البنود
المضحكة التي تنص على "حق كل دولة بالمشاركة في المسابقة الرسمية بأكثر من
فيلم) وجعل المهرجان مهرجانا للمخرجين وليس للدول أو لشركات الإنتاج، على
غرار المهرجانات العالمية التي لا يكتب اسم الفيلم فيها مصحوبا باسم دولة
معينة، بل باسم المخرج والجهات الإنتاجية التي شاركت في إنتاجه، وقد تكون
من بلدان عدة.
2- اعتبار
المهرجان مؤسسة مستقلة تدعمها الدولة (مثل مؤسسة بي بي سي أو مركز الفيلم
البريطاني وهاتان التجربتان كان كاتب المقال قريبا منهما لأكثر من 20
عاما). وفي هذه الحالة يجب أن يتشكل للمهرجان هيكل إداري يواصل العمل طوال
السنة، وأن يتم التعيين في وظائفه بناء على مسابقات مفتوحة وبعد الإعلان
عنها في الصحف. ويجب تخصيص مقر صالح للمهرجان طول العام.
3- وزير
الثقافة هو الذي يقترح اسم مدير المهرجان ويكلفه بمباشرة مهام منصبه (يلغى
تماما منصب رئيس المهرجان على أن يكتفى بمنصب رئيس اللجنة العليا للمهرجان
يكون هو الوزير نفسه)، ثم يطرح الوزير الإسم المقترح على اللجنة العليا
للاقتراع عليه، وفي حالة الموافقة يتم التعاقد معه لمدة 4 سنوات قابلة
للامتداد لمدة أخرى فقط.
4- مدير
المهرجان هو المسؤول الأول والأخير عن اختيار الأفلام على أن تساعده في ذلك
لجان للاختيار ومستشارون لكن القرار النهائي له، لذا يجب أن يتمتع بالخبرة
والمعرفة ولا يشترط على الإطلاق أن يكون من الممثلين أو نجوم التليفزيون
والسينما، فهذا الأمر لا يحدث سوى في مصر فقط التي أضحت أضحوكة في هذا
المجال.
5- لا
يسمح بمشاركة اي فيلم لا تنطبق عليه شروط المسابقة: يجب أن يكون من انتاج
ما بعد يوليو العام السابق، أي لم يمض على إنتاجه أكثر من 6 أشهر. ولا يسمح
بعرض أفلام لا تصاحبها ترجمة عربية (اليكترونية) على أن تجهز الشاشات التي
تعرض أفلام المسابقة للجمهور لعرض هذه الترجمة.
6- وضع
نظام صارم لعرض الأفلام يفرض الالتزام بالمواعيد بدقة، وبالفيلم المحدد في
الجدول، ويفرض غرامات مالية باهظة على أصحاب دور العرض المتعاقد معها لعرض
أفلام المهرجان في حالة المخالفة.
7- تقليص
عدد الأفلام والأقسام داخل المهرجان بحيث لا تتجاوز 5 أقسام و80 فيلما
طويلا في كل الأحوال حتى يصلح عمل برنامج عملي لعرضها، على أن يتم عرض
الفيلم المشارك في المسابقة مرة للصحفيين ومرتين للجمهور فقط ولا يتم تجاوز
ذلك. وتعامل الأفلام على قدم المساواة.
8- تخصيص
قاعة مناسبة لعرض الأفلام على النقاد والصحفيين المصريين والضيوف تكون أيضا
مجهزة بآلات عرض الترجمة الاليكترونية باللغة العربية.
9- حظر
دخول كاميرات التليفزيون المصري إلى قاعات العرض لتصوير أجزاء من الأفلام
أثناء عرضها لما في ذلك من اعتداء صارخ على حقوق الملكية الفكرية ومظهر من
مظاهر الفوضى والتخلف، وإعداد اسطوانات (سي دي) تتضمن لقطات من كل الأفلام
المشاركة في المهرجان لا تتجاوز كل مجموعة منها (من فيلم واحد) أكثر من
دقيقتين لتوزيعها على ممثلي محطات التليفزيون بما في ذلك التليفزيون
المصري، ودعم المكتب الصحفي واعتبار وظيفة مدير المركز الصحفي للمهرجان
وظيفة عليا تلي في أهميتها منصب مدير المهرجان، وليس كما هو معتاد مجرد
منسق لتوزيع البطاقات والمطبوعات.
10-
التدقيق في الدليل الرسمي للمهرجان بحيث لا يتضمن ذكرا لأي فيلم لم تصل
نسخته بالفعل إلى المهرجان تمهيدا لعرضه، والاهتمام بتنظيم المناقشات
والندوات الصحفية التي تعقب عروض الأفلام، وتخصيص ترجمة فورية لها بعدة
لغات (العربية والانجليزية والفرنسية).
في حالة
تطبيق هذه النقاط بجدية، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية يمكن النهوض بهذا
المهرجان الذي أصبحت سمعته في الحضيض، وأصبح الكثيرون في الخارج يتندرون
بالقول "إنه يحتوي على كل شئ: الطعام الجيد، والنزهة الجميلة، والبلد
المضياف، لكنه يفتقر إلى شيئين فقط هما: النظام والسينما!
ولكن يبقى
سؤال آخر كبير: هل يمكن إدخال تغيير حقيقي على مؤسسة تخضع لكيان أكبر بات
يعاني من تخبط وحيرة وتشتت من يلفظ أنفاسه الأخيرة!
(المقال منشور في جريدة "البديل" المصرية
بتاريخ 17 نوفمبر)
عن مدونة "حياة في
السينما" في 17
نوفمبر 2008
|