قد يكون
للمهرجانات
الفنية طابعها الاحتفالي المميز وأهميتها في إتاحة الفرصة
لتلاقي الأفكار والثقافات
وإيجاد علاقة بين كل الإبداعات ليس على مستوى القطر الواحد ولكن على مستوى
الصعيد
العالمي كله، وإنما برغم هذه المزايا يبقى هناك ما ينقصها وهو ثقافة
المهرجانات
نفسها المتمثلة في حسن التنظيم واختيار التوقيتات الملائمة
والدقة في عرض ما يناسب
من
أفلام ومواد درامية وأغنيات، بحيث يكون المعروض على مستوى الحدث وجدير
بدخول
المسابقات والمنافسة على الجوائز، هذا الاستهلال له ضرورته في طرح ما هو
آت، إذ أن
الفترة القادمة وخلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) بالتحديد
سنشهد طوفان من
المهرجانات والكرنفالات والاحتفاليات تقام كلها في وقت واحد ودون تنسيق
مسبق كأنما
هناك اتفاق ضمني على ابتذال الفن كله دفعة واحدة فلا يتم التعويل عليه
كثيرا في
توسيع مدارك المواطنين المتابعين للحركة الثقافية أو هواة
السينما والمسرح والدراما
التليفزيونية وهي إشكالية جد خطيرة تتجلى ملامحها بوضوح في الشهر المذكور
على وجه
التحديد لكونه موعد اللقاءات المرتقبة فما كادت أصداء مهرجان المسرح
التجريبي تختفي
وتتوارى فرحة الحصول على مجموعة جوائز في الأداء والتكنيك، حتى
جاء مهرجان
الإسماعيلية للأفلام التسجيلية فانتقلت الكاميرات وتحول التركيز الإعلامي
كله ناحية
المدينة الساحلية الواقعة على شط قناة السويس وبدأ المهرجان
وانتهى فخسر من خسر
وظفر من ظفر وعاد الركب إلى القاهرة مرة أخرى ليتابع فعاليات ثلاثة
مهرجانات أخرى
تنتظر إشارة الإنطلاق أولها مهرجان الموسيقى العربية الذي أعلن مطربوه
الرئيسيون
علي الحجار ومحمد الحلو ومدحت صالح إعتذارهم عن عدم قبول
الدعوة بالمشاركة متعللين
بضيق المساحة الغنائية المتاحة لكل منهم وكثرة الأصوات المتسابقة وضعف
المقابل
المادي، وقد مثل الاعتذار المفاجيء ضربة مباغتة للمهرجان والقائمين عليه
فقل الحماس
بعد أن أحبطت محاولات الإقناع والاسترخاء التي كانت لا تزال
جارية حتى كتابة هذه
السطور، ومن الموسيقى إلى السينما لا يختلف الأمر كثيرا فلازلنا أمام معضلة
تزامن
أكبر مهرجانين مصريين هما مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بكل ما يحمله من
ميراث
وتاريخ ومهرجان الإذاعة والتليفزيون الذي سُمي منذ العام
الماضي بملتقى الإعلام
العربي وهي تسمية في غير محلها لأن الملتقى الإعلامي يكون عادة مقتصراً على
التداول
والمباحثات بين المعنيين بالشأن الإعلامي وهو عكس ما يقوم به المهرجان من
تفعيل دور
الدراما التليفزيونية وعرضها لتحظى بنصيبها من المشاهدة
والجماهيرية والجوائز بعد
اجتيازها اختبارات وشروط لجنة التحكيم، وبغض النظر عن المسمى والدور
والماهية تبقى
إشكالية التنافس عنصرا مؤرقا، لا سيما أن المسافة الزمنية الفاصلة بين
المهرجانين
لا تعدو أكثر من يومين وهو ما يخلق نوعا من التشتيت، حيث تنقسم
اهتمامات الإعلاميين
والفنانين والنجوم وتحدث المفاضلة بين الضيوف الوافدين فما كان مقررا
حضورهم مثلا
الى مهرجان القاهرة يولون وجوههم شطر الملتقى الإعلامي لحسابات تخصهم أو
العكس
بالعكس بما يسبب تفريغا لشعبية كل من الحدثين الكبيرين
المتلاحقين اللذين كانا
ينطلقان في دورات سابقة في توقيت واحد حتى تقدم رئيس مهرجان القاهرة عزت
أبو عوف
بطلب الى وزير الإعلام أنس الفقي راجيا تأجيل موعد بدء مهرجان الإذاعة
والتليفزيون
فاستجاب الوزير لكن ظل الفارق كما ذكرنا بين الموعدين قليل جدا
فبقيت المشكلة كما
هي
تزاحم وتظاهر وضجيج وأضواء ونجوم هنا وهناك دون تأثير حقيقي بما يشير إلى
وجود
سياسة فنية استهلاكية تقوم على الشكل وتتجاهل المضمون، برغم أن القائمين
على مهرجان
القاهرة حريصون كل الحرص على التمييز ويدفعون بقوة في هذا
الاتجاه، فلأول مرة يتم
فتح دور العرض أمام طلبة الجامعات ببطاقات خاصة بأجر رمزي مقداره 20 جنيها
للفرد كي
تتاح الفرصة للشباب للإطلاع على أحدث وأهم الأفلام العربية والعالمية كي
تنتشر
الثقافة السينمائية وتشرق شمس التنوير ويتبدد ظلام الجهل
والتطرف وهي خطوة واثقة
على طريق تصحيح المفاهيم وإذكاء الوعي، وليست هذه الميزة وحدها هي المتغير
في آليات
الدورة 32 للمهرجان وإنما سبقها إجراءات أخرى دخلت حيز التنفيذ من بينها
عودة سوق
الفيلم وتنشيط تجارته للقضاء على ظاهرة الركود المخيفة.
كما أن
لهذه الدورة حسنة
إضافية لم تكن موجودة من قبل وهي إقامة معرض للصور
الفوتوغرافية التي تتضمن لقطات
من
أفلام قديمة وبورتريهات لنجوم كبار من مختلف الأجيال تم الحصول عليها في
أرشيف
المصور الراحل حسين بكر وسوف يقام المعرض بحديقة الرواد على
شاطئ نهر النيل ليكون
متاحا للجمهور العادي مشاهدته والاستمتاع به، كل هذه المزايا والخصائص تجعل
الانحياز لمهرجان القاهرة السينمائي منطقيا لأنه الأقدم والأعرق والأجدى،
ولا يعني
هذا الرغبة في نفي مهرجان الإذاعة والتليفزيون أو تقليص نشاطه
ولكنه يعني بالدرجة
الأولى الإحاطة بأهمية السينما والكف عن محاربتها بمهرجان آخر شقيق حديث
السن
والخبرة وليس له صفة دولية كما لمهرجان القاهرة السينمائي، خاصة أن واقع
السينما
المصرية يحتاج إلى الدعم والنهوض وليس الحرب والمناهضة، ويكفي
أن نؤكد أن لمهرجان
القاهرة السينمائي أعداء يتربصون به في الخارج فلا أقل من أن نحميه من عدو
الداخل،
ولنا في الحروب الإسرائيلية الباردة والساخنة مثالا وعظة.
القدس العربي في 5
نوفمبر 2008
|